الرئيسيةساحة الفكرمقالات الشرفاء الحمادي

النفس المطمئنة والأمّارة بالسوء والتحول النفسي للإنسان والتأثير المجتمعي.. طرح جديد للشرفاء الحمادي

الملخص

لقد وضع الكاتب والمفكر العربي الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي تعريفات حول النفس المطمئنة والنفس الأمّارة بالسوء، إذ وضح في هذا التعريف الركائز الأساسية والصفات العامة لكل نفس، موضحا أن هناك تأثيرات مباشرة تعود على المجتمع، فالنفس المطمئنة تجمع كل خصال الخير، فهي طاهرة مؤمنة تطيع الله من منطلق الإيمان الكامل بكل شيء، في حين تجد النفس الأمّارة بالسوء شقية بائسة مكتئبة حاقدة كارهة للحياة، وضرب الكاتب لنا مثلا في ذلك بالتحول النفسي للإنسان في هذا الإطار، فإلى تفاصيل الطرح كاملاً.

التفاصيل

النفس الطاهرة الراضية

خلق الله النفس المطمئنة الطاهرة المستيقنة بإيمانه والتسليم الكامل لقدرته والرضا بكل أقداره وطاعته المحبة للسلام والرحمة والخير.

يكون تفسيرها للنص يتوافق مع مقاصد الآيات لمنفعة الإنسان ومصلحته؛ تحقق له الأمن والحياة الطيبة والتمتع في نعمته وسلامته والحفاظ على كافة حقوقه ويتحقق لها وعد الله في قوله سبحانه: «مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ» (النحل: 97).

دعوة النفس المطمئنة

وتكون دعوة النفس المطمئنة للناس في تفسير النص القرآني كقوله سبحانه: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ» (البقرة: 148) ودعوته سبحانه للناس جميعًا: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة: 2).

تطبيق مبادئ الإسلام

كما يوضح الله سبحانه للناس مفهوم البر والتزاماته لكي يتبعوا تعليماته ويطبقوا مبادئ الإسلام وتشريعاته ليجزيهم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة، حيث يقول سبحانه في شرح معنى البر ما يلي: «لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (البقرة: 177).

حياة كريمة

كل تلك المبادئ التي تضمنتها الآية الكريمة تؤسس لمجتمعات يعيش فيها الناس حياة كريمة ينتشر فيها السلام والتعاون والأمان.

النفس الأمّارة بالسوء

أما النفس الأمّارة بالسوء الشقية البائسة المكتئبة الحاقدة الكارهة للحياة، القلقة من الحاضر والمتوجسة من المستقبل؛ فتدفعها روح الانتقام من أفراد المجتمع الذي تعيش فيه.

حياة راقية

فقدت أحلامها وضاعت أوهامها في الارتقاء لحياة غنية تتمرغ في الرفاهية، ووجدت نفسها فاقدة لكل شيء فانقلبت على كل شيء في المجتمع.

مشاعر الانتقام

وتوارت خلف أنانيتها بعد ما ضاع أمنها، سيكون تفسيرها للنص بما يتوافق مع ما تكنّه من مشاعر الانتقام من المجتمع الذي لم يساعدها في تحقيق أحلامها.

وأصبحت مستعدة لتقبل فتاوى مرضى النفوس والحاقدين على الناس من دافع اقتناعهم بأن دعوتهم لقتل الناس لكي يشهدوا أن لا إله إلا الله هي وسيلتهم لتحقيق أحلامهم التي فقدوها في الدنيا تتحقق لهم في الآخرة. ويجزيهم الله جنات النعيم.

الروايات الضالة

فوجدوا ضالتهم في الروايات التي تناقلتها الألسن على مدى أربعة عشر قرنًا، منسوبة زورًا وبهتانًا للرسول؛ لتصبح لديها المصداقية وتتوافق مع النفوس الأمّارة بالسوء.

قتل الأبرياء

لتشرع في قتل الأبرياء وتدمير المدن وتخريب البيوت وتشريد الناس مستمتعين بقطع رقاب الرجال والنساء والأطفال، مؤمنين بأن ذلك هو الإسلام ورسالته.

ونتيجة لذلك فقد اقتنع بتلك العقيدة الفاسدة عشرات الآلاف من الشباب ما توافق نفوسهم من أحقاد على المجتمعات التي يعيشون فيها.

كيف تتحول النفس المطمئنة؟

ليحققوا بتلك الفتاوى الشريرة الشيطانية ما تتفاعل به النفس الأمارة بالسوء، متبعة إغواء الشيطان متجانسة مع أي رواية ترضي أمانيها الزائفة، وتتجاوب مع مشاعرها التي تبحث عن مبررات سفك الدماء، وتأويل الآيات بما يخدم قناعاتها الشريرة.

أبرز النماذج

وأبرز نموذج على ذلك سيد قطب، كيف كانت آراؤه قبل السجن حيث انطبعت طبيعة الحياة المطمئنة على نفسيته والتي توافقت كتاباته مع حالته النفسية في المرحلة الأولى من حياته الثقافية؟

التحول النفسي

ثم كيف تحولت كتاباته أثناء احتجازه في السجن والتحقيق معه وما عايشه من الضغط النفسي للسعي إلى الانتقام من المجتمع بتكفيره لأفراده ومحاربته ودعوته إلى الانتقام من الكفرة ودعوته إلى سفك دماء أفراده.

نفوس مريضة

وقد أفرزت كل التفاسير السابقة من أصحاب النفوس المريضة فِرق القتل التي تحولت نفوسهم للقسوة والوحشية في القتل والتدمير دون هدف.

نفوس خاوية

اللهم إلا إرضاء نفوسهم الخاوية التي تلبّسها الشيطان بفعل فتاوى وتفاسير علماء الظلام أمثال القاعدة وداعش والتكفيريين والإخوان وكثير من الضالين طريق الله المستقيم.

مهمة الرسول

الذين آمنوا واتبعوا كل التفسيرات المتناقضة مع التشريع الإلهي في الدعوة للرحمة والعدل والإحسان وحرية الإنسان في اختيار عقيدته والمحبة والسلام والتكافل الاجتماعي، والتعاون بين الناس وحق الدفاع عن النفس والجنوح للسلام، لحقن الدماء حين أولوا بعض آيات سورة التوبة إلى دعوة لقتال الناس جميعًا حتى يقولوا لا إله إلا الله، بينما حدد الله لرسوله مهمته بقوله: «أَفَأنَتُ تْكِرُه الَّناس َحَّتٰىَ يُكوُنواُ مْؤِمِنيَن» (يونس: 99).

وقوله سبحانه: «رَبُّكُم أَعلَمُ بِكُم إِن يَشَأ يَرحَمكُم أَو إِن يَشَأ يُعَذِّبكُم وَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم وَكيلًا» (الإسراء: 54).

الحق من ربك

وقوله سبحانه في الحكم الإلهي القاطع الذي لا يشوبه التشكيك؛ مخاطبًا رسوله عليه السلام: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ..» (الكهف: 29)

القاعدة الإلهية

وعلى أساس حق الإنسان المطلق في اختيار دينه وعقيدته ومذهبه سيتم حسابه من الخالق سبحانه يوم القيامة تطبيقًا للقاعدة الإلهية في قوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (الحج : 17).

تكفير الناس

إذ بمقتضى هذه الآية الحاكمة ليس من حق أي رسول أو نبي أو أيًا كان أن يكفِّر إنسانا أو يجعل نفسه وصيًا على دينه وعقيدته. أو يحكم عليه مسبقًا نيابة عن الله بأنه سيلقي به في النار أو يعذبه عذابًا أليمًا أو يهدده بأساطير عذاب القبر وما سيلقاه في مواجهة الثعبان الأقرع؛ لزرع الخوف في نفسه.

من الذين يشوهون الإسلام؟

فمن كلف الذين جعلوا أنفسهم أوصياء على عقائد الناس والتفتيش عن نواياهم التي لا يعلمها إلا الله فليتوقف العبث باسم الإسلام. وليخشَ الذين يتجاوزون حدود الله في أحكامه وتشريعاته؛ يحاربون آياته ويزورون رسالته ويشوهون الإسلام بارتكابهم العصيان والجرائم ضد الإنسان.

وقد توعّد الله سبحانه المفترون عليه الكذب بقوله: «قُل إِنَّ الَّذينَ يَفتَرونَ عَلَى اللَّـهِ الكَذِبَ لا يُفلِحونَ مَتاعٌ فِي الدُّنيا ثُمَّ إِلَينا مَرجِعُهُم ثُمَّ نُذيقُهُمُ العَذابَ الشَّديدَ بِما كانوا يَكفُرونَ» (يونس: 69-70).

هجر القرآن

ويتساءل سبحانه عن عباده الذين هجروا كتابه وصمّوا آذانهم عن تحذيره وعقابه بقوله: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ» (الحديد: 16).

خارطة الطريق للمؤمنين

ثم يرسم لهم سبحانه خارطة الطريق لمن أراد أن يتبع كتابه ويتجنب حسابه وعقابه فيعرض للكافرين ما سيلقونه يوم القيامة بقوله سبحانه: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُوا بَلَى وَلَـكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» (الزمر: 71-72).

مشاهد يوم القيامة

ثم يعرض القرآن مشهد المؤمنين يوم القيامة بقوله: «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين» (الزمر: 73-74)، وهكذا يبين الله للناس برحمته حق الاختيار بين الطريقين.

البعد عن المحرمات

الأول لمن آمن واتبع كتابه والتزم بتطبيق تشريعاته وسلك آداب القرآن وأخلاقياته وابتعد عن محرماته والتزم بحدوده وأطاع الله ورسوله فيما بلَّغه من آياته؛ فستحتفي به ملائكته يوم القيامة.

طغيان الإنسان

ومن أعرض عن ذكره وكتابه وعصى الله ولم يخشَ عقابه وارتكب الجرائم ضد الإنسان وطغى على عباده واستكبر على آيات الله ونسي يوم حسابه؛ فسيجازيه الله ما يستحقه من عقاب في جهنم وأليم عذابه. فكل إنسان يجازيه الله حسب قراره.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى