رأي

محمد أرسلان علي يكتب..  دور الكرد في حماية المنطقة من التقسيم

الكاتب صحافي سوري كردي مهتم بالشؤون العربية.. خاص منصة «العرب 2030» الرقمية

دور الكرد في حماية المنطقة

لا تزال الفوضى تضرب المنطقة وتنشر فلسفتها المؤدية لعدم معرفة ما يحدث وما سيحدث ومن هو الصديق من العدو وما هي أولوياتنا في ترتيب مشاريعنا التنموية التي تبدأ بالإنسان لتنتهي بالبناء. عالم من الغموض نصفق له للتافه بعد أن نهمل العالم والمعلم ونهتم بالاستهلاك والكماليات على حساب الإنتاج والضروريات الحياتية. في ظل هذه الفوضى تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من الغليان الشعبي من النظم الحاكمة نتيجة السياسات الخاطئة التي تقوم بها وتقربها السطحي من حل الأزمات والقضايا التي تعانيها الشعوب بأساليب بدائية بيروقراطية عفا عنها الزمن، وبكل تأكيد أن الأساليب المستخدمة باتت مستهلَكة ومستهلِكة للقوة المجتمعية الكامنة التي تسعى دائما للتغيير على أساس أن المجتمع ظاهرة حيَّة وتجدد ذاتها باستمرار. فلسفة التغيير وعدم الرضوخ والاكتفاء بما هو موجود هو من أسباب التطور الإنساني منذ بدء نشأة المجتمعات والمدن التي كان أساس انتقالها من القرية نحو المدينة والمدنية هو التطور الدائم المعتمد أولاً وأخيراً على العقل.

المجتمع منذ تشكله يأبى الركود والسكون ويعمل دائمًا على إيجاد طرق عدة للتعبير عن ذاته وإن تم فرض التبعية أو اللا مبالاة في فترات محددة أو تم إقصاؤه بالعنف، حينها يقوم المجتمع بحماية ذاته على أساس الدفاع المشروع وينكفئ على نفسه ويقوم بتجميع طاقاته الكامنة، في هذه النقطة بالذات يظهر دور الشخصية التي تعمل على تغيير الواقع نحو الأفضل، وذلك بعد دراستها لجميع العوامل التي أدت بها لما كانت عليه، أو تظهر شخصيات منسوخة الجوهر عن القديم ولكن بشكل وهيئة جديدة توهم نفسها والآخر على أنها البديل لما هو موجود. أو يبحث عن مكان آخر يكون بمقدوره إخراج أفكاره هناك ليجربها ويبحث فيها حتى يُكتب له النجاح. وهذا ما يثبت هجرة الكثير من العقول النيرة من بلدانها إلى مناطق أخرى أكثر حرية بالنسبة له ولأفكاره التي يسعى لتطبيقها.

بكل تأكيد أن لانتقال الحضارة والعلم من منطقة لأخرى له علاقة مباشرة بديالكتيك التطور الطبيعي للمجتمعات والبلدان. حيث أن انتقال حضارة ميزوبوتاميا والمصرية القديمة نحو الشرق الأوروبي وخاصة اليونان وروما لا يمكن اعتباره صدفة بقدر ما له علاقة بالتغيير والعقل المنفتح على هذا التغيير. وبكل تأكيد أن أساس أي تغيير هو الأسئلة التي لا تتوقف عن طرحها ألا وهي الفلسفة. فبغياب الفلسفة عن أية منطقة تكون هذه المنطقة عرضة لمغادرة التطور الفكري منها لمكان آخر. كذلك الأمر لانتقال التطور من روما إلى هولندا وبريطانيا ومنها إلى أمريكا التي لا تعرف الجمود والارتماء في أحضان الماضي والمكوث هناك، بل دائما ما تبحث عن الجديد بأي وسيلة كانت.

الحالة التي نراها في المنطقة، خاصة بعد ما سُمي افتراضيًا “الربيع العربي”، تحول وعلى يد نفس الشخصيات التي ادعت أنها خير من تمثل المرحلة الانتقالية وأنها تسعى لمساعدة الغير، خاصة الدول الغربية والرأسمالية التي لا يهمها أي شيء سوى مصالحها، سعت هذه الشخصيات الممسوخة إلى ترويج نفسها على أنها الحل ولكنها ظلت تراوح في مكانها، لأن الجديد الذي كانت تحتمي خلفه لم يكن سوى ونفسه العقلية القديمة، وبذلك تحول الربيع العربي إلى مستنقع مسخ وآسن سرق كرامة الشعب ودخل المجتمع ثانية في حالة اليأس الخريفي، وهذا ما شاهدناه في ليبيا واليمن وسوريا والعراق وغيرها من المناطق. ويمكن ايجاز دور أسئلة الفلسفة فيما نعيشه الآن في عدة نقاط وأهمها:

1 – ماذا؟: من أهم الأسئلة التي ينبغي ترديدها باستمرار ومن دون توقف لمعرفة ماذا نريد من هذه الحياة التي نعيشها. فالحياة ليست مسرحاً لقضاء سنوات العمر عليه من دون أسباب وأهداف، بل هي غاية ينبغي علينا معرفة ماذا نريد منها وعليه نضع مخططنا ومشروعنا الذي سنعتمد عليه للوصول لهذه الغاية ممن الحياة. وعكس ذلك تكون الحياة رتيبة وملله في تكرار ذاتها، وهذا ما نعيشه بالضبط. وعليه ينبغي علينا أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا قبل أي عمل سنقوم به. فمثلاً في بداية ما سمي بالربيع العربي هل طرح أحد على نفسه ماذا نريد من الثورة؟ وماذا نريد من الشعب ومن فرنسا وبريطانيا وأمريكا وروسيا والصين وغيرها من الدول من دعم ومساعدات أو تدخلات مباشرة؟ ولعدم طرح مثل هذا السؤال بقينا في حالة من الارتباك وعدم الوضوح حتى وصلنا لمرحلة لا نعرف ماذا نريد من هذه الأطراف، وكل ما نريده تقديم الدعم المالي واللوجستي للقضاء على النظام الموجود لاستنساخ نظام أسوء منه يكون فيه من أدعى الثورة ليس سوى مطية بيد هذه الدول. وحال من ادعى الثورة في سوريا والعراق وليبيا واليمن يكشف لنا عمّا آلت إليه الأوضاع. والسبب طبعا هو لم نسأل أنفسنا السؤال الكبير “ماذا؟”. 

2 – لماذا؟: كذلك هي من أهم الأسئلة التي لا يمكن الاستغناء عنها مهما كانت الأسباب. إذ، بدونها لن نعرف لماذا نعيش بالأساس ولماذا وصلنا لهذه الحالة التي نحن فيها رغم كل التضحيات التي قُدِمت. والكثير من الأسئلة التي ينبغي أن نستمر في طرحها ونبحث عن ردود لها، لربما تكون خطوة البداية للخروج من المآزق التي نعيشها من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ليبقى سؤال لماذا الثورة بالأساس إن كانت الأوضع جيدة؟ غياب الجواب عن هذا السؤال رغم مشروعيته أوصل من يدعي الثورة إلى الارتماء في أحضان الأعداء ونسيان الشعوب والمجتمعات لتلاقي مصيرها المحتوم في الفناء والتهجير والقتل والدمار والخراب. فلماذا اتبعنا هذه السياسة أو الطريقة والأسلوب ولم نتبع أخرى ستكون لها تداعياتها الكبيرة على الجميع من دون استثناء.

3 – أين؟: من أين نبدأ ما نريد عمله للتطور أو للتغيير أو التحول من حالة لأخرى؟ وهذا السؤال يعتمد كثيراً على عنصر البنية الثقافية والمعرفية والتوعوية لأي مجتمع أو شعب يسعى للتغير وبغيابه لا يمكن لهذا التغيير أن يحصل مهما كانت الجهود كبيرة. قابلية هذا المجتمع والشعب هي المخدد لأي تطور سيتم العمل عليه ومن دونه تبقى المحاولات كالدوران في حلقة مفرغة لا يمكن الاعتماد عليها. وهو نفس السؤال الذي يمكن تطبيقه على ثورات ما سمي بالربيع العربي وأسباب فشلها.

4 – كيف؟: ربما يكمن الشيطان في التفاصيل مثلما يُقال ولكن تبقى الحقيقة بعض الأحيان مخفية في هذه التفاصيل والتي من دونها لما تطورت المجتمعات ولا علومها. إذ، أن البحث في التفاصيل توصلنا للحقيقة التي دائما ما كانت مُغيبة عننا لسبب من الأسباب، ولهذا ينبغي التركيز في هذه النقطة على الكثير من الأمور التفصيلية التي ستوصلنا لخيوط معرفة الحقيقة. كنا من أعظم الحضارات التي قدمت خدمات جليلة للبشرية فكيف وصلنا لما نحن عليه؟ هنا يجب البحث عن الأسباب التي أوصلتنا لهذه الحالة وطبعاً نقصد بها الذاتية والموضوعية (الجواني والبراني)، وعدم لطم الذات على أن كل الأسباب نابعة من داخلنا فقط؟ بل علينا دراسة الحادثة بكل موضوعية لمعرفة الأسباب وعليه يمكن تقديم نوع من النقد الذاتي والبدء من جديد. 

5 – مَن؟: أيضاً يعتبر من الأسئلة الهامة في الفلسفة والحياة والذي ينبغي البحث فيه كثيراً لمعرفة مع مَن سنضع يدنا كي يقدم الدعم لنا في مجال التطور والتغيير وبنفس الوقت مَن الأطراف التي بجب أن نبتعد عنها لأنها تمثل جهة مخربة ومعادية. فمعرفة الصديق من العدو يعد أهم سبب من أسباب النجاح في أي عمل أو مهمة نقوم بها. اختلاط هذا الامر يؤكد أنه ثمة نقص معرفي وتاريخي وثقافي في الأمر ويجب التوقف عليه وإزالته وإلا سنكون وجهاً لوجه أما الفشل الذريع الذي لن نستطيع الإجابة عنه في قادم الأيام. وربما يكون هذا السؤال هو من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل ما سمي بالربيع العربي، التي اعتمدت على عدوٍ وظنته صديق لها ألا وهي تركيا التي عرفت كيف تدير معاركها عن طريق هؤلاء الثوار الذين حولتهم تركيا إلى مرتزقة لها يحاربون من أجلها إن كان في سوريا أو العراق أو ليبيا أو أرمينيا.

6 – متى؟: كنا ومتى سنكون مؤهلين لريادة أيامنا للوصول لحياة مفعمة بالكرامة والحرية التي ينشدها كل انسان على وجه البسيطة. الزمن بكل تأكيد له كلمته أيضاً في أي فعالية أو نشاط سنقوم بها إن كانت غداً أو بعد غد أو في وقت آخر أم أن الزمن سبقنا ونحن المتأخرين عن رُكب الحضارة وعلينا البقاء كما نحن علينا وكأنه قدرُ مسلط علينا. وهل الفلسفة تؤمن بالقدر والمكتوب هو هو لن يستطيع أحداً أن يغيره مهما فعل وعمل. لكن بنفس الوقت حركة وجريان التاريخ والمجتمعات البشرية لها رؤية أخرى مختلفة عن القدرية، بل تعتمد الرجوع إلى الذات والتخلص من حالة الاغتراب الفكري التي تُعد الخطوة الأولى نحو الهدف المنشود. من دون تحديد عنصر الـ “متى؟”، لن يكون بمقدورنا التفاؤل كثيراً على أننا في طريق الصواب. وإلا لوصل كل انسان لهدفه لمجرد أنه عمل وقدم ما عنده. 

7 – هل؟: أيضاً من الأسئلة الفلسفية الهامة التي لا يمكن الاستغناء عنها مطلقاً لمعرفة الأساليب والطرق التي ينبغي علينا اتباعها وسلوكها. بالأحرى هل علينا البدء بالعمل أم لا وترك كل شيء للزمن أن يقوم بما تقع عليه من مسؤوليات وننتظره؟ إذ، بعد تحديد الهدف يجب علينا معرفة أننا هل سنصل لهدفنا أم لا إذا اعتمدنا على هذا الطرف أم ذاك؟ وهل ما نعتقد به بالأساس هو الحقيقة أم أن الحقيقة بنفس الوقت نسبية أي متغيرة وفقاً للتطور الفكري والتوعوي الإنساني. ولكن بكل تأكيد على الانسان أن يقوم بما يقع على عاتقه لأنه في النهاية هو غاية وهدف الحياة وهو الذي سيحدد هل سيصل لمبتغاه أم لا؟ 

8 ما هو/هي؟: بشكل مبدئي، لن يكون بمقدورنا فعلياً على التمييز بين الأفعال الخاطئة والسلبية منها والصائبة والسليمة في أي وقت نبتغي، لأنه سيظهر من يدعي من الفلاسفة، والمنظرون، والسياسيون اكتشافهم أفضل الطرق والتصرفات والأساليب. وبنفس الوقت لا يمكن عدّ هذا الأمر سهلاً أبداً. لأننا نوهنا في بداية مقالنا هذا أن الحياة فوضوية لأبعد حد ومعقدة لوجود أي شيء يبدو أخلاقي أو حقيقي بشكل مطلق. لكن بنفس الوقت يعتبر الأخلاق عاملاً أساسياً في تحديد توجه المجتمعات والبشر ومدى علاقاتهم مع بعضهم البعض في استقرارهم من عدمه. ولاختلاف قوانين الاخلاق من منطقة لأخرى ومن ثقافة لأخرى، إلا أنه ثمة قوانين أخلاقية مشتركة ما بين الإنسانية ولا يمكن التغاضي عنها مهما كانت الأسباب. فمثلاً قوانين موسى العشرة هي نفسها من المحرمات في الدين الإسلامي. فعدم وجود الأخلاق في السياسة والاقتصاد والثقافة وحتى الحروب أدى بالمجتمعات بأن تنهش بعضها البعض تحت وازع إن كان ديني أخلاقي أو سياسي مصلحي. وهو ما نراه في ثورات الربيع العربي بكل وضوح حتى لا داع أن نذكر الأمثلة التي تثبت ذلك.

وهناك الكثير من أسئلة الفلسفية التي يمكن طرحها ولكن نكتفي بالمهمة منها لأنها تُغني عن باقي الأسئلة بنفس الوقت. وهي التي أوضحت لنا بعض الشيء ما نعيشه الآن. ومجمل هذه الأسئلة بشكل عام تعتمد منطقين على الأكثر أو وهما الزمان والمكان (الزمكان)، واللذين لهما أهمية كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها في أي عمل نقوم به. لأن (الزمكان) من أحد أهم قوانين الديالكتيك والتطور الطبيعي والمجتمعي ومن دونه سيكون المجتمع مشلول لا فائدة مرجوة منه. 

وعلى الطرف الآخر، كانت هناك حالة من اليقظة الكردية التي كانت منذ قرن من الزمن في حالة من السبات والاضطهاد والتقسيم والتشريد نتيجة السياسات التي اتبعتها النظم الحاكمة عليهم تحت مسميات شتى. لاقى الكرد في القرن العشرين جميع أنواع المظالم والقتل والجوع والتهجير من موطنه الذي عاش عليه آلاف السنين، تم تشريده وجعله لاجئاً وهو في وطنه نتيجة السياسات القوموية الشوفينية والإقصائية المتبعة من جهة واحدة وهي النظم الحاكمة الاستبداية.

وحاولت بعض من الجهات اللعب على هذا الوتر الكردي تحت مسميات عدة منها “حقهم في تقرير مصيرهم وحقوق الإنسان والمعايير الإنسانية”، والتي ما هي في النتيجة إلا أدوات في يد القوى الرأسمالية والغربية تستخدمها متى ما أرادت مصالحها ذلك وتخرس عنها حينما تتعرض مصالحها للتهديد.

حاولت وتحاول بعض الأطراف الغربية اللعب على الوتر القوموي الكردي وحقنهم بمشاعر الانفصال والحنين لتشكيل الدولة القومية المستقلة، وأن هذه المحاولات ما زالت مستمرة في دغدغة العاطفة البسيطة للشعب الكردي، وبعدها تقوم نفس هذه الأطراف بتأليب الشعوب على بعضها وافتعال الاقتتال الداخلي فيما بينها تحت اسم الحفاظ على السيادة الوطنية.

هي نفس اللعبة التي قامت بها الدول الغربية والرأسمالية التي لعبتها على الشعب السوداني، وفي النتيجة تم تقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي، والآن تعمل نفس هذه القوى على تقسيم الجنوب ثانية وإخراج دارفور وتقسيم المقسم وإعادة دوران رحى الحرب والدمار في بلد هو بالأساس مدمر يبحث عن لقمة العيش وكسرة الخبز في أروقة المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، وهنا تكون الطامة الكبرى واللعبة القذرة التي رسمت ونفذت بأيدي الشعب نفسه والتي ستكون البلاء عليه قبل غيره.

هي نفس اللعبة يريدون لعبها على الكرد في اللعب بعواطفهم القوموية وجعلهم يحلمون بوطنهم القوموي المقدس وزج الكرد في أتون حرب شرسة لا تعرف الرحمة، وبعد ذلك يقسمون المقسم ويشتتون ما هو مشتت بالأصل. أدرك الكرد هذه اللعبة التي ابتدأت بها القوى الغربية الرأسمالية في بداية القرن العشرين ويحاولون تكرارها بنفس الأساليب مع تغيير في الأسماء وتحديثها وفق مصطلحات وتطور العلوم في القرن الحادي والعشرين.

فمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي طرحته القوى الغربية والرأسمالية ما هو إلا مشروع لإنقاذ نفسهم من حالة التضخم والأزمة الفكرية والبنيوية والمالية التي تعيشها الرأسمالية نتيجة تكديس الإنتاج والبحث عن سوق لتسويقه، وما إشعال الحروب في المنطقة إلا للبحث عن حل لأزمتها الداخلية التي تعيشها تلك القوى.

الدواء الناجع للداء الذي تعانيه شعوب المنطقة هو التكاتف والتلاحم وعدم الانجرار وراء السم الذي دسته القوى الرأسمالية في عسل تشكيل الدولة القوموية على أساس الأقليات والاثنيات والمذاهب. الدور الذي يلعبه الكرد في الوقت الحاضر في محاربتهم القوى الإرهابية المتمثلة في داعش وباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى المتشددة، يعتبر مهمًا لجميع شعوب المنطقة لأنهم بنفس الوقت يقضون على هذا السرطان الذي فتك بقيم وأخلاقيات وثقافة المجتمع وحاول بكل ما لديه من أفكار خبيثة أن ينهي التلاحم المجتمعي.

التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا وبعض الدول الإقليمية تحاول نشر ثقافة السيطرة والهيمنة على جميع المنطقة تحت مسمى الإسلام عبر أدواتهم المعروفين، إلا أن الكرد حطموا هذا السيناريو ولقنوا الإرهابيين ومن يدعمهم الكثير من الدروس والعبر وأن أجنداتهم لن ترى النور، فحينما يحارب الكرد تركيا الداعمة للإرهاب، فهذا يعني أن الكرد يحاربون نيابة عن شعوب المنطقة، لأن تركيا حاولت ولا تزال أن تفرض نفسها على أنها حامي المنطقة وأن أردوغان هو خليفة المسلمين والسلطان الوحيد في المنطقة.

وما محاولات تركيا في الوقت الحاضر في تدخلها واحتلالها لبعض المناطق في شمالي سوريا والعراق، إلا محاولة يائسة منها لتمرير أجنداتها في تحقيق الحلم العثماني في المنطقة وأنه لا يهمها أبدًا مصلحة الشعب السوري أبدًا، وهي من حاولت وتحاول تقسيم سوريا تحت حجة محاربة الكرد لمنع التقسيم، مع أن الشعب الكردي في سوريا أعلن منذ بداية الأزمة في سوريا أنه ضد التقسيم وأنه يرغب في العيش ضمن سوريا الموحدة الواحدة وأنه لن يرضى بأي شكل من الأشكال بأن تقسم سوريا. هذه هي عقيدة الكرد في سوريا وليس تقرباً سياسياً بل هو مبدأ يحاول الكرد بكل قوة الحفاظ عليه ومحاربة كل من تسول له نفسه بالاعتماد على القوى الخارجية لتنفيذ أجنداتها.

ولربما أعطى الكرد الأجوبة على بعض أسئلة الفلسفة وفق منظورهم والني جعلت منه قوة بعدما كانوا منسيين في مناطقهم ولا يعلم أحد عنهم. ولكن في فترة وجيزة جداً تمكنوا من إثبات وجودهم أولاً بفكرهم والمشروع الذي يؤمنون به على أنه الحل الأمثل للقضايا والمشاكل التي تعاني منها المنطقة. فعرفوا ما هو هدفهم بعد دراسة دقيقة لتاريخهم ولتاريخ المنطقة ومجتمعاتها وشعوبها بنفس الوقت. كذلك أدركوا أنهم ليسوا الوحيدون في المنطقة بل ثمة شعوب وثقافات وديانات مختلفة ولا يمكن بناء الحضارة بالاقتتال بل اعتمدوا مبدأ خوة الشعوب والعيش المشترك وتيقنوا أن القوة والوحدة تكمن في الاختلاف. والأهم أنهم اعطوا جواب من هو الصديق من العدو وميزوا بينهم على أساس مبدأ أخلاقي بعيداً عن المصالح التي غرقت بها أنظمة المنطقة.

 محاربة الكرد لم تكن عن عبث بل هي نتيجة قراءة معمقة وحالة فكرية قوية تمنح الإرادة والإصرار للإنسان كي يُكمل دربه في المقاومة التي هي أساس الحياة. فمحاربتهم للنظام التركي وللتنظيمات الإرهابية إن كان في العراق وتركيا أو في سوريا تصب في خانة محاربة الإرهاب أينما كان، وأن الكرد يكملون باقي الدول والشعوب التي تحارب نفس الإرهاب، خاصة في مصر، لأن الطرفين يحاربان نفس الإرهاب والمدعوم من نفس الجهات إن كانت تركيا. لهذا يمكننا اعتبار الكرد الآن هم في الخندق الأول لحماية المنطقة من التقسيم ومحاربة الإرهاب، لأن الحفاظ على وحدة سوريا والعراق هي الخطوة الأولى للحفاظ على المنطقة وعلى مصر بالذات.

والكرد مقتنعون بأن عمقهم الاستراتيجي موجود بين شعوب الشرق الأوسط من العرب والكرد والتركمان والأرمن والسريان والآشوريين على أساس بناء نظام جديد يحتضن الكل، وهذا النظام لا يمكن أن يقوم إلا على أساس الأمة الديمقراطية التي هي البديل الحقيقي لباقي التشكيلات الدينية والقوموية التي لا تحوي ولا تعترف في داخلها إلا بقومية أو ديناً واحداً.

الشرق الأوسط هو الحضن الكبير الذي يجمع كافة شعوبه وبمقدورهم العيش سوياً وفق مبدأ وحدة الأضداد والوحدة في التنوع، وليس في أحضان القوى الغربية الرأسمالية التي لا همَّ لها سوى مصالحها.

ولنفترض جدلاً عدم وجود الكرد في الشمال السوري فهل كان سيبقى شيء اسمه سوريا حتى الآن مع أن المرتزقة المدعومين من تركيا كانوا يسيطرون على أكثر من 80% من الجغرافية السورية، وهل كانت ستتدخل أمريكا في المنطقة وكذلك روسيا أم أن المعادلة كانت ستكون مختلفة جداً. وحتى المصالحات التي تمت ظاهرياً روسيا/أمريكا ضمنياً ما بين روسيا وتركيا كانت على حساب المناطق التي رفض الكرد تسليمها لتركيا، وحتى الآن نفس السيناريو يرغبون في تنفيذه. ولكن هي لعبة الأمم والسياسة التي افتقدت الاخلاق على حساب المصالح.

بعد ان تناولنا موضوع دور الكرد في حماية المنطقة يمكنك قراءة ايضا

أحمد شيخو يكتب.. أُذن للكرد أن يُقاتلوا بأنهم ظُلموا

ويمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى