رأي

د. محمد جبريل العرفي يكتب.. من أجل أن تغل يد الأجنبي من التدخل السلبي في الشأن الليبي

الجزء الأول: الوعي بإرهاصات انهيار الإمبراطورية الأمريكية

افتتن الكثيرون بزيارة مدير المخابرات والقائم بالأعمال الأمريكي، واعتبروها ترسيخا لهيمنة أمريكية، بينما حقيقتها تعبير عن ضعف أمريكي، فهي للاستجداء، وتشكيل تحالفات، بينما اعتبرها المنبطحون للإملاءات، فأمريكا في أسوأ أوضاعها، لبدء فقدانها عناصر هيمنتها الخمسة، المتمثلة في القوة الوهمية للعملة الأمريكية، وتدنى مستوى قوة المخابرات والجيش الأمريكي، وتحييد آلة الإعلام التي كانت تشكل العقول الفارغة، وافتضاح التحالفات مع العملاء المرعوبين ومافيات النهابين.

اقرأ أيضا: د. محمد جبريل العرفي يكتب.. مواجهة المشروع العدمي تتطلب التفريق بين الحاجة للحوار ونوايا الخديعة

عنصر قوتها الأول «الدولار»، العلاقة وطيدة بين قوة العملة والهيمنة الإمبريالية، فقد انهارت الإمبراطورية البريطانية بمجرد التخلي عن تسعير النفط بالإسترليني. الأمريكيون يدركون هذه الحقيقة فيعارضون تسعير النفط بغير عملتهم، فقد غزوا العراق لأنه شرع في بيع النفط باليورو، وغزوا ليبيا لأنها شرعت في إنشاء مصرف مركزي أفريقي، واعتماد الدينار الذهبي الأفريقي، وتوظف أمريكا كلا من بريطانيا وتركيا ليتورط الاتحاد الأوروبي في الحرب الأوكرانية، ليتفكك الاتحاد، فلا يصبح اليورو منافسا للدولار، لكن ظهر لأمريكا خصوم آخرون، فالصين وروسيا اعتمدتا التبادل التجاري بالعملات المحلية، ودول الخليج بدأت بالتعامل التجاري بالعملات المحلية، مما أغضب الأمريكان وشرعوا في التآمر عليهم، وآخرها محاولة الانقلاب الفاشلة على الأمير الثائر بتخطيط أمريكي. الدول بدأت تتخلى عن تسعيرة صادراتها بالدولار، وتقييم عملاتها بسلة من العملات الأخرى، وتحويل مدخراتها إلى عملات أخرى، وتنقل استثماراتها خارج أمريكا، وهذه عملية ستتم على مراحل زمنية، وستقوم بها كل الدول، لأن الاقتصاد تحكمه المصالح وليس الصداقات.

يضاف إلى ذلك القيمة الفعلية للدولار، التي عدلت مراراً حتى استقرت عام 1944 بموجب اتفاقية بريتون وودز عند 0.8885714 جرام ذهب، وبعد حرب فيتنام (1956م-1975م)، تزايدت حاجتها إلى مزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، فأصبح الذهب الأمريكي لا يكفي لتغطية طباعة مزيد من الدولارات، مما دفع الرئيس ديجول طلب استبدال رصيد فرنسا من الدولار بما يعادله ذهبا، فقرر الرئيس نيكسون عام 1973 فك ارتباط الدولار بالذهب، مما أتاح الفرصة للحكومة الأمريكية لطباعة ما تشاء من الورق، لا تزيد قيمتها عن قيمة الورق المطبوعة به، ، فبلغ الدين العام 32 ترليون دولار أي نسبة 130 % من الناتج المحلي، بينما نسبة الدين الآمن يجب أن تتراوح بين 60 – 70 % عليه ستعجز أمريكا عن دفع مرتبات موظفيها، وعن الإيفاء بمقابلها في شكل سلع أو خدمات، من ناحية أخرى تمارس أمريكا القرصنة على أرصدة الدول من خلال غرفة مقاصة نيويورك بفعل العقوبات الأمريكية، حتماً سينهار الدولار بمجرد فقدان الثقة في قوة أمريكا.

من ناحية أخرى تركيا تتحول تدريجيا إلى موقف المنافس لأمريكا، فأردوغان يريد استثمار انتهاء اتفاقية لوزان بمرور 100 عام على توقيعها في 24/7/2023 لإحياء الإمبراطورية العثمانية، ويعيد احتلال أملاك الإمبراطورية مثل أذربيجان وأجزاء جديدة من سوريا وليبيا، فهو يكسب الوقت ليقوي دولته، ولهذا لم يتحمس للحرب الأوكرانية، كما اعترض على دخول السويد وفنلندا للناتو لكي لا يثير غضب روسيا، وابتزاز الدولتين بطلب وقف تسليح الأكراد وتسليم المعارضين الأكراد، كما قام باستعراض عضلاته في ليبيا بإيقاف ضخ الغاز من مليته إلى أوروبا، وزيارة مدير المخابرات التركي والتقاط صورة تذكارية لإظهار توحيد عملائهم الثلاثة في طرابلس.
الخلاصة.. العملة الأمريكية بدأت تفقد سيطرتها، والقوة العسكرية والمخابراتية تنهار تبعا لذلك مما ينبئ بتلاشي الإمبراطورية الأمريكية، ومما يسرع ذلك دعوات الانفصال داخل الولايات المتحدة التي بدأت تتزايد والدعوات العلنية لها.
الأمريكيون عاجزون عن وقف هذا الانهيار ويسعون فقط لتأخيره، وفي هذا السياق يسعون لوقف التمدد الروسي في أفريقيا، ومنع أن تقع ليبيا في المدار الروسي، فهم يعتبرون ليبيا مجالا حيويا أمريكيا لامتلاكها مخزونات الطاقة وموقعها الاستراتيجي كحلقة الوصل مع العمق الأفريقي. وما يعنيه ذلك من التحكم في الأسلحة التي تستخدمها أمريكا ضد أوروبا، المتمثلة في الإرهاب والهجرة ومافيات الجريمة المنظمة.

الحل هو خلق فضاء عربي أفريقي، تقوده الأمة العربية، لممارسة سياسة الحياد الإيجابي بين الأقطاب التي بدأت تتشكل. الأمل معقود على القمة العربية الربيع القادم في السعودية، نتمنى أن يتم توظيف القدرات العربية البشرية والاقتصادية لتحرير القرار العربي، وخاصة أن الإرادة العربية في مصر والسعودية وكثير من دول الخليج بدأت تتحرر من التبعية الأمريكية، كفى ثلاثين عاما من هيمنة القطب الأمريكي الوحيد، الذي دمر عديد الدول من يوغسلافيا إلى سوريا مرورا بالصومال والعراق وليبيا واليمن وسوريا.

ولنتذكر أنه منذ إنشاء الأمم المتحدة في 1945 إلى انهيار الاتحاد السوفيتي تم حصار 4 دول فقط، أما بعد عام 1990 فتم حصار وغزو 70 دولة، بقرارات من منظمة الأمم المتحالفة، من الخطأ الوثوق في أمريكا كحليف استراتيجي لأنها تتعامل بأخلاق المرابين ومصاصي دماء الشعوب، والغزاة وعصابات الإبادة البشرية، فهي لا تعترف بحلفاء، بل إما عملاء أو أعداء…. يتبع الجزء الثاني.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى