محمد جمعة آلاأ يكتب.. أوجلان وخارطة رسالته أو في البراءة الأخلاقية

في كتابه الوجود والعدم يرى الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أن أقصى درجات الحرية هي القدرة الفائقة لنا على أن نتحمل المسؤولية ولكن أي مسؤولية ؟ يدلل لنا سارتر مفهوم المسؤولية على أن نكون أحراراً ومن ثم يرى أن هناك نوعاً من الزيف الأنطولوجي يحوم حول أنفسنا تلك التي تدّعي أنها حرّة فالهروب من المسؤولية يجعلنا في علاقة طمأنينة موهمة مع ذواتنا “إنني أتحمل المسؤولية التاريخية” بهذه الكلمات ختم أوجلان نص رسالته وكأنه يخبر نيتشه أنه آن الأوان أن نعيد ترتيب هذا الإنسان الأخير الذي سقط في تكراره ولانهائيته وأن نفتح الأفق الرحب لظهور حقول أخرى من التجاور الحر وهذه الجرأة على أن نكون أحراراً ونتحمل تلك المسؤولية لا يفعلها سوى ذاك الإنسان الذي بشّر به كليهما.
اقرأ أيضا: ولاء جمال تكتب.. سوريا من نفق مظلم إلى فصل جديد من المواجهه
داخل خارطة رسالته يطرح أوجلان نقاطاً حيوية هي بمثابة دلائل لمنهجيته :
قرن العنف: إننا ولدنا داخل معركة يبدو فيها الثورة والسلاح أمراً قبلياً لشروع في الحياة البائسة ومن ثم يبدو الدفاع الوجودي أو محو الاستعمار كما يدّعي فرانس فانون عن أفق الحياة التي نريدها خياراً لا بد منه إنه بعبارة أخرى قرن القتل أو لنقل قرن العداوة المنفلتة، يريد أوجلان أن يعيق هذه العداوة أو يغلق الباب على أولئك الذين استفادوا من هذا الشرط التاريخي على مر هذا القرن وذلك من خلال العداوة بين الهويات “الكردية-التركية” هذا التاريخ الذي نما على استدامة هذه العداوات. حيث يتحول الآخر إلى عدوٍ أخلاقي حسب كارل شميث هذا العدو الذي يجب إبادته وهنا تتخذ الأنا موقف التشرنق حول الذات لمواجهة هذه العداوة وتتحول إلى تكرار عقيم كما يذكره أوجلان في رسالته ، أمام هذه العداوة يطرح أوجلان مفهوم الصداقة السياسية: يمارس أوجلان جهداً مضنياً في إعادة السياسة إلى أفق الصداقة أي بمعنى حصري إلى الشأن الأخلاقي.
يدرك أوجلان بشكل جريء أن عهد السياسة بالمعنى التقليدي “الميكافيللي” قد ولّى وإننا مدعوون إلى التعرف على نمط آخر من السياسة وهي تلك القائمة على إنشاء مساحات مفتوحة من صداقاتٍ يعمل فيها أناس مختلفون إن السياسة_ وهنا يمارس أوجلان استدعاءً للفيلسوف اليوناني أرسطو والفيلسوف الألماني هابرمس – لا تتشكل بين أناس متماثلين إنما مختلفين يتحاورون من خلال صداقتهم فكل نقاشٍ حول السياسة بعيداً عن الصداقة ومن خلال منظور خاص أناوي يسقط المعنى الوجودي للسياسة هنا يأسس أوجلان لعلاقة تشابكية بين السياسة والصداقة ويعتقد أنها شريطة ملازمة لعملية خلق حضور داخل العالم ولممارسة هذه الصداقة يقدم أوجلان ما يسميه بطريقة سارتر المسؤولية الديمقراطية أي انعدام الخيار فإما أن نخوض هذا العالم المظلم الذي يبدو فيه تطبيقات الموت خياراً مفتوحاً أو نشرع على تحمل عبء ترتيب أنفسنا المتعبة من خلال خيار الديمقراطية كأسلوب حياة وكنمط اجتماعي. في هذه المقولة يستدعي أوجلان التاريخ المخفي للديمقراطيات فمن وجهة نظره فإن الديمقراطية فقدت ثقلها في اللحظة التي استُدعيت إلى حظيرة الدولة لتصبح نمط من الحكم يريد أوجلان أن يعيد الديمقراطية إلى أرضها أي إلى المجتمع من خلال الممارسة المعيشية أي إخراج الديمقراطية من دائرة الأنظمة السياسية وإدراجها داخل منطقة عمليات الجماعات البشرية وتكملة لهذا المسار يشير في رسالته إلى عملية دمج المجتمع بالدولة والسبب في ذلك هو ادراكه أن الدولة بكل حمولتها تتلفظ آخر أنفاسها أو لنقل أننا نمارس أنفسنا كحالات تخاض الواقع السسيولوجي باعتبارنا متواجدين في أزمنة ما بعد الدولة.4
إنه يريد أن يصل بنا إلى نقطة مركزية وهي أننا منفتحون اليوم وبشكل جذري على مساحات أخرى من التحاور الإنساني وبصرف النظر عم تدعيه منظومة الدولة اليومية. ينتهي أوجلان بإضافة جرعة أخلاقية للعالم الذي ينهار وللعالم الذي يدّعي الحرية ليخاطبهما بأن الخيار المتبقي لدينا هو أن نكون شجعان لنتخذ قرار أن نكون أحراراً ومن ثم من خلال هذا الإدعاء يبرّئ ذمته ويستدعي بشكل صامت آخر قولة له في محاكمته العلنية عام 1999 عندما قال إن التاريخ سيبرّئني أخلاقياً. ولكن عن أي تاريخ يتحدث،؟ إنه تاريخ أولئك الذين يؤمنون بالحياة المشتركة ويسعون إلى إنتاج شيء عمومي ومشترك بعيدا عن إي إدعاء ديني أو قومي متعالي.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب