جددت زيارة الرئيس الآذري “إلهام علييف” لمصر الحديث عن العلاقات والروابط المصرية الآذرية التي وصفها الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بالعميقة والمستندة على روابط تاريخية قديمة، كما وصفها “علييف” بالمثمرة الهادفة إلى تقوية التضامن الإسلامي وتعزيزة.
والمتأمل في العلاقات بين البلدين يجد أن “مصر” قد حظيت بمكانة خاصة ضمن اهتمامات السياسة الخارجية الآذرية التي سعت لها “أذربيجان” داخل محيطها الإسلامي مع دول التعاون. حيث أبدت “أذربيجان” اهتمامًا ملموسًا لتطوير التعاون مع دول العالم الإسلامي وعلى رأسها جمهورية مصر العربية نظرًا لمكانة مصر التاريخية إسلاميًا وعالميًا، وهو ما يفسر التقارب المتطور بين البلدين لا سيما في العقد الأخير، الذي شهد زيارات عدة بين المسئولين في البلدين، وتأكيدات على الرغبة في تطوير العلاقات بينهما.
اقرأ أيضا: الكويت في أسبوع.. خالد الحمد وليا للعهد والاقتصاد غير النفطي يسجل أعلى نمو منذ 4 سنوات
وعلى المستوى الشعبي تربط “مصر” بـ “أذربيجان” وشعبها الصديق قيم مشتركة وعادات وتقاليد متقاربة إضافة إلى علاقات تاريخية وثقافية وشعبية تضرب بجذورها في عمق تاريخ البلدين. وقد اشتهر الشعب الآذري بحب مصر وشعبها حبًا بلغ أن عدد غير قليلٍ من العائلات الآذرية تُسمي أبنائها “مصر”، بل وصل أحد أبناء “أذربيجان” واسمه “مصر مجدانوف” إلى منصب وزير التعليم العالي في بلاده، وفقًا لمعلومة ذكرها لي صديقي الدكتور “سيمور نصيروف” الآذري الأزهري.
ويشهد على عمق الروابط المصرية الآذرية تكية الشيخ “إبراهيم الكلشني” الأثرية المشهورة الواقعة في منطقة الدرب الأحمر في وسط القاهرة. فهذه التكية شاهد حي وبرهان ساطع على تأصل العلاقات المصرية الآذرية، كما تُعد أول مؤسسة دينية تشهدها القاهرة في العهد العثماني، حيث شُيدت في عام 1519م، من قِبل مؤسسها الشيخ الصوفي “إبراهيم الكلشني” الذي ولد في “أذربيجان”، وعاش في مصر، وعاصر نهاية الحكم المملوكي وبداية الحكم العثماني، وتوفى في القاهرة عام 1534 بعد أن تجاوز عمره مائة عام.
كما يشهد على عمق الروابط بين البلدين وجود عدد من طلاب “أذربيجان” في مصر للدراسة في الأزهر الشريف، والذين يُعدون سفراء لمصر والأزهر في “أذربيجان”، ويمثلون أحد جسور التواصل الشعبي بين البلدين. وقد اشتهر الشعب الآذري وشعوب القوقاز بصفة عامة بحب شديد للأزهر الشريف، ورغبة في الدراسة في معاهده وكلياته. وقد انعكس هذا الحب على زيارة الأمس التي كان على جدول أعمالها زيارة الرئيس “علييف” لمشيخة لأزهر، ولقائه فضيلة الإمام الأكبر الذي أحسن استقباله وأكد استعداد الأزهر لزيادة المنح المقدمة للطلاب الآذريين الراغبين في الدراسة في الأزهر، وتدريب أئمة مساجد “أذربيجان” ووعاظها في أكاديمية الأزهر الشريف لتدريب وتأهيل الأئمة، ووضع برامج مناسبة لطبيعة “أذربيجان” وتطلعاتها المستقبلية.
وعلى المستوى الثقافي أيضًا يدرس الآذريون اللغة العربية باعتبارها لغة الدين الإسلامي الذي تعتنقه الأغلبية هناك. وفي مصر تُدرّس بعض أقسام اللغة التركية في بعض الجامعات اللهجة التركية الآذرية لطلابها، مثل قسم اللغة التركية وآدابها بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، وقسم اللغة التركية بكلية الآداب جامعة القاهرة، إضافة إلى بعض المراكز الثقافية الخاصة التي تنظم دورات لتعليم اللهجة الآذرية، وهو ما ينعكس على تقوية الروابط الثقافية بين الشعبين، وترسيخ القيم المشتركة بينهما.
وثقافيًا أيضًا أسست “أذربيجان” مركز الشاعر “نظامي الكنجوي”، الذي يعني بترسيخ قيم التعددية الثقافية والتعارف والتعاون وقبول الآخر في إطار من التسامح. وهو مركز عالمي يضم بين أعضائه شخصيات مصرية من أشهرها السيد “عمرو موسى”، أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق. وفي عام 2017 منح هذا المركز الرئيس عبد الفتاح السيسي “جائزة نظامي الكنجوي” الشرفية نظير جهوده في نشر السلام ومكافحة التطرف. كما تعاون هذا المركز مع الأزهر الشريف في تنظيم الندوة الدولية “الإسلام والغرب… تنوع وتكامل”، التي عقدت في مركز الأزهر للمؤتمرات في أكتوبر 2018، بحضور فضيلة الإمام الأكبر وعدد كبير من المفكرين والقيادات الدينية والسياسية ورؤساء دول سابقين من قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، وشهدت نقاشات فكرية حول التسامح وتكامل الحضارات والتعارف بين آبنائها.
خلاصة القول إن الروابط الثقافية والشعبية بين “مصر” و”أذربيجان” روابط قوية قائمة على عدد من المشتركات التاريخية والدينية، لكنها بالرغم من ذلك لا يعرفها كثير من أبناء الشعبين الصديقين، ومن ثم فهي تحتاج إلى من مزيد من تسليط الضوء إعلاميًا عليها، حتى تعرفها الأجيال الجديدة. حفظ الله مصر وأذربيجان وكافة دول وشعوب عالمنا العربي والإسلامي من كل سوء.