علي عمر التكبالي يكتب.. الخروج من حالة المراوحة
الكاتب عضو مجلس النواب الليبي.. خاص منصة العرب الرقمية
إذا أردت أمة أن تتفسخ، فاملأ تراثها بالخرافة، وسفه لغتها، وأبدل عاداتها، وشوه أخلاقها، وألب عليها أبناءها، ثم اجلس في الركن منتظرا انهيارها. وأم هذه الآفات هو الفساد. سلط عليها الفسدة والخونة والقتلة، ولن تحتاج لجيش كي يغزوها، ولا إلى كارثة كي تنهيها.
ونحن في هذا، نتشابه مع كثير من الدول العربية، غير أن الدولة الليبية تتميز بشعب لا يتعلم ولا يعي، وبقروش متوحشة لا تشبع ولا تنهى عن فعل أي من الموبقات كي تبقى، ولا تستحي أن تسود وتطغى. وبعد عدد من السنين الحبلى بالالتباس والفوضى، استمرأ الناس فيها الممنوع وصار المحرم مشاعا، والخطأ صوابا، وصوت الضلالة هو المسموع، فصارت الرشوة حذاقة، وأكل الربا له مذاقه، والرياء ومسح الجوخ شرفا بدل أن يكون سوء خلق وصفاقة.
وبينما يخطط الغرب للألفية الثالثة، نقبع نحن في دهاليز الجهل والخرافة، ونتكلم عن بطولات زائفة وحكايات كاذبة عشعشت في عقولنا كالعنكبوت التي غزلت سدايا خيوطها الواهية.
نتكلم نحن عن كم خاض عنترة من معمعة من أجل فرس، وكم شهد المهلهل من معركة من أجل ناقة. وإذا ما ذكرنا عالما أصاب، فننسى ما أصابه من القهر والعذاب. وكم من عالم قضى صبرا أو سحلا أو طمرا. بينما يتكلم “هنتنجتون” عن صدام الحضارات القادم فنصدقه وننشر أفكاره الصادمة دون أن نستعد للحظة القادمة، وينفث “يوكوفاما” كلاما من أنفه عن نهاية التاريخ وأفول كل الحضارات المنافسة، فنستقبل رذاذه، ونكتبه مدادا. ثم ينبهنا “رامزفيلد” بعد حرب العراق، أن سبع دول عربية ستعاني الاحتراق، فلا نكثرت بخطر إخطاره.
وبعد أن تبلدت أرواحنا، وغفت ضمائرنا خرج علينا البروفسور “مانوارينج” من فوق منبر إسرائيلي ليتكلم عن نظرية الانهيار الداخلي ولم نسمع، ويبدؤون في تطبيقها ولم نقنع.
وتترنح السبع التي قيل عنها، ثم تنهار شظايا، وتتساقط الضحايا، وتهجر الناس جوعى وعرايا فنقول كالعواجيز العاجزة: لا إله إلا الله، ولا غالب إلا الله، وكأننا أخذنا من الله عهدا بأن يمنع عنا الرزايا، دون أن نمنحه عملا ونطلب منه الهداية. لم نتعظ بما حدث في الأندلس ولم نتفكر بأن هذه العبارة هي التي جعلت ملك “الأحمر الصغير” يتدمر!
كيف سنقنع خصومنا بأننا رغم ظروفنا، وقمعنا منهم ومن حكامنا، ورغم بؤسنا، ومنع الضوء عنا، وسرقة درر تاريخنا منا، سنقوم كطائر الفينيق من العدم، ونساهم مع باقي الأمم في بناء حضارة تزخر بالسلم والأمان لينتصر الإنسان.
لنبدأ خطواتنا الأولى كالطفل الناشئ، نابذين الفكر الفاشي، ولندخل الفضاء الإنساني المشترك، ونبني دولة كبرى تمتد من الأفق إلى الأفق تؤمن بالعلم والإيمان، ولا تكثرت بمن يريدون سرقة الزمان.
علينا بالتعليم الحديث، وثقافة عميقة تخلق وعيا بالمحيط، وتربية عقول لا تقدس الفكر السائر على حساب المستقبل والحاضر. لنبدأ بمناهج موحدة تركض فوق الزمان لنلحق بالزمن الذي أضعناه لننتج أجيالا تعي قيمة العلم الذي نبذناه، وتقدس الإيمان، وتحترم الإنسان وترفع من شأنه بحيث يسود الرأي المنير على رأي التعصب والتحقير.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب