رامي زهدي يكتب.. في إفريقيا شعوب تجوع وتعطش.. دون صوم!
شهرُ رمضان.. عبادةُ تدريبٍ على الجوع والعطش وشعورٌ بحاجات الآخر.. فهل يشعر العالم بجوع وعطش إفريقيا؟
واحدٌ من كل خمسة أفارقة ينام جائعًا بسبب مشاكل الجفاف والجوع
العالم يأكل إفريقيا! وفي السياسة.. “الغذاء مقابل الطاعة”.. أو “الجوع ثمن للسيادة”
الصوم بالنسبة للمسلمين في شتى بقاع العالم، عبادة هامة، وأحد أركان الإسلام والإيمان بوحدانية الخالق، ورمز طاعة العباد لرب العباد، إلا أنه بالنسبة إلى المسلمين وغير المسلمين عادة صحية ونفسية وإنسانية مهمة، تجعلنا نعيد صيانة آلة الجسم خلال أيام معدودات، وكذلك نشعر بجوهر حاجات الآخر ممن يفتقد الطعام والماء النظيف والأمن بمفهومه الأشمل، وفي ظل انعدام الأمن بالمعنى الحرفي الدقيق وما يحتويه من أمن غذائي ومائي وطاقي، تعاني شعوب القارة من أزمات متعددة سياسية واقتصادية ومجتمعية وآثار مدمرة للتغير المناخي، وتنعكس كل هذه الآثار في جوع وعطش، جفاف وظروف صعوبة، تراجع جودة الغذاء وشحه في أحيان كثيرة أو ارتفاع تكاليفه لدرجة عدم استطاعة الدول والحكومات وكذلك الشعوب والأفراد توفير الحد الأدنى من الشبع للبطون الخاوية والارتواء بالماء النظيف للأنفس المتعطشة.
بينما تواصل مستويات الجوع في إفريقيا الارتفاع مجددًا جراء عوامل خارجية وحروب وصراعات في العالم وتجارة بأزمات القارة ومساومات سياسية وفرض إرادة على الأنظمة الإفريقية الوطنية.. وفي السياسة العالمية.. “الغذاء مقابل الطاعة”.. أو “الجوع ثمن السيادة”.
يقع حوالي 800 مليون إفريقي، وهو رقم مرشح دائمًا للزيادة، فريسة لخطر انعدام الأمن الغذائي مما يمثل واحدًا من كل خمسة أفارقة ينام جائعًا بسبب مشاكل الجفاف والجوع، كما يعاني 237 مليون شخص في الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى من نقص تغذية مزمن، وهو ذات الحال في أقاليم إفريقية متعددة أبرزها شرق ووسط القارة بأعداد تتجاوز 500 مليون نسمة، حيث تعاني أكثر من 11 دولة إفريقية من تهديد الموت جوعًا، في وقت تطال أزمة الغذاء كل دول القارة دون استثناء، ما بين ارتفاع تكلفة الغذاء، صعوبة تدبير العملات الأجنبية لاستيراده وحتى الشح والندرة وكذلك الماء النظيف في ظل تراجع البنية التحتية، كل هذا بالتوازي مع ضغوط قوى العالم الكبرى بالمنع مرات والمنح مرات حسبما يتفق ذلك مع مصالح هذه الدول دون الاعتبار لحاجات دول وشعوب القارة الإفريقية.
وفي تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو»، صدر في منتصف العام 2023، أن الأمم المتحدة أدرجت السودان وبوركينا فاسو، ومالي ضمن أعلى مستوى تأهب لأزمات جوع مرتقبة، لتنضم بذلك إلى نيجيريا والصومال وجنوب السودان وإثيوبيا التي تعاني جوعًا حادًّا، مؤكدة أن هذه البلدان الإفريقية باتت على حافة هاوية ضمن 18 بؤرة ساخنة يهددها الجوع حول العالم، ونحن الآن على بعد زمني أكثر من ستة شهور على هذا التقرير والوضع أصبح أكثر خطورة، فجمهورية إفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وكينيا بؤر للجوع تثير قلقًا شديدًا.، وهم يصومون دون عبادة ودون ميعاد إفطار محدد!!
ومع شهور العام 2024 الأولى تظل «السودان، وجنوب السودان والصومال واليمين ونيجيريا ومالي وبوركينا فاسو، ومالاوي، إلى جانب دول أخرى خارج إفريقيا مثل سوريا ولبنان، وأفغانستان وباكستان وميانمار وجواتيمالا، وهندوراس، وسلفادور» بؤرًا لخطر الموت جوعًا في الأشهر القليلة القادمة خاصة عندما يأتي شتاء هذه الدول، حال لم يتم إسعافها بتدخلات عاجلة وفورية تزداد هوة الأزمات، بل إن بعض المناطق بهذه الدول مرشحة للتدهور المطرد في مستويات انعدام الأمن الغذائي في ظل الأوضاع العالمية الراهنة التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.
إن عدد الجياع في إفريقيا للأسف يواصل ارتفاعه بفعل النزاعات والحروب وتغير المناخ وحالات التباطؤ الاقتصادي، بل إن الصراع العالمي خاصة الاقتصادي انعكس في شكل مزيدٍ من مشكلة تفاقم الجوع في القارة الإفريقية مع توقع لظروف أصعب هذا العام 2024 وربما القادم أيضا 2025 والتالي 2026، طالما نسير في نفس إطار الأزمات من دون التخفيف من العوامل المحركة الرئيسية الكامنة وراء الجوع في إفريقيا.
ويأتي الآن شهر رمضان، فهل يشعر العالم من مسلمين وغيرهم ممن تجمعهم صفة الإنسانية الحقيقية، بجوع وعطش شعوب ليس لها ذنب في ذلك إلا أن أحدهم أكل طعامهم دون حق وربما مستقبلًا يأكلهم هم ذاتهم.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب