رأي

عبدالغني دياب يكتب.. الزوجة الثانية حق الرجل أم جريمته؟

من جديد عاد الحديث عن حقوق النساء، وحقوق الرجال تزامنا مع مشروع قانون تقدمت به النائبة في البرلمان المصري نشوى الديب، والذي ينص في مادته 14 من المشروع على أنه “إذا رغب الزوج في تعدد الزوجات فعليه أن يتقدم بطلب لقاضي محكمة الأسرة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة لإخطار الزوجة برغبته في الزواج بأخرى، على أن تمثل لإبداء الرأي بالموافقة أو الرفض، كما تخطر المرأة المراد التزوج بها بأنه لديه زوجة أو زوجات أخريات”.

أثار المشروع حالة من اللغط ليست جديدة على مجتمعاتنا، فهي تتجدد دوما مع فتح هذه القضية في كل مرة، لكن الأخيرة كانت لها خصوصية شعبوية، كون المشروع تزامن مع عرض مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي يعرض حاليا، وهو من تأليف إبراهيم عيسى، ويطرح قضية حضانة الأطفال وأحقية الأم في الاحتفاظ بأبنائها في رعايتها حتى بعد زواجها، ليترك الجميع محتوى مشروع القانون وما يطرحه المسلسل وتبدأ حروب “العنصرة والتمدن”.

بنظرة جنسانية بحتة انحاز كثير من الرجال لنوعهم متمسكين بأن فكرة الزواج من أخرى هي حق إلهي للرجل، وفي المقابل بدأت لوبيات حقوق المرأة وجمعياتها في الحشد لمعركة وهمية للتنديد بجرائم الذكور في حق الإناث، ليكون السؤال «هل الزواج من امرأة ثانية حق للرجل أباحه الله تعالى، أم هو جريمة ينفذها في حق نفسه وحق أسرته ومجتمعه؟».

قبل أن تأخذك حمية النوع لتقدم إجابتك، فلتتمهل حتى تعرف السبب الرئيسي من كتابة هذه السطور، والذي لم يكن المسلسل أو حتى مشروع القانون سببا رئيسيا فيه، وإن كانوا ساهموا في الأمر.

في منتصف يوم 22 فبراير الماضي قادتني الأقدار ورغبتي في تخليص بعض الأوراق الحكومية إلى مكتب السجل المدني، ما أن اقتربت من الموظفة القابعة خلف حائط زجاجي غليظ، حتى وجدته أمامي يقف منكسرا على حافة الطابور الطويل، الوحيد الذي سمح لمن خلفه بأن يتخطاه وينهي أوراقه قبله، وهو واقف في سكون وريبة، لم يكن ذلك تسامحا منه بقدر ما هو عجز وقلة حيلة.

عبد الله الشاب العشريني الذي أنهى لتوه تعليمه الجامعي، يريد أن يحصل على أوراق قيد عائلي من وزارة الداخلية تقول إنه الذكر الوحيد في أسرته وبالتالي هو معفى من التجنيد بنص القوانين المصرية؛ لكن لسوء حظه تقول الأوراق غير ذلك، إذ إنه يوجد أخ ذكر له يدعى عمرو يظهر اسمه أمام الموظفة كلما أدخلت بياناته على الجهاز.

بلهجة صارمة قالت السيدة: “لماذا لم تحضر شهادة وفاة أخيك عمرو؟”.

نظر الشاب إلى الأرض ولم يجب في البداية لكنه تدارك الموقف وهو يحبس دمعا جافا كتمه في عينه: “لا علاقة لي بإخوتي من أبي، هم في مدينة أخرى غير بلدتنا، ولم نتواصل معهم يوما ما، ولو ذهبت إليهم أطلب منهم إثبات وفاة أخي فلن يقبلوا نكاية في، رغم أنني لم أقابلهم ولو مرة واحدة في حياتي”.

بعد ذلك علمت من عبد الله أن أخاه الذكر الوحيد الذي يستوجب دخوله للتجنيد توفي وهو طفل، لكن الأسرة أهملت في تسجيل وفاته، ولم يستخرجوا له شهادة وفاة، بل دفن على عجل، ولأن الأسرة تعيش في إحدى القرى النائية تمكنت من ذلك دون أن تعترض أي جهة حكومية.

طرأت الحكاية في رأسي بينما أقرأ سؤالا وضعه أحد الأشخاص على جروب إلكتروني مغلق على الرجال فقط قبل أيام يقول صاحبه: ” يا رجالة عملتوها إزاي.. عايز أعدد وكل ما أنوي الخِطبة أترفض لأن أهل العروسة يطلبون أن يكون أهلي معي وأن تكون زوجتي الأولى على علم بالموضوع.. هل حد مر بتجربة مشابهة”.

قلت في نفسي هذا أب يريد أن ينتج مزيدا من الإخوة الأعداء، غرته الأماني ويظن أن الله أباح له الزواج لكي يتناسل كيفما شاء ولا علاقة له بالآثار التي ستترتب على قراره، وهل سيكون ذلك في صالح أبنائه وأسرته أم لا؟

عبدالغني دياب الزوجة الثانية

الآن نحن أمام إخوة لم يروا بعضهم ولو لمرة واحدة كما هو الحال مع عبد الله وإخوته، والحقيقة أن الواقع مليء بحكايات الإخوة الأعداء، والزوجات الأعداء، ربما ترصد ذلك في معارفك أو أصدقائك، خصوصا أن بعض الإخوة ربما يفكر في قتل إخوته الذين تسببوا في حرمانه من أبيه، أو حتى طمعا في ميراث أبيه الذي سيقتسمه أخوه الجديد معه.

هذا بالإضافة إلى الأمراض التي ربما يصاب بها الطفل الذي نشأ في بيئة مضطربة كهذه، والتي يرصدها أطباء الطب النفسي في الاضطرابات السلوكيّة، أو عدم القدرة على التركيز، وقد تصل في بعض الأحيان لأمراض عضوية مثل التبول اللاإرادي، أو تظهر عليه بعض مؤشرات الكآبة كفقدان الشهية أو الإفراط في الأكل أو الشعور بالهم والحزن الدائم.

كل ذلك يجعلنا نسأل هل الزواج من امرأة ثانية حق للرجل أم جريمة يقترفها في حق أبنائه وأسرته وزوجتيه، وحق نفسه أولا؟

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى