إعداد/ د. مصطفى عيد إبراهيم
تعد الصين المستهلك الاول لأشباه الموصلات chips بنحو 350 مليار دولار سنويا. وان سلاسل التوريد العالمية لرقائق اشباه الموصلات قد تعرضت لهزات عنيفة بفعل امور عدة منها اصدار قوانين وتبني سياسات فضلا عن تداعيات وباء كورونا. وتعد رقائق اشباه الموصلات ذات الانواع المختلفة عنصرا رئيسا في الصناعات مثل صناعة السيارات والمركبات ذاتية القيادة والحاسب الالي والهواتف النقالة التلفاز والالعاب وغيرها من الصناعات التكنولوجية الحديثة. ولقد تعرضت سلاسل التوريد الى عمليات ايقاف حيث علقت شركة هيونداي الكورية عمليات الانتاج في ابريل 2021. وكذلك شركة تويوتا في التشيك. وتعد شركات مثل انتل وساموسونج وسكاي هاينكس وشركة برود كوم وكوالكوم ، وتي اس ام سي التايوانية من الشركات الرائدة في انتاج الرقائق لأشباه الموصلات. ولقد نمت الشركة التايوانية بسرعة منذ انشائها في عام 1994 لتصل إيراداتها لنحو 45 مليار دولار ولديها نحو خمسين ألف عامل يعملون بها لإنتاج نحو عشرة مليون رقاقة سنوية.
مواجهة أمريكية صينية
كشف تقرير امريكي صدر في 2022 عن ان الولايات المتحدة لا تزال رائدة في مجال منظومة رئائق أشباه الموصلات . لكنها تفتقر القدرة على الاستمرار في هذا في المستقبل. وتتعامل الولايات المتحدة مع ادارة صراع اشباه الموصلات على النحو التالي:
- قانون الرقائق من اجل امريكا : وبمقتضى هذا القانون يتم السماح بتجميع اموال لتمويل انتاج وبحوث رقائق أشباه الموصلات.
- الانظمة الاستبدادية والتكنولوجيا: وهو نهج تتبعه الادارات الامريكية للحد من النمو الصيني في مجال بحوث وتطوير وانتاج رقائق اشباه الموصلات.
- فرض الرسوم الجمركية: التعامل من خلال استخدام العوائق التجارية على واردات الصين من الولايات المتحدة .
ولقد اعلنت وزراة التجارة الامريكية عن قرارها بمطالبة المصنعين الاجانب الذين يستخدمون التكنولوجيا الامريكية بالحصول على اذن حال كانو يخططون لبيع أشباه الموصلات لشركة هواوي الصينية. ايضا قبل ذلك كانت وزارة التجارة الامريكية قد منعت الشركات الامريكية من بيع الرئائق المصنوعة بالولايات المتحدة لشركة هواوي الصينية والتي تقوم بشراء رئائق بنحو 19 مليار دولار.
تايون الاداة والهدف
يمتد الصراع بين تايوان ، والصين الشعبية بجذوره الى عقود عديدة في التاريخ . وتنظر الصين الشعبية الى تايون الى انها جزء ممتد منها . في حين ترى تايوان انها جزء منفصل تماما وان تشابها في الهوية. اما المتغير الاحدث هو دخول تايوان على خط حرب أشباه الموصلات واهميتها في سلاسل التوريد العالمية . لذلك باتت حرب اشباه الموصلات اداة جديدة تحاول الصين التغلب عليها للوصول الى هدفها بضم تايوان اليها جغرافيا وسياسيا واقتصاديا . ولقد نادى الرئيس الصيني سابقا بامكانية قيام دولة واحدة بنظامين. وتشير تايوان الى ان الصين الشعبية تعمل على تكثيف جهودها لسرقة التكنولوجيا والمواهب من تايوان في مجال صناعة أشباه الموصلات وان ذلك هدف للصين بحكم الخبرة واللغة المشتركة في تايوان.
وذكر مكتب الاحصاء التايواني ان الناتج الاجمالي قد شهد نموا في 2022 بسبب النمو على طلب رئائق أشباه الموصلات. كما تخطط الشركة التايوانية ” تي اس ام سي” الى زيادة الانفاق الرأسمالي خلال هذا العام ليصل لنحو 28 مليار للمساعدة في معالجة نقص امدادات الرئائق.
في التاسع من شهر اغسطس 2022، اصدر البيت الابيض بيانا جاء فيه : انه في السنة الأولى للرئيس بايدن في منصبه، نفذت إدارة بايدن-هاريس استراتيجية صناعية لتنشيط التصنيع المحلي، وخلق وظائف أميركية جيدة الأجر، وتعزيز سلاسل التوريد الأميركية، وتسريع صناعات المستقبل. وقد حفزت هذه السياسات انتعاشا تاريخيا في مجال التصنيع، حيث أضافت 642 ألف وظيفة في مجال التصنيع منذ عام 2021. تستثمر الشركات في أمريكا مرة أخرى ، مما يجلب وظائف التصنيع ذات الأجور الجيدة إلى الوطن. وزاد بناء منشآت تصنيع جديدة بنسبة 116 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
ووقع الرئيس بايدن على قانون CHIPS and Science لعام 2022 من الحزبين، لتحقيق مايلي:
تعزيز ريادة الولايات المتحدة في أشباه الموصلات: حيث يوفر القانون 52.7 مليار دولار للبحث والتطوير والتصنيع وتطوير القوى العاملة الأمريكية. ويشمل ذلك 39 مليار دولار من حوافز التصنيع، بما في ذلك ملياري دولار للرقائق القديمة المستخدمة في السيارات وأنظمة الدفاع، و13.2 مليار دولار في مجال البحث والتطوير وتطوير القوى العاملة، و500 مليون دولار لتوفير أمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الدولية وأنشطة سلسلة التوريد لأشباه الموصلات. كما يوفر ائتمانا ضريبيا استثماريا بنسبة 25 في المائة للنفقات الرأسمالية لتصنيع أشباه الموصلات والمعدات ذات الصلة. ومن شأن هذه الحوافز أن تؤمن الإمدادات المحلية، وتخلق عشرات الآلاف من الوظائف ذات الأجور الجيدة في مجال البناء النقابي، وآلاف الوظائف الصناعية الأخرى ذات المهارات العالية، وتحفز مئات المليارات الأخرى من الاستثمارات الخاصة.
تعزيز الابتكار الأمريكي في سلاسل التوريد اللاسلكية: يتضمن القانون 1.5 مليار دولار لتعزيز ونشر التقنيات اللاسلكية التي تستخدم شبكات الوصول الراديوي المفتوحة والقابلة للتشغيل البيني. وسيعزز هذا الاستثمار ريادة الولايات المتحدة في مجال التقنيات اللاسلكية وسلاسل التوريد الخاصة بها.
تعزيز الريادة العالمية للولايات المتحدة في تقنيات المستقبل: إن ريادة الولايات المتحدة في التقنيات الجديدة – من الذكاء الاصطناعي إلى التكنولوجيا الحيوية إلى الحوسبة – أمر بالغ الأهمية لكل من قدرتنا التنافسية الاقتصادية المستقبلية وأمننا القومي. تضع الاستثمارات العامة في البحث والتطوير الأساس للاختراقات المستقبلية التي تسفر بمرور الوقت عن أعمال جديدة ووظائف جديدة والمزيد من الصادرات.
تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية الإقليميين: يسمح القانون بتوفير مبلغ 10 مليارات دولار للاستثمار في مراكز الابتكار والتكنولوجيا الإقليمية في جميع أنحاء البلاد ، حيث يجمع بين حكومات الولايات والحكومات المحلية ومعاهد التعليم العالي والنقابات العمالية والشركات والمنظمات المجتمعية لإنشاء شراكات إقليمية لتطوير قطاعات التكنولوجيا والابتكار والتصنيع.
توفير فرص العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات: وذلك لعدد أكبر من أمريكا للمشاركة في الوظائف الماهرة ذات الأجور الجيدة. تعد أنشطة التعليم وتنمية القوى العاملة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) أمرا بالغ الأهمية لتطوير المهارات اللازمة لتولي الوظائف ذات المهارات العالية في الصناعات الناشئة المبنية على تقنيات المستقبل. لضمان استفادة المزيد من الأشخاص من جميع الخلفيات وجميع المناطق والمجتمعات في جميع أنحاء البلاد ، وخاصة الأشخاص من المجتمعات المهمشة والفقيرة ونقص الموارد ، من فرص التعليم والتدريب في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والمشاركة فيها ، يجيز قانون CHIPS and Science استثمارات جديدة وموسعة في تعليم وتدريب STEM من K-12 إلى كلية المجتمع والتعليم الجامعي والدراسات العليا.
زيادة الفرص والإنصاف لجميع أنحاء أمريكا في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والابتكار: يسمح التشريع بالاستثمارات لتوسيع التنوع الجغرافي والمؤسسي للمؤسسات البحثية والطلاب والباحثين الذين تخدمهم ، بما في ذلك المبادرات الجديدة لدعم الكليات والجامعات السوداء تاريخيا (HBCUs) وغيرها من المؤسسات التي تخدم الأقليات ، والمؤسسات الأكاديمية الأخرى التي توفر فرصا للطلاب والمجتمعات التي تعاني من نقص الخدمات تاريخيا ، في المقام الأول من خلال المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF)
اسباب صدور القانون
تعد ازمة كورونا من اهم الاسباب التي دفعت الولايات المتحدة الامريكية للتفكير في سن هذا القانون. حيث تعرضت سلاسل الامداد لتحديات كبيرة اثرت سلبا على اسواق العرض لمنتجات كثيرة ومن اهمها الشرائح او الشيبس. خاصة وان هناك ثلاث مصانع كبرى تسيطر على انتاج الرقائق الالكترونية ” الشيبس” في تايون (2) وفي كوريا الجنوبية (1)، على الرغم من ان الامريكان هم اصحاب السبق في انتاج تلك الرقائق. ولكن لاسباب منها رخص الايدي العاملة تركت تلك الصناعة ليتم استيطانها في تايوان وكوريا وكذلك في الصين.
وفي ضوء هذا ، سن الكونجرس قانون الرقائق والعلوم وبمقتضاه سيتم تشجيع الشركات للانتاج والعمل داخل الولايات المتحدة مع تحمل الدولة للفرق في تكلفة الايدى العاملة . وبالفعل اتفقت الولايات المتحدة مع شركة تي اس ام سي للعمل من داخل الاراضي الامريكية.
وختاما، فان وجود تحديات تواجه الولايات المتحدة في العلوم والبحث والابتكار أكبر الآن من أي وقت مضى. في العقدين الماضيين، حيث ضخت الصين الأموال في البحث والتطوير، مما ضاعف استثماراتها في هذا المجال أربع مرات. وفي الوقت نفسه، تخلفت الولايات المتحدة عن الركب: فهي تحتل اليوم المرتبة 10 كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي عندما يتعلق الأمر بحصتها العالمية من الإنفاق على البحث والتطوير. وقد حفز هذا الواقع التنافسي العالمي المشرعين على جانبي الممر على العمل معا لتمرير قانون CHIPS and Science من الحزبين في المقام الأول. ومع ذلك، فإن هذا وحده لن يؤمن استثمارات الأجيال في العلوم والتكنولوجيا الأمريكية التي نحن في أمس الحاجة إليها. حيث دائما يحدث خفاق في التنفيذ بسبب الفرق بين برنامج معتمد، أو ان الكونجرس يمنح الإذن بالإنفاق ، وعملية تخصيص تلك الأموال من لجان الاعتمادات في مجلسي النواب والشيوخ ، أو الإنفاق الفعلي لدولارات الضرائب. وان وجهة نظر بعض المحللين الامريكيين انفسهم تقول انه لا تزال السوق الأمريكية واحدة من الشركات الرائدة في العالم في مجال الابتكار ، لكن العمل في الولايات المتحدة توقف عن كونه فعالا من حيث زيادة التكلفة. وان السبب في انتقال الشركات الأمريكية إلى الخارج هو انعدام القدرة على المنافسة في الأسعار. لذلك بدون استثمارات حكومية مستدامة وإعانات للحفاظ على أسعار الصناعة تنافسية دوليا فانه سيتم مواجهة نفس المشاكل التي دعت الى اصدار القانون.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب