رامي زهدي – عضو مركز العرب للأبحاث والدراسات
لا يمكن لأحد ما عاقل سوي وشريف أن يرفض أو يعمل ضد اتفاق أو توافق ما من شأنه تحقيق خير ورفاهية لشعوب عانت وما زالت تعاني ظروفًا اجتماعية واقتصادية صعبة وغيابًا حتى لأبسط مبادئ الحياة الكريمة، لكن للأمور أبعادًا أخرى، فلا يمكن أبدًا في إطار هدف تحقيق منفعة لشعب ما أن يتحقق أو يقع ضرر بشعب آخر أو تنتهك القوانين الدولية وسيادة الدول، وبالتالي كل من عارض الاتفاق المبدئي الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال إنما يتملك دوافع منطقية عادلة ومنصفة لاتفاق غير شرعي، أعطى فيه من لا يملك حقًّا لمن لا يستحق.
- اقرأ أيضا: رامي زهدي يكتب.. “القمة الألمانية الإفريقية فرص معززة نحو شراكة إفريقية أوروبية إيجابية”
إقليم أرض الصومال هو إقليم تابع لدولة الصومال الفيدرالية منذ الاستقلال عن الاحتلال البريطاني الإيطالي 1960، لحين إعلان الإقليم انفصاله واستقلاله عن الصومال من طرف واحد عام 1991 في ظل ظروف سياسية صعبة واجهت الصومال الكبير مع نهاية حكم الرئيس “سياد بري”. ولم يقبل باستقلال الإقليم أو يعترف به أي كيان أو دولة في العالم، الآن نتحدث عن اتفاق بمنح إثيوبيا ميناء سياديًّا على البحر الأحمر في نطاق ميناء بربرة بطول بحري 20 كيلو مترًا، يمنح إثيوبيا الحبيسة حقوق تشغيل ميناء جارٍ وقاعدة عسكرية وإعلان عودة قوات البحرية الإثيوبية، وكل هذا يخل بسيادة الصومال الدولة العربية الإفريقية ولم تكن ترتضي أبدًا إثيوبيا أو غيرها العكس بالتواصل مع إقليم أو حركة انفصالية ضد إرادة وسيادة الدول.
لماذا ترفض مصر والدول العربية والاتحاد الإفريقي وعدد من القوى الدولية الاتفاق؟
أولًا: الاتفاق يمثل تحركًا منفردًا لم يتم إعلان الدول ذات المصالح المشتركة مسبقًا، ولم يطرح للتشاور أو الدراسة رغم وضوح تداخل المنافع، وتعارض المصالح.
ثانيًا: الاتفاق غير شرعي ويمثل تعديًا على سيادة الصومال وهي دولة عربية وإفريقية.
ثالثًا: الاتفاق يمثل خرقًا للقانون الدولي.
رابعًا: الاتفاق يقدم أسوة سيئة لدول أخرى في ظروف مشابهة لتسير على نفس النهج.
رابعًا: الاتفاق يهدد الأمن والسلم بالمنطقة.
خامسًا: الاتفاق يغير جغرافيا المنطقة ويضر بميزان القوى والأمن في البحر الأحمر، سواء الممر المائي أو الدول المشاطئة على جانبي البحر ودول الجوار غير المباشرة.
سادسًا: الاتفاق يمثل فرصة لعودة وتنامي أعمال القرصنة والإرهاب في المنطقة.
سابعًا: الاتفاق يقضي باعتراف إثيوبيا باستقلال أرض الصومال وهو ما يعني مشكلة دولية قد تؤدي لصراع دبلوماسي أو مواجهة عسكرية كبيرة وربما حرب متعددة الجهات والتوجهات، كما أنه يمثل احتلالًا ناعمًا للإقليم الصومالي من قبل إثيوبيا وتغيير ديمغرافية الإقليم والمنطقة، واختراقًا أمنيًّا مباشرًا، خاصة أنه سبق لإثيوبيا احتلال إقليم أوجادين الصومالي، وأرض الفشقة السودانية المبني عليها سد النهضة، والتداخل عسكريًّا أكثر من مرة ولسنوات في الصومال.
ثامنًا: الاتفاق يمس أمن وسلم واقتصاد دولة عربية أخرى وهي جيبوتي وأخرى إفريقية وهي إريتريا، ويأتي في إطار أحلام هيمنة وسيطرة ونفوذ إثيوبي على المنطقة وهي أحلام غير منطقية ربما تتفق مع تاريخ الدولة الإثيوبية لكن لا تتفق مع واقعها.
تاسعًا: الاتفاق يمس بشكل غير مباشر السيادة والنفوذ المصري والسوداني على الممر المائي (البحر الأحمر)، ويهدد اقتصاديات وأمن الدولتين وهما دولتان عربيتان وإفريقيتان.
عاشرًا: من المرجح أن إثيوبيا التي تعاني تعثرًا اقتصاديًا وعجزًا عن الوفاء بالتزاماتها أن تكون مجرد واجهة أو أداة لقوى دولية أخرى ترغب في تعزيز هيمنتها وسيطرتها على البحر الأحمر، وهو كممر مائي أو إقليم جيوسياسي يمثل جوهرا رئيسيا من الصراع العالمي حاليا في المنطقة والعالم.
سيناريوهات متوقعة
نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما يندرج من كل منهما سيناريوهات متعددة:
الأول: أن تتراجع إثيوبيا وتدرك خطورة وأبعاد الموقف، وفي هذه الحالة إما أن تعيد التفاوض بشكل شرعي وأن تجلس على مائدة تفاوض شرعية أو تتراجع نهائيًّا وتجد بدائل أخرى قانونية وشرعية للنفاذ للبحر ويوجد بالفعل اختيارات عدة ممكنة وواقعية.
الثاني: أن تستمر إثيوبيا في خططها، حتى وإن طالت المدة، وأن تلجأ لتدويل القضية والدفاع عن نفسها كصاحبة حق مشروع، أو أن تمضي بالقوة للتنفيذ وسريعًا، وقد تكون المواجهة المسلحة هنا لا بديل عنها ما بين الصومال وداعميه وما بين الإقليم الصومالي وإثيوبيا، وهو الاحتمال الأخطر والأسوأ والذي لا يتمناه الجميع.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب