د. أحمد فؤاد أنور يكتب.. دموع الجواسيس.. دعوة لمزيد من اليقظة والحذر
فتح سقوط شبكة تجسس واغتيالات إسرائيلية في ماليزيا منذ أيام ملفات تحاول تل أبيب دوما أن تضعها في سياق الردع. فإسرائيل منذ تأسيسها تبالغ في تصوير حجم قدرتها الاستخباراتية.. في حين أن فصولا من الفشل تتوالى، وتثبت فقط حقيقة النوايا السيئة والأطماع التي تكنها ضد جيرانها، وهو ما من شأنه أن يقوض الاستقرار ويهدر فرصا حقيقية للتوصل للسلام، وفي نفس الوقت يتطلب منا يقظة ووعيا على المستوى الشعبي.
تحرص المحطات الفضائية المصرية مع حلول شهر أكتوبر من كل عام على إعادة بث مسلسلات الجاسوسية التي توثق بطولات حقيقية.. وهي أجواء احتفالية مطلوبة لإحياء ذكرى النصر المجيد. وبالطبع توضح حجم قدرات الجانب الآخر بدون مبالغة أو تهوين، ومؤامراته التي يحيكها ليل نهار وتستوجب منا المتابعة والتصدي والتنفيذ والرد بالصيغة والدهاء المطلوبين لكل واقعة على حدة.
الحادثة الأخيرة في ماليزيا سقطت فيها شبكة للموساد بالكامل بعد أن سافرت لاختطاف مهندس برمجيات فلسطيني تعتقد أنه يساعد كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس. الخلية ارتكبت سلسلة من الأخطاء الفادحة، حيث اختطفت شخصا آخر لا علاقة له بالشخص المطلوب خطفه، ثم فشلت في فتح هاتفه، حيث أقنع خلية الموساد بأن هذا تليفون صديق له نسيه عنده، وانطلت الحيلة عليهم.. وفي نهاية المطاف تم القبض على الخلية خلال 24 ساعة فقط.
الفشل سبقه فشل في قبرص وفي سويسرا بسبب الاقتصاد في نفقات العمليات، وتربح من شاركوا فيها من الميزانيات المخصصة مما أدى لسقوط الشبكة التي كانت تحاول فقط زرع أجهزة تنصت على مسئولين إيرانيين! والمثير للسخرية أن من فشلوا في مهامهم ترقوا في وقت لاحق، بل وأصبح أحدهم عضو كنيست. وهو ما تكرر مع الإمارات والأردن.. حيث نجحت الأجهزة الأمنية الإماراتية في كشف أسماء وصور كل أعضاء شبكة اغتيال المبحوح.. في حين سقط في يد أجهزة الأمن الأردنية من شاركوا في محاولة اغتيال خالد مشعل.
وإذا عدنا للساحة المصرية فبغض النظر عن المسلسلات التي وثقت نماذج بسيطة لبطولات رجال من فولاذ يعملون في الخفاء.. التي يكاد جيل كامل يحفظ أحداثها عن ظهر قلب. سنجد أن يوسي ميمان الخبير الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي يقر في كتابه الأخير جواسيس غير مكتملة بأن تل أبيب بدأت حتى قبل ثورة 23 يوليو في مناصبة مصر العداء بالضرب تحت الحزام. حيث أقر بأن العناصر التابعة للمخابرات الحربية الإسرائيلية كثفت من عمليات تزوير العملة المصرية، والطوابع البريدية لكي تضعف الاقتصاد، ولنفس الغرض كانت توزع المخدرات وتعمل على تعاطيها بين المصريين، بالإضافة للعمل على تسميم آبار المياه، لكن مصر وبشكل مبكر حققت نجاحات حيث ألقت القبض على عناصر متلبسة.. وتمت محاكمتهم محاكمات عاجلة وناجزة. وإذا كانت فضيحة لافون قد تطرقنا لها في أكثر من مقال سابق بشرح الملابسات وتوضيح الأغراض والأهداف منها، فإنه من المعلوم باختصار أنها هدفت لزعزعة ثقة الغرب في قدرة ضباط يوليو على حماية المصالح الغربية في مصر، لكنها انتهت بسقوط رئيس وزراء إسرائيل دافيد بن جوريون، واللافت أن إسرائيل أنكرت في البداية صلتها بالجواسيس ثم عادت وكرمتهم منذ بضع سنوات فقط. وأعقب ذلك سقوط عدد آخر من الجواسيس منهم من وصلت تفاصيل عنه من الإعلام الإسرائيلي مثل عزام عزام (تجسس أمني واقتصادي)، وعائلة مصراتي (حاولت اختراق ليبيا أيضا).
إعادة بث المسلسلات عن الجاسوسية، له دور فاعل يواكبه إنتاج أفلام سينمائية وطنية تؤرخ لمحطات من النضال أحدثها كيرة والجن، وسبقها الممر، وحرب كرموز.. والهدف توعية جيل الشباب بقدر التضحيات والكفاح، وفي نفس الوقت بمستوى خسة وطمع الأطراف الخارجية وسعيها الدؤوب لطعننا في الظهر، أو استغلال أي نقطة ضعف. ويحث الجميع على التعاون مع الأجهزة المعنية بالإبلاغ عن أي شكوك، فلهذا مقرات تلك الأجهزة ووسائل التواصل معها علنية.
إن الصراع على النفوذ والهيمنة وعلى الموارد الاقتصادية الطبيعية، واحتكار حقولها ومراحل إسالتها وإعادة تصديرها جارِ على قدم وساق، فبعد التنقيب حتى في الأماكن المتنازع عليها بين تركيا واليونان اتجهت الأنظار على سبيل المثال لغاز ليبيا رغم مرورها بمرحلة انتقالية لا يجوز فيها في ظل خلاف وتنازع على السلة تعيين وترسيم حدود، بل واتجهت الأنظار إلى غاز لبنان وفلسطين مؤخرا. بعد حل عقد مع حزب الله وحركة حماس. وبالطبع الأطماع في المياه لا تخفى عن أعين أحد. كل هذه الملفات الحيوية الوجودية تتطلب حتما إنهاك الطرف الآخر في مشاكل اقتصادية وقلاقل داخلية، بل وجرائم مكتملة إن كان ذلك في الإمكان، وفي المقابل على كل مجتمع السعي لمنع الاختراق بتحصين الشباب وبإظهار الحقائق، وتفنيد الأكاذيب.. مع الالتفات جيدا لمحاولات الاختراق الإلكتروني لكاميرات المراقبة على سبيل المثال وكيفية مراجعة تأمينها باستمرار.. وأن نكون على أهبة الاستعداد لكل السيناريوهات بصبر، وحنكة، وعلم وثقة بالنفس.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
