الثقافة مصطلح يتداوله الكثيرون لقصد معني واسع شامل قد تكون مفرداته وعناصره غامضة لدي لديهم، وربما كان يعني لبعض العامة التقعر في الحديث وصعوبة المعاني وانتقاء نوع معين جامد من الحوارات. ودائما ما يأتي مصطلح الثقافة مرتبطا بالفنون بكافة انواعها متجاهلا الأدب والشعر والرواية والنثر والفنون الشعبية والادائية والعادات والتقاليد والازياء والملابس والمفروشات وانواع الطعام.. الخ من العناصر المكونة والمتفاعلة فيما بينها لتكوين منظومة ومعني الثقافة ، ربما كان ذلك بسبب ان اشهر الصناعات الثقافية المتداولة هي السينما والدراما والمسرح لارتباطهم بوجدان الإنسان وتشكيلهم للذكريات وتوثيقهم لملامح المجتمعات والثقافات وسردهم للتاريخ والاحداث السياسية والاقتصادية ايضا في سياقات مشوقة وممتعة. ثم ياتي بعدهم الفنون التشكيلية بمفهومها الواسع الذي تطور الآن واصبح يضم العديد من المجالات، وهو أيضآ جزء لا يتجزأ من فنون المسرح والسينما والدراما فهم في مجملهم فنون بصرية تعتمد علي الرؤية والتفاعل. فثقافة الصورة هي الاكثر انتشارا فالصورة بالف كلمة لانها تتخطي عائق اللغة وحواجز الزمان والمكان.
ومن ثم ارتبط مصطلح الثقافة بالمشاهدة والتفاعل، وبالتالي اقتصرت معرفة الجمهور علي عدد معين من الوجوه التي تظهر اعلاميا انها نجوم الثقافة، بما في ذلك من ظلم لصناع تلك الدراما وَكتابها وادبائها ومخرجيها و من هم خلف الكاميرات من صناع ونجوم الثقافة الحقيقيين.
هنا نكتشف اصل المشكلة وهي الاعلام وعلاقته بالثقافة وصناعها ، كما برز امامنا مصطلحات تبدو جديدة ولكنها من اعمدة الثقافة الراسخة علي مر الزمان وهي (التسويق الثقافي) و (التنشيط الثقافي) فأصبح من الضروري مع التقدم الاعلامي والتطور التكنولوجي ان نهتم بأعمدة الثقافة التي تحقق اهدافها وتسوق للمنتج الثقافي وتعيد الصناعات الثقافية الي المقدمة باعتبارها ركيزة اساسية من ركائز الاقتصاد القومي.
فالاقتصاد الثقافي هو الاقتصاد الاساسي للعديد من الدول علي رأسها الصين والهند وكوريا واليابان، والصناعات الثقافية هي اعمدة الصناعة لديهم، ودراسة ثقافات الشعوب هي شغلهم الشاغل للتنمية بمفهومها الشامل، ومن ثم من يرغب في استعادة عرش الصناعات الثقافية عليه الرجوع الي اسس التسويق الثقافي ومراجعة سياسات التنشيط الثقافي التي انشأت من اجلها قصور الثقافة ووزارة الثقافة بكافة قطاعاتها.
فالمتاحف والمعارض احد اهم وسائل التسويق الثقافي، وكذلك المؤتمرات والفاعليات بمختلف انواعها، كما ان جميعها يعمل علي تحريك الفكر وخلق الحراك والحوار المسئول عن تحريك العقل وشحذ الهمم نحو رصد الواقع المحيط وتطويره، ومن ثم تطوير الدول وتقدمها.
ولعل التطور التكنولوجي والتقني في عالم الميديا قد ساهم في تسريع الحراك الثقافي، والقاء مسئولية اكبر علي مسئولي الثقافة والفكر في مصر والعالم اجمع، فالهويات انعدمت، والثقافات تداخلت وباتت علي المحك. والبقاء لمن ينتبه ويسارع بالتطوير للحاق بركب التطور الفكري والتكنولوجي والا اصبح خارجا عن العالم متقوقعا حول ذاته مفصولا عن الواقع. فألاولوية الان اصبحت للاعلام والتسويق للثقافة ونجومها الحقيقيون ليلتف حولهم الشباب في عالم “التريند” ولتصبح احاديثهم محل اهتمام ال”شير” وان يتحدث الجميع بلغة راقية بعيدة عن التقعير والمزايدة واستخدام الفاظ لا يفهمها المواطن البسيط. اصبحنا في حاجة الي تجديد امجاد المصريين والعرب، في حاجة الي تسليط الضوء علي القدوة الحقيقية والوجوه المضيئة في سماء العالم العربي، في حاجة الي اعادة مكانة اللغة العربية والعادات الشرقية، وجميع ذلك لن يكون الا بواسطة الاعلام والتواصل بكافة انواعه ، فنحن من نصنع النجوم ونحن من نقتلها.
نحن في حاجة الي رقمنة كافة الكتب الورقية وحمايتها من التلاعب والتزييف لتكون في متناول الشباب حول العالم، نحتاج الي انتعاش حركة الترجمة مرة اخري للتقريب وليس التغريب ، في حاجه الي تغيير قواعد النشر وقواعد اختيار ضيوف الفضائيات لانهم سيصبحون “التريند” علي شاشات المحمول، ولازلنا في حاجة الي اعادة النظر في اليات البرامج الثقافية والتعليمية…..
وللحديث بقية..