د. محمد جبريل العرفي يكتب.. التحالفات والتحييد بين وحدة الهدف ووحدة الصف
عندما يخمد الصدام المسلح يبدأ صراع من نوع آخر، أدواته السياسة والحيلة والتفاوض، لا تخرج تصنيفات الذين في المشهد (في أي صراع) عن ستة تصنيفات هي (شركاء، حلفاء، محايدون، منافسون، خصوم، أعداء)، الحصيف من يسعى لتقليل من هم في آخر القائمة لصالح من هم في أولها، أي السعي لتحويل الأعداء إلى الخصوم، والخصوم إلى منافسين وهكذا إلى أن يتحول الحلفاء إلى شركاء. والغشيم هو من يعمل العكس، أي يفرط في الشركاء فيصبحوا حلفاء الذين قد يدفعهم هذا التفريط للتحول إلى محايدين ومنها إلى منافسين، وقد يصلون إلى درجة الأعداء.
إذا كان هناك اختلاف على الهدف، تصبح وحدة الصف مظهرا نفاقيا مخادعا، مثلما حدث في اجتماع الخرطوم فتم رفع شعار وحدة الصف، أي خلق هدنة إعلامية ومخابراتية. لأنه بعد نكسة 67 واهتزاز راية القومية العربية ارتفعت رايات التكفير والظلامية والتبعية وسادت قيم البترودولار، الصف غير مضمون التوجه لأنه يخضع للإيعاز من خارجه.
في ليبيا تيارات المشهد مصابة بداء الدعوة لوحدة الصف، أي حدوث تحالفات أو اصطفافات مؤقتة، متفقة ومتوحدة شكليا وتكتيكيا، ومختلفة ومتناقضة واقعياً واستراتيجيا.
فمثلاً وحدة الصف بين المقاتلة وعائلة (الدبيباتشيلد) والتمترس داخل طرابلس واختطاف المصرف المركزي، يظهر أنهم وحدوا صفهم، لكن كل عنده هدف مختلف، المقاتلة تسعى للتمكين وحكم ليبيا من قبل أتباع بن لادن. يستخدمون في ذلك دستور التوحش في تلميع ميليشيا 444 وتقديم أميرهم وكأنه رجل عصري، لينقض التنظيم على مفاصل الدولة ويحولها إلى إمارة إسلامية. هذا التنظيم استولى على الرئاسي والمصرف المركزي ولم يتبق إلا الاستيلاء على الحكومة وتفتيت الجيش. وفي المقابل عائلة (الدبيباتشيلد) هدفها إطالة عمرها في حكم ليبيا لتنهب أكبر قدر من أموال الليبيين، أو الاستمرار في تكديس المال الحرام من تجارة المخدرات والهجرة غير القانونية ومافيات الجريمة المنظمة. هذا اصطفاف مؤقت وتوحيد للصف في مواجهة بقية الليبيين، ولكن إن انتهت المواجهة لصالح هذا الصف فستنقلب المقاتلة على عائلة (الدبيباتشيلد)، لأن المقاتلة تنظيم أيديولوجي (والدبيباتشيلد) مجرد عصابة نهب.
الجهة الوحيدة التي حددت هدفها بوضوح ولم تتراجع عنه هي القوات المسلحة العربية الليبية، فمنذ انطلاق ثورة الكرامة عام 2014 كانت الأهداف واضحة، وهي تطهير ليبيا من الإرهاب، واستعادة سيادة الوطن، ومنع التدخل الأجنبي في شؤونه، وحماية حدوده، تحالفت القوى الوطنية مع القوات المسلحة من أجل هذا الهدف، بل إن البعض سعى أن يكون شريكا فيه.
وفي الطريق لذلك حدثت اصطفافات ووحدة صف. الزمن كفيل بإظهار حقيقتها، هل هي من أجل الوطن أم مجرد اصطفاف وتوحيد صف وجسر عبور لأهداف مختلفة؟ ولا يستبعد إن نجح هذا الصف ستحدث انشطارات في داخله قبلية أو جهوية أو سياسية، فقد تتأخر عملية توحيد القوات المسلحة وبقية المؤسسات، وقد يؤجل حلم الليبيين في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية يشارك فيها الجميع ترشيحا وانتخاباً. وهذا يصب في مصلحة من هدفه إطالة الأزمة لكون وجوده ينتهي بانتهائها.
على القوة الوطنية أن تسعى لتوحيد هدفها، وألا تنخدع بالدعوات لتوحيد صف هش، أي أن توحيد الصف سيكون مفيدا وفاعلا إن كان الهدف استعادة ليبيا وطناً للجميع آمنا ومستقلا ومسؤولا والسيادة فيه لشعبه. ليبيا الرافعة لراية الوحدة العربية، والبانية للولايات الأفريقية المتحدة، ليبيا العدالة الاجتماعية، ليبيا الحرة القوية المدافعة عن الحرية في كل مكان. ليبيا الإسلام النقي الطاهر الخالي من التكفير والظلامية والدروشة والخرافات.
أما إذا كان الهدف تمكين فرد أو قبيلة أو جهة من حكم ليبيا، أو استنساخ أنظمة مأزومة أو تكرارا لتجارب فاشلة، أو الانتقام والثأر، أو الجري وراء مشروع وهمي، أو الوثوق بعدو تاريخي، فإن وحدة الصف ستصبح كمخدر للجماهير أو كمسكن مؤقت بمثابة تأجيل لصراع حتمي.
ما يفرق وحدة الهدف عن وحدة الصف هي الأجندات المخفية، والأساليب الالتفافية، ونكث العهود والمواثيق، ولنا في ذلك تجارب مرة.
على القوة الوطنية أن تصطف مع شركائها في المصير، وألا تنخدع بخطابات التقية التي يبثها أعدائها التاريخيون.
مهمة القوة الوطنية تجذير الوعي، ومنع استغفال الجماهير وعرقلة جرها إلى مواقف تظهر وكأنها بريئة، ولكن في حقيقتها مخادعة، مصلحية شخصية. وعلى القوة الوطنية أن تكون مستعدة لدفع الثمن من مضايقات وملاحقات وشيطنة وتشويه، فإن لم تتصد لذلك فسيكون الثمن أفدح وهو ضياع وطن لعقود طويلة، ومعاناة أجيال عديدة. ويبقى الحل الجذري ثورة شعبية تحميها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.