د. محمد جبريل العرفي يكتب.. الخاسر الأكبر هو المنبوذ أكثر
انتصارات الجيوش تقاس بتحقيق أهداف الحروب، بينما انتصار المقاومة هو فشل عدوها في تحقيق أهدافه.
معادلة القوة غير المتوازنة دفعت (المرجفين) للقول إن المقاومة تسببت في كارثة لغزة.. بينما القتل والتهجير ومصادرة الأراضي لم يتوقف منذ 1920، وبعد أوسلو تحولت غزة إلى سجن مفتوح، يتحكم الصهاينة في وسائل حياته لدرجة أنهم صاغوا (مساحة التنفس) وهي الوقت المتبقي عن الموت جوعًا فحددوا 2100 سعر حراري للفرد ليسمحوا بدخول كميات الغذاء تبعا لذلك، إضافة لقائمة المواد المحظورة بحجة الاستخدام كالثوم والملح والخيار، بينما الحمص والسمسم من الكماليات.
لم يتوقف الصهاينة عن قصف غزة طيلة 17 سنة، واجتاحوها بريًّا ثماني مرات، فارتفع الشهداء وهُدمت المنازل والمرافق الخدمية، أشرسها عمليات الرصاص المصبوب (2008) وعامود السحاب (2012) والجرف الصامد (2014) وحارس الأسوار (2021).
منطق (لحد) الفلسطيني صاحب مقولة ” التنسيق الأمني مقدس” وغيره من المرجفين، مع المجاهد يحي السنوار ورفاقه، يجعلنا نتدبر الآية “الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”.
ونسترجع حوار الشارف الغرياني ومحمد الرضا مع عمر المختار ورفاقه.
– يا عمر لماذا لا تستسلم؟ احصل على أفضل الشروط من الإيطاليين، محمد الرضا سيرتب لك طريق الأمان للخروج إلى مصر.
– إلى مصر لأختبئ مع أخيه! أنت السنوسي الوحيد الباقي في البلد، انظروا حاله
– يا صاحبي إنهم حكومة هذا البلد.
– لا… يأخذون الأرض في النهار وبعون الله نستردها نحن في الليل.
– يا عمر أنت وحيد تقطعت بك السبل عن بقية البلد، عُزلت عن بقية العالم، في عصبة الأمم لا أحد يهتم.
– هذه المعركة لا نحاربها في عصبة الأمم، نحاربها هنا على هذه الأرض.
– يا عمر لن تقوى على هذه الحرب دمك إزاء فولاذهم.
– لكل امرئ يومان؛ يومه هو، ويوم أولاده.
– أولادك ضحايا الجوع في معسكرات الاعتقال يموتون لأنك تصر على القتال.
– نعم إنهم رهائن هذه الحرب.. ولكن لا أحد منهم يخونني أو يطالبني بالاستسلام، لأنهم يعرفون أن استسلامي خيانة لهم.
– عمر.. نحن نشأنا معا، ألا تذكر قبل سبعين عاما كنا أطفالا معًا؟
– نعم أذكر وأنظر الآن كم ابتعدنا عن بعضنا.
– ربما هذه آخر فرصة لك لتطلب السلام الشريف.
– يسرقون أرضنا، يدمرون بيوتنا، يقتلون الأبرياء، وتسمي ذلك بالسلام! والله لن يفسدني سلام ذلك الرجل…….
حاول الصهاينة إلصاق المقاومة بداعش، لكن الشعوب تيقظت، لكن عباد السلاطين استمروا في تشويه المقاومة مرة لربطها بجماعة الإخوان أو أن لإيران علاقة تحت الطاولة مع الصهاينة والأمريكان، وماذا عن تطبيع أنظمتنا علنًا وفوق الطاولة؟!
حماس أخطأت تقدير الموقف عام 2011 وانجرفت في تيار التدمير، ولكنها منذ 2017 فكت ارتباطها بجماعة الإخوان، فميثاقها المكون من 42 بندا لا يشير لعلاقتها بالإخوان، وأوضحت هويتها كحركة تحرر وطني فلسطيني، وتخطت الفصائلية وأصبحت ثورة فلسطينية، انخرط فيها الشيعة والسنة والمسيحيون والدروز والعلمانيون وغيرهم، مما أعاد إلى الأذهان عالمية المقاومة، كالجيش الجمهوري الإيرلندي – الجيش الأحمر الياباني – منظمة إيتا والباسك – الألوية الحمراء – منظمة بادرماينهوف الألمانية- ومنظمة العمل المباشر الفرنسية-، نذكر منها يابانيين نفذوا عملية مطار اللد 1972 أسفرت عن مقتل 26 كان من ضمنهم عالم الكيمياء الصهيوني (أهارون كاتسير)، الذي اصبح شقيقة رئيس وزراء الكيان فيما بعد … قُتل اثنان وقُبض على (كوزو أوكاموتو) الذي أفرج عنه في صفقة تبادل مع حزب الله 1985، ونذكر المناضل الفنزويلي (كارلوس) كرٌس حياته في منظمة الثوار الأمميين لضرب المصالح الصهيونية بالعمليات الفدائية وخطف الطائرات كعنتيبي وحجز الرهائن والوزراء والرياضيين إلى أن سلمه الترابي عام 94 إلى فرنسا، رغم أن كارلوس مسلم استجار من ضيم النصارى.
إيران تدفع ثمن موقفها من دماء أبنائها واستطاعت أن تسند المقاومة الفلسطينية، في وقت نرى الأنظمة (الافتراضية) العربية لا تستجيب لنداءات شعوبها، بل تحرض الصهاينة في الخفاء على سحق المقاومة، وحمتهم علنا من صورايخ ايران…
فشلت مساعي جعل المقاومة منبوذة، بل اجتاحت المظاهرات مدن العالم دعما لفلسطين، وصلت إلى الموت حرقا أو إضرابا عن الأكل، ومقالات لقادة فكر، علم فلسطين أصبح أيقونة الاحتجاجات.
الكيان أصبح منبوذًا متهمًا بالتطهير العرقي، ويواجه تهديدا وجوديا. تم طرد سفراء وقطع علاقات ومقاطعة. غزة أسقطت حكومات وتؤسس لنظام دولي جديد، بما فيها إيمان الروس بأن المقاومة تقاتل عدوا مشتركا، مما يعيد إلى الأذهان حقبة الاتحاد السوفيتي في دعمه لحركات التحرير، كما ان الحكومات الغربية غيرت مواقفها تحت ضغط ناخبيها.
الإعلام الشعبي أخرج الشعوب من سيطرة الإعلام الإمبريالي التضليلي، اصبح من الصعب السيطرة على جيل (التيك توك والفيس)، بل يشكل تهديدا لأعدائه بالحروب السيبرانية.
عجز الكيان عن حماية نفسه، وأصبح آيلًا للسقوط وسيتبعه داعموه، فسبحان القائل “إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” ومع ذلك نشاهد الأنظمة (الافتراضية) العربية تنتحر بوقوفها ضد إرادة شعوبها، وتتعامى عن تغيير غزة للعالم.
المقاومة انتصرت بجعل الكيان منبوذًا، بينما تحرير فلسطين أصبح ممكنًا، بعد أن كاد يُدفن بمؤامرة أوسلو وتطبيع الحكام.
يجب الالتحام مع المقاومة وربط علاقة تعاون ندي مع حليف موثوق لمواجهة العدو المشترك.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب