محمد فتحي الشريف يكتب.. الاختلاف في الرأي يفسد الود
الكاتب – رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات
عندما يصل الإنسان إلى درجة عالية من الفكر والتدبر في كل أمور الحياة، تختفي منه النرجسية، ويتقبل بصدر رحب الآراء المنطقية التي تتفق معه أو تخالفه، والمقصود هنا بالآراء المنطقية هي تلك الآراء التي تستند إلى منطق واضح وبراهين مقبولة، وليست الآراء المتطرفة المتعصبة التي لا تستند إلى براهين أو منطق، وهذا الأمر يجعل كل رؤيتي وتحليلي وطرحي لقضية معينة ينطبق عليها القول المعروف، رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غير خطأ يحتمل الصواب.
اقرأ أيضا: الفقر والاجتهاد لا يجتمعان.. (رؤى) محمد فتحي الشريف
المقدمة السابقة جزء من موضوع اليوم والذي أخصصه للحديث عن الاختلاف في الرأي وتداعياته على المجتمع، وهذا الاختلاف في مجتمعاتنا العربية يفسد كل الود ويقطع أواصر المحبة، وليس كما نقول ونكرر (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية)، لأن كل الأحداث التي أدت إلى صراع وحروب في وطننا العربي إنما نتاج اختلاف في الرأي والطرح والمعالجة لبعض الأمور.
ورغم أن المجتمع العربي والإسلامي تجمعه ثوابت وأسس يتفق عليها الجميع، ومنها الدين الإسلامي الذي يدعو إلى الرحمة والعدل والحرية والسلام، ويرفض القسوة والظلم والخلاف والصراع، فإن الاختلاف في الفروع أصابنا بالنزاع والفشل، وهذا الموضوع يحتاج إلى تفاصيل أكثر وأكثر قد لا يكون وقتها ولا حينها.
ومنهج الإسلام القويم الذي جاء به القرآن الكريم الذي هو دستور المسلمين أمر الرسول الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس جميعا بالحكمة والموعظة الحسنة، والتعاون على البر والتقوى والنهي عن النزاع حتى لا نفشل وتذهب ريحنا، وهذا جاء في الآيات الثلاث التالية الأولى قوله تعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل الآية 125).
والآية الثانية قوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة الآية 2)، والآية الثالثة قوله تعالى (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) (الأنفال الآية 46).
ومع أن الله عز وجل قد أمر رسوله الكريم بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة قد أمرنا بالتعاون ونهانا عن النزاع، وأحد أهم أسباب النزاع في الوطن العربي هو الخلاف غير المبرر الذي لا يستد إلى واقع أو منطق، وللأسف الشديد تدفع الشعوب وحدها فاتورة باهظة الثمن من جراء الخلاف، وخير شاهد على ذلك ما حدث في الوطن العربي بعد 2011، وما يحدث الآن في السودان من صراع دموي غير مبرر، ومع كل ذلك لا نزال نتشدق ونقول (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية).