تقدير موقف

بين ليبيا وتركيا بعد فوز أردوغان.. ما الجديد؟ باحث سياسي يجيب

قال الباحث السياسي أحمد عرابي إنه بعد زلزال تركيا الأخير بلغت الإثارة ذروتها في تركيا حيث تحدى اردوغان استطلاعات الرأي، وحقق تقدما مريحا بخمس نقاط تقريبا على منافسه كمال كليجدار أوغلو في الجولة الأولى التي أجريت يوم مايو الجاري، لكنه فشل في الحصول على نسبة 50% +1 المطلوبة لحسم الجولة الأولى من سباق له عواقب وخيمة على تركيا والوضع الجيوسياسي العالمي. بعدها حصل أردوغان على نسبة نحو 53% مقابل 47% لكليجدار أوغلو، ليصبح بذلك رئيسا للبلاد لخمس سنوات أخرى قادمة.

في ظل صراع انتخابي رئاسي شرس توحدت فيه المعارضة لأول مرّة على مرشّح واحد لمواجهة ثلاثة منافسين يتقدمهم رجب طيب أردوغان الذي يسيطر على مقاليد السلطة منذ حوالي 20 عاماً.. وفي الوقت الذي رأي فيه العالم نتائج الانتخابات، تثور التكهنات حول مدى تأثير نتائج هذه الانتخابات على المتغيرات الإقليمية والدولية، وخاصة منها الموقف التركي حيال ملف ليبيا؟
وهكذا تأتي أهمية هذه الانتخابات من كونها تمت في سياقات متعددة داخليا وإقليميا ودوليا. فصمود حزب العدالة والتنمية –الحاكم- الذي تجاوز عدد أعضائه حاجز العشرة ملايين عضو أمام التحالفات الحزبية والمعارضة سينعكس بالتأكيد على حجم وطبيعة التحديات التي تواجه سياسة أردوغان واستراتيجيته في التعامل مع الصراعات الإقليمية المجمّدة أصلا حال فوزه بعُهدة جديدة.. ولكن في المقابل، كيف سيكون تأثير وجود أردوغان من المشهد العالمي على تركيا أو منطقة الشرق الأوسط وحتى العالم بعد فوزه ؟
عرابي أوضح إنه وإذ تعتبر ليبيا مسألة محورية بالنسبة لأنقرة والقاهرة اللتان توافقتا مؤخراً، فإن فوز أردوغان له أثر.. فهل يستمر اردوغان في تجنيد الأزمات أم يعيد تشدده مثلا في الطاقة بين الغاز و النفط في شرق المتوسط، ومحاولة تركيا سحب البساط من تحت أقدام الحلف الثلاثي –اليوناني القبرصي المصري- عبر استمالة مصر إليها من جديد. وفي الوقت الذي شكّك الكثيرون في موثوقية التنازلات التركية للقاهرة إزاء المتغيرات في الداخل الليبي، يمثل انتصار أردوغان نقطة حاسمة في كشف موقفه، من مسيرة التوافق مع مصر وفرضية تغيّر مقاربتها للملف الليبي حيث سيتم تبادل السفراء والتمثيل الدبلوماسي مع مصر قريباً.
حظوظ أردوغان لا زالت هي الأوفر، فرغم تعرضه لوعكة صحية أجبرته على إلغاء مشاركته في تجمعات انتخابية عدّة، إلا أنه يبدو الرجل القوي القادر على إدارة السياسة التركية بشكل براغماتي يحقق مصالحها الإقليمية التصالحية بما يؤثر على دور دول أخرى مثل السعودية بعدما خفّضت أزماتها مع إيران وهدأت من توتراتها في اليمن ولبنان.. فانعطافة تركيا نحو إصلاح علاقاتها مع خصومها الإقليميين السابقين بما فيهم السعودية مرتبط حتما بحاجة أردوغان للنهوض بعلاقاته الاقتصادية من أجل مواجهة الصعوبات التي تعانيها بلاده مع اقتراب الانتخابات.
فالباحث السياسي قال إنه منذ عام 2008 ، أرسلت تركيا قواتها المسلحة للانخراط في الصراعات الدائرة في كل من العراق وسوريا وأخيرا في ليبيا. ففي ليبيا، تدعم تركيا قوات حكومة الوحدة الوطنية المتمركزة في العاصمة طرابلس فلدى تركيا مصالح تجارية طويلة الأمد في ليبيا وتريد أن ترى البلد في حالة استقرار لتحقيق هذه المصالح. فالعلاقة بين البلدين شهدت تحولا جوهرياً منذ إعلان البرلمان التركي موافقته على الاتفاقية الليبية التركية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس، وكذلك مساعدة القوات الليبية في بناء مؤسسة عسكرية.
هذا القرار نتج عنه إنتهاء حرب طرابلس في نهاية عام 2019، وأسهم كذلك في إحداث توازن في المشهد العسكري الليبي بين معسكري الشرق والغرب ، فلم يشهد البلد اشتباكات مسلحة واسعة منذ ذلك التوجه التركي في البلاد، وهذا التوازن فتح المجال لحوارات جديدة انطلقت في 2021 واستمرت بعد فشل حدوث الانتخابات التي قررتها حوارات جنيف حتى يومنا هذا.
عرابي أكد علي أن تركيا أصبحت لاعباً أساسياً في الأزمة الليبية، وقد توجهت الأطراف الليبية من الشرق والغرب إلى تركيا، حتى مجلس النواب وافق على تصور ترسيم الحدود الليبية التركية، وبعد أن فهم الجميع أهمية ذلك لليبيا توثقت العلاقات نسبياً بين تركيا والأطراف السياسية في الشرق لكن في حدود الاتفاقية الدولية وخطة البعثة الأممية، التي لم تقبل تركيا أي انحراف عنها، حتى بعد أن حاولت بعض الأطراف تأسيس مسار مقابل من الممكن أن يعطل التحول نحو الاستقرار في ليبيا.
الباحث السياسي أحمد عرابي أكد إن التوجه التركي لم يغير المعادلة في ليبيا فحسب، بل جاء في سياق توجه تركي لإحداث توازن إقليمي كما حدث في سوريا، وصرح وزير الخارجية التركي في أحد لقاءاته أن إيجاد توجه إقليمي كالذي حدث في سوريا بين إيران وروسيا وتركيا من الممكن أن يتكرر في ليبيا أيضاً.
القوى الإقليمية هذه هي التي ستوازن التدخلات الدولية، وكما حدث في ليبيا عام 2019 من الممكن أن تكون هناك ضمانات إقليمية تمنع الاقتتال الداخلي وتضبط التدخلات الدولية وهذا قد يسهم في استقرار منطقة شمال إفريقيا.
عرابي أوضح إن الانتخابات التركية التي انتهت باستمرار رئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان وعليه فإن هذا التوجه سيستمر- كما نتوقع- وستسعى تركيا إلى إحداث مصالحات إقليمية متدرجة ومتوازنة يمكنها أن تضع حداً للتدخلات الخارجية السلبية لها، و قد يحدث هذا في السياق الأزمة الليبية إذا وضعت رؤية متوازنة بين تركيا ومصر تمنع الانقسام بين الأطراف الداخلية في البلاد .
وأشعار الباحث السياسي إلى أن الأتراك بشكل عام ينظرون إلى دور بلادهم في البحر الأبيض المتوسط بكثير من الاهتمام وسط النزاع المستمر مع اليونان، وبالتالي يعتبرون الاتفاق التركي الليبي الأخير الذي أبرمه رجب طيب أردوغان منذ ثلاث أعوام يصب في مصلحة تركيا وتأكيد وجودها وحماية مصالحها في البحر المتوسط، ووجودها كحليف في طرابلس الغرب.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى