الرئيسيةدراساتسياسية

لماذا يعتبر الأفارقة الصين” صديق مخلص؟ «دراسة»

"العلاقات الصينية الإفريقية.. شراكة عادلة ومصالح متبادلة"

إعداد: رامي زهدي- خبير الشؤون الإفريقية، رئيس وحدة الدراسات الإفريقية وعضو الهيئة الإستشارية لمركز العرب للأبحاث والدراسات

في عالم متخم بالصراعات بشكلها التقليدي والغير تقليدي وفي أجواء حرب عالمية وإن لم تكن بالمعني الحرفي الدقيق فإنها علي الأقل في وضع أشبه تماما بحرب عالمية وصراع إقتصادي عنيف و دوائر للتنافس الدولي ومحاولات فرض النفوذ والهمينة، وسط كل ذلك بدت إفريقيا ركن أصيل ومحور مؤثر في كل صراع، لكن الصين إلتفتت منذ عهود قريبة نسبياََ للأهمية الإستراتيچية والإقتصادية للقارة الإفريقية وبالتالي إستطاعت الصين عبر فترات زمنية طويلة بسط يد التعاون البناء مع القارة الإفريقية للدرجة التي جعلت الشعوب الإفريقية في معظمها تعتبر الصين صديق مهم إن لم تكن الصديق الأهم لها، لأن الصين علي عكس قوي غربية أخري ركزت جهودها علي مصالح الشعب أكثر من التركيز علي العلاقات مع الأنظمة الحاكمة والتداخل السياسي ولم تحاول الصين التدخل في إرادة الشعوب الإفريقية او تقديم نفسها كقوة سياسية مؤثرة ووضعت جل جهودها في الجانب الإقتصادي والتنموي سواء للشعب الصيني أو للشعوب الإفريقية، هو ما وضع الصين في مقدمة القوي العالمية الكبري المتداخلة في الإقتصاد الإفريقي بالإضافة للجوانب الإستراتيچية والعسكرية.

الصين أفريقيا صديق مخلص

“تاريخ العلاقات الإفريقية الصينية”:
توصف العلاقات الإفريقية الصينية بأنها علاقات قديمة حديثة متجددة دائمة عبر العصور، بينما بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية، حيث أقامت الدولة الحديثة لجمهورية الصين الشعبية روابط اقتصادية قوية مع أفريقيا منذ القرن الحادي والعشرين، والأن هناك ما يقدر بمليون مواطن صيني علي الأقل يقيمون في أفريقيا، يعملون في قطاعات مختلفة ابرزها التجارة البينية والمشروعات التنموية الكبري خاصة مشروعات البنية التحتية، وبالتوازي تشير التقديرات إلى أن أكثر من 200 ألف أفريقي يعملون في الصين في مجالات مختلفة.

“المشهد الحالي للعلاقات الإفريقية الصينية”:
تنامت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700% خلال تسعينيات القرن العشرين، وتعد الصين حاليا أكبر شريك تجاري لأفريقيا، و تأسس منتدى التعاون بين الصين وأفريقيا في أكتوبر عام 2000 كمنتدى رسمي لتعزيز العلاقات بشكل وثيق، و برز الدور الصيني في المشهد الإفريقي بشكل واضح تمثل في حجم استثمارات كبير جدا خاصة في مشروعات الطاقة والتنمية المستدامة ودعم الصناعات الوطنية الإفريقية وتوطين نظيرتها الصينية في القارة الإفريقية، وأصبحت الصين بما لايدع مجالا للشك أهم قوي العالم الخارجية الدافعة لعجلة التنمية في القارة الإفريقية، بينما بلغت قيمة التجارة البينية بين إفريقيا والصين 187 مليار دولار في عام 2020، لتصبح الصين أفضل شريك تجاري لأفريقيا، على امتداد 12 سنة متتالية، وايضا هي الدولة المانحة الأولي للمنح التنموية لدول القارة الإفريقية والدائم الأكبر لدول القارة، وأصبح التعاون بين الصين وأفريقيا نموذجًا للنهوض الآسيوي والأفريقي والتعاون بين الجنوب والجنوب, والإعتماد علي الذات ومواجهة تحديات مشتركة فتعززت العلاقات التجارية والاستثمارية بين الصين والدول الإفريقية ، فعلى الجانب التجارى ، أصبحت الصين ومازالت أکبر شريك تجاري مع إفريقيا ، حيث سجلت التجارة الصينية مع أفريقيا نمواً سريعاً منذ عام 2000 ، وارتفعت تجارة الصين مع أفريقيا بنسبة 14٪ على أساس سنوي، لتصل إلى 170 مليار دولار أمريکي عام 2017 ، واستمرت وتيرة النمو السريع حتى النصف الأول من عام 2018، حيث قفز حجم التجارة بنسبة 16% إلى ما يقرب من 100 مليار دولار ، وفى عام 2020 بلغ حجم التبادل التجارى بين الجانبين نحو 187 مليار دولار . کذلك الحال بالنسبة لمجال الاستثمار ، حيث بلغ الاستثمار الصيني السنوي المباشر في أفريقيا نحو 4.2 مليار دولار في عام 2020 ، والتي شملت مجالات مثل التصنيع، والمجال الزراعي، والبنية التحتية، والخدمات المالية، والتنمية الخضراء، وتيسير التجارة والاستثمار، والحد من الفقر، والرفاهية العامة، والصحة العامة، حتي أنشطة الأمن والدفاع ظهرت فيها الصين بقوة أيضا

“دعائم قوية لعلاقات إفريقية صينية أكثر تشابكاََ وعمقاََ”

بدا ان العام 2000 كان عاماََ فارقاََ في مسار العلاقات الصينية الإفريقية، حيث تم تأسيس المنتدى الصيني الأفريقي للتعاون عام 2000، ليعلن مرحلة جديدة من التعاون الصيني الأفريقي الذي تنامي خلال أکثر من 60 عامًا.
ظهر منتدي التعاون الصيني الإفريقي من أجل ترسيخ وتطوير علاقات التعاون “الصيني – الإفريقي” القائمة، ودفع إقامة نظام دولي وسياسي واقتصادي جديد، کانت مصر من أولى الدول الإفريقية التي تشاورت مع الصين لإنشاء المنتدى، ويعقد المنتدى کل 3 سنوات في الصين وإحدى الدول الإفريقية بالتناوب. ويعد المنتدى آلية تشاور وحوار جماعي هام بين الصين والدول الإفريقية، وهو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات “الصينية – الإفريقية”، وکخطوة کبرى موجهة للمستقبل يقوم بها الجانبان في سياق التعاون “الجنوبي – الجنوبي”؛ للسعي إلى التنمية المشترکة في الوضع الجديد ومواجهة التحديات المشتركة

من جوانب القوة للموقف الصيني، أن الصين أيضا لم تمتلك تاريخ استعماري في القارة الإفريقية وبالتالي خلت العلاقات الصينية الإفريقية من جوانب التخوف او الحساسية علي عكس علاقات إفريقيا بقوي الإستعمار التقليدية مثل بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، بليجيكا، ألمانيا، البرتغال ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية.

الصين أفريقيا صديق مخلص

وبالتالي تركزت دعائم العلاقة التشاركية هنا علي أطر ثلاثة، الإطار الأول تمثل في التدفقات التجارية بين الطرفين ، الإطار الثاني تمثل في تدفقات الاستثمار الصيني المباشر ، بينما مثل الإطار الثالث شكل التدفقات من المساعدات المالية والقروض والمنح والتي آثرت كثرا في حياة الشعوب الإفريقية في وقت كانت إفريقيا تواجه فيه أزماتها منفردة دون دعم العالم.

” لماذا يعتبر الأفارقة أن الصين صديق مخلص؟ “
نسب كبيرة عديدة من الشعوب الإفريقية إختارت الصين كأهم صديق مخلص للقارة وذلك من خلال استطلاعات رأي ودراسات أفادت بأن نسبة 58٪ من العينات المختارة، تري أن الصين الصديق المخلص وربما الوحيد للقارة الإفريقية بالمقارنة بقوي العالم الخارجية الكبري خاصة ذات التاريخ الإستعماري السابق للقارة الإفريقية، وربما ترجع هذه الرؤية لبعض او كل الأسباب التالية، أولا منهج الصين القائم على منهج «عدم إملاء الشروط السياسية»، واعتماد منهج تفاعل اقتصادي قريب من المنهج التقليدي الغربي في النشاط الاقتصادي مع إفريقيا لقي قبولاً لدى القادة الأفارقة لعدة أسباب؛ منها تاريخ الاستعمار ورغبة إفريقيا في حماية فعالة لاستقلالها السياسي، کذلك تفضيل القادة الأفارقة لأنظمة وسلطات سياسية مرکزية، وليس مثل الأنظمة الغربية القائمة على النظام الديمقراطي التفويضي الذي تفضله الحکومات الغربية، واخيراً هو ما تعرضه الصين على القادة الأفارقة من مسارات بديلة للتنمية، ليس فيها مجال للهيمنة الخارجية، بمعني ان حجم التداخل الصيني في السياسات الإفريقية وأنظمة الحكم محدود نسبياََ، ثانيا وعد الصين بشراکة تحقق «الکسب للجميع»، خاصة عزم الصين على الاستثمار والدعم في مجال التنمية في البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا التى تعانى من عجز کبير في البنية التحتية، وخاصة في الطرق ، والجسور، والموانئ، والمستشفيات، والمدارس.. إلخ. ويدل تعهد الصين بالاستثمار في هذا المجال على أنها تستجيب لاحتياجات الدول الإفريقية التنموية، وفي مقدمة هذه المشروعات طريق الحزام والطريق الذي تعول عليه كثيرا الصين لدعم حركة تجارتها سواء مع إفريقيا او مع العالم، ثم ثالثا اعتماد الصين لمنهج فريد في تقديم المعونات التنموية والتمويل، حيث تمزج بين المنح الخاصة، والقروض الخالية من الفوائد ( القروض التفضيلية ) ، والقروض الامتيازية لتمويل المنح الدراسية، وبناء منشآت البنية التحتية وتجهيزات الاتصالات، وبناء القدرات في مجال الزراعة والتعدين.

أيضا مما يقوي التواجد الصيني في إفريقيا هو الأهداف الاقتصادية القوية والواقعية للتواجد الصينى فى أفريقيا، حيث أطلقت الصين کثيراً من المبادرات لتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع القارة الأفريقية، من بينها : استراتيجية جديدة للتنمية في أفريقيا عام 2001، وخطة عمل لتسريع التنمية الصناعية في أفريقيا عام 2007 ، وخطة تنمية البنية التحتية في أفريقيا عام 2013 ، ودعم رؤية أفريقيا 2063 لتعزيز وجودها الاقتصادي والتجاري بالقارة الأفريقية، ويظل محوى البحث عن الموارد الطبيعية فى أفريقيا الداعم الأبرز لقوة الترابط الصيني الإفريقي، حيث تشير التقديرات إلى أن إفريقيا تحتوي على 90٪ من إجمالي إمدادات العالم من البلاتين والکوبالت ، ونصف إمدادات الذهب في العالم ، وثلثي المنجنيز في العالم ، و 35٪ من اليورانيوم في العالم . کما أنه يمثل حوالي 75 ٪ من الکولتان في العالم ، وهو معدن مهم يستخدم في الأجهزة الإلکترونية ، بما في ذلك الهواتف المحمولة. کما أنها تمتلك امکانيات هائلة فى المجال الزراعى تؤهلها لأن تصبح سلة للغذاء العالمى . فضلاً عن الموارد المائية اللازمة للزراعة ، حيث يجرى بها 13 نهرا ، کذلك مخزون مياة الأمطار والمياه الجوفية . يضاف الى ذلك تنوع اقاليمها المناخية مما يجعلها بيئة ملائمة لزراعة العديد من المحاصيل خاصة فى ظل وجود أراضى زراعية صالحة تمثل نحو 35% من مساحة القارة لا يستغل منها سوى 7% منها فقط ؛ وبالتالى يعتبر الاستثمار فى المجال الزراعى من أفضل الخيارات التى تقدمها افريقيا لدول العالم ومنها الصين .

كذلك تعي الصين جيدا الحاجة المتزايدة للموارد الطبيعية وأسواق المواد الغذائية والمنتجات الضرورية للنمو الاقتصادي المستمر، ومن هنا بدأ الترکيز على إفريقيا الغنية بالموارد ، حيث تمثل استثمارات التعدين حوالي ثلث إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة للصين ، لرغبتها فى تأمين قاعدة صلبة من المواد الخام الحيوية تعزز اقتصاد الصين لعقود قادمة . ومن هنا جاء التزود بالثروات الطبيعية من أهم أهداف التوجه الصيني نحو القارة الأفريقية، وخصوصاً الطاقة ؛ ففي سنة 2013 أصبحت الصين ثاني أکبر دولة مستوردة للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريکية، فهي تستورد قرابة سبعة ملايين برميل نفط يومياً، وبتزايد حاجاتها للنفط بمعدل 30 % سنوياً. وتأخذ الصين ما يقارب ثلث حاجاتها من النفط من أفريقيا، ويتوقع أن يزداد اعتمادها على استيراد النفط من القارة في السنوات القادمة‏ ؛ لذلک حلت أنجولا محل السعودية کأکبر مزوِّد للصين بالنفط على المستوى الدولي، حيث تمدها بنحوـ 15% من کل وارداتها النفطية. کما أن للصين أنشطة نفطية في الجزائر، وتشاد، والسودان، وغينيا الاستوائية، والکونغو، ونيجيريا .

کما عملت الصين على شراء حصص کبيرة في منطقة دلتا النيجر، ففي أوائل عام 2007 أعلنت شرکة النفط البحرية الوطنية الصينية شراءها حصة نسبتها 45 % من حقل نفط وغاز نيجيريا، واشترت أيضاً ما نسبته 35 % من ترخيص للاستکشاف في دلتا النيجر بالإضافة إلى الاستثمارات الصينية في هذا المجال بأنجولا‏ . وقد أشارت بعض الدراسات فى مجال الطاقة إلى أن الاستهلاك الصيني للنفط من المتوقع أن يرتفع في الأمد القريب إلى الضعفين، حيث يرتفع الاستهلال الفعلي من نحو 4.2 مليون برميل يومياً من النفط عام 1997 إلى نحو 9.5 مليون برميل يومياً في عام 2020، مقابل ظهور فجوة کبيرة في الطلب الصيني على النفط والغاز الطبيعي بسبب النقص الوارد في الاحتياطيات المحلية من الطاقة ، وهو ما يضطرها إلى رفع معدلات البحث والتنقيب عن مخزونات جديدة في أعماق أخرى من المياه الإقليمية لبحر الصين الجنوبي، وعلى مدى العقد الأخير، تزايدت واردات الصين من أفريقيا من کل المواد الخام، باستثناء الحديد، بقدر أکبر من زيادة وارداتها من بقية أنحاء العالم . فقد سعت الصين إلى توقيع عقود احتکار استخراج واستغلال خامات: الکوبالت، والتنتاليم (التي تستخدم في عمليات تصنيع الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب)، والفحم، واليورانيوم، والذهب، والمنجنيز، والألماس، والزنك مع حکومات کل من الکونغو، ونيجيريا، وزامبيا، وکينيا، والسنغال، ومصر، والجزائر، وتشاد، وإثيوبيا. وقدرت قيمة هذه العقود بنحو 29 مليار دولار، بتمويل من بنك التنمية الصيني.

ومن الأولويات الهامة للصين في إدارة علاقتها بإفريقيا هي أهمية فتح أسواق أفريقية جديدة للمنتج الصيني وفي المقابل دعم الصادرات الأفريقية نحو الصين، ألغت هذه الأخيرة ابتداءً من سنة 2012 الرسوم الجمرکية لما يقرب من 60 %من صادرات 30 دولة أفريقية لها علاقات دبلوماسية مستقرة معها‏. وتبقى العلاقات التجارية بين الصين وأفريقيا مرکزة مع عدد قليل من الدول الأفريقية؛ فنحو 60 %من الصادرات الصينية موجهة إلى ست دول أفريقية فقط، وهي جنوب أفريقيا، ومصر، ونيجيريا، والجزائر، والمغرب وبنين؛ في حين أن 70 %من الواردات الصينية تأتي من أربع دول، وهي أنجولا، وجنوب أفريقيا، والسودان، وجمهورية الکونغو .

الصين أفريقيا صديق مخلص
لا يمكن فصل الدوافع السياسية والأمنية بالنسبة للتواجد الصيني في القارة الإفريقية عن الدوافع الإقتصادية حيث تعد القارة الأفريقية أرض خصبة لتوسيع النفوذ الصينى السياسي ، حيث تعتبر الصين هي بالفعل القوة البارزة في اسيا ، وقد تمکنت من الوصول إلى العناصر الاقتصادية الأساسية فى أفريقيا مثل قطاع المرافق والاتصالات في الدول الأفريقية ، مع تطوير نفوذها العسکري ، فإنها تمتلك أيضًا تحالفًا سياسيًا کبيرًا في تلك الدول . ولأن التزود بالموارد الطبيعية الأفريقية، وخصوصاً الطاقية منها، باتت من مرتکزات الأمن القومي الصيني؛ فمن الطبيعي أن نشهد حماية صينية لمناطق نفودها بهذه القارة، سواء عبر المشارکة في عمليات حفظ السلام المنتشرة ببعض الدول الأفريقية ( ليبيريا، الکوت ديفوار، جنوب السودان، السودان، الکونغو الديمقراطية) ، أو عن طريق توريد السلاح؛ فقد استوردت أفريقيا 13% من الصادرات الصينية من الأسلحة التقليدية خلال الفترة من العام 2007 الي 2021 التي بلغت قيمتها المالية 6462 مليون دولار .

أيضا هناك 33 من أفقر الدول في إفريقيا وجهت نحو 97٪ من صادراتها إلى الصين بدون تعريفات جمرکية أو رسوم جمرکية. کما أن التجارة الإقليمية الناجحة الموقعة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التى أعلنتها افريقيا فى يناير 2021 ، ستربط بين الدول الأکثر ثراءً وفقرًا في المنطقة ، وتعزز نمو سلاسل القيمة وتضع الأسس لزيادة التجارة الدولية ، لذا فمن المتوقع أن يتم تعزيز العلاقات التجارية القوية الحالية التي تتمتع بها الدول الأفريقية بالفعل مع الصين والشرکاء التجاريين الرئيسيين الآخرين، بعد أن أصبحت الصين مقصد لنحو 15 إلى 16 % من صادرات أفريقيا جنوب الصحراء ، ومصدر ما بين 14 إلى 21 % من واردات المنطقة ، وکان اکبر حجم لواردات الصين من افريقيا من دول انجولا ، وجنوب افريقيا ، ثم جمهورية الکونغو الديمقراطية ، بينما کانت اکثر الدول الافريقية استيرادا من الصين کل من جنوب افريقيا ونيجيريا ومصر.

وتتکون معظم صادرات أفريقيا إلى الصين من النفط ومشتقاته ، ففي عام 2019 ، استحوذت منطقة جنوب الصحراء الکبرى على أکثر من 16 % لمائة من إجمالي النفط الخام الذي استوردته الصين ، ونما حجم صادرات خام أفريقيا جنوب الصحراء إلى الصين بأکثر من 100 % بين عامي 2008 و 2019 من 0.7 مليون برميل يوميًا في 2008 إلى 1.5 مليون برميل يوميا في عام 2019. ، کذلك مواد التشحيم ، والمعادن مثل ( اليورانيوم والألومنيوم والزنك والفوسفات والنحاس والنيکل والذهب ) ، وکذلك بعض السلع الزراعية مثل (الأخشاب والمطاط والقهوة والقطن والکاکاو والأسماك والکاجو) . فى الوقت الذى تتنوع فيه وارادات أفريقيا من الصين، حيث تمثل الاجهزة الاليکترونية والالات ومعدات النقل الحصة الأکبر ، يليها السلع الاستهلاکية خاصة المنسوجات والملابس. وأهم ما يميز تلك السلع الصينية انها أقل تکلفة من السلع المماثلة فى دول الاتحاد الاوروبى مما يجعلها اکثر جذباً وطلباً فى افريقيا.

علي نطاق المساعدات والمنح والقروض بين الصين وأفريقيا تحترم الصين حقوق الدول المتلقية للمساعدات في اختيار طرق وأساليب التنمية التي تناسبها ، وهو ما يتفق مع سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية الذي تنتهجها الصين، وان كانت لا تضع شروطا سياسية لهذه المنح فالأمر أيضا لايخلو من شروط إقتصادية وطلب تفضيلي للشركات الصينية للحصول علي امتياز تنفيذ المشاريع الكبري، لكن بصفة عامة صنفت معظم المساعدات الخارجية الصينية التى تمنح بدون مقابل على أنها مساعدات تهتم بالبنية التحتية والجوانب الاجتماعية والصحية ، حيث تدعم الصين الدول المتلقية لتحسين الظروف الطبية والرعاية الصحية ، وتحسين السيطرة على الأمراض والوقاية منها ، وتعزيز بناء القدرات في مجال الصحة العامة من خلال بناء المستشفيات وتوفير الأدوية والمعدات الطبية وإرسال الفرق الطبية وتدريب الکوادر الطبية. وفى نهاية عام 2018 ، کان لدى الصين أکثر من 200 مشروع يتعلق بالبنية التحتية في إفريقيا ، مما يجعل الصين أکبر مانح للمساعدات فى إفريقيا ومن أمثلة هذه المساعدات، كانت مشاريع سکة حديد تنزانيا – زامبيا ، ومرکز القاهرة الدولى للمؤتمرات بالقاهرة – مصر ، وميناء الصداقة بموريتانيا ، وغانا ، ومطار موريشيوس ، غانا ومحطة الطاقة الکهرومائية فى غانا وغير ذلك.

السعودية قمة عربية صينية

فيما يتعلق بالقروض الصينية الى افريقيا ، في الواقع ، کانت إفريقيا أکبر متلق للأموال الصينية منذ عام 2009 ، حيث قدمت الصين 10 مليار دولار أمريکي لتمويل إفريقيا في شکل ” قروض ميسرة ” ، کما تضاعف هذا الالتزام ليصل الى 20 مليار دولار أمريکي منذ عام 2013 وحتى عام 2015. وتصدرت القروض المقدمة من الصين إلى إفريقيا – المقدرة بنحو 153 مليار دولار خلال الفترة من 2019-2020 أکبر 10 متلقين للقروض يمثلون 68 % من الإجمالي يشملون بلدانًا متنوعة مثل أنجولا وإثيوبيا وزامبيا والکاميرون . وفى عام 2019 ، کان نحو 24٪ من اجمالى الديون الأفريقية مستحقة للصين ، بينما 32 % مستحقة للمؤسسات الدولية ، و4% من الديون الخارجية الحکومية مستحقة لمقرضين من القطاع الخاص، ويفترض أنه بحلول عام 2025 ، ستوفر الصين لإفريقيا نحو واحد تريليون دولار أمريکي من التمويل ، بما في ذلك الاستثمار المباشر والقروض الميسرة والقروض التجارية خاصة فى ظل انتشار التداعيات الاقتصادية السلبية لجائحة کورونا والتغيرات المناخية وآثارها الإقتصادية والمجتمعية القاسية بالإضافة الي توابع الحرب الروسية الأوروبية.

يضاف الى ذلك، منح الصين قروض بدون فائدة أو ما يسمى ب ” القروض التفضيلية” التى توجه لقطاعات اقتصادية مختلفة مثل مشروعات البنية التحتية، وتحسين کفاءة بعض القطاعات الاقتصادية الهامة مثل الزراعة . حيث أشار البنك الدولي إلى أن أکثر من ثلث القروض الصينية تستخدم في قطاع الکهرباء ومرافق المواصلات ، وذلك في إطار التعاون الصيني- الأفريقي بشأن المساعدات الخارجية للمنشآت الأساسية الاقتصادية. وقدمت الصين عددا کبيرا من القروض الميسرة لتحسين قدرة الإنتاج الزراعي في أفريقيا ، وجودة المنتجات وتدريب الفنيين الزراعيين ، وانشاء عدد کبير من محطات اختبار التکنولوجيا الزراعية والمحطات الإرشادية والمحافظة على المياه ، مما أدى إلى تحسين قدرة الإنتاج الزراعي ورفع مستوى الأمن الغذائي لبعض الدول الأفريقية . وقد ساعدت قروض ومنح الصين بعض الدول الأفريقية على بناء مشروعات البنية التحتية المتعلقة بالمواصلات والاتصالات والکهرباء، وکثيراً ما تقدم الصين قروضًا منخفضة الفائدة للدول التي تعتمد على السلع الأساسية مثل النفط أو الموارد المعدنية، بالإضافة الي الاعلان عن مبادرة الحزام والطريق فى عام 2013 للربط بين الصين واسيا واوربا وافريقيا ، وتقوم المبادرة على تطوير البنى التحتية للبلاد المشمولة بالمبادرة ، وتتضمن مد لشبکات للطاقة والغاز والکهرباء ، وتضمن المبادرة حرية انتقال السلع والخدمات والبشر تمهيداً لازالة التعريفة الجمرکية بين الدول مع مطلع عام 2050 . وتحقق تلك المبادرة فوائد للأطراف جميعها ، حيث تعزز النفوذ السياسى والاقتصادى للصين عبر ثلاثة قارات ، کما تستفيد القارة الافريقية من المشروعات التنموية خاصة المرتبطة بالبنية التحتية ضمن المبادرة .

“مستقبل العلاقات الإفريقية الصينية”:
يتوقع ان تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من أفريقيا بحلول عام 2025 إلى 440 مليار دولار علي الأقل، بينما يتوقع مزيدا من الإندماج فيما بين الإقتصاد الصيني والإفريقي ينعكس في شكل عائد إقتصادي وتنموي كبير للقارة الإفريقية وفرص نمو مضاعفة للإقتصاد الصيني، ويجعل الصين تحظي بالفرص الأكثر ترجيحاََ للحصول علي حقوق التنقيب والإستكشاف ومن ثم الإنتاج والتدوال للموارد الطبيعية في افريقيا وايضا تحصل الشركات الصينية سواء الحكومية او الخاصة علي فرص تنفيذ معظم المشروعات الكبري في القارة الإفريقية بالإضافة الي استمرار افريقيا كسوق كبير متنامي للمنتجات والبضائع الصينية سواء نهائية الصنع او المواد الوسيطة.

الصين أفريقيا صديق مخلص

“مخاوف وتحديات”:
بسط النفوذ الإقتصادي الصيني علي أكثر من 50 دولة من دول القارة الإفريقية ووصول الصين الي المقرض الأكبر للقارة الإفريقية يمثل تحدياََ كبير ويتفق مع مخاوف كبيرة من أن تسيطر الصين علي علي مقدرات وثروات الأمم الإفريقية، بدا ذلك واضحاََ في أعقاب جائحة كورونا بعد أن عجزت ميزانات وموازنات عدد من الدول الإفريقية عن سداد ديونها المستحقة للصين وأصبحت الصين تمتلك فرص مزيداََ من الإستحواذ علي الثروات الطبيعية بأسعار وشروط ميسرة وكذلك الإستحواذ علي فرص تنفيذ المشروعات الكبري وحقوق البحث والتنقيب والتشغيل والإنتاج لعدد غير قليل من مصادر الثروات المعدنية والنفطية، مما يعني ان الصين الأن ومستقبلا تمتلك موقف تفاوضي قوي في التعامل مع القارة الإفريقية أيضا في حدود الصراعات الدولية والتنافس العالمي تسبق الصين الجميع داخل القارة الإفريقية بعلاقات اقتصادية متشابكة تصل الي مراحل من القوة مما لايسمح ببدائل بنفس القوة عن الدور الصيني في الوقت الحالي للقارة الإفريقية.
ومن التحديات التي تواجه العلاقات الصينية الإفريقية وهو أن مستويات الانتاج غير المتکافئة وانخفاض القدرة التنافسية للسلع الافريقية تمثل إنحراف في ميزان العلاقات التشاركية لصالح الصين، بينما علي جانب الاستثمارات ، تواجه الاستثمارات الصينية منافسة شرسة من شرکات من أوروبا والولايات المتحدة والهند واليابان داخل أفريقيا والجميع يتعامل مع الصين علي أنها المنافس الأول أو الدخيل علي إفريقيا الذي من وجهة نظرهم يمثل خطر إقصائي علي الجميع.

التباعد الجغرافي بين الجانبين، واختلاف الهوية الثقافية بين الصين وإفريقيا.

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك


المصادر:
Source : China Africa Research Initiative , CHINA-AFRICA TRA
Source : United Nations Conference On Trade and Development (UNCTAD ) , COMTRADE, , at:

https://comtrade.un.org/Dat

http://www.sais-cari.org/data-china-africa-trade
” China and Sub-Saharan Africa trade: A case of growing interdependence ”

Source : Yike Fu , The Quiet China-Africa Revolution: Chinese Investment , The Diplomate , November 22, 2021, Available at :

https://thediplomat.com/2021/11/the-quiet-china-africa-revolution-chinese-investment/

AFRICAN DEBT: FURTHER DISTRESS OR THE BEGINNING OF A NEW PARADIGM?, Mo Ebrahim Foundation , 2020 , Available at:

https://mo.ibrahim.foundation/sites/default/files/2020-06/debt-distress-covid19.pd

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى