الرئيسيةدراساتعسكرية

«جيبوتى والقوى الكبرى» دراسة فى ديناميكية السياسة وعبقرية المكان


إعداد: الباحث حمدي أحمد- باحث متخصص في الشأن الإفريقي 

المقدمة

تنعم جيبوتي بموقع استراتيجي مهم عند المدخل الجنوبي لحوض البحر الأحمر، وتتميز بإطلالتها المتميزة على مضيق باب المندب، الذي يمثل شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد العالمي، لأن ممر البحر الأحمر المائي يربط طرق العالم التجارية وقارات العالم الكبرى؛ ، ذات الكثافة السكانية الكبيرة والأيدي العاملة الماهرة والمنتجة كالصين واليابان وإندونيسيا والهند وغيرهما  من الدول الصناعية ، ومن خلال البحر الأحمر أيضأ ينقل النفط الخليجى  باتجاه أوروبا والأميركيتين ؛ حيث تزدهر هناك القوة الصناعية والاستهلاك العظيم للطاقة والإنتاج ، فتبرز أهمية البحر الأحمر كممر عالمي تتوازى فيه قناة السويس كمدخل شمالي، وباب المندب كمدخل جنوبي بأهمية التحكم الاستراتيجي في مفاتيحه الجغرافية.

جيبوتى والقوى الكبرى

ومن هذا المنطلق استمدت جيبوتي الدولة الأفريقية العربية الإسلامية الصغيرة أهميتها الجيو استراتيجية على مرّ التاريخ بأن تكون أرض التبادل التجاري، وكذلك اللقاء الإنساني والثقافي بين شعوب منطقة جنوب حوض البحر الأحمر ، فأصبح لا يوجد بيت في جيبوتي إلا وله امتداد نسب أو قرابة بدول الجوار القريب كإثيوبيا والصومال وإريتريا واليمن، وأصبحت بذلك جيبوتي جامعة لثقافات وعادات ولهجات وتقاليد هذه الشعوب ؛ مما ميّزها بأن تمثل عن جدارة ضمير القرن الأفريقي .

ومن هذا التميز الاستراتيجي للموقع الجيبوتي أصبحت محط أنظار العالم اقتصاديا وأمنيا وعسكريا، سياسيا فعلى سبيل المثال تبني الصين اليوم عدة موانئ استثمارية ومنشآت سياحية فى جيبوتى ، وهي امتداد للدول العربية التى سبقتها ؛ كالإمارات وتحديدا موانئ دبي بالانطلاق ببناء (ميناء دورالي للحاويات) و(ميناء دورالي النفطي العملاق) في جيبوتي.

فالصين المقبلة كقوة اقتصادية بارزة في العالم تهدف إلى إحياء «طريق الحرير»، ما كانت ستقدم على هذه الخطوة والاستثمار المهم، لو لم تكن جيبوتي ذات أهمية بموقعها الاستراتيجي واستقرارها الأمني والسياسي. وبناء عليه، فالصين حاضرة أيضا بوجود عسكري في جيبوتي تهدف من ورائه إلى حماية استثماراتها الكبيرة بإنشاء قاعدة عسكرية تدعم وجودها، وتحمي اقتصادياتها العالمية التي تمرّ من هذا الموقع الاستراتيجي نحو مختلف مناطق العالم.

المحور الاول : ديناميكية السياسة جيبوتى الدولة الافريقية الصغيرة

جيبوتي الدولة الصغيرة نسبيا والتى تبلغ مساحتها  23200 كم2، وعدد سكان قرابة مليون نسمة، ولكنها كبيرة ومميزة بموقعها الاستراتيجي ونظامها الذي حافظ على الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي برغم قلة الصادرات ومحدودية الإمكانيات. فسعى هذا الكيان المنظم بقدر المستطاع إلى بناء تنمية متوازنة في الإنسان والاقتصاد على حدّ سواء، وتطوير أساليب الحياة وخلق منظومة متناغمة مع الحاجة الإقليمية والدولية لجيبوتي، فكانت القرارات الجريئة للرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، الذي فتح الباب للاستثمار والاقتصاد الحر، إضافة إلى الوجود العسكري الدولي لحماية المصالح العالمية.

حصلت جيبوتي على استقلالها عن فرنسا عام 1977، ويتمثل الحكم فيها بثلاث سلطات، وهي: السلطة التنفيذية لحكومة جيبوتي  ويعد رئيس جيبوتي هو رأس الدولة ويتم انتخابه خلال انتخابات ديمقراطية، وذلك من خلال الاقتراع الشعبي المباشر، كما يعد الرئيس أيضًا القائد العام للقوات المسلحة، ويحق له تعيين كبار المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك رئيس الوزراء، ويعد رئيس الوزراء رأس الحكومة ويتمتع بصلاحية تعيين أعضاء مجلس الوزراء.

السلطة التشريعية لحكومة جيبوتي ، وفقًا للدستور يوجد في دولة جيبوتي برلمان مكون من مجلس واحد يمارس فيه السلطة التشريعية جنبًا إلى السلطة التنفيذية، وتتكون الجمعية الوطنية من 65 عضو يتم انتخابهم جميعًا بشكل ديمقراطي وذلك من خلال الانتخابات العامة والتصويت الشعبي لمدة خمس سنوات، 30 عضوًا في الجمعية من عفار و35 عضوًا من الصوماليين، ويعد رئيس الجمعية الوطنية هو رئيس البرلمان وهو مخول بمهام الإشراف على الإجراءات البرلمانية، ويعرف أعضاء الجمعية الوطنية بالنواب، ويتمتعون جميعهم بالحصانة القانونية.

السلطة القضائية ، يعد القضاء ذراع الحكومة في دولة جيبوتي ، ويستند النظام القضائي إلى القانون الفرنسي والقانون العرفي المحلي والشريعة الإسلامية ، ويوجد خمس محاكم عرفية واحدة لكل المقاطعات الإدارية الخمس في البلاد، المحكمة العليا هي أعلى محكمة في البلاد تليها محكمة الاستئناف العليا ، وأن الهيئة القضائية المكلفة بتقديم المشورة إلى الرئيس هي المجلس الأعلى للقضاء، فالسلطة القضائية في جيبوتي مستقلة تمامًا عن السلطة التنفيذية ويرأسها رئيس المجلس الأعلى للقضاء.

جيبوتي هي بوابة القارة الأفريقية من جهة الشرق ومقر دول مجموعة IGAD ، أو التجمع التنموي لشرق أفريقيا المكون من : إثيوبيا، والسودان، وجنوب السودان، والصومال، وكينيا، وجيبوتي، وأوغندا، وإريتريا ، كما أن جيبوتي أيضا بوابة لتجمع أكبر وأوسع، وهو مجموعة دول التبادل التجاري الحر لجنوب شرقي أفريقيا COMESA الذي يضمّ في عضويته 19 دولة تعداد سكانهم 450 مليون نسمة.

انتماء جيبوتي لهذه التجمعات الإقليمية يؤكد أهميتها الجيواستراتيجية فى الربط بين الجزيرة العربية والقارة الأفريقية من جهة الشرق، وهذا الأمر جعل رئيسها إسماعيل عمر جيله يكون أول قادة دول منطقة الشرق الأفريقي يستقبلهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لينقل علاقة البلدين التي كانت ممتازة ومتجانسة على مرّ تاريخها إلى مرحلة أكثر استراتيجية وعمقا من خلال توقيع اتفاقية تشاور سياسي واتفاقية أمنية واتفاقية عسكرية؛ ليضفي ذلك أيضا أهمية جديدة بمنطقة الشرق الأفريقي من قبل حكومة المملكة العربية السعودية أكبر وأهم دولة إقليمية؛ حيث تمثل منطقة القرن الأفريقي عمقا تاريخيا للجزيرة العربية عموما وللسعودية خصوصا منذ هجرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كونها الدولة الأصغر مساحة في القارة الأفريقية لا ينفى  امتلاكها العديد من المزايا التي جعلتها كيانا ذا ثقل إستراتيجي يجذب القوى العالمية، فجيبوتي تتحكّم بأحد أكثر الطرق البحرية ازدحاما في العالم “مضيق باب المندب”، الممر المائي الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر ويمرعبره نحو 4 % من إمدادات النفط العالمية.

يعود الاهتمام العالمي بجيبوتي إلى وجود هيكل سياسي مستقر في القرن الأفريقي الذي مزقته الصراعات، هيكل مقتنع لأقصى حدٍّ بأن الدعم الخارجي وتنويع الشراكات الخارجية هو سبيله لضمان استمرارية النظام السياسي وتوفير الاستقلال الذاتي، وهي القناعة التي جعلت البلاد بالفعل مركزا للمنشآت العسكرية الأجنبية التي تدر أهم مصادر الدخل المستخدمة في تحسين البنية التحتية للبلاد وزيادة قدرتها التجارية، فأقامت كلٌّ من الولايات المتحدة والصين وفرنسا وإيطاليا وغيرها قواعدها العسكرية في جيبوتي، أو لا تزال تعمل من أجل أن تنال حصة عسكرية على هذه الأرض .

وهذا بدوره يقودنا للنظر فيما تتميز به جمهورية جيبوتي من موقع جغرافي فريد على البحر الأحمر يربط طرق العالم وقاراته الكبرى، فإطلالة جيبوتي على مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية الكبيرة، جعلتها دولة محورية في الجهود المبذولة للحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين من خلال التنسيق والتعاون مع القوى الكبرى لحماية الملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات الأمنية التي تؤرق المنطقة والعالم بأسره.

وعلى أثر ذلك، فالقواعد العسكرية الدولية التي وجدت أخيراً في جيبوتي موجهة في المقام الأول لمكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية وحماية الملاحة الدولية في هذا الموقع الاستراتيجي المهم من العالم.

وبنظرة على تلك القواعد الدولية سنجد أن القاعدة الفرنسية أقدمها، وهي موجودة منذ ما قبل استقلال جيبوتي، وذلك راجع إلى العلاقات القديمة بين البلدين، كما أن وجود هذه القاعدة بعد استقلال جيبوتي يندرج في إطار الحفاظ على التوازن الإقليمي وفق المصلحة المشتركة بين البلدين.

ثم تأتي بعدها القاعدة الأميركية التي أنشئت بناء على اتفاقية للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والقرصنة وحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، عقب هجمات سبتمبر 2001 ، ثم جُددت في عام 2014 لعشر سنوات إضافية.

ومنذ عام 2011 تتمركز أيضاً قوة رمزية تابعة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية. كما أنشئت أخيراً في جيبوتي قاعدة بحرية صينية شيدتها بكين من أجل الاستخدامات اللوجيستية وحماية استثماراتها واقتصاداتها التي تمر عبر هذه المنطقة الحيوية،يضاف إلى ذلك استخدامات القوات الألمانية والإسبانية والإيطالية للموانئ الجيبوتية دعماً لوجيستياً لبواخرها العسكرية لمكافحة القرصنة في المنطقة.

ومن بين الأسباب التي تجعل جيبوتي ذات أهمية كبرى كونها من المحاور الرئيسية للتجارة العالمية. فأكثر من 80 في المائة من السلع التي تستوردها جارتها إثيوبيا، يتم إفراغها في ميناء “دوراليه”، أحد أكبر موانئ المياه العميقة في شرق إفريقيا. زيادة على ذلك فجيبوتي قريبة من بؤر التوتر في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. وترى أنيت فيبر من المؤسسة الألمانية للأبحاث الاقتصادية والسياسية في برلين. أن “جيبوتي هي على الأرجح حاليا أهم دولة في مجال تأمين طرق التجارة وكنقطة انطلاق لمكافحة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي.

وعن العلاقات الجيبوتية – السعودية التي تزداد قوة ومتانة يوماً تلو آخر في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية، نتيجة للتوافق السياسي وتناغم الرؤى بين الرئيس إسماعيل عمر جيله والملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما يصب في حماية مصالح الدول العربية المشتركة في هذه المنطقة الحيوية التي تعتبر عربية بامتياز.

ومن تناغم الرؤى السياسية بين البلدين الشقيقين، أن كانت جيبوتي سباقة في تأييد الشرعية اليمنية فور خروج الرئيس عبدربه منصورهادي من صنعاء إلى عدن عقب حدوث الانقلاب على مؤسسات الدولة وحتى قبل انطلاق عاصفة الحزم، حيث حمل السفير الجيبوتي في صنعاء حينذاك خطاباً من الرئيس إسماعيل عمر جيله إلى الرئيس هادي يؤكد له فيه وقوف جيبوتي مع الشرعية ضد الانقلاب الحوثي , كما لبت جيبوتي نداء استغاثة اليمن بانضمامها إلى تحالف دعم الشرعية اليمنية الذي تقوده المملكة، إضافة إلى أن جمهورية جيبوتي عضو في التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية.

وبالإضافة إلى ذلك فإن علاقة جيبوتي مع بقية دول الخليج العربية تعتبرمميزة، ما يجعل منها عملياً جزءاً من منظومتهم الاستراتيجية في منطقة كانت وما زالت حبلى بتطورات سياسية وعسكرية وأمنية متسارعة ومتلاحقة تهدد الأمن والمصالح المشتركة، وعلى هذا الأساس، كان قطع جيبوتي العلاقات الدبلوماسية بإيران بعد حادثة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد نموذج للعمل المشترك .

وانطلاقاً مما سبق، يمكن القول إن الأهمية الجيوسياسية لموقع جيبوتي الجغرافي انعكست على علاقاتها مع مختلف القوى العالمية والإقليمية، وقد نجحت على الصعيد الدبلوماسي في بناء دولة عصرية قادرة على التأقلم مع المتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية الراهنة منفتحة على العالم، تمارس علاقاتها الخارجية مع الدول الشقيقة والصديقة من منطلق الاحترام المتبادل والتفاهم بين الشعوب، ومن ثمّ إرساء السلام في العالم، وقد كان لها دور في السلام والمصالحة في الصومال مع تميز العلاقات السياسية والاقتصادية بالجارة الكبرى إثيوبيا .

وأن كل المعطيات السابقة أصبحت تشكل بالنسبة لجيبوتي رأس مال مهماً يجعل التميز الاستراتيجي الجغرافي مقترناً بسياسة متوازنة وحكيمة وحليفة للقوى الأهم في المنطقة كالمملكة العربية السعودية، وكذلك للقوى الأهم في العالم كفرنسا والولايات المتحدة والصين وغيرها، فجيبوتي اليوم بمقاييس الدبلوماسية الدولية لم تعد البلد الصغير حجماً وسكاناً، بل البلد الكبير إدارة وسياسة وعلاقات سليمة.

وبسبب ما تنعم به جيبوتي من أمن واستقرار رغم وقوعها في محيط مشتعل بالأزمات والصراعات، يطلق عليها كثيرون «واحة السلام»، وذلك لما عرفت به من دبلوماسية حكيمة وتوازن سياسي محلياً وإقليمياً.

وفى النهاية يرى محللون أن هذا البلد الصغير الذي يقع في القرن الإفريقي يعد واحداً من بين الأماكن المهمة إستراتيجيا في العالم وإن “أي شخص يُحكم السيطرة على جيبوتي فسيلعب دورا حاسماً في المنطقة”

المحور الثانى : عبقرية المكان أسباب أستضافة جيبوتي للقواعد العسكرية

تتعدد وتتنوع الأسباب المحفزة لاستضافة جيبوتي للقواعد العسكرية، وذلك إلى جانب التسليم قطعًا بأهمية منظومة الأهداف والمصالح الوطنية المرتبطة بكل قوة من تلك القوى التي تمتلك هذه القواعد، ولعل من أبرز هذه الأسباب ما يلي:

  • الأهمية الجيواستراتيجية لجيبوتى

تستمد جيبوتي أهميتها من موقعها الجيواستراتيجي المتميز ، حيث يحدها من جهة الشمال إريتريا، وإثيوبيا من الغرب والجنوب الغربي، والصومال من الجنوب، فضلًا عن خليج تاجورة الذي يقسم النصف الشرقي من البلاد والواقع جنوب مضيق باب المندب وعند مدخل البحر الأحمر والمطل على خليج عدن.

وينعكس هذا الموقع الجغرافي على الأهمية الجيواستراتيجية لجيبوتي حيث جعلها بمثابة ممر إلزامي لطرق التجارة البحرية الهامة، وذلك انطلاقًا من وقوعها على مضيق باب المندب، والذي يعد أحد أهم الممرات المائية في العالم إذ يربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، كما يعد طريقًا بحريًا بين القرن الأفريقي والشرق الأوسط تمر به معظم صادرات النفط والغاز الطبيعي من الخليج العربي إلى قناة السويس.

ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية تدفق ما يقدر بنحو (6,2) مليون (برميل/ يوم) من النفط الخام والمكثفات والمنتجات البترولية المكررة عبر مضيق باب المندب باتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا ، كما مثل إجمالي تدفقات النفط عبر مضيق باب المندب حوالي(9٪) من إجمالي النفط المنقول بحرًا (النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة) في عام 2017, حيث تدفق ما يقرب من (3,6) مليون (برميل/ يوم) شمالًا نحو أوروبا, و(2,6) مليون (برميل/ يوم) في الاتجاه المعاكس بشكل رئيسي إلى الأسواق الآسيوية مثل الهند وسنغافورة  

  • القرب الجغرافي لجيبوتي من مناطق الصراع

يشكل قرب جيبوتي جغرافيًا من مناطق الصراع في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، ووضعها كنموذج للاستقرار في منطقة تعاني من الاضطرابات عاملًا لجعلها مركزًا مميزًا لكل من عمليات الأمن البحري, دوريات مكافحة القرصنة, ضربات الطائرات بدون طيار الإرهابية، عمليات القوات الجوية، العمليات الخاصة بمكافحة الإرهاب, المراقبة الاستخباراتية, وحفظ السلام والمساعدات الإنسانية

فعلى سبيل المثال يمكن عن طريق جيبوتي الوصول لكل من اليمن والصومال، حيث تعاني اليمن من حرب أهلية ممتدة منذ بداية حدوث التغييرات السياسية في اليمن في عام 2011، التي تشهد حالة من الصراع الداخلي على السلطة السياسية في إطار المرحلة التالية على سقوط نظام الرئيس الأسبق (على عبدالله صالح ).

كما تعاني الصومال من صراع داخلي ممتد، منذ سقوط نظام سياد بري مع مطلع عقد التسعينيات من القرن العشرين، وهو ما جعل الصومال بؤرة للاضطرابات الممتدة ذات التداعيات العالمية والإقليمية، ولعل من أبرزها التهديدات المرتبطة بحركة الشباب المجاهدين التي تعد بمثابة أحد أبرز الحركات الإرهابية العابرة للحدود في أفريقيا والتهديد الناجم عن عمليات القرصنة قرابة السواحل الصومالية ويضاف إلى ذلك قرب جيبوتي من الحروب الأهلية في السودان وجنوب السودان، والنزاعات الحدودية بين السودان وجنوب السودان، والنزاعات الحدودية المجمدة بين إثيوبيا وإريتريا والممتدة منذ نهاية التسعينيات ومطلع العقد الأول من الألفية الجديدة حتى عام 2018

وقد انعكس هذا القرب الجغرافي لجيبوتي من مناطق الصراع على تحفيز بعض القوى الدولية أو الإقليمية لإنشاء قواعد عسكرية في جيبوتي، فعلى سبيل المثال مثلت القاعدة العسكرية الأمريكية في جيبوتي مركزًا لحملة الحرب العالمية على الإرهاب في القرن الأفريقي, حيث بدأت العديد من المهمات الأمريكية لمكافحة الإرهاب في اليمن والصومال ودول مضطربة أخرى مجاورة من جيبوتي, كما تدعم جيبوتي الالتزامات الفرنسية على المستوى الأمني في القارة الأفريقية؛ حيث شنت عمليات عسكرية كبيرة في ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية من قاعدتها في جيبوتي

خريطة القواعد العسكرية في جيبوتي

 

  • القاعدة العسكرية الفرنسية:

تحتفظ فرنسا بوجود عسكري في جيبوتي منذ تأسيس المحمية الفرنسية خلال الفترة (1883-1887)، وعقب حصول جيبوتي على استقلالها في عام 1977 احتفظت فرنسا بالعديد من التسهيلات العسكرية بالاضافة ألى القاعدة العسكرية في ، وتعد القوات الفرنسية في جيبوتى بمثابة أكبر الوحدات العسكرية الدائمة لفرنسا في أفريقيا، وقد تم التوقيع على اتفاقية للتعاون الأمني بين الطرفين في ديسمبر 2011 ، وأعادت البنود الأمنية لهذه الاتفاقية التأكيد على التزام فرنسا بالحفاظ على الاستقلال والتكامل الإقليمي لجيبوتي، كما تطرقت إلى التسهيلات العسكرية العملياتية المخصصة للقوات الفرنسية الكائنة في جيبوتي.

وتنتشر القوات الفرنسية في عدة مواقع تشمل مطار جيبوتي أمبولي الدولي ومطار شابيلاي الواقع خارج العاصمة، فضلًا عن القاعدة البحرية والتي تعلب دورًا لوجستيًا هامًا للأسطول الفرنسي وأساطيل الدول الحليفة لها في الإقليم، كما تعد هامة على المستوى الاستراتيجي لدعم القدرة الفرنسية بشأن إرسال غواصات الهجوم النووي إلى المحيط الهندي.

وتشمل القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي “القاعدة العملياتية المتقدمة” الطائرات الهليكوبتر ومجموعة طائرات ميراج المقاتلة بالإضافة إلى المعدات الثقيلة لدعم وحدات المشاة، كما ووحدة من القوات الخاصة الفرنسية ، وتستضيف وحدات ألمانية وإسبانية وهيئة الدعم اللوجستي المشتركة في القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي الموجودة  في الصومال، والمعروفة باسم “عملية أطلنطا” والتي تم إطلاقها في ديسمبر 2008م، وذلك في إطار السياسة الأوروبية المشتركة للدفاع والأمن

والهدف من هذه القاعدة استخدامها فى التعامل مع الأزمات في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي ومنطقة الشرق الأوسط ، ومن ثم فإن القوات الفرنسية الجاهزة في هذه القاعدة تستهدف الاستجابة للأزمات الإقليمية وتقديم الحماية للمواطنين الفرنسين في إطار مناطق الاختصاص المحددة لها، كما تختص القوات الفرنسية في جيبوتي بالدفاع عن الإقليم البري والجوي لجيبوتي، وذلك وفقًا لاتفاقية التعاون الأمني السالف الإشارة إليها، فضلًا عن دعم دور الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في حلف الناتو في منطقة القرن الأفريقي وحماية السفن البحرية.

  • الولايات المتحدة الأمريكية

أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية “عملية الحرية الدائمة ” فى منطقة القرن الأفريقي أكتوبر 2002  لمواجهة التيارات المتطرفة والقرصنة، والتي تعتبر جزءًا من التحركات العسكرية الامريكية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقد تم إنشاء “قوة العمل المشتركة الـموحدة في القرن الأفريقي لتنفيذ أهداف “عملية الحرية الدائمة – القرن الأفريقي

والتى تختص بالعمل  في كل من (جيبوتي, إريتريا, إثيوبيا, كينيا, سيشيل, الصومال, السودان), وقد أجرت عمليات خارج هذا النطاق في كل من (جزر القمر, ليبيريا, موريشيوس, رواندا, تنزانيا, أوغندا)، وقد تم نقل مسؤولية هذه القوة من القيادة المركزية للولايات المتحدة والمعروفة بــاسم “سنتكوم”  إلى القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا والمعروفة باسم “أفريكوم”، وذلك في أكتوبر 2008 لتكون بمثابة جهاز أمني مسؤول عن جميع الدول الأفريقية باستثناء مصرويقع مقرها في مدينة “شتوتغارت” الألمانية وغالبًا ما تستخدم هذه القاعدة العسكرية الأمريكية الموجودة في “معسكر” ليمونيه” بجيبوتي للحصول على الخدمات اللوجستية العملياتية

ويعد هذا المعسكر قاعدة فرنسية في الأصل تم تأسيسها كحامية لفيلق القوات الفرنسية ولكن سيطر عليها الجيش الأمريكي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتعد بمثابة القاعدة العسكرية الأمريكية الدائمة الوحيدة في أفريقيا , وقد أبرمت الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس “أوباما” عقد إيجار جديد لمعسكر ليمونيه لمدة (30) عام بتكلفة (63) مليون دولار سنويًا وذلك عام 2014وتضم القاعدة (4000) جنديًا أمريكيًا إلى جانب الحق في استخدام الموانئ والمطارات في مدينة جيبوتي

وقد تم الإعلان عن توسيع مساحة هذه القاعدة من (97) فدانًا إلى ما يقرب من (500) فدان  في يناير 2007, كما أعلن الجيش الأمريكي عن عقود بقيمة (240) مليون دولار لتوسيع المرافق التي ستشمل البنية التحتية لدعم طائرات الشحن التابعة للقوات الجوية، وذلك في أكتوبر 2018, ويعتبر ذلك التوسيع جزءًا من خطة قيمتها (1,4) مليار دولار لتطوير القاعدة أعلن عنها البنتاجون عام 2012 كما تم الانتهاء من بناء ساحة جديدة ضخمة على الطرف الشرقي من القاعدة في أوائل عام 2015 مما زاد بشكل كبير من قدرة عمليات نشر الطائرات التكتيكية وطائرات الدعم الخاصة بها

والهدف الرئيسي من وجود هذه القاعدة هى الحاجة الأمريكية لتوفير قاعدة لشن حربها على الإرهاب ، ويأتي التفضيل الأمريكي لاختيار جيبوتي بفعل مجموعتين من العوامل الرئيسية، أما الأولى فترتبط بالجانب الأمريكي والمتمثلة في طبيعة المستجدات والتغيرات السياسية العالمية التي أدت إلى التقليص من الخيارات الأمريكية لإنشاء قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط ، ولدعم الضربات الجوية الذى يتطلب النظر في مواقع بديلة وتكميلية للدول المستضيفة (تركيا، الكويت، وقطر) التى قد يؤدي التغير في ولاء هذه الدول تجاه الولايات المتحدة إلى التأثير على قبولها لاستضافة هذه القوة، ومن ثَم  توفر جيبوتي هذا البديل, بينما ترتبط المجموعة الثانية من العوامل بجيبوتي والمتمثلة في موقعا الجغرافي الاستراتيجي وبنيتها التحتية وقدرتها على استيعاب التشكيلات العسكرية وتوجهها المؤيد للغرب.

 

  • القاعدة العسكرية الصينية:

أنشأت الصين هذه القاعدة لدعم القوات البحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني  في أغسطس 2017، وتتكون من ثكنات عسكرية ومناطق ممهدة وثمانية مواقع مخصصة للطائرات الهليكوبتر وطائرات دون طيار ومنشآت بحرية ، وقد استمر التوسع بهذه القاعدة منذ تأسيسها من خلال إنشاء رصيف بحري بمساحة (450م) يمكنه استيعاب السفن الحربية الضخمة.

 

وتشير التقديرات إلى إمكانية استيعاب هذه القاعدة لعدة آلاف من القوات، كما تشير اللقطات التي التقطتها الأقمار الصناعية لهذه القاعدة إلى وجود عدد كبير من المنشئات الكائنة تحت الأرض وذلك على مساحة تبلغ نحو (23) ألف كم2، وتدفع الصين نحو (20) مليون دولار سنويًا لجيبوتي كعقد إيجار مدته عشر سنوات مقابل الانتفاع من هذه القاعدة العسكرية .

ومنذ افتتاح هذه القاعدة فإن ثمة توتر متزايد قائم بين كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية بشأن اتهام الأخيرة لعناصر القاعدة باستخدام الليزر للتأثير على رؤية الطيارين الأمريكيين، كما أن ثمة مخاوف متنامية في الأوساط الرسمية الأمريكية تتعلق بإمكانية مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية لقاعدتها العسكرية في جيبوتي بفعل سيطرة الصين على “ميناء دوراليه”، وكذا وجود ثمة إدراك بأن تأسيس القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي سيكون بمثابة الخطوة الأولى لتأسيس شبكة من القواعد العسكرية الأخرى كجزء من الانتشار الاستراتيجي لتعزيز النمو التدريجي للقوة البحرية للصين في المحيط الهندي.

ويمكن تحديد دوافع الصين لإقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي إلى دوافع جيواقتصادية ودوافع جيواستراتيجية :

  • الدوافع الجيواقتصادية :

تعد جيبوتي فرصة ذهبية للاستثمار الصيني في الخارج وللمصالح الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تمر نسبة كبيرة من تجارة الصين مع الاتحاد الأوروبي عبر خليج عدن والتي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار في اليوم، في حين تمر نسبة (40٪) من إجمالي واردات الصين النفطية عبر المحيط الهندي، ومن شأن وجود قاعدة صينية في جيبوتي أن يتيح زيادة التجارة عبر خليج عدن والبحر الأحمر . وتنظر الحكومة الصينية للقاعدة العسكرية فى جيبوتى باعتبارها وسيلة لدعم المصالح الاقتصادية للصين في منطقة القرن الأفريقي وقيادة الدبلوماسية البحرية في ضوء الرؤية الصينية للدور المحوري لجيبوتي في الطريق البحري لمبادرة ” الحزام والطريق ” الصينية والذي يشار إليه باسم “طريق الحرير البحري”, الذى يعد مشروعًا يربط المناطق الساحلية الصينية بأفريقيا وآسيا وأوروبا، ويمر عبر البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس

  • الدوافع الجيواستراتيجية :

وُصفت القاعدة الصينية باعتبارها “قاعدة دعم لوجستي” و”نقطة قوة استراتيجية” من قبل الخبراء وصانعي السياسة الصينية، وذلك للإشارة إلى دورها في دعم قدرات العسكرية للصينية بشأن فرض القوة بعيدة المدى، وكونها تشكل جزءًا من شبكة نقاط القوة الاستراتيجية للصين، وذلك من خلال استراتيجية “خيط اللؤلؤ”,  وتمثل كل لؤلؤة في هذه الاستراتيجية مشروع ميناء على ساحل المحيط الهندي، وسيؤدي ربط هذه الموانئ إلى إنشاء سلسلة من المنشآت العسكرية  كبؤرمراقبة للجيش الصيني, ويكمن الهدف من تلك الاستراتيجية في تطوير قدراتها البحرية عبر إقامة قواعد بحرية خارجية لتحقيق أهداف أمنية تتمثل في تحدي الهيمنة البحرية الأمريكية وإلغاء النفوذ الأمريكي .

أضافة ألى أن القاعدة الصينية في جيبوتي تعد بمثابة مرفق بحري لدعم عمليات مكافحة القرصنة، وحماية الأصول الخارجية للصين، وتسهيل مهمة إخلاء الرعايا الصينيين في مختلف مواقف الأزمات، ودعم الجهود الدبلوماسية الصينية في أفريقيا، وتوفير المساعدة للأعداد المتزايدة من المواطنين الصينيين المنخرطين في التجارة والمقيمين في أفريقيا وجنوب آسيا والعاملين بالشركات الصينية الخاصة والمملوكة للدولة في هذه المناطق, بالإضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التى تشارك الصين فيها بما يزيد عن 2000 عسكرىأ في أفريقيا، كما يتيح قرب القاعدة العسكرية للصين من القواعد العسكرية الغربية في جيبوتي فى جمع المعلومات الاستخبارية حول جميع العمليات الجوية والبرية والبحرية التي يتم إجراؤها من هذه المنشآت .

  • القاعدة العسكرية اليابانية:

أنشئت قوات الدفاع الذاتي اليابانية  هذه القاعدة العسكرية في جيبوتي عام 2009, والتي تعد  أول قاعدة عسكرية خارجية يابانية دائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, ويقع مقرها بجوار معسكر ليمونيه الأمريكي مما يتيح لها إمكانية الوصول إلى مطار جيبوتي أمبولي الدولي, وقد بلغت المساحة الأولية للقاعدة اليابانية  (30) فدانًا، وتضم (180) فردًا من قوات الدفاع والأمن وخفر السواحل إلى جانب ساحة للطائرات .

كما قامت اليابان منذ عام 2011 بإمداد قاعدتها في جيبوتي بمدمرة بحرية وطائرتان للاستطلاع والمراقبة البحرية وذلك للقيام بمهام مكافحة القرصنة ، حيث قامت اليابان بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية بهدف التصدي لحوادث القرصنة المتزايدة في خليج عدن, وقد قامت بتشغيل طائراتها من القاعدة الأمريكية بجيبوتي

والهدف الرئيسي لإنشاء اليابان لهذه القاعدة هو دعم التزامها بالجهود الدولية لمكافحة القرصنة, وضمان الأمن البحري والعمل مع الشركاء الدوليين من أجل الحفاظ على الاستقرار في الصومال وبناء القدرة على إنفاذ القانون في البلدان المجاورة لها ، كما تم استخدام القاعدة في عدة مسائل ومن بينها دعم المشاركة اليابانية في بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان في الفترة (2012-2017)، توزيع المساعدات الطبية بعد الهجوم الإرهابي على مصنع للغاز الطبيعي في الجزائر وقتل (10) مواطنين يابانيين في عام 2013، إجلاء المواطنين اليابانيين من جنوب السودان في يوليو 2016.

  • القاعدة العسكرية لإسبانيا

تنخرط القوات الإسبانية داخل جيبوتي في إطار دعم “عملية أطلنطا” التابعة للاتحاد الأوروبي والمتمركزة في القاعدة الفرنسية في جيبوتي، حيث تشارك بحوالي (50) فردًا، وقامت بنشر طائرات دورية بحرية واستطلاع ، وقد تم إطلاق هذه العملية في ديسمبر 2008، ويتم تنفيذها وفقًا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة, وتم تمديد العملية من قبل المجلس الأوروبي حتى ديسمبر 2020, وتختص هذه العملية بحماية سفن برنامج الأغذية العالمي والسفن التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال “أميصوم” وغيرها من السفن الأخرى, ردع ومنع وقمع القرصنة والسطو المسلح في البحر, مراقبة أنشطة الصيد قبالة سواحل الصومال, ودعم بعثات الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية الأخرى التي تعمل على تعزيز الأمن البحري والقدرة في المنطقة.

  • القاعدة العسكرية لإيطاليا

تم افتتاح قاعدة الدعم العسكرية الوطنية الإيطالية في عام 2013 بجوار مطار جيبوتي أمبولي الدولي، ويكمن الهدف الأساسي من إنشائها في دعم النشاط البحري الإيطالي في المنطقة لحماية السفن التجارية العابرة للمحيط الهندي، دعم عملية أطلنطا التابعة للاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تشغيل الطائرات بدون طيار، وتبلغ قدرة استيعاب القاعدة (300) فرد، غير أن العدد المعتاد لا يتجاوز (80) جنديًا، وتقوم إيطاليا بدفع نحو (2,6) مليون دولار سنويًا لجيبوتي كعقد إيجار.\

مساعي خليجية لإقامة قواعد عسكرية في جيبوتي

  • الإمارات العربية المتحدة

تبلورت المساعي الإماراتية تجاه إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي من خلال قيامها باستئجار مرافق عسكرية في أبريل 2015 في إطار انخراطها في إطار التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن , وعلى الرغم من المساعي الإماراتية لإنشاء منشآت عسكرية في جيبوتي فإن انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينها فى أبريل 2015 من جانب وإعطاء جيبوتي تعليمات بشأن مغادرة القوات الإماراتية والسعودية البلاد فى أبريل 2015 بفعل الهبوط غير المصرح به لطائرة إماراتية في مطار “جيبوتي أمبولي الدولي” من جانب آخر أدى إلى عرقلة هذه المساعي في هذا الصدد, وهو ما أسفر عن بحث الإمارات العربية المتحدة عن بديل مناسب لجيبوتي، حيث اتجهت للتوقيع على اتفاقية إيجار لمدة (30) عامَا للاستخدام العسكري لميناء عصب في إريتريا في ذات العام

ويرجع ذالك التوتر في العلاقات بين الإمارات وجيبوتي إلى قيام الأخيرة برفع دعوى قضائية  عام 2014 ضد شركة موانئ دبي العالمية بشأن “ميناء ” دوراليه ” متعدد المهام الذي فازت الشركة الاماراتية بامتياز تشغيله عام 2006 لمدة (30) عامًا وبعد افتتاحه في 2009 إتهمت الشركة بتقديم رشوة لرئيس هيئة موانئ جيبوتي لتأمين امتياز الميناء لمدة (50) عامًا, وعلى الرغم من تبرئة محكمة لندن للتحكيم الدولي للشركة الاماراتية في فبراير 2017 إلا أن جيبوتي قامت بإنهاء عقد الشركة لتشغيل الميناء من طرف واحد في فبراير 2018

  • المملكة العربية السعودية

تحددت المساعي السعودية تجاه إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي من خلال قيامها باستئجار مرافق عسكرية في أبريل 2015، كما أبرمت اتفاقًا أمنيًا مع جيبوتي بهدف إنشاء قاعدة عسكرية في عام 2016 عقبه تبني اتفاق للتعاون القضائي كجزء من استعداداتها لإنشاء قاعدة في عام 2017 وترتكز المساعي السعودية في هذا الإطار على تحقيق مجموعة من الأهداف لعل من أهمها مواجهة القرصنة, مكافحة الإرهاب, حماية تجارة النفط، تقليل تكاليف الحرب التي ينفقها التحالف العربي في اليمن ودعمها في حربها ضد ميليشيات الحوثيين في عدة أجزاء من غرب اليمن, ومراقبة تزويد إيران للحوثيين بالمواد والسلاح عبر السفن في خليج عدن

  • خاتمة

تشير الدراسات إلى أن ثمة عوامل عدة تدفع جيبوتي لاستضافة القواعد العسكرية لأهميها الجيواستراتيجية وكذلك الاقتصادية , وقربها الجغرافي من مناطق الصراعات من جانب ومنظومة الأهداف والمصالح الوطنية المرتبطة بالقوى ذات القواعد العسكرية في جيبوتي من جانب أخر، وقد شكلت هذه العوامل حافزًا لجعل جيبوتي الدولة الأكثر استضافة للقواعد العسكرية في أفريقيا، حيث لديها ست قواعد حتى تاريخه، ومنها ثلاث تابعة لقوى دائمة العضوية في مجلس الأمن ، وهي فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والصين، بالإضافة إلى وجود مساعٍ خليجية من دولتي الإمارات والسعودية .

وتتنبئ الرؤية المستقبلية إلى تنامي عدد القواعد العسكرية في جيبوتي في ضوء المساعي الحثيثة لبعض القوى الدولية والإقليمية في هذا الإطار، كما تذهب إلى إمكانية وجود تأثيرات متعددة ومتباينة الاتجاهات على جيبوتي جراء وجود هذه القواعد على أراضيها، فعلى الرغم من ما قد تنطوي عليه من تأمين تحقيق المصالح الوطنية لجيبوتي في إطار المحافل الدولية عبر الحصول على دعم هذه القوى وتعزيز العلاقات التعاونية معها على المستوى الثنائي بمختلف أنماطها، بيد أن وجودها قد يطرح معه إشكاليات تتعلق بالتأثيرات السلبية المصاحبة لهذه القواعد العسكرية على الاستقرار السياسي والاجتماعي الداخلي واستقلالية القرار الوطني لها.

وما قد يزيد من تفاقم هذه التأثيرات الأخيرة على جيبوتي وجود إمكانية لتضارب منظومة الأهداف والمصالح الخاصة بالقوى ذات القواعد العسكرية في جيبوتي مع بعضها البعض من جانب، أو لتضارب هذه الأخيرة مع المصالح الوطنية لجيبوتي، وفي هذه الحالة يمكن لجيبوتي تحييد أو تقليص مساحة التأثير السلبي لهذه القواعد عبر عدة بدائل، ومنها إعمال حقها الكامل في إنهاء الوجود المادي لأي من هذه القواعد العسكرية الموجودة على إقليمها، أو إثارة التنافس بين القوى ذات القواعد العسكرية، أو استقطاب دول أخرى لممارسة مزيد من الضغوط على هذه القوى إلى جانب التأثيرات المحلية لهذه القواعد فإن هناك جملة من التأثيرات على المستوى الإقليمي تتعلق بالتأثير على منظومة الأمن الإقليمي في البحر الأحمر في ضوء حقيقة أن وجود هذه القواعد خلق نوع من العسكرة الأجنبية في هذه المنطقة .

ومن المفارقات أن جيبوتي، تلك البقعة الجغرافية الصغيرة في القارة السمراء، هي مَن جعلت الخصمين الإستراتيجيين بكين وواشنطن جيرانا، إذ أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي على بُعد نحو 7 أميال فقط من القاعدة الوحيدة للجيش الأميركي في أفريقيا .

وعلى الجانب الاخر استغل النظام الحاكم بقيادة الرئيس الحالي “إسماعيل عمر جيله” التركيز على مسألة استثمار الأهمية الجيواستراتيجية لموقع جيبوتي وتحويله إلى مصدر أساسي للدخل, حيث تشكل الإيرادات الناجمة عن القواعد العسكرية نحو (128) مليون يورو وهو ما يعادل نحو (3%) من الناتج القومي المحلي  ليعزز من الاستفادة الاقتصادية لجيبوتي بتقديم القوى الممتلكة للقواعد العسكرية أعانات ومساعدات تنموية للبلاد .

فعلى سبيل المثال تقدم “الوكالة الفرنسية للتنمية المساعدات غير المباشرة عن طريق تمويل العديد من المشاريع، وذلك من قبيل تقديم الوكالة منحة للتنمية قدرها (6) ملايين يورو لجمهورية جيبوتي بهدف تحسين الظروف المعيشية لسكان “حي بالبالا” بمدينة جيبوتي

كما تُموِّل “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية العديد من المشاريع التنموية، وذلك من قبيل الدعم المقدم من مكتب الغذاء من أجل السلام التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذي مكن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من تقديم المساعدة الغذائية لأكثر من (42600) من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في جيبوتي في أبريل 2019 , كما قامت الوكالة بإطلاق “مشروع تنمية القوى العاملة” في عام 2016 بهدف توفير التدريب الفني للشباب بجيبوتي لتعزيز معارفهم ومهاراتهم بما يفي باحتياجات القطاع الخاص ويصل إجمالي الدعم الأمريكي السنوي المقدم لجيبوتي (70) مليون دولار سنويا .

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

المصادر

 

  1. القواعد العسكرية فى البحر الاحمر – تغير موازين القوى د / أميرة عبدالحميد – مركز الاهرام للدراسات السياسية
  2. القواعد العسكرية فى جيبوتى – الواقع والاسباب د / محمود زكريا – مركز فاروس للدراسات السياسية
  3. جيبوتى الافاق الاقتصادية البنك الدولى – أبريل 2021
  4. 16 دولة تمتلك قواعد عسكرية فى القرن الافريقى وكالة سبوتنيك – 2019
  5. جيبوتى بلد أفريقى صغير محط أطماع الدول العظمى موقع dw الألمانى – 2015
  6. تعاظم الاهمية الاستراتيجية لجيبوتى أقليميأ ودوليأ ضياء الدين سعيد – مركز أوساط 2016
  7. أهمية جيبوتى الاستراتيجية موقع العين الاخبارى – 2022
  8. منافسات القوى العظمى فى البحر الاحمر زاك فيرتين – مركز بروكينج للدراسات السياسية
اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى