الرئيسيةرأي

د. علي التكبالي يكتب.. قراءة في المشهد الانتخابي الليبي

الكاتب عضو لجنة الأمن القومي بمجلس النواب الليبي

عند فحص القائمة الإنتخابية، والشخصيات التي ترشحت، تعلم أن “الديمقراطية” قد تحولت الى غوغائية، وأن الغرض ليس إنتخابا بقدر ما هو إكتسابا، أو إحتسابا لتعليمات ممن يريد أن تحل الفوضى، ليحدث إنقلابا.

استطيع ان أتوقع في هذه الآونة، إعتمادا على إستطلاعات الرأي السائدة، أن المشير حفتر والمهندس سيف هما اللذان يتصدران القائمة. عليه بغض النظر عما يريد أصحاب الهوى، علينا التعامل بالحقيقة الماثلة.

سيقول قائل انه لو فاز المشير حفتر فإنه سوف يحكمنا بطريقة معمر. سيتتدخل أبناؤه في كل صغيرة وكبيرة، معتمدين على ثلة صغيرة نجحت في تحييد القيادة، وقادتها إلى منعطفات خطيرة، تجاهلت فيها كل من وقف إلى جانبها وأعانها على تخطي محنتها في زمن كان الرعب فيه يسيطر على القلوب.

أما الأنصار فسوف يقولون نحن لا نريد إلا المشير ولا يهمنا أولئك المتطيرين. هو الرجل الذي قضى على الاوهام ومكن الناس في الشرق من العيش بسلام، وقضى على الإرهابيين، وأجلاهم من كل الجيوب، وهو الذي أعاد تكوين الجيش وجعله يقف للذين يريدون الهزيمة، والاستحواذ عل الثروات والغنيمة، وفصل الشرق عن الغرب والجنوب.

وحينما نستعرض راي الذين يريدون فوز المهندس سيف، وهم الذين اقصوا عن السلطة بالسيف، وشردوا وهجروا وحوكموا وسجنوا، فهم يرون فيه الرجل الذي سيعيد مكانتهم، ويصون سلطتهم. وعلينا أن نعترف بأن النظام السابق قد كسب زخما شعبيا نتيجة لتسلط الميليشيات، وضعف قدرتها على الأداء الصحيح في السلم والملمات، وعبثها بالمقدرات، وامن البلاد، وتركيبتها، وحاضرها الآني، ومستقبلها الآت. سيقوم الذين كرهوا نظام القائد العتيد متحدين هذا الكلام بالتنديد بجرائمه، وسلبياته، وهيمنته على موارد الأمة، وعجزه على تحديث الدولة، رغم إمساكه بتلابيب الحكم لمدة فاقت الأربعين سنة، وأن إبنه سيكون أسوأ منه بكثير، حيث أنه بقي معه زمنا ليس بالقصير، ولم يقدم شيئا سوى تكبيل نفسه بدائرة من السراق والمنافقين والمتسلطين الذين سهلوا له طريق العبث والمجون، والإجتراء على العرف والقانون، ولن ننسى أنه هو الذي أتى بالمتأسلمين ومكنهم من رقاب المستسلمين. وإن فاز فسوف يمكن أنصاره من الإقدام على جرائم فظيعة، وتجاوزات مريعة، ستزيد البلاد وحلا على طين.

ولو فحصنا الحوض الذي يسبح فيه كل المتنافسين، وفرزناهم، وحسبنا انفاس وصبر كل منهم لرأينا أن التيارات المتنافرة كثيرة:

التيار العسكري الذي يحظى بتأييد معظم الوطنيين الذين يرونه الوحيد القادر على ضبط الأمور الفالتة لتمتعه بجيش قوي، وتأييد معلن وخفي من دول فاعلة، ويقولون لينجح المشير ويعيد الأمور إلى نصابها، وبعدها لكل حادثة مآلها. ولا شك أن هذا التيار يتمتع بنفس طويل، ويستطيع أن يتنفس تحت الماء، ويملك سعة الصدر والصبر، وإن بدت حظوظه في بعض الأحيان باهتة. لكنه سيزداد حيوية ليتبث أنه سيد القضية.

أما أنصار النظام السابق فسيحصون حسناته، ويقولون انه زمن الأمان، وتوفر السلع والحاجات، ويتناسون كل الإخفاقات حتى فيما إدعوه. وهذا التيار له نصيب كبير من أكسجين الحوض، ولكنه سيفقد جزءا معتبرا حينما تبدأ الدعاية المضادة في العمل، وتخرج له فزاعات الليل والنهار من أنصار المشير والإخوان “والثوار،” وحتى من الشعب الذي كره النظام السابق نتيجة لما عانوه من قمع وتنكيل في الجامعات والساحات، لفرض مزاج القائد على كل الأمزجة.

التيار الثالث يمثله تحالف هش بين الإسلاميين “والثوار” وهو توجه قائم على الهيمنة والإبعاد والإستعباد والصلف، والإشتراك في كره الفرسين المجليين في السباق، حفتر وسيف، وأيضا في الخوف من الإنتخابات التي قد تعني نهاية عهدما المشوب بالمؤامرات والفوضى والنهب والإغتيالات. ولا أعتقد الآن أن هناك من لا يحمل مسؤولية المأساة التي استمرت لعشر سنوات لغير هذين التيارين. ويزيد هذين الإتجاهين ضعفا التنافر العقائدي، والتنافس الداخلي، فالإسلاميون لهم عدة وجوه تتكاثف حينما يحيق بها الخطر، وتتقاتل للظفر بالغنيمة حين النصر. وكذلك الميليشيات يقودها التنافس الى معارك قاتلة تنزل الموت على المسلحين والمدنيين.

هناك وجوه أخرى قد تبدو واعدة ولكن تعوزها الشعبية الشاملة، والقدرة على إقناع الجماهير باستحقاقها للحكم. في المنطقة الشرقية قد يبرز إسم المستشار عقيلة صالح، والسيد عمر شوايل، والسيد الشريف الوافي، والسيد خليفة الغويل، والسيد عمر الحاسي، ولكنها كلها لا تستطيع مواجهة المشير حفتر شعبيا، ولن تضيف له شيئا إلا المستشار عقيلة الذي سيحظى بأصوات قبيلته الداعمة، ومن بعض الذين إعتبروه داهية، إذ إستطاع قيادة البرلمان في فترة لاهبة.

ومن الجنوب يبرز اسم رئيس الوزراء السابق علي زيدان، والسيد بشير صالح، والسيد عبد المجيد سيف النصر كشخوص قادرة على التحدي، ولكنها ستصب في النهاية في مجرى المهندس سيف الذي سيبقى طاغيا على كل هذه الأسماء.

أما في الغرب، نتيجة لتحكم الميليشيات وأنانية الإخوان فليس هناك من إسم بإمكانه الوقوف أمام شعبية المشير حفتر والمهندس سيف. قد يظن البعض ان السيد أحمد معيتيق، أو السيد العارف النائض، او السيد باش آغا، او السيد حسن طاطاناكي، او السيد محمد الشريف قد يمثلون جسما للتفاوض مع الفائز مستقبلا، وأنا أقول أن تأثيرهم على الناخب لن يتعدى البقعة التي هم فيها، رغم المبالغ التي ستدفع، فأمام كل منهم عائق يمثله ماضيه وحاضره، وشخصيته، وانتماءاته.

المستقلون الذين يتناثرون هنا وهناك يفتقدون إلى التجربة والشعبية والمال. قد يظن بعضهم ان رقص بعض المقربين هو بمثابة تشجيع لهم على خوض بحر الإنتخابات العسيرة، ناسين أن هذا محيط لا تمثل فيه منطقتهم إلا بقعة صغيرة.

يبقى السيد عبد الحميد ادبيبة الذي إستطاع بفضل مناوراته المتعددة، وخداعه لبعض النواب والموظفين العموميين والشباب المتعطش للمال، نتيجة العوز والفاقة المذقعة التي سببتها الحكومات المتعاقبة، المحكومة من الإسلاميين، والميليشيات المسلحة ان يكسب شعبية خادعة ظن انها قد تؤهله لتبوأ كرسي الرئاسة، معتمدا على المال وتوزيع المناصب ناسيا أن المرتشي والطماع والبياع الذي لم يصن وطنه لن يصون عهده. وحتى لا نظلم هذا الرجل أقول أن الجميع، شرقا وغربا وجنوبا يعطون للمال حصة كبيرة في جلب الناخبين، واكتساب اصواتهم الثمينة. لقد بدأ المزاد بثلاثة آلاف في بني وليد، وسوف يصل إلى عشرة الاف، او يزيد قبل نهاية هذه الإنتخابات الهزيلة.

إذن الذي سيذهب الى الجولة الثانية هو المجلي والمصلي، أما الباقون فلن يستطيعوا حتى المساومة إلا من قد يتحصل على أصوت وافرة.

الآن دعونا نرى إمكانية نجاح هذه الإنتخابات. وكلمة نجاح تعني عدم اختراقها، وتحقيقها.

أما عدم إختراقها فهو أمنية بعيدة المنال، فنحن نتحدث عن انتخابات مخترقة أصلا بالأرقام الوطنية المزورة، والإستقطاب المركز على المال الفاسد والرشوة المخذرة التي أتبث الكثير من الناس أنهم لايجدون غضاضة في قبولها، وأيضا عن طريق بعض الدول الداعمة لهذا الفريق أو ذاك الصديق. وسوف ترون حين يحتدم الوطيس توزيع الرشاوى علنا وسيمتد ذلك للمراقبين والكتبة في المراكز الإنتخابية.

وتحقيق قيام هذه الإنتخابات يبدو لي أمرا صعبا. وانا لا زلت عند رأيي الذي أعلنته منذ تشكيل لجنة الحوار. ان دفعنا لانتخابات لسنا مهيئين لها، وقبل مصالحة الزمان والمكان، وتتبيث الأمن والأمان. وتحفيز الطمع الكامن لدي بعض الجماعات في السلطة، والعزف على وتر ملتقى الحوار تارة، ومجلس النواب الذي أصر أن لا يتعلم من كبواته تارة أخرى، لا يؤدي إلا إلى مزيد من التشرذم والفرقة. وقد قلت منذ البداية أن الذي أنزله علينا ليون الأسباني كان مصيبة، ولكن الذي سيرميه علينا سلامةوستيفاني سيكون كارثه، وها نحن لا نزال نعانيها.

لقد طبل الغرب لمؤتمرات، ومبادرات، وقرارات من مجلس الأمن لم تنتج عنها اية فائدة، فالسلاح لا زال يتكدس، وشبح الحرب لا زال يتربص، والمرتزقة والجيش الأجنبي لا زال يتمترس. ورغم التهديدات بملاحقة من يقف ضد الانتخابات، ومن يحرض ضدها لا زلنا نشهد أن ذلك كان مجرد فقاعات.

كل يوم يقربنا من موعدها يبعدنا تصريح أخرق عن حدوثها. ولنفرض جدلا أنها بضغط دولي قد تخطت كل السلبيات السالفة الذكر، وقامت رغم العقل والمنطق والفكر، فمن سيضمن إتقاء الخطر. من سيمنع ميليشياوي نزق يطلق رصاصة على مواطن إيجابي، أو جماعة غاضبة تضرم النار في مركز انتخابي. ومن سيقنع الشعب بعد ذلك أن الأجواء آمنة، وأن اسرته اذا ما مضى قدما ستكون سالمة.

أي فائز في هذه الإنتخابات لن يستطيع أن يضبط أمور الدولة مهما كانت شعبيته وقوته دون معونة من الدول الفاعلة، ولكن هل تريد هذه الدول فعلا أن تكون فاعلة.

أهم الإخبار في فلسطين

ليبيا في أسبوع.. لقاءات رسمية مكثفة.. وتمسك دولي بإجراء الانتخابات.. ورفض إخواني للاستقرار

ويمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى