دراساتسياسية

لغة الخطاب السياسى الاستراتيجى لآبى أحمد فى الأزمة السياسية الإثيوبية.. تناقض وازدواجية

الاشتباكات فى إثيوبيا حرب أهلية أم نزاع سياسى؟!

الأزمة السياسية الإثيوبية

رؤية بحثية للدكتورة دينا محسن مديرة مركز العرب للدرسات والأبحاث

قالت هيئة البث الإثيوبية “فانا”، أن (آبي أحمد) الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام ٢٠١٩ ! يقود حالياً الهجوم ويتولى قيادة المعارك، وأضافت الهيئة أن نائب رئيس الوزراء “ديميكي ميكونن” يتولى (الأنشطة الاعتيادية)، ولم يتضح مكان آبي أحمد، نتيجة أن الإعلام الحكومي لم يبث مشاهد له على الأرض.

يأتي ذلك فى أعقاب إعلان “جبهة تحرير شعب تيغراي” هذا الأسبوع السيطرة على مناطق قريبة جداً شمال شرق أديس أبابا.

وأرسلت أديس أبابا في خريف ٢٠٢٠ قواتها إلى تيغراي للإطاحة بسلطات الإقليم المنبثقة عن “جبهة تحرير شعب تيغراي”، بعدما اتّهم رئيس الوزراء قوات الإقليم بمهاجمة مواقع للجيش الاتحادي.

وأوقعت المعارك في إثيوبيا، التي تعد ثاني أكبر بلد إفريقي في عدد السكان، آلاف القتلى ووضعت مئات الآلاف في مواجهة خطر المجاعة، وفق الأمم المتحدة.

وأظهرت وسائل إعلام أفريقية وعالمية مشاهد من اقتراب مقاتلي التيجراى وجيش تحرير أورومو من العاصمة، ما يُنذر بتفاقم الأزمة وتحول النزاع السياسى الذى فشل آبى أحمد فى احتوائه، إلى حرب أهلية طاحنة.

الخطاب السياسى لرئيس الوزراء”آبى أحمد”.. تناقض وازدواجية

بعد أن قرر فجأةً رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” العام الماضى الانتهاء من إعداد قانون يهدف إلى التحكم في الأخبار المزيفة، والحد من خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأعلن في تصريحات إعلامية سابقة، أن الأخبار المزيفة وخطاب الكراهية المنتشر على نطاق واسع بوسائل التواصل الاجتماعي، أجبر الحكومة على النظر في الحاجة إلى إدخال قانون ينظم سلوك وسائل التواصل في إثيوبيا، بما لا يهدد وحدة البلاد.

وذكر أن حكومته بدأت بإجراء اتصالات مع القائمين على موقع “فيسبوك”، وبقية شركات التواصل الاجتماعي، للتشاور حول سبل التحكم في الأخبار المزيفة وخطاب الكراهية.

لكن على الجانب الآخر أمر “آبى أحمد” قواته العسكرية بتدمير كل ما هو “تيجراى” المنشأ والأصل، ولم يكتفِ بذلك سراً بل أذاعه علناً، فى خطاباته عبر وسائل الإعلام الرسمية، وأكد على أنه سيبيد كل ما هو تيجراى وسيقوم بدفنهم أحياء تحت الأرض، وبعدما كان يدّعى محاربته لخطاب الكراهية، بات خطابه هو نفسه يحمل كل معانى وقيم الكراهية والعنصرية واللامواطنة.

وبعد ذلك بدأ “آبى أحمد” ترويج نظريات المؤامرة، التى أخذ يرددها عبر خطابه السياسى، لتتدفق عبر وسائل الإعلام الحكومية الإثيوبية، بأن مصر ومعها بعض الدول تحاول زعزعة الأمن والاستقرار فى إثيوبيا.

رغم أن نص خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” خلال كلمته في المؤتمر المشترك مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في مصر، منذ نحو عامين، ذكر فيه نصاً التالى: “إن بلادنا ليست لديها رغبة أو فكرة بإلحاق الضرر بالشعب المصري، وإن كنا نؤمن بأننا يجب أن نستفيد من هذا النهر، لكن عندما نستفيد وننمي هذا النهر، لا يجوز أن نقوم بما يضر بالشعب المصري، ونريد أن تكون الثقة سائدة بيننا في هذا الشأن.

وبعدها انقلب على مصر وتبدّل خطابه تجاهها وتجاه الشعب المصرى، هذا التناقض والتخوين الذى تتسم به خطاباته السياسية تُرسخ لحقائق استراتيجية، أبرزها أن آبى أحمد غير صادق النوايا وبالتالى غير صادق فى حديثه، وأن سلوكه غير نابع من إرادته الحرة لذلك يتبدل فعله وقوله.

وسائل الإعلام الإثيوبية والدولية على خط الأزمة

بدلاً من أن تلتفت وسائل الإعلام الإثيوبية إلى ما آلت إليه الأمور فى الداخل الإثيوبي، من خطر التهجير والمجاعة والقتل العشوائى خارج إطار القانون وانتهاك حقوق الإنسان، التفتت إلى وسائل إعلام أجنبية بل وهاجمتها عبر وكالتها الرسمية، حيث تم شن هجوم من قبل على الإعلام المصري بعد نشر تسجيل صوتي منسوب لرئيس الوزراء “آبي أحمد” يقول فيه إنه يفضل الموت على تسليم السلطة، ولا توجد قوة تستطيع انتزاعها منه وإن وجدت سيواجهها بحزم، وكذبت وسائل الإعلام الإثيوبية هذا التسجيل الصوتى، رغم أن ما حدث بعدها خلال عدة أشهر من تحركات لقوات آبى أحمد تؤكد ما جاء فى هذا التسجيل.

بل وإن الخطاب الإعلامى ل”أحمد”، يؤكد أيضاً ذلك، فقد نادى الشعب بالانضمام إلى قواته لمواجهة التيجراى وجيش تحرير أورومو، بدلاً من احتواء الأزمة بالطرق الدبلوماسية المعهودة، بدأ فى الصراخ لحشد الشباب بعد أن وصلت الانشقاقات بين قواته إلى حد قادة اللواءات والفرق.

فلم يجد أمامه سوى اللجوء إلى ورقة إشعال الحرب الأهلية ودعوة الشعب إلى القتال للحفاظ على مقدراته وحقوقه، وهذا ما أكده قائد جيش تحرير أورومو في تصريحاته لوسائل الإعلام العالمية بقوله أن “الحكومة تحاول فقط كسب الوقت ويحاولون إثارة حرب أهلية في البلد ولهذا يدعون الشعب للقتال.. ما نحن متأكدين منه هو اقتراب نهاية الحرب بنصر محتوم لصالحنا”.

أبي أحمد يعزل إثيوبيا ويفقدها أصدقائها

باتت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى فجة للغاية ليس فقط تجاه مصر بل أيضاً تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، حيث اتهم آبى أحمد وسائل الإعلام الأمريكية بالتحيز والكذب والتضليل، واتهم بعض الدول كالسودان بالخيانة، كما اتهم القوات العسكرية المُنشقة عنه بالعمالة والدونية، ولم يتوانَ لحظة فى إطلاق التصريحات المستفزة تارة والمُخيّبة لآمال الشعب الإثيوبى تارة أخرى.

وصرح آبى أحمد لوسائل الإعلام قائلاً “إن أعداء بلاده روّجوا لانهيار العاصمة أديس أبابا، وهروب المسؤولين إلى دول الجوار بهدف إثارة الذعر المصطنع في صفوف الشعب، وإرباك المجتمع الدولي”.

لكنه ظهر بشكل مهزوز تتكالب الأفكار في رأسه حيث دعا الشعب إلى جمع التبرعات لقوات الدفاع الإثيوبية، بعدما باءت كل محاولاته بالفشل في توفير الدعم اللازم للمقاتلين باسم الحكومة.

وتجاهل آبي أحمد الحالة الصعبة والظروف الطاحنة التي يعيشها الشعب الاثيوبي، كنتيجة متوقعة لسياساته التعنتية التي فرضت القتال والحرب الأهلية والصراعات المسلحة، بل وقف أمام الشعب متحدثا بعبارات وصفها مراقبون بالخيالية عندما قال “نتعرض لمحاولات من الإخضاع والتركيع وسلب للحرية وضرب للاقتصاد، من قبل قوى أجنبية متعددة تدعم أعداءنا على أرض المعارك الجارية”، ما أدى لتجاهل العديد من الدول له بل نفور دول أخرى منه.

وفيما يخص خطاب آبى أحمد تجاه السودان، فهناك أيضاً العديد من ملامح التناقض ومظاهر الازدواجية ما بين خطاباته وأفعاله، فقد صرّح أكثر من مرة وفى أكثر من مناسبة بأن العلاقات الإثيوبية السودانية فى أفضل حال، وبعدها مباشرة يتم الدفع بالميليشيات الإثيوبية على الجبهة الشرقية السودانية (القضارف- الفشقة)، واقتناص الجنود وتهجير السكان وسرقة المحصول الزراعى.

كما أنه أكد على رغبته فى تحسين العلاقات مع الجارة الأفريقية الشقيقة السودان (حسبما قال)، وعلى الجانب الآخر يُصرح بأن السودان يحتضن إرهابيين من جبهة قوات التيجراى على أرضه، وأنه يدين ذلك الأمر، ما يدل على تخبّط رؤيته السياسية وتناقض خطاباته السياسية مع الاستراتيجية العليا لمصالح إثيوبيا.

ليس هذا فقط بل أوعز لوسائل الإعلام الإثيوبية بأن تنفى صحة الخبر الذى تناولته وسائل الإعلام السودانية فيما يخص الهجوم الإثيوبى الأخير على القضارف، ونفى هذا الهجوم رغم عرض السودان صور ومقاطع حية للقتلى من الجيش السودانى على الحدود السودانية الإثيوبية.

وعليه يبدو أن النفق أصبح مظلماً عليه، وأنه فى مأزق حقيقى نتيجة تلك التناقضات ما بين الفعل والقول، ونتيجة أن الشعب الإثيوبى ملّ الكلام الكثير والتصريحات الخيالية والوعود الواهية، التى أطلقها آبى أحمد منذ وصوله للحكم وحتى الآن، وانتفاضة الشعب الإثيوبى مؤخراً هى من ستحسم المعركة، لتنطفئ ألهبة نيران الحرب الأهلية فى إثيوبيا، ليلتفت حقاً إلى التنمية بدلاً من معاداة الجميع.

بعد ان تناولنا موضوع الأزمة السياسية الإثيوبية يمكنك قراءة ايضا

ليبيا في أسبوع.. القذافي يعود للسباق الانتخابي.. والدبيبة يكلف قائد ميليشيا بإدارة الاستخبارات العسكرية

لغة الخطاب السياسى الاستراتيجى لآبى أحمد فى الأزمة السياسية الإثيوبية.. تناقض وازدواجية

ويمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى