الحلقة 30 والأخيرة من كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
في الحلقة الثلاثين والأخيرة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، للمفكر العربي علي محمد الشرفاء يواصل الكاتب الحديث عن ثوابت الدين الاسلامي، وما أمرنا به الله سبحانه وتعالى جميعا من الاعتصام بكتاب الله القرآن الكريم، والعمل بأحكامه والإيمان بإله واحد أحد لا شريك له ولا ولد، وبما بلغه رسول الإسلام عن ربه ، والالتزام بالتكاليف الشرعية من عبادات وأحكام ومعاملات، والانقياد لأحكام الله في كتابه الكريم.
- اقرأ أيضا: المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب.. الشعب المصري بين المخطط العدواني والحرب النفسية
وإليكم نص ما كتبه المؤلف حول هذا الموضوع
ذلكَ الخِطابِ الإلهي هَلْ هو يُخاطِبُ الأمواتَ أو الأمَمَ السّابقةَ، أَم يُخاطبُ الأحياءَ الَّذِينَ يَتلونَ كتابَ اللهِ، ويستمِعُونَ إليهِ، ويتفاعلونَ مَعَ نُصوصِهِ؟! لتتحقّقُ الصّلةُ بَيْنَ اللهِ سُبحانَهُ وتَعَالى وبينَ عِبادِهِ بحبلِ اللهِ الممُتدّ مِنَ الأرضِ إلى السَّماء، مِنْ خِلالِ تلاوةالقُرآنِ الكريمِ والتدبر في آياته لمعرفة مراد الله وفهم مقاصد آياته لخير الناس، فلم يأمر الله بأن تختصر تلاوة القرآن الكريم في مراسم الاحتفالات ومجالس العزاء للأموات، فاللهُ يدعوهمسُبحانَهُ بقَولِهِ ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءَافَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران 103).
لنجعلْ كتابَ اللهِ الكريمَ، المرجعَ الوحيدَ في تأسيسِ التَّشريعاتِ والقوانينِ التي تُنظّمُ العلاقةَ بَينَ النّاسِ جميعًا بالعَدْل والمساواةِ، وأمّا العلاقةُ بينَ اللهِ وعبادِهِ فقد تأسّستْ على حُرّية العقيدةِ والتقيّدِ بأوامرِ اللهِ ونواهيهِ، والالتزامِ بتكاليفِ العباداتِ، بحكم تلك العلاقةِ المقدسّة بينه وبين عباده، الّتي لم يكلّف اللهُ أيًّا من أنبيائِهِ بأنْ يكونوا أوصياءَ على خلقِهِ أو وكلاءَ عَنهُ في الحياةِ الدّنيا، إنّما فَقَط إبلاغُ رسالتِهِ للناسِ جميعًا واللهُ وحدَهُ يَقضي بِحكمِهِ على عبادِهِ، على أسَاسٍ منَ العَدلِ والرحمةِ تأكيدًا لقوله تعالى: ﴿منْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ (فصلت 46).
ولقدْ اختَتَمَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلّم رسالتَه في حَجّةِ الوَداعِ بالآيةِ الكريمةِ في قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة 3).
آيةٌ اُنزلتْ على رسولَنا الكريمِ ليُبلّغَ الناسَ بها ليخبرهمبأنَّ الله سبحانه قَدْ استكمَلَ رسالةَ الإسلاموأمره بتبليغها للناس كافة تنفيذًا لقوله سبحانه (ياأيها الرسول بلغ مأنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لايهدى القوم الكافرين) (المائدة 67)، فَلا يُوجدُ قَوْلٌ يضاف إلى آيات الله ولا تحريف لكلماته، ولا روايةٌ بَعدَ كلامِ اللهِ.
تاهت العقول بين الروايات وبين تداخل الفلسفاتِ اليونانيةِ وبين أساطير الإسرائيليات وبين أهل الكلام والسفسطة وبين مئات الرّواة، تاركين وراء ظهورهم كتاب الله وآياته التي تنير لهم الطريق وتخرجهم من الظلمات، لذلك أوجدت تلك الأوضاع تصدي بعض المنظّرين وأدعياء الدين بوضع مناهج وأساليب مختلقة لتوهم المتلقى للرواية بأنها حقيقة وأصبح لها مقاييس عقلية وعلميةمن أجل خلق مصداقية مزورة لتلك الروايات فزادت في تغييب العقل المسلم
لقد تاهت العقول بين الروايات وبين تداخل الفلسفاتِ اليونانيةِ وبين أساطير الإسرائيليات وبين أهل الكلام والسفسطة وبين مئات الرّواة، تاركين وراء ظهورهم كتاب الله وآياته التي تنير لهم الطريق وتخرجهم من الظلمات، لذلك أوجدت تلك الأوضاع تصدي بعض المنظّرين وأدعياء الدين بوضع مناهج وأساليب مختلقة لتوهم المتلقى للرواية بأنها حقيقة وأصبح لها مقاييس عقلية وعلميةمن أجل خلق مصداقية مزورة لتلك الروايات فزادت في تغييب العقل المسلم وابتعدت به كثيرًا عن الخطاب الإلهي الذي أنزله الله على رسوله يخاطب به الناس بآيات واضحةٍ وأهدافٍ محددةٍ وكلماتٍ لا تحتاج إلى التدقيق أو التأكد من صحتها يتقبلها العقل والمنطق لما تدعو إليه من خير وصلاح للناس وحثهم على الأعمال الصالحة متفقة مع الفطرة الإنسانية.
كلام الله الذى أنزله على رسوله فى كتابه الحكيم يدحض تلك الروايات والاسرائلياتبقوله تعالى﴿تِلْكَ آيات اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ اَلْمُرْسَلِينَ) (البقرة 252). وقوله تعالى﴿تِلْكَ آيات اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ (الجاثية 6)
إنَّ الهدفَ الأساسي من تغييب عقولِ المسلمينَ ليبتعدوا عن القرآن وأن يتوهوا في الرواياتوينشغلوا بمصداقيتها وُيُتأكدوا من الرواة هل هم عدول أم لا ما هي الا محاولة خبيثة لخلق فراغ فى العقيدة الدينية وفى عقول المسلمين لملئها بتلك الاقوال المسمومة من الروايات.كيفيستطيعون تقييم أقوال أناسٍ ماتوا منذ مئات السنين والتحقق من مصداقية أقوالهم بالرغم من أنَّ الله سبحانه وتعالى نبّهنا في الآيات السابقة بأنّه قد حصَّن رسالة الإسلام بالقرآن، ونبّه بعدم اتباع أعداء الإسلام ومحاولاتهم الخبيثة بقوله تعالى ﴿يُريدونَ أن يُطفِئوا نورَ اللَّهِ بِأَفواهِهِم وَيَأبَى اللَّهُ إِلّا أَن يُتِمَّ نورَهُ وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ﴾ (التوبة 32).
إنَّه تحدٍ عظيمٌ من خالق السماواتِ والأرضِ بأنَّ محاولاتِ أعداءِ المسلمين لأن يطفئوا نورَ اللهِ، وهو القرآن الكريم، برواياتهم وتضليلهم وأقوالهم لن يفلحوا أبدًا وسيظل نورُ القرآن يوقظ الضمائر ويلهم العقول ويطمئن اَلنفوس بأنَّ وعدَ اللهِ حقٌ حيث يقول سبحانه ﴿إِنَّ هذَا القرآن يَهدي لِلَّتي هِيَ أقوَمُ وَيُبَشِّرُ المؤُمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أجرًا كَبيرًا﴾(الإسراء:9).
إنَّ المستهدف هو أن يبتعد المسلمون عن القرآن الكريم لكي يسهل اقتيادهم ويتشتت فكرهم ويغرقوا في الفتن ويحدث الصراع بينهم والاقتتال، وإذا استعرضنا أحداث التاريخ نجد خططهم قد نجحت وأنَّأعداء الإسلام حصدوا فيما خططوا له بعزل القرآن وآياته عن المسلمين وأصبح المسلمون في ظلمات يُتَخَطّفُونَ من كل جانب، فلا نجاة للمسلمين إلا بالعودة للخطاب الإلهي، القرآن الكريم، تأكيدًا لَقوله تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذينَ آمَنوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النَّورِۖ وَالَّذينَ كَفَروا أولِياؤُهُمُ الطّاغوتُ يُخرِجونَهُم مِنَ النّورِ إلى الظُّلُماتِۗ أولٰئِكَ أصحابُ النّارِۖ هُم فيها خالِدونَ (البقرة) (275).
فَعَلى كل مسلم أن يتّخِذَ القرآن مرجعّيَته الوحيدةَ لدينه، وعلى المسلمينَ أن يتدبّروا مَا في آياته من عباداتٍ ومعاملاتٍ وأخلاقياتٍ وقيمٍ عظيمة في العدالة والرحمة والمساواة بين البشر وعِبَرٍ تعينُ الإنسان في اختيار الطريق المستقيم وأن يكونَ لهمْ نورًا يخرجُهم من الظّلماتِ إلى النورِ، فمَن أرادَ اللهُ بهِ خيرًا يشرحْ صَدرَه للقرآنِ، ومَن أراد غيرَ ذلك فسوفَ يتّبِعُ الشيطانَ، ويكون عرضةً لعَدَمِ الاستقرارِ النفسي والالتباسِ الفكريّ، حينَما يكون أسيرًا لأفكار بشرية وتأويلات عجزت عن فهم مراد الله لخلقه، ومَن ادعى العلم والمعرفةواختزلَ الإسلام في فهمِهِ، وعيَّن نفسَهُ وصيًّا على المسلمينَ، وحلَّ محَلَّ مرجعيّةِ القرآن تذكيرًا بقوله تعالى ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُفِي كُلِّ أمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًاعَلَىٰ هَٰؤُلَاءِۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شيء وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينُ﴾ (النحل89).
واللهُ مِن وراءِ القصدِ، وما تَوفيقي إلّا باللهِ، عَليهِ توكلّتُ وإليه أنيبُ.
إلي هنا انتهى كتاب” المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء، وسنواصل معكم أعزاءنا القراء في الحلقات القادمة نشر حلقات كتاب جديد للمؤلف فتابعونا
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب