اجتماعيةدراسات

زلزال المغرب.. رعب وألم وحزن وتضامن شعبي كبير

الكاتب والباحث والإعلامي المغربي ذ. عبدالرحمان الأشعاري

اعتبر زلزال المغرب، الذي ضرب ليلة الجمعة 9 سبتمبر/أيلول 2023 بقوة 7.2 درجة على مقياس ريختر، إقليم الحوز ضواحي محافظة مراكش هو الأقوى والأكثر دمارا ودموية في تاريخ المغرب الحديث، كما اعتبر ثاني أكبر الزلازل فتكا بالأرواح في العالم خلال هذه السنة بعد زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا.

السويد والمصحف الشريف

حدد مركز الزلزال بالقرب من جماعة “إغيل” على بعد 71.8 كلم (44.6 ميل) جنوب غرب محافظة مراكش وعلى عمق 18.5 كلم (11.5 ميل)، ووقع بفعل صدع مائل ضحل تحت سلسلة جبال الأطلس الكبير بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

زلزال غير عادي

زلزال المغرب العنيف اعتبر أيضا مفاجأة كبيرة أربكت علماء الجيولوجيا على اعتبار أن المنطقة لم تشهد من قبل مثل هذه الهزة الأرضية، التي أثارت الرعب والذعر في كل محافظات وقرى ومداشر المغرب، وامتد الشعور بها إلى مناطق في الجزائر وإسبانيا والبرتغال وبعض الأجزاء الشمالية من موريتانيا، يقول الخبير وعالم الزلازل الفرنسي في معهد علوم الأرض بجامعة غرونوبل، فلوران برينجييه، إنه “أمر نادر”، مشيرا إلى أنه “من المفاجئ أن يكون هناك مثل هذا الزلزال الكبير في هذه المنطقة”، وفقا لتصريح له لموقع “سكاي نيوز عربية الإلكتروني”.

وأوضح برينجييه “رغم الصدوع الكبيرة في هذه المنطقة التي تطورت عبر الزمن الجيولوجي، الذي قد يمتد إلى مئات الآلاف من السنين فهو ظاهرة مفاجئة، لأن المنطقة التي يقع فيها مركز الزلزال لا تقع عند السطح الفاصل بين الصفائح التكتونية”، مضيفا “لهذا هي ليست معتادة على مواجهة مثل هذه الزلازل القوية”.

وإذا كان زلزال تركيا وشمال سوريا الذي خلف مقتل أزيد من 50 ألف شخص متوقعا، يقول الخبير الفرنسي، فلأنه وقع على حدود صفيحتين رئيسيتين (صفيحة الأناضول والصفيحة العربية)، لكن بالنسبة للمغرب، فـ”الأمر مثير للدهشة” لأنه من النادر حدوث مثل هذه الزلازل الكبيرة داخل الصفائح، مؤكدا أن “وقوع زلزال حديث بهذا الحجم سيغير الطريقة التي سينظر بها العلماء إلى النشاط التكتوني على الجبهة الشمالية لسلسلة جبال الأطلس”.

بدوره وصف سيرغي بولينيتس، كبير الباحثين في معهد أبحاث الفضاء التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والخبير في زلازل منطقة شمال إفريقيا، هذا الزلزال وتوابعه بأنها “غير عادية”، لحدوثه في صفائح لم يسبق أن رصد بها نشاط زلزالي، لافتا إلى أن الأمر غير المعتاد أن تكون الصفائح الإفريقية والعربية أكثر نشاطا، وأن القارة الإفريقية تتأثر بنشاط زلزالي لم يكن ملحوظا من قبل.

رعب وموت ودمار

زلزال بقوة 7.2 درجة على سلم ريختر، من الطبيعي أن تكون خسائره المادية والبشرية جسيمة، ومن حسن الحظ أن الهزة الأرضية ضربت منطقة غير مأهولة بالسكان وإلا لكانت الخسائر المادية والبشرية أكثر جسامة وبكثير، ومغايرة تماما للأرقام التي تضمنتها بلاغات وزارة الداخلية المغربية.

ووصل عدد الذين قضوا نحبهم في هذا الزلزال إلى قرابة الثلاثة آلاف شخص، في حين بلغ عدد الجرحى 6125، يأتي ذلك وسط استمرار عمليات الإغاثة والبحث عن مفقودين تحت الأنقاض للأسبوع الثاني على التوالي، وبحسب وزارة الصحة المغربية فإن من بين المصابين 873 شخصا إصاباتهم خطيرة، ونحو 3400 إصاباتهم طفيفة، كما أفادت بأن عدد المصابين حاليا في المستشفيات بلغ 476 شخصا، منهم 81 في أقسام العناية المركزة.

وتباشر القوات العمومية عمليات البحث وسط مخاوف من الانهيارات الصخرية، وقد تمكنت فرق البحث والإنقاذ من انتشال جثث من تحت الأنقاض في مناطق متفرقة، في ظل صعوبة الوصول إلى أماكن جبلية متاخمة لمحافظات أمزميز، شيشاوة وتارودانت، وبالموازاة مع ذلك، تستمر عمليات فتح الطرق الجبلية المؤدية إلى القرى النائية الأكثر تضررا، وسط مخاوف من أن تتجدد الانهيارات الصخرية.

يحكي ناجون من مدينة مراكش، بحي رياض الزيتون كيف نجوا من موت محقق، “لم يسبق لنا أن شعرنا بمثل ذلك الإحساس، من الخوف والهلع والرعب، عندما تجد أن أثاثك وكل شيء في البيت يسقط، ولا تعرف كيف تتعامل مع مثل هذه اللحظات الصعبة”، تتحدث سيدة عن تجربتها، وتضيف “زلزال لم نعشه من قبل، كأنه يوم قيامة، لم ننم الليل، لم أتخيل يوما أنني سأعيشه، كان زوجي نائما، أيقظته حينها، كنت أسارع أنا وزوجي الزمن للهرب من البيت قبل أن تسقط الجدران علينا، كانت لحظة صعبة، حتى عندما خرجنا للشارع، وجدنا الناس متجمعين، لم نفهم ماذا حصل، كنت أسأل الشباب عن هذا الجحيم الذي نعيشه وهل سيتكرر، لم تكن هناك معلومات، وحتى كيف نتعامل مع الكوارث، إنه بالفعل شعور صعب”.

انقطع التيار الكهربائي في القرى المتضررة، ووجدت هذه السيدة صعوبة في التواصل مع أفراد عائلتها بمنطقة شيشاوة نواحي مراكش، وتقول في هذا الصدد، “أحاول الاتصال بهم، هواتفهم خارج التغطية، ولا نعرف مصيرهم هل هم على قيد الحياة أم ماتوا بسبب الزلزال، إنه شعور بالخوف من أن تفقد أفراد أسرتك، لا أحد يخبرنا بمصيرهم إنها الكارثة”.

زلزال المغرب رعب وألم

في خضم ذلك، أطلق شباب مغاربة في منطقة مولاي إبراهيم نداء عبر مقطع فيديو يطالبون من خلاله “بضرورة توفير معدات الإسعاف لإنقاذ العائلات تحت الأنقاض”، فيما استغاث آخرون عبر حملة فيسبوكية بالسلطات العمومية للمطالبة بإنقاذ الضحايا، قائلين “أغيثوا ريف أوناين الوضع كارثي، السكان من دون ملجأ، نحن في حاجة إلى دعم وتدخل سريع للسلطات المتخصصة”.

تضامن شعبي غير مسبوق

قوة الزلزال التي تسببت في هلاك العديد من المواطنين البسطاء، تسببت أيضا في بروز قيم التضامن والتسامح والتآزر، التي من شأنها التخفيف من محنة ومعاناة ضحايا هذه الفاجعة، ذلك أن المتضرر الذي فقد أهله وبيته وماله وممتلكاته لن ينهض من جديد من دون مساعدة “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” الحديث.

من هذا المنطلق، خرجت جموع غفيرة من المواطنين من كل صوب وحدب ومن مختلف محافظات وقرى ومداشر المملكة المغربية محملة بالأدوية ومؤن التغذية والألبسة والأفرشة والأغطية والخيام وغيرها مؤطرة من قبل مجموعة من مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، بحيث بصم المغاربة على نموذج لم يسبق له مثيل بتحركهم العفوي، الذي سبق حتى المؤسسات الخيرية والإغاثية الحكومية والدولية ذات الخبرة العالية في هذا المجال، ويتمثل هذا النموذج الفريد في توافد الآلاف من المواطنين إلى المحلات التجارية لشراء المواد الغذائية الأساسية بمختلف أشكالها وأنواعها، والتبرع بها للمتضررين من الزلزال وإرسالها مع أي شخص أو جهة تسلك الطريق المؤدية إلى المناطق المنكوبة.

ومن هذه الجمعيات جمعية السلام للإنماء الاجتماعي، التي عبأت كل إمكانياتها المادية واللوجيستية المتاحة من أجل توجيهها للمناطق المتضررة، وأشارت في بيان بهذا الخصوص أنها أحدثت مند الساعات الأولى للفاجعة، خلية أزمة من أجل تنسيق ومواكبة تدخلات مختلف مكوناتها وطنيا وجهويا ومحليا.

هبة شعبية أثارت إعجاب واستحسان الكثير من المتتبعين والإعلاميين، ومن ذلك ما كتبته سيدة تقول “والله إن المتاجر الكبرى بمراكش فارغة أدراجها لأن الناس اشتروا كل شيء وقدموه للجمعيات من أجل إيصالها للمتضررين، نحمد الله ونشكره أنه بالمغرب يوجد تكافل اجتماعي وتضامن قوي بين مختلف الشرائح الاجتماعية”.

وأبدت سيدة أخرى إعجابها بما اكتنف الجو العام من تآخ وتآزر عم ربوع المملكة، واصفة إياه بأنه “نفير شعبي لمساعدة المنكوبين وتلبية لنداء الوطن”، فيما عبر ثالث عن اندهاشه بهذه الهبة الشعبية قائلا “زلزال المغرب ليس فقط كارثة عظيمة ألمت بأمتنا، بل هو أيضا فرصة لتقوية المغرب وإصلاحه وزيادة التلاحم والتآزر بين المغاربة”.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى