رأي

رامي زهدي يكتب.. «مادلين.. حين تُقتل روح الإنسانية في عرض البحر”»

"لا تخافوا... ولا تتوقفوا.

في جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الملطخ بالانتهاكات والدم، أقدمت قواته فجر اليوم على الاعتداء الآثم على سفينة المساعدات الإنسانية “مادلين”، التي كانت تبحر ضمن “أسطول الحرية” باتجاه قطاع غزة المحاصر، حاملةً الأمل والغذاء والدواء، في مهمة إنسانية خالصة تعجز عنها حكومات وتتقدم لها ضمائر حرة.

لقد اختارت إسرائيل مرة أخرى أن تقف في مواجهة الإنسانية، وأن تُعلن نفسها بلا مواربة عدوًا لكل من يحاول كسر الحصار أو إيصال قطرة ماء أو شحنة دواء إلى أطفال غزة. ففي استعراض فج للقوة، اعتلت قوات الاحتلال السفينة المدنية “مادلين”، واحتجزت طاقمها، وحوّلت مسارها قسرًا إلى ميناء أشدود، في انتهاك صريح وفاضح لكل ما هو قانون وأخلاق ومواثيق دولية.

ما حدث ليس مجرد قرصنة بحرية، بل عمل عدواني يرقى إلى مرتبة الجريمة الدولية، تمّ على مرأى ومسمع من العالم، ليكشف الوجه العاري لهذا الكيان الذي لم يعد يكتفي بحصاره البري والجوي، بل يطارد حتى الزوارق الصغيرة التي تحمل على متنها ضمائر العالم الحية.

سفينة “مادلين” لم تكن تملك سلاحًا، لكنها كانت محمّلة بقوة لا تُقهر: قوة الضمير العالمي. كانت تحمل ناشطين من أوروبا وأمريكا والعالم العربي، جمعتهم الإنسانية، ووحّدهم الإيمان بعدالة قضية شعب محاصر منذ أكثر من عقود، يتعرض يوميًا للقصف والتجويع والتهجير.

اليوم، تحوّلت “مادلين” إلى شاهد جديد على الهمجية الإسرائيلية. صارت عنوانًا للوحشية المقنّعة بذرائع الأمن، وأيقونةً لصراع لا متكافئ بين الاحتلال المدجج بالسلاح، وقلوبٍ مؤمنة بعدالة القضية لا تملك غير إرادتها.

ولأن الجريمة كانت كاملة الأركان، فإن الصمت الدولي حيالها كان كالعادة كاملاً أيضًا. صمتٌ مُخجل، تتحمّل مسؤوليته الكاملة مؤسسات المجتمع الدولي، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي تقف عاجزة أو متواطئة أمام مسلسل الجرائم المستمرة بحق الفلسطينيين وداعميهم حول العالم.

إننا، إذ ندين بأشد العبارات هذا الاعتداء الجبان، نحمّل هذا النظام الدولي المترهّل مسؤولية استمرار دولة الاحتلال في استخدام القوة بلا حسيب أو رقيب، واستهتارها الكامل بكل قوانين البحار، واتفاقيات جنيف، وشرائع حقوق الإنسان.

وندعو في هذا السياق إلى تضامن عالمي لا لبس فيه مع طاقم “مادلين” وجميع المشاركين في “أسطول الحرية”، وتأكيد أن السكوت عن الظلم هو خيانة للإنسانية.

وإلى إطلاق حملة دولية لحماية السفن الإنسانية المتجهة إلى غزة من قرصنة الاحتلال، إضافة إلي فرض آلية دولية عاجلة لمساءلة إسرائيل بوصفها دولةً مارقة تنتهك القانون الدولي وتستهدف الإغاثة والمدنيين.

وكذلك إلى الاستمرار في تنظيم أساطيل الحرية، حتى يدرك الاحتلال أن محاولات الترهيب لا توقف الشرفاء، ولا ترهب الضمائر الحرة.

ونوجّه هنا، من قلب هذا المشهد الجارح، رسالة مفتوحة إلى أحرار العالم، إلى الشعوب الشريفة، إلى كل من لا يزال يؤمن بأن الإنسانية لا تُقصف ولا تُعتقل:

“لا تخافوا… ولا تتوقفوا.”

فإذا أوقفوا “مادلين”، فلن تتوقف العدالة.
وإن أوقفوا ألف “مادلين”، فستولد ألف روح جديدة تبحر نحو غزة، نحو الحرية.
لا تركنوا إلى الصمت، فالصمت قاتل.
ولا تسمحوا للاحتلال أن يختطف سفن الرحمة من البحر، كما اختطف الأرض والهواء والكرامة من البر.

إن استمرار الاحتلال في هذا النهج العدواني يُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنه لا يخشى فقط السلاح، بل يخشى الكلمة، ويخشى القلوب التي تنبض بالحق، ويخشى أن يعلو صوت الإنسانية على صوت مدافعه.

وإننا إذ نجدد دعمنا الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف او التبديل او للتبديد، نؤمن بأن معركة العدالة لا تُخاض فقط في ميادين المقاومة، بل تُخاض أيضًا بالمواقف الحرة، والوقوف الشجاع ضد الاحتلال والعنصرية وانتهاك الكرامة الإنسانية.

“مادلين” لن تغرق في صمت العالم، بل ستطفو في ذاكرته كنداء لا يُنسى.
ستبقى تذكارًا أن البحر لم يعد فقط طريقًا للموت، بل طريقًا للكرامة… لمن يجرؤ.

وستظل “مادلين”… أيقونةً لا تُنسى، تذكّرنا بأن طريق غزة، وإن طال، هو طريق الحرية.

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى