د. محمد جبريل العرفي يكتب.. من أجل أن تغل يد الأجنبي عن التدخل السلبي في الشأن الليبي
الجزء الثاني: ضرورات الانتباه لمفخخات الأنجلوسكسون
في العدد الماضي تعرضنا لإرهاصات انهيار الإمبراطورية الأمريكية، وذكرنا أن أول إسفين في نعشها انهيار الثقة في عملتها، والتي أصبحت واقعا معاشاً بالتخلي عنها في المبادلات التجارية وأهمها الطاقة. مما ينبئ بتخلف القوة العسكرية الأمريكية ونهاية سطوة المخابرات الأمريكية، مما سيؤدي إلى نهاية الهيمنة الأمريكية، التي يخضع المرعوبون والخانعون لإملاءاتها.
والسؤال ما علاقة هذا بالدور الإنجليزي في الأزمة الليبية حالياً؟
الإنجليز يعيشون في جزيرة معزولة عن أوروبا ومهددة بتسونامي روسي، وتقع في الضفة الأخرى للأطلسي قبالة أمريكا، التي كانت في معظمها مستعمرة إنجليزية، ولهذا يشعر الإنجليز بانهم أكثر قربا لأمريكا، مما يشكل الفضاء الأنجلوساكسوني الذي توحده اللغة والثقافة والتاريخ، الأنجلوسكسون أنشؤوا بعد الحرب الأوروبية الثانية المؤسسات المهيمنة على العالم عسكريا واقتصاديا، لكن ظهور شعارات أنجلوسكسونية، من قبيل شعار «أمريكا أولا» عند ترامب، وشعار «استعادة السيطرة» عند بوريس جونسون. هذه الشعارات دفعت الأوروبيين، وخاصة الألمان إلى عدم الاسترخاء، مما أدى إلى تعزيز الروح القومية في أوروبا، وانتهاء سنوات الود مع أمريكا التي أعقبت انتهاء حقبة الحرب الباردة، والأوروبيون يدركون أن المصالح الأمريكية تتناقض مع مصالحهم. أمريكا تستخدم الإنجليز كحصان طروادة لتدمير الاتحاد الأوروبي، للقضاء على اليورو، ولمواجهة الروس في أوروبا وإفريقيا.
بريطانيا في وضع مهدد بالفناء عسكريا بهجمة روسية، واقتصاديا بالإفلاس، ولهذا تتفق الأهداف داخل الفضاء الأنجلوسكسونية (أمريكا وبريطانيا) تجاه ليبيا لتحقيق هدفين أولهما طرد الروس من إفريقيا ابتداء من البوابة الليبية، وثانيهما الاستيلاء على المدخرات الليبية لمواجهة تحديات الإفلاس الإنجليزي وأيضا الأمريكي، وتلتقي مصلحة الأنجلو ساكسون أيضا مع المصلحة العثمانية، ولهذا فتركيا شريك معهما في المؤامرة على ليبيا. الملاحظ هو تسيير حرب بالوكالة في شكل مسرحية، منتجها الأمريكيون، ومخرجها الإنجليز، وبطلها الأتراك وكومبارسها الليبيون، لإظهار أن الحرب ليبية، ولهذا ستجد دول الجوار حرجا في التدخل، أي أنه تجري محاولة لتحييد دول تعتبر ليبيا امتدادا لأمنها القومي مثل مصر، فزيارة مدير المخابرات الأمريكية إلى مصر، وإغراؤها بتمرير صفقة F38 تقع في هذا السياق لكن المصريين خبراء في إدارة الصراع، الأنجلو ساكسون، يدركون أن جل من في المشهد الليبي يمكن شراؤهم أو خداعهم أو تخويفهم ـ باستثناء جهة واحدة عجزوا إلى الآن عن ثنيها عن أهدافها في تحرير ليبيا واستعادة سيادتها. وهي قيادة القوات المسلحة، جربوا في السابق وسائل عديدة لإزاحة هذه الصخرة الصماء، ولكنهم عجزوا أو فشلوا. الآن ينتهجون سياسة التنويم والاسترخاء، باستعمال الخديعة والتقية.
محاولات الأنجلوساكسون لإزاحة هذه الصخرة الصماء تسير في ثلاثة مسارات أولها حوارات ماراثونية فاشلة بقصد إطالة الأزمة، وثانيهما تخريب الحاضنة الاجتماعية في المنطقة المحررة بعمليات إجرامية، وشراء ذمم وتجنيد عملاء وقصف إعلامي، وثالثها الإجهاز على قيادة القوات المسلحة وإعداد العدة للحرب من خلال تكديس الأسلحة وتحشيد المرتزقة، ونسج المؤامرات.
الليبيون في هذا المسرحية الأنجلوسكسونية، مجرد كومبارس أو واجهات فقط، أو مغرر بهم، فكل الذي يجري دون علم الرئاسي أو الدبيبة، فهؤلاء تهمهم مصلحة آنية مؤقتة، فرموا لهم عظاما يمشمشونها ويلتهون فيها، بينما الأنجلوساكسون يعملون للسيطرة على كامل ليبيا، لتعود قاعدة للنفوذ الأنجلوساكسوني، وكل مواطنيها رقيق لهم، كل المواطنين من سبتمبري إلى فبرايري إلى كرامة إلى عروبي إلى إسلاموي إلى انفصالي إلى وحدوي، جميعهم دون فرق – إذا نجح المخطط – سيكونون تحت الحذاء الأنجلوساكسوني
سؤالان يتحتم الإجابة عنهما:
السؤال الأول هل العصر الأنجلوسكسونية أبدي وقدري؟
الإجابة حتما (لا)، لأنه عصر يعتمد على وهم صناعة قوة زائفة، خططه تنجح بالتآمر والخديعة وترويج الرعب، وتشكيل العقل للاستلام.
السؤال الثاني هل نملك عناصر قوة قادرة على دحر مؤامرات الأنجلوسكسونية؟
الإجابة حتما (نعم)، وأول عناصر القوة تجذير الوعي وتقوية التنظيم، من أجل استنهاض قوة الشعب، وإدخال الاقتصاد في المعركة كمصادر الطاقة والمدخرات الهائلة، والفرص الاقتصادية الجاذبة وقبل ذلك وبعده حماية القوات المسلحة من داخلها وبحاضنتها ومن عدوها الذي تقوده مصر العروبة بعقولها وتاريخها، والأمير الثائر بالقوة الروحية والاقتصادية.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب