رأي

محمد جبريل العرفي يكتب.. الفرصة السانحة لتحديد الحليف الاستراتيجي بين غروب الغرب وفجر الشرق

انجلت الضبابة التي غشت عيون الناس بفعل الآلة الإعلامية الرأسمالية، فبعد قرن من هيمنة الغرب وثقافته، بما تحمله من ذكريات سيئة من العبودية والعنصرية، والاستغلال والاستعمار، والنهب والاحتكار، والتقتيل والتنكيل، والدعوة الزائفة للديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، تعرى زيف هذه الادعاءات، فها هي فرنسا يعتم الإعلام الرأسمالي على قمع مواطنيها ومنعهم من التعبير عن رأيهم، وأمريكا زعيمة العالم الحر يصل الصراع السياسي بين الحزبين إلى تسييس القضاء، مما يهددها بالتفتيت والحروب الأهلية، ودولة الصهاينة التي كان يروج بأنها نموذج الديموقراطية في الشرق أصبحت مهددة بالزوال، ومرعوبة من لعنة العقد الثامن، حيث بلغت مملكتهم الأولى نهايتها في العقد الثامن من عمرها، وتكرّر مرة أخرى مع مملكة الحشمونئيم التي انتهت في عقدها الثامن عام 70م، اليمين المتطرف يفجرها من الداخل ويحولها إلى طالبان صهيونية، فتفاقم الانقسام الشعبي ووصل إلى تمرد داخل الجيش وأجهزة الأمن.

اقرأ أيضا: الصراع الأمريكي الروسي في ليبيا هل سيفضي إلى الانتخابات قريباً؟

شمس المنظومة الغربية بدأت في الأفول، ولم تعد بعبعا يخيف أحدا، بل إن هذا الضعف أظهر سوءة هذه المنظومة وتاريخها الأسود، وفي المقابل شعرت الشعوب أن الثقافة الشرقية بعراقتها هي أكثر عدلا من ثقافة القراصنة والغزاة، اتضح هذا من وضع روسيا والصين في بلدان أفريقيا، حيث تمتنت العلاقة وتقدمت إلى مراحل يعجز الغرب بقيادة أمريكا عن اللحاق بها في القارة الأفريقية، لأن الصين تعاملت مع الشعوب وليس مع رؤساء فاسدين كما كان يفعل الغرب، اللهم فارحم من أدرك هذه الحقيقة وتعامل مع الزعامات الأفريقية التقليدية متجاوزا الحكام.

حرب أوكرانيا كانت إحدى المحطات الفارقة في نعش الهيمنة الغربية على العالم، فبعد ثلاثين سنة من تفرد أمريكا بمصير العالم ظهرت أقطاب منافسة لها، جذبت إليها من أفريقيا والمنطقة العربية الحلفاء التقليديين للغرب، فرنسا يتم طردها من دول أفريقيا، والدول العربية تتمرد على الإرادة الأمريكية، وتتجه للتحالف مع الشرق، فتتبخر جهود التطبيع مع الصهاينة، وتنتهي الهرطقة الإبراهيمية.

تحالف سوريا المتين مع الشرق عزز صمودها، ومنع احتلالها أو تمزيقها، فبعد قرابة عقدين من الحرب والمقاطعة، يعود إليها الآخرون ولم تتزحزح عن موقفها القومي، سيكون الاجتماعي الرباعي الذي يجمع سوريا وتركيا وإيران وروسيا نقلة نوعية لوقف نزيف الشعب العربي السوري، العداء المصطنع بين السنة والشيعة بدأ ينتهي بتطبيع العلاقة بين قطبين إسلاميين قويين، بفعل القيادة الوطنية الشابة في السعودية، وتأثير الثورة الثقافية التي تقودها، وستنجح رغم حجم التآمر عليها.

التحالفات السياسية ليست كصخور ثابتة، بل كرمال متحركة تتشكل وفق رياح مصالح الشعوب، الكيس الفطن من يستشرف المستقبل ويختار حليفه في التوقيت الصحيح، ما تقوم به القيادة السعودية الآن في التوجه إلى الشرق يعيد إلى الأذهان اتفاق 1945 بين روزفلت وعبدالعزيز الذي اختار التحالف وقتها مع أمريكا الدولة الصاعدة، ولم يركن لنصائح بريطانيا المتهاوية، شواهد التاريخ تبرهن على أن أمريكا تربطها علاقات مصالح التجارة وليس مبادئ الأخلاق، فقد تخلت عن عملائها وتركتهم يلاقون مصائرهم أمام ثورات شعوبهم، كما فعلت في إيران والفلبين وكمبوديا وتشيلي وروديسيا وغيرهم، الغرب يدرك أن انهياره حتمي، بفعل تقلص نفوذ عملته وضعف اقتصاده، وتآكل قوته العسكرية والمخابراتية، لكنه يسعى لتأخيره، رغم أن الانهيار لن يتوقف.

ليبيا أكثر دول المنطقة هشاشة لكونها محتلة، وكثير من متصدري المشهد شعوبيون لا يهمهم الوطن، وأحصنة طروادة للمحتل، لا يهم إلا تبرئتهم مما اقترفوا، والظفر بما نهبوا، باستثناء القلة التي لم تحد عن موقفها في تحرير الوطن وتحقيق سيادته، والتي استعصت عن الترويض رغم الإغراءات والصعوبات والمؤامرات، وبهذا اكتسبت ثقة الناس.

الخطر المحدق أن تتحول ليبيا إلى ساحة لحرب بين دول نووية، فالشرق لن يسلم في أفريقيا وسيقاوم محاولات الغرب طرد الروس والصينين من أفريقيا، ليبيا بوابة أفريقيا، قارة الخامات وفرص الأسواق.

الخروج من المأزق يتطلب الاعتماد على الذات ورص الصفوف ونبذ الفرقة وإبعاد المتطرفين والعملاء والجهلاء، وعدم الارتماء في حضن أحد الأقطاب، بل الانخراط في تشكيل قطب عربي ينتهج سياسة الحياد الإيجابي بين الأقطاب التي تتشكل، ويمد جسور التعاون مع الفضاءات الأخرى في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى