ساحة الفكرمؤلفات الشرفاء الحمادي

الحلقة الرابعة من كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي للكاتب العربي علي محمد الشرفاء الحمادي

الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية

في هذه الحلقة سنتحدث عن الجزء الثاني من الخطاب الإلهي من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي الذي يطالب فيه الناس بالاجتماع تحت خطاب الله الواحد الأحد (القرآن الكريم) ويتحدث عن ضرورة الرجوع إلي القرآن الكريم منهجا وسلوكا في العبادات والمعاملات بعيدا عما أنشأته الفرق والمذاهب الإسلامية من اختلافات وفروق بين المسلمين بعضهم البعض .

اقرأ أيضا: الحلقة الثالثة من كتاب《المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي》للمفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي  

وإليكم الحلقة الرابعة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”.

لم يستثن الله سبحانه وتعالى أحدًا من خلقه تأكيدًا لعدلِه وتحقيقًا للمساواة بين عباده، فلا ميزة لأحد، كلهم سواء أمام الخالق الجبَّار، يطلبون رحمته واثقين بعدله وقضائه يوم الحساب. فلا وسيط يومئذٍ غير عمل الإنسان تأكيدًا لقوله سبحانه: « يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ » (الشعراء: 88-89).

المسلمون بين الخطاب الديني والإلهي

ولذلك فالله سبحانه يحذّر الناس من تصديق الروايات أو المقولات ولا يلقون بالاً إلا للآيات حتى لا ينصرفوا عن القرآن الكريم الذي جاء معه النور ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.
وأمر سبحانه عباده بأن يستمسكوا بالعُرْوَة الوثقَى، كتاب الله، الذي يربط بينهم وبين خالقهم، وَجَاءت الآية الكريمة في سورة آلَ عمران تأكيدًا لذلك:
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعاوَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَليْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلوبِٰكُمْ فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخَوَانًا وَكُنتُمْ عَلىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103).

إنَّ مراد الله تعالى من هذه الآية الاعتصام بحبل الله، وهو القرآن الكريم والعروة الوثقى التي تربط الإنسان بخالقه مما يجنّبهم العداوةَ والبغضاءَ ويؤلف بين قلوبهم ليصبحوا إخوانًا، لأنَّـهم سيكونون جميعًا تحت مظلة واحدة وهدف واحد، يتبعون النور الذي أنزله الله على رسوله الذي يحقق لهم الأمن والسلام، حيث يقول سبحانه في وصف قرآنه: «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» ( اُلمائدة: 16).

إنَّ ظهور المذاهب المختلفة من سُنَّـة وشيعة وغيرهما من المذاهب، كان دافعه السياسة والتمييز وخلق طوائف متعددة، كل طائفة تستند إلى مرجعية ابتدعت روايات ما أنزل الله بها من سلطان، واختلقت أخبارًا وأحاديث منسوبة للرسول- صلى الله عليه وسلم- من أجل أن يجعلوها قاعدة لبناء فقه ديني خاص لكل منهم يختلف عن الطائفة الأخرى، مما أدى إلى تفرق المسلمين شيعًا وأحزابًا.

والهدف من ذلك تحقيق غاية أعداء الدين الإسلامي، في جعل الـمسلمين ينصرفون عن القرآن الكريم ليسهل عليهم تفريقهم، وزرع بذور الفتن فيما بيـنهم.

وهكذا أصبح حال المسلمين في تنافر وصراع وقتال إلى العصر الذي نعيشه، حين نشأت فرقٌ جديدة ترفع شعار الإسلام وتغتال قيم الحرية وحقوق الإنسان وترتكب أبشع الجرائم، بِجَز أعناق الأبرياء وتدمير القرى والمدن واغتصاب الأطفال والنساء.

يعيثون في الأرض فسادًا ولا يهتمون بحق الإنسان في الحياة، ولم يراعوا أوامر الله في عدم الاعتداء على الناس، ولم يتبعوا ما جاء في أمْر الله باتباع المنهج الإلهي الذي يدعو إليه سبحانه بقوله: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وْلَاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الْدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرضِ إنَّ اللَّـهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ) (القصص : ٧٧).

هذه أوامر الله للناس جميعًا، فهل اتبعت الفرق الإرهابية أمثال «داعش»، و«الإخوان»، و«النصرة»، و«التكفيـر والهجرة»، و«السلفية»، و«القاعدة»، وغيرهم ممن هم على شاكلتهم ما جاء في المنهج الإلهي في هذه الآية؟
وهل بمخالفة أوامر الله سبحانه سيدخلون الجنة بأعمالهم الإجرامية؟.. أم سَيُلقَون في جهنم وبئس المصير بما ارتكبوا من الفساد في الأرض عندما لبّوا دعوة الشيطانَ واتبعوه، حَيث يقول الله سبحانه: «وَقالَ الشَّيطاَنُ لمّا قُضِيَ الأمرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأخلَفتُكُم وَمَا كانَ لِيَ عَليَكُم مِن سُلطانٍ إِلَّا أنَّ دَعَوتُكُم فَاستجَبتُم لي فَلَا تَلوموني وَلوموا أنفُسَكُم ما أنا بِمُصرِخِكُم وَما أنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنّي كَفَرتُ بِما أشرَكتُمونِ مِن قَبلُ إنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ» (إبراهيم:22).

فلا سبيل للمسلمين من الخروج من النفق المظلم الذي عشناه ونعيشه اليوم إلا بالعودة للخطاب الإلهي القرآن الكريم نستمد منه النور الذي سيضيء به عقولنا وترتقي معه نفوسنا تمتلئ بالرحمة والمحبة والعدل، نستلهم من كتاب الله سُبُل السلام ونستوعب مراد الله من آياته لخلقه عيشًا هنيئًا وسعيًا مشكورًا وطاعة مقبولة وأجرًا عظيمًا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من عمل صالحًا واتقى الله واتبع هداه.

لذا فإنني أقترح في الوقت الذي يبحث فيه المسلمون تجديد الخطاب الديني بضرورة التوقف عن استخدام مصطلح «الخطاب الديني»، لأنَّ كل مَن هبَّ ودبَّ وجاء برواية أو حكاية أو خرافة اندرجت تحت الخطاب الديني، بينما الأصل الذي يحمل رسالة الإسلام للناس هو الخطاب الإلهي، كلمة الله وآياته.

المسلمون الخطاب الديني

فلنفكر جميعًا بأن نستدعي لحظات تاريخية قبل أربعة عشر قرنًا نتصور فيها أنفسنا في حضرة رسول الله- صلى الله عليه وَسَلمْ- يُبَلِغَنا رسالة الله في كتابه المبين، ويتلو علينا القرآنً الكرَيم كما أمرُه اللَه بقوله تعالى: «لقَدْ مَّنَّ اللَّـهْ على المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أنفُسِهِمْ يَتْلو عَليْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ» (آل عمرانّ:164).

فنتلقّى منه- صلى الله عليه وسلم- ما يُنَزّله الله تعالى عليه من آيات كريمة،ونتعلم منه الحكمة، ويوضح لنا ما جاء في كتاب الله من حكم وموعظة وقِيَم، يعلمنا شعائر العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج بيت الله وتشّريعات تبين الحلال والحرام، حيث كلفَه الله بمسؤولية إبلاغ الناس كافةً بالمنهج الإلهي بقولهَ تعالى: ﴿يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِغْ مَا أنزِلَ إِليْكَ مِنْ رَّبِّكَ وْإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ﴾ (المائدة: 76).
وقوله تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَليكَ البَلاغُ المبُيـنُ﴾ (النحل: 82).

وقوله تعالى: (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد:40)
فنظلّ نستمع إلى ما يتلوه علينا رسولُ الله- صلى الله عليه وسلّم- آيات من القرآن الكريم ويُفسّر لنا مقاصدها التي تدعو الناس لما يصلحهم ويحقّق لهم المنفعة والأمن والسلام في لحظات لم تكن تلوثت بمذاهبولم تكن فيها طوائف وفرق متصارعة.

نتعلم منه- عليه الصلاة والسلام- منهج الخطاب الإلهي الذي يأمر عباده باتباع القرآن وعدم الاعتماد على استنتاجات بشرية نسبت إلى الصحابة أو غيرهم ممن نَصَّبوا أنفسهم أهلَ العلم والًمعرفة وعلماء الدين وشيوخ الإسلام، فلا يوجد شيوخ للإسلام ولا أئمة ولا كهنة ولا أحبار، بل عباد لله مخلصين له الدين يتبعون رسولاً كريمًا، حيث قال تعالى: «اتَّبِعوا ما أنزِلَ إِليكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعوا مِن دونِهِ أولِياءَ قَليلا ما تَذَكَّرونَ»(الأعراف:3).

فلا اجتهادات بشرية أو خطابات دينيّة متعدّدة، بل كان خطابًا إلهيًّا واحدًا ورسولاً وإمامًا واحدًا يتلو على الناس آيات الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور، يُعلِمَهم دينهم الذي ارتضى الله لهم ويحذرهم من الابتعاد عن كتاب الله وما جاء به من تشريعات للبشرية تحقّق لهم الأمن في الدنيا والآخرة وتحميهم من عدوان بعضهم على بعض ليعيشوا في رخاء وسلام.

وبعد ما استلم القيادة من بَعده بعض من صحابته الذين عايشوا النبي أثناء بعثته وحاربوا معه دفاعًا عن رسالة الإسلام،واُستُشهد منهم الكثير دفاعًا عن رسالة الإسلام تلقوا منه ما تلاه عليهم من آيات الذِّكر الحكيم، وتعلموا منه فقه العبادات، ووضَّح لهم التشريعات وأهداف المنهج الإلهي حتى وفاته صلى الله عليه وسلم.

عندها اشتدت الظُلمة عليهم بعد غيابه وأصابتهم الحيرة وتغـّير المنهج الذي كانوا يعيشونه ويتفاعلون معه، وفرضت المفاهيم الدنيوية الجديدة نفسها على الواقع، فتراجع التفاعل مع كتاب الله والالتزام بأحكامه والتقيد بشريعته، وتحكمت النفوس والهوى في قيادة المشهد.

فقد نشأت طوائف متعدّدة ومعتقدات خاصّة بها ترتب عليها نشوء فرق دينية سياسية تسبّبت في الاقتتال بين المسلمين، بما أملت عليهم ظروف الواقع والصراع على السلطة، فطغت عليهم الدنيا وسخّرت العقول لخدمتها، وأصبحت الغايات تبـرر الوسائل حينما خَفَتَ صوت القرآن والتبست عليهم الأفهام لرسالة الإسلام، عندما أهالوا على الآيات ركامًا من الروايات فتراجعت مقاصد الرسالة لخير البشرية، وتزاحم الرواة في سرد آلاف الأساطير، وأضافت إليها الإسرائيليات مزيجًا من الخرافة وتغييب العقل وإثارة النعرات لخلق الفتنة بينهم، فاستحكمت بعقول صفوة علماء الدين تلك الروايات والأقوال ومنحوها المصداقية لأنها منسوبة لأحد الصحابة.

فكيف استطاعوا التأكد من مصداقيتها بعد أكثر من قرنين من الزمان، حيث برزت طبقة مميزة في المجتمع الإسلامي احتكرت المعرفة والقدرة على تفسير القرآن وتوضيح مقاصد آياته، واعتمدت الروايات مرجعًا لفهم نصوص القرآن وتفسيره، وغابت عنهم حقيقة الخطاب الإلهي لخلقه.

المسلمون اليوم أمام طريقين لا ثالث لهما:

أولاً: إما أن نَتّبع مابَلّغنَا به رسولُ الله من آيات كريمة في كتاب كريم، أن نؤمن بالله الواحد الأحد ربًّا وبكتابه هاديًا ومُرشدًا وبرسوله نبيًّا وإمامًاوداعيًا إلى الله وسراجًا منيرًا يدعو لعبادة الله الواحد الأحد ويأمر المسلمين بالاعتصام بكتاب الله الكريم، وأن يكون القرآن وحده مصدر التشريع لهم، وأن يضعوا تشريعاتهم حسب متطلّبات عصرهم، مسترشدين بالتشريعات الإلهية في كتابه الكريم، أساسها العدل والمساواة والرحمة، والامتناع عن الفساد في الأرض، وعدم العدوان على النفس وعلى الممتلكات دون وجه حق اتباعًا للمنهج الإلهي، متخذين القرآن منهجهم ورسول الله قدوتهم بعمله وسلوكه وسيكون جزاؤهم يوم القيامة كماقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (البروج: 11).

ثانيًا: وإمّا أن نتّبع الروايات والذين روجوا لها على لسان الصحابة ممّن يُسمَّونَ علماء الدين وعلماء الحديث وشيوخ الإسلام، وأقحموها في قناعات المسلمين فَفَرْقَتهم شيعًا وأحزابًا يضربون أعناق بعضهم البعض، وكلُّ منهم يحمل شعار الله أكبر، ويدّعي أنه صاحب دعوة الحق وما عداه كافر، مُعَرّضين أنفسهم لغضب الله وعقابه في الدنيا ويوم الحساب، ومازال المُسلمَون يعانون من نتائجها حتى اليوم، حيث سيكون جزاؤهم عند الله سبحانه بقوله: « وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ » (طه: 124).

ذلك سيكون جزاء الذين أعرضوا عن القرآن والتدبر في آياته واتباع أوامر الله التي تدعو الناس لما ينفعهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وحتى لا يستمرّ توظيفُ الرواياتِ المزوّرةِ وما تتلوهُ الشياطينُ من أساطيرَ مدبَّرة من أجلِ التغريرِ بالناسِ وخداعِهم ليبتعدوا عن رسالةِ الإسلام والمنهجِ الإلهي الذي حملَهُ رسولُ اللهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ليبلّغَهُ للناسِ لتحًريرِ عقولهِم وتطهيرِ نفوسِهم والارتقاءِ بهم لتكونَ علاقتُهم مع اللهِ مباشرةً دونَ وسيط من بني البشرِ، ليحميَهم من استغلالِهم في تحقيقِ أهدافٍ دنيويةٍ لصالحِ المدّعينَ بدعاة الإسلام وشيوخِهِ وعلمائِهِ وحتى لا يُفاجَأَ الناسُ يومَ الحسابِ ويكتشفوا بعد فَوَاتِ الأوانِ بأن لَا رصَيدَ لهم من الحسنات عندَ اللهِ يحميهم من العذاُبِ، كما قَالَ سبحانَهُ وتعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) (الأنعام: 44).

ومن أجلِ ذلك وحمايةً لمجتمعاتِنا من الإرهاب وقتلِ الأبرياءِ ووأدِ الفتنِ وإيقافِ الصراعِ المستمرّ منذُ أربعةَ عَشَرَ قرنًا ووقفِ نزيفِ الدمِ وسرقةِ ثرواتِ الوطنِ العربيِ من خلالِ مشترياتِ السلاحِ التي تستنزفُ ميزانيةَ الدولِ العربيةِ.

فبدلًا من أن توظَّفَ المليارات في تنميةِ المجتمعاتِ العربيةِ تكونُ نهبًا للصوصِ، كشركاتِ تصنيعِ السلاحِ وسماسرتِهِ، يدفعوننا لنتقاتل به، تاركين أعداء العروبة والإسلام يستمتعون بدمائنا تسيل، وثرواتنا تنهب.

فلا سبيلَ إلى الخروجِ من المأزقِ التاريخيِ والموروث الفكري الذي أسّسَ المكوّنَ الثقافيَ للإرهاب وأدّى كذلكَ إلى تخلّفِ العربِ، فبدلًا من أن يتبعوا كتابَ اللهِ في الارتقاءِ بالعقلِ، حيث جعل الله التدبر والتفكر في كتابه فريضةً إلهية، وما يدعو إليه المسلمونَ في اتباعِ المنهجِ الإلهي في البحثِ العلميِ بتعميرِ الأرضِ والتمسكِ بالأخلاق والفضائلِ والتقيد بتشريعاته التي أنزَلَها اللهُ على رسولِهِ في كتابٍ مبينٍ ليضَعَ أمامَهم خارطةَ طريقٍ تكونُ نبراسًا للناسِ يحيون فيها حياةٍ طيبةٍ يسودُها الرخاءُ والعدلُ والأمنُ والرحمةُ والسلام.

لذا فَعَلى القياداتِ الثقافيةِ والدينيةِ أن تسعى بكلِّ السبلِ لتسليطَ الضوءِ على الخطابِ الإلهي واستنباطِ كلِ ما له علاقةُ في تأسيسِ ثقافةٍ دينيةٍ واعية مدركة لمقاصد الخطاب الإلهي للناس وما فيها من خير وصلاح لكي يعود المسلمون إلى القرآن الكريمِ ليصبح مرجعًا وحيدًا للعباداتِ والقيمِ النبيلةِ والفضائلِ لإحياءِ الضميرِ الإنسانيِ لتتكوَّنَ عندَ الإنسان مناعةُ طبيعيةُ من كلِ ما حرّمَهُ اللهُ واتباعِ كلِ ما أمَرَ بِهِ من خُـلقٍ عظيمٍ لتطهير النفس من كل النقائص وتزكيتها بالصدقة والرحمة والإحسان، وهو السبيلُ الوحيدُ للخروجِ من ظلامِ الرواياتِ ليكونَ القرآن للمسلمينَ نورًا وهاديًا ليبدّدَ الظلامَ ويسطعَ نورُهُ في القلوبِ فتنشرح بهِ الصدورَ وتتطهرَ بِهِ القلوبُ وترتقي بِهِ النفوسُ ويتواصلَ الناسُ بالرحمةِ ويختفيَ بِهِ خطابُ الكراهيةِ ليحلَ محلَّه خطابُ المحبةِ والسلامِ من كلِ البشرِ، حينَها ينزّلُ اللهُ عليهم رحمتَهُ وبركاتِهِ، حيثُ وعدَهم اللهُ بقولِهِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رِبّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) (محمدَ: 2).

أدعو اللهَ أن يتقبّلَ هذا الجهدَ في سبيلهِ واتبّاعًا لقولهِ تعالى: ﴿وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فُصلت:33). وأن يَهدي كلَّ المخلصين لدينهم وقيمه النبيلة والمتجردين من هوى النفوس وإغوائهامن المثقفينَ والمفكّرينَ وعلماءِ المسلمينَ إلى ما أمرَ اللهُ بهاباتّباعِ قرآنِهِ الكريم، إيمانًا وقولًا وعملًا وتشريعًا.

واللهُ وليُّ التوفيقِ.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى