رأي

 محمد جبريل العرفي يكتب.. التوافق إجهاض للديموقراطية

 التوافق السياسي مهم، لكنه ليس الأساس الوحيد أو الشرط الوحيد لحل الأزمة الليبية.

التوافق السياسي الليبي مهم، لكنه ليس الأساس الوحيد أو الشرط الوحيد لحل الأزمة الليبية.

ثلاثة عناصر حولت الديموقراطية في بلادنا إلى مجرد كذبة كبيرة، رغم تغني الكثيرين بها، وتشدق الكثيرين حولها، وتمني الكثيرين لها، وركيزة هذه العناصر هي التوافق، وقائمتاها التورم والانفلات.

أول قائمتي التوافق هو التورم، وهو شعور خادع بامتلاك الشخص أو التنظيم للقوة، أو لقدرات ليست فيه، نحن نعاني من تورم خمسة، هم برلماني الغفلة، ومحلل التفاهة، وميليشياوي السطوة، وتنظيم كرتوني، وشيخ زائف، يتورم هؤلاء فيعتبرون أنفسهم سياسيين محنكين أو محللين موسوعيين أو جنودا محترفين، أو قادة تنظيميين، أو زعماء اجتماعيين، فبرلماني الغفلة تحول فجأة إلى شخص مرموق، بينما كان شخصًا مغمورًا، أو معظم الوقت مخمورًا، أو طالبًا مفصولًا، فأصبح يتقاضى مرتبًا عشرة أضعاف مرتب أقرانه، ومزايا مالية أخرى تفوقهم بكثير، ويتمتع بوجاهة مكنته من الحصول على الاستثناءات في التعيينات والعطاءات والاعتمادات. ومحلل التفاهة، طيلة حياته لم يتم قراءة كتاب في المواضيع التي يتحدث فيها، ولم يجلس في قاعة محاضراً أو حتى مستمعاً، ولم يشارك في ندوة محاوراً أو مشاهداً، معلوماته فيسبوكية ومصادره من التحولق على أم ستة، أو في جلسات الأنس والكؤوس تدور بالرؤوس. وميليشياوي السطوة تورم من خوف الآخرين من فوهة سلاحه، ومن غياب أدوات تفعيل القانون، وشجعه على ذلك المرعوبون والفاسدون والطامعون والمنتقمون والقبليون. أما الشيخ الزائف فهو مثل شبشب المواضئ، جاهز ليلبسه في قدميه أول الداخلين.

ثاني قائمتي التوافق هو الانفلات، نتيجة لغياب أدوات تفعيل القانون – القانون موجود وهو في معظمه عصري وتقدمي وعادل – لكن غياب قوة الردع أدى لتمادي المخالفين في اقتراف الجرائم المالية، كالنهب وتبديد المال العام، مثل حملة الدبيبة من بزعقة الصريرات على البلديات، ومليارات إعانة الزواج الدعائية، أو التفريط في أملاك المجتمع، أو شراء ذمم أعضاء الأجسام السياسية أو الضبطية أو غيرها، ووصل سوء الإدارة والفساد إلى النظام التعليمي والصحي والخدمي.

أما ركيزة إجهاض الديموقراطية فهي التوافق السياسي، ويعرف التوافق بتعاون كل القوى المتنافسة لإدارة البلاد على أُسس توافقية، مثل أداء الحكومات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بريطانيا، ولهذا سمي بالتوافق السياسي لفترة ما بعد الحرب، لا أن تقف قوة واحدة وتتخذ طلاء زائفًا لتمرير ما تريد تسويقه على أنه يحقق الصالح العام.

أما ركيزة إجهاض الديموقراطية فهي التوافق السياسي، ويعرف التوافق بتعاون كل القوى المتنافسة لإدارة البلاد على أُسس توافقية، مثل أداء الحكومات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بريطانيا، ولهذا سمي بالتوافق السياسي لفترة ما بعد الحرب، لا أن تقف قوة واحدة وتتخذ طلاء زائفًا لتمرير ما تريد تسويقه على أنه يحقق الصالح العام.

التوافق في بلادنا يصيب العملية السياسية بالتخشب والجمود، تصور أن يقتحم بيتك مجرم، ثم يطلب منك التحاور معه للوصول إلى حل توافقي، فجماعة الإخوان والمقاتلة والمافيا، أقلية متورمة وسطحية وميليشياوية ومنفلتة، تريد من الأغلبية التوافق معها لإنجاز حل للمشكل الليبي.

نلاحظ أن قاعدة التوافق يروج لها على نطاق واسع، بل إن هناك مساعي لدسترها، مثل ما ورد في مشروع دستور (تورا بورا)، فعلاوة على كونه يرسخ ولاية الفقيه، فهو اعتمد سياق التوافق في اتخاذ القرار بين خمسة أجسام، كل واحد منها يملك حق النقض في مواجهة البقية، هي الرئيس والحكومة والنواب والشيوخ ومجلس الإفتاء، فلا يمكن إصدار قرار مصيري مثل اعتماد الميزانية دون التوافق بينها.

المتورمون والمنفلتون يروق لهم هذا الوضع، وهم مستميتون من أجل تحقيق التوافق، لكونه يحقق مآربهم، فلو تم اعتماد أهم أسس الديموقراطية المتمثل في تغليب رأي الأغلبية ولو بنسبة 50% +1، لتم استبعادهم أو تقليص نفوذهم، ولهذا هم يصرون إما على استمرار الوضع الحالي أو الالتزام بالتوافق، ولسان حالهم في كلتا الحالتين يقول: “نحن هنا على رقابكم رغم أنوفكم”، وفي حين يُعتبر التوافق والتناغم بين الناس من الفضائل التي تَجلب الهناء والسكينة والتضامن، يصبح التوافق لعنة، إنْ قامت على أساسه الحياة السياسية، فالديموقراطية تعيش على الاختلاف والتنافس من أجل الأفضل، انطلاقًا من تنوّع الآراء وحرية المواطنين، وقد يعتقد بعضهم أن التوافق ضرورة في مجتمعات يهدّدها الصراع والتفكك في غياب الثقة، لكن المعالجة تتم بحوار وطني وليس بدفن الرؤوس في التراب بحجَّة التوافق على حساب المواطنين وانهيار مقوّمات الدولة، وهما من أبرز أسباب الوقوع في الحروب الأهلية.

إنّ الخوف من الديمقراطية الحقّة، كمن يخاف من إبرة فحص الدم، فيَرفض تحمُّل وَخْز الإبرة، ويُفضّل أن يموت ببطء من مرضه، إن التوافق السياسي مهم، لكنه ليس الأساس الوحيد أو الشرط الوحيد لحل الأزمة الليبية

إنّ الخوف من الديمقراطية الحقّة، كمن يخاف من إبرة فحص الدم، فيَرفض تحمُّل وَخْز الإبرة، ويُفضّل أن يموت ببطء من مرضه، إن التوافق السياسي مهم، لكنه ليس الأساس الوحيد أو الشرط الوحيد لحل الأزمة الليبية، ويعبر مفهوم التوافق الوطني عن الثوابت والأُسس التي يختارها أغلبية المواطنين، وتصبح القوى السياسية ملزمة بما يتوافق عليه المجتمع، ومن أهم وسائل تطبيق التوافق الوطني هو تبني مفهوم (المشاركة الشعبية)، أي الحق في تحديد تلك الثوابت الرئيسة من خلال الديمقراطية المباشرة، والتي قد تحقق بعضها الانتخابات والاستفتاءات، والمفارقة عندنا أن الشعب يريد الانتخابات، بينما من في المشهد يسعون للتوافق في ما بينهم وعلى حساب الشعب.

نقلا عن صحيفة الموقف الليبي الورقية موضوع  التوافق السياسي الليبي

بعد ان تناولنا موضوع  التوافق السياسي الليبي يمكنك قراءة ايضا

السعودية في أسبوع..  أردوغان يزور المملكة في هذا الموعد.. وبيروت تتنصل من تطاول حسن نصر الله

أحمد شيخو يكتب.. تجديد الخطاب الديني ودمقرطة الإسلام   

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى