محمد فتحي الشريف يكتب.. قراءة في رسالة الشرفاء الحمادي حول الخلاف والنزاع وتمكين الأعداء
النزاع والفشل
في الاتحاد قوة كبيرة، وفي التفرق ضعف وهزيمة، مثل نسمعه كثيرا ويمثل حقائق واضحة، ولقد أمرنا الله عز وجل بالاعتصام والاتحاد، ونهانا عن الفرقة فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، وقال أيضا (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
الفرقة والضعف
إنها دعوة من الله عز وجل للاتحاد، لأن فيه القوة، ونهي واضح عن الفرقة والنزاع لأنها سبب مباشر ومؤكد للفشل والضعف.
رسالة الشرفاء الحمادي
مناسبة حديثي اليوم عن الاتحاد هي رسالة بعثها لي المفكر العربي الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي حول القضية الفلسطينية، إحدى القضايا العربية التاريخية، وضح فيها عددا من النقاط المهمة حول أهمية (الاتحاد) بين أصحاب القضية وما يشكله من قوة، وأن الخلاف الداخلي بين أصحاب القضية يضعف المواقف ويمكن الأعداء، وهذا هو النص الذي أرسله إليَّ الأستاذ علي الشرفاء بعد أن قدم التهنئة بقدوم العام الميلادي الجديد، حيث قال:
الأخ الكريم محمد فتحي: القضية الفلسطينية لا تدل على قوة الذين أوجدوها، ولا تدل على ضعف أصحابها من مواجهة العصابات التي أرادت بهم بريطانيا عزل العالم العربي مشرقه عن مغربه لتشتيته وإضعافه لتستمر الدولة الإسرائيلية التي ولدت من منبت الحرام دون شرعية، بل باحتلال ظالم ساعد في وجودها تمزق العالم العربي وخلافاته التي لا يوجد مبرر لها دون منطق أو حكمة أو لتحقيق مصلحة من سفك دماء الأشقاء التي تصب في دعم أعمدة الدولة اللقيطة بتفرق العرب وخياناتهم وابتعادهم عن دينهم، حين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وما ساهم في مأساة فلسطين أبناؤها، وأعطى إسرائيل بنزاعهم وعدم اتفاقهم على المحافظة على حقوق الشعب الفلسطيني، وصراع الفرق والمنظمات الفلسطينية بكل الأنانية والقسوة على السلطة وترك وطنهم تتآكل مساحته ويستمر احتلاله يتعامل مع الشعب الفلسطيني بكل أنواع التمييز العنصري والوحشية واستقطاع كل يوم جزءا من أرضه إلى أن يأتي يوم لن يجد الفلسطينيون متراً واحداً يتفاوضون عليه مع عدوهم المحتل.
ألم يتفكروا في تحذير الله سبحانه في قوله: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”، فلا تنتظروا من العرب موقفاً حاسماً وصادقاً، بل أعيدوا النظر في مواقفكم لتتحدوا في موقف واحد دفاعاً مشروعا عن حقوقهم في الحياة الحرة في وطنهم المحتل.
(ما حك جلدك مثل ظفرك)
تمشيا مع المثل القائل (ما حك جلدك مثل ظفرك) فلا يحسبون للدول العربية حسابا، فكل مشغول بدنياه ومصالحه، وكل منهم إذا واجهته الخطوب ينكمش على نفسه، ولتبحثوا في التاريخ المعاصر منذ قيام دولة إسرائيل ماذا قدم العرب لنصرتهم بصدق وإخلاص، ولتكن تلك الحقيقة حافزا لتوحيد الجهد الفلسطيني بكل فرقه ومنظماته في وحدة تعيد بناء الدولة وتتهيأ للعمل المشترك لتحقيق قرارات مجلس الأمن لإنشاء الدولة الفلسطينية.
مصر والمصالحة الفلسطينية
وللتعليق على رسالة الأستاذ علي الشرفاء أقول: إنها رسالة بليغة تضمنت أسباب الضعف في اتخاذ القرار والموقف تجاه العدو الصهيوني وهو الفرقة والخلاف الداخلي، ولذلك سعت الدولة المصرية إلى إبرام مصالحة بين الأشقاء في فلسطين، لأن المصالحة هي أولى نقاط بناء مجتمع متماسك يستطيع أن يتفاوض ويناضل ضد العدو الصهيوني، فبدون مصالحة وموقف موحد من كل الأطياف في فلسطين تجاه قضيتهم لن تكون هناك حلول تخدم الشعب الفلسطيني الذي يدفع وحدة فاتورة الخلاف والشقاق، وحدة وسط أنانية من النخب السياسية التي تفرقت وأصبحت تكن العداوة والبغضاء بعضها لبعض، وإن الدولة المصرية تدرك جيدا أهمية المصالحة، فبدونها لن تستطيع أن تصلح البيت الفلسطيني من الداخل لأن الكيان الصهيوني يعمل على تقوية وتأصيل الخلاف لأنه في صالح مشروعهم التوسعي في فلسطين.
نبذ الخلاف لصالح الشعب الفلسطيني
إن الطرح الذي قدمه الأستاذ علي محمد الشرفاء حول أسباب ضعف الدور التفاوضي في القضية الفلسطينية والذي يكمن في الخلاف الداخلي، ثم وجه دعوة إليهم لنبذ الخلاف والفرقة لصالح الشعب الفلسطيني، وإن هذا الأمر لن يقوم به سوى الأشقاء في فلسطين عندما يتحدون من أجل الشعب والقضية، وأن هذا العمل لن يقوم به غيرهم، وهنا قال تمشيا مع المثل القائل (ما حك جلدك مثل ظفرك)، فالدول العربية لن تقدم ما فشل الفلسطينيون في تقديمه لأنفسهم، ولتكن تلك هي نقطة البداية في توحيد الرؤى وتحقيق المصالحة من أجل فلسطين، وقتها سوف تؤتي المساندة العربية لكم ثمارها، فلن يكون هناك تقدم في الحل والضغط على إسرائيل دون أن يكون هناك توافق واضح بين الفلسطينيين، اتحدوا واتفقوا من أجل شعبكم وقضيتكم يرحمكم الله.
الواقع يؤكد أن (الاتحاد قوة)
حتى يكون الطرح الذي نقدمه منطقيا ويتفق مع الواقع أذكر الأشقاء في فلسطين أن القوة في الاتحاد والضعف في الفرقة والصراع والتناحر.
ويظل الواقع يؤكد أن في الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعفا، فعندما لا تتوحد الجهود تكون المواقف ضعيفة والضعف يؤدي إلى الانقسام والهزيمة والاتحاد يؤدي إلى قوة الموقف، فهو يشبه شجرة ذات فروع وجذور وأصول ممتدة وقوية.
نماذج لقوة الاتحاد
الولايات المتحدة الأمريكية هي النموذج الأبرز لقوة الاتحاد عالميا، والإمارات العربية المتحدة نموذج لقوة الاتحاد في المنطقة العربية، الاتحاد الأوروبي، والتحالفات العسكرية مثل الناتو وغيره، والاتحاد السوفيتي السابق.
لابد من إنهاء الخلاف بين الفرقاء في فلسطين
وفي النهاية أقول إن الاتحاد بين الدول العربية في كل المناحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية يخلق قوة عربية حقيقية تستطيع أن تتفاوض وتحل أزمتها من منطلق القوة وفي صالح الشعوب، وحتى نصل إلى هذا المضمون لابد أن تتحد القوى داخل الدول التي تشهد نزاعا أولا حتى تعود إلى قوتها الداخلية لتتفاوض في أزماتها الخارجية، وفي مقدمة تلك الدول فلسطين، يجب أن يتم إنهاء الخلاف بين المتصارعين في الداخل، ثم ليبيا وسوريا واليمن والعراق وباقي الدول العربية التي للأسف الشديد تأصل فيها الخلاف حتى أصبحت له جذور قوية تواجه كل أطروحات التوافق والمصالحة.. حفظ الله الوطن العربي وأنعم عليه بالوحدة والتكاتف.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب