الرئيسيةدراساتسياسية

أحمد شيخو يكتب.. « جون تورك».. كيانية الإبادة والإرهاب من القوموية العلمانية إلى العثمانية الجديدة

الكاتب باحث وسياسي كردي سوري.. خاص منصة العرب الرقمية

لفهم وإدراك سلوك الدولة القومية التركية المصطنعة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية التي سادت 600 سنة، ولمعرفة الذهنية والسلوكية العنيفة لقوى الإبادة المتحكمة في الدولة التركية|، ربما علينا البحث والتدقيق في الظروف التي كانت سائدة وملاحظة تشكل القوى والائتلافات فيما بينها والتي خرجت من رحم بيروقراطية الإمبراطورية  ومصالحها والتي كانت تريد المحافظة على مصالحها ومنافعها ووجودها في الحكم والسلطة تحت أية مسميات وسلطات و مهما كانت القوى السياسية الحاكمة، وكذلك من المهم رصد كيفية تشكل التبعية والتقليد للقوى الخارجية  والتي بدأت بها النخب السياسية والثقافية والاجتماعية في الإمبراطورية العثمانية نتيجة الهزيمة الثقافية والسياسية والادراية والعسكرية التي كانت محتومة مع حالة الجمود والسكون الفكري والفلسفي والاجتهادي الذي بدأ مع القرن الثاني عشر في العالم الإسلامي الواسع في الشرق الأوسط  وشمال أفريقيا والذي تم تعميقه وتوطيده بالسلوك والممارسات العثمانية المختلفة والمتخلفة. ومن القوى التي تم تمكينها ولتخرج منتصرة كان جون ترك أو التركياتية الفاشية البيضاء والتي حملت مشروع الهيمنة العالمية في المنطقة ونفذت كل ما تم الطلب منها للوصول لدولة قومية تركية وظيفية أداتية قائمة على فرض النمطية والتجانس ولو بالقوة والنار وتشكيل أمة الدولة القومية عبر الإبادة والصهر والتغيير الديموغرافي وبذلك أصبح قوى الإبادة والحاملة للمشروع الدولتي السلطوي المركزي هم جون ترك كظاهرة في المنطقة بشكل عام وكذهنية و عقلية  وممارسة وكخط سياسي استراتيجي لرأسمالية الدولة وهم الذين يقودون الدولة التركية وإن اختلف الأشخاص والأحزاب والتيارات والتسميات والأيدولوجيات حسب الفترة والمرحلة والأجواء المحيطة بتركيا ومتطلبات الهيمنة والأدوار المطلوبة من الدولة التركية.وكذلك تواجدت هذه الظاهرة في العديد من دول المنطقة والعالم ومازالت مستمرة.

تشكل جون ترك:

يتميز الشرق الأوسط عامة و أراضي الأناضول وميزوبوتاميا العليا خاصة بأهميتها الاستراتيجية ، التاريخية ، الجغرافية والمرحلية دوماً.  وهذا كان يعني الكثير للقوى المحورية في النظام العالمي ومنها للإمبراطورية الإنكليزية التي كانت القوة المهيمنة الرئيسية في النظام العالمي  مع الدخول إلى القرن العشرين وكذلك بالنسبة لألمانيا وروسيا الندين للإنكليز حينها، وذلك لكون هذه الساحات شهدت ظهور أولى المدنيات والحضارات المركزية  والديمقراطية،  والذي استمر فيها لآلاف السنين. وكانت وفق مصالح الهيمنة العالمية تستوجب السيطرة وإخضاع هذه الجغرافية لأجل التحكم بالشرق الأوسط والأدنى وآسيا الوسطى والهند وإيران.

يمكننا الإدراك وفهم  ماهية وتشكل  الجون تورك من الكيانين المسمّيين بـ”حركة تركيا الفتاة” و”جمعية الاتحاد والترقي” أي الأيديولوجيات القوموية والبنى السلطوية الدولتية الحديثة المبتدئة من عهد الإصلاح الاجتماعيّ عام 1840م إلى يومنا الراهن،  بناءً على علاقات الكيانين وتفاعلهم مع حسابات ومصالح  النظام العالمي الرأسمالي وحداثته في الهيمنة على المنطقة.

إن الإمبراطوريتان العثمانية والإيرانية اللتان كانتا تحتضران وقتها مع الدخول في القرنين التاسع عشر و العشرين، وانطلاقاً من حسابات التوازن في بسط الهيمنة، كانتا في حالة ضعف مرسومة ومسموح لها العيش بضعفها إلى حين الوقت المناسب للإنقضاض عليهم . و هنا كان السبيل الوحيد بالنسبة إلى بيروقراطيات الإمبراطورية، للاستمرارية و للبقاء في السلطة وحفظ منافعها، كان الاستمرار بوجودها اعتماداً على قوة أو ائتلاف قوى مهيمنة تم الإعداد لها والسماح لها بالنمو. وبالاعتماد على ذلك، شرعت نخب سلطوية سياسية جديدة بالتمايز عن بعضها بعضاً ارتباطاً بالقوى المهيمنة على المناطق آنفة الذكر، أي إنكلترا وألمانيا وروسيا وفرنسا. و كان تقليد تلك النخب لحداثة النظام العالمي الرأسمالي  وسلوكياتها أمراً لا بد منه.

لم تكن لتلك البيروقراطيات أن تعيش بالثقافة الإمبراطورية القديمة لعدة أسباب منها:

  •  بسبب ضعف وعي الحقيقة فيها لأنّ ثقافة الحداثة الرأسمالية للنظام العالمي المهيمن كانت قد غزتها منذ زمن بعيد وهي تجسد وعي أرقى وأعلى منها بكثير.
  • كان محال عليها التطلع إلى خيارات الشعوب الديمقراطية. ومن غير المتوقّع انتظار انطلاقة ديمقراطية من البيروقراطيات التي تبني وجودها على أرضية نهب ثقافة الشعوب والمجتمعات، ولا من الشريحة العليا التي تبثّ الروح فيها فيما عدا حالات نادرة جداً.

وبذلك لم يكن هناك أيّة فرصة أمام هؤلاء سوى الالتحاق بقوى الهيمنة الجديدة كأدوات ولواحق تابعة وحثالات تهمها العيش والرفاهية التي تعودت عليها. وما تبقّى من الأمر كان نقل تقليد الحداثة الرأسمالية كما هو، من خلال تنور بيروقراطيّ.

وهكذا، فقد دخلت وسارت البيروقراطية العثمانية على هذا الطريق، مثلما كانت الحال في معظم العالم وقبلها في أوروبا إبّان الثورة الفرنسية. فـ”جون ترك” أو ما يسمى حركة “العثمانيين الشباب”، تليها حركة “تركيا الفتاة” التي تحولت إلى “جمعية الاتحاد والترقي” اعتباراً من أعوام 1890، كانتا خطوتين حرجتين على هذا الطريق بعد  ماتم تسميته “عهد باشوات الإصلاح الاجتماعيّ”.

و أما أيديولوجياً، كان هناك ثلاثة تيارات:

  • تيار العثمانوية: تمّ الانطلاق منها، لأجل خلق دولة قومية على أنقاض الإمبراطورية المتبقية.
  • تيار الجامعة الإسلاموية: وهي تجاه ميول الانفصال التي تبدّت لدى ذوي الجنسية المسيحية، وتم الانطلاق منها لأجل إطالة عمر الإمبراطورية استناداً إلى بناء كيان مؤلف من الشعوب المسلمة بما يشمل العرب بصورة خاصة.
  • تيار التركياتية : ومع تعزّز رغبة وميل الانفصال بين العرب، برز تيار التركياتية إلى المقدمة.

وبينما أعلنت “الملكية الدستورية الأولى” كثمرة من ثمار طموحات “حركة العثمانيين الشباب”، فقد كان طابع الأيديولوجيتين الإسلاموية والتركياتية في الملكية الدستورية الثانية هو السائد.

تحولت أيديولوجية التركياتية إلى أيديولوجيا رسمية في الدولة والأحزاب الدولتية السلطوية المتمحورة حول الدولة بدءاً من عام 1913 وحتى يومنا.

ومن الهام الإشارة أن لقوى الهيمنة نصيبها في جميع هذه التيارات و الميول ، وبنسب مختلفة. والأهمّ أنه ثمة تسلّل ماسونيّ جادّ وملحوظ. حيث ساعد الماسونيون كافة الحركات القوموية العلمانية الشابة في العالم ومنها الشرق الاوسط منذ أيام الثورة الفرنسية، وقد بسطوا نفوذهم بشكل كبير في التيارات الثلاثة البارزة  في الإمبراطورية العثمانية خلال السياق المبتدئ بعهد الإصلاح الاجتماعيّ، وشكّلوا النخبة الحاكمة الأصل في نشوء جمعية الاتحاد والترقي وفي سلطتها. كما كان للصهيونية أيضاً تأثيرها في تلك التيارات الثلاثة. فالصهاينة الذين أعلنوا أنفسهم رسمياً كممثلي القوموية البورجوازية اليهودية عام 1896، كانوا مندفعين وراء إعادة تشييد الدولة الإسرائيلية اليهودية القديمة بحيث تكون القدس مركزها. والسبيل إلى ذلك كان يمرّ من بسط نفوذهم في الإمبراطورية العثمانية والتحكم الكامل فيها.

أما  الأداة السلطوتية والأيدولوجية و الجهاز المساعد على ذلك، فكانت جمعية الاتحاد والترقي. لقد كانت الجمعية بنيةً أيديولوجيةً وسياسيةً معقدةً للغاية من حيث المضمون، بالرغم من إقرارها بالتركياتية كأيديولوجية رسمية تزامناً مع انقلاب عام 1913. كانت تركياتية الاتحاديين هنا تعبّر عن بنية معقدة مشكلة من شتى الملل والأقوام بنسبة تفوق وجود الأتراك، أكثر من ارتكازها إلى ظاهرة سوسيولوجية. وهذا الكيان كان يفتقر لأية خلفية طبقية أو أثنية في هذه المرحلة التي طغت عليها حسابات بحث مسؤولي المؤسسات البيروقراطية عن مستقبل واعد لأنفسهم، وعلى رأسها مؤسسة الجيش. و التركياتية بجانبها هذا كانت رسابيةً واصطناعيةً في البداية. ثم عملت على تهيئة أرضية اجتماعية لذاتها بعد استيلائها على عرش السلطة. وكانت المساعي لتكوين طبقة بورجوازية من أحشاء البيروقراطية.

أما سلطات الجمهورية، فقد بذلت الجهود للاستمرار بهذا البرنامج وتطويره حتى اليوم. كما ظلّت أهدافها و مبادئها الأيديولوجية الدولتية عينها على الدوام، رغم انقسامها مع الزمن إلى فرق مركزيّة مختلفة وكذلك رغم الانتقال من القوموية التركية إلى العثمانية الجديدة.

أما البورجوازية التي كانت ستنمّيها تلك النخبة السلطوية الدولتية والأيديولوجية المجرّدة من الأرضية الاجتماعية والطبقية في انطلاقتها؛ فنشأت عن طريق رأسمالية الدولة. ورأسمالية الدولة هي أكثر أشكال الرأسمالية البعيدة عن الإبداع ومصالح الشعب والتي لها قابلية لاستخدام الشدة والقوة وتنفيذ الإبادات للوصول لأهدافها في الهيمنة والنهب.

وكان أمامها طريقيتين:

  • التصاعد بالاعتماد والأخذ من الخارج والتبعية له.
  • تأمين الوجود بالاستيلاء على فائض القيمة من خلال تسليط الإرهاب التعسفيّ  والشدة المفرطة على المجتمع داخلياً.

والحاجة إلى الدعم الخارجيّ خلقت بدورها الظروف و الأجواء المناسبة لتسلل رأس المال اليهوديّ على الدوام.

دور الكوادر ورأس المال اليهودي :

كان اليهود نافذين للغاية في عصر تبلور و ازدهار الهيمنة الرأسمالية كنظام عالمي منذ عهد السلاجقة، وبالأخصّ بعد أعوام 1550. فبعد طردهم من إسبانيا عام 1492،أصبح لهم فرعيين رأسيين:

  • فرع تخندق  في أمستردام ، العاصمة الهولندية.
  • الفرع الثاني أخذ من خطّ إزمير وسلانيك وإستنبول مركزاً له.

ولطالما تواجد رأس المال اليهوديّ تقليدياً في الأناضول. أي أنّ اليهود كانوا من الرأسماليين والمستثمرين المنظمين في الداخل والخارج بشكل كبير. ورؤوس الأموال هذه دفعت اليهود إلى التركيز في حسابات الاستيطان بدايةً على روسيا، بولونيا، ألمانيا، هولندا، والجزيرة البريطانية.

وكانت ألمانيا من البلدان التي كان لليهود حساب حولها . وكان دور اليهود الأيديولوجيّ والسياسيّ والاقتصاديّ رئيسياً في نشوء بورجوازيتها . إذ قاموا بريادة أكثر الميول والتيارات الألمانية مثاليةً على الإطلاق، ولعبوا دوراً في تأجيج النعرات القوموية الألمانية، وفي تصعيد رأسمالية الدولة. وبالتالي عملوا على تصعيد الرغبة الألمانية للهيمنة في وجه ميول الهيمنة الروسية والفرنسية والإنكليزية.

أما الصهيونية فكانت ميل تجلّت بالأغلب لدى البورجوازية اليهودية الألمانية والنمساوية. وكان يهود إنكلترا وروسيا أيضاً فعّالين. لكنّ البورجوازية اليهودية الألمانية كانت دوماً في المقدمة حتى عام 1918 و انهيار الإمبراطورية الألمانية مع الحرب العالمية.

إنّ القوموية اليهودية موضعت ورسّخت الصهيونية الأناضولية التركية بنحو منيع قبل الصهيونية الإسرائيلية نتيجة :

  • التأثير الألمانيّ القوي في جمعية الاتحاد والترقي، وهو نفوذ رأس المال اليهوديّ وهذه كانت نتيجة حسابات الموازنة المتطورة  والتبعية الموجودة في الإمبراطورية العثمانية وخاصة  مع عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

2- تأثير الماسونيين ورأس المال اليهوديّ المحليّ.

وكانت للصهيونية الأناضولية التركية الدور الرئيسي إعلان الملكية الدستورية، انقلاب 1913، سياق التحرر الوطني بين أعوام 1919 و1922، وفي إنشاء الجمهورية. وقد استخدمت الأيديولوجية التركياتية  كالسّتار الأمثل لها في تمويه نفسها.

وعند الإشارة إلى نشوء الرأسمالية التركية، فإن رأس المال اليهوديّ يسري فيها بتأثير راسخ وكبير، وبالأخصّ في سياستها الخارجية وفي بنية الجيش والمؤسسات الأيديولوجية والثقافية والإعلامية؛ بل وبما يضاهي منزلته داخل كافة البنى الأيديولوجية والثقافية وداخل أجهزة السلطة في الرأسمالية الألمانية، ويزيد عليها كثافةً وتحكماً ونفوذاً.

وعليه نستطيع القول أن البرجوازية اليهودية والرأس المال اليهوديّ يتقمصان دور البورجوازية التركية. حيث هناك التركمان المقهورون والأنصار المسيحيون وحشد القرويين بوصفهم جميعهم جماهير تركياتية حقة.  مع عدم قولنا بعدم وجود البرجوازية التركية .

لا يمكن لأحد أن يتجاوز قوة رأس المال اليهوديّ المادي والفكري والثقافي كقوة بنائية أساسية في  بناء الهيمنة العالمية مع عصر الحداثة الرأسمالية للنظام العالمي المستمر إلى اليوم والمستند للقوموية.. لكن في الوقت نفسه، الإشارة إلى الدور الرياديّ الذي لعبه المتنورون والكادحون اليهود بين حركات المقهورين الأيديولوجية والميدانية لشعوب ومجتمعات حول العالم.

برز رأس المال اليهوديّ المتمركز في إنكلترا وهولندا إلى المقدمة مع هزيمة ألمانيا عام 1918. وخرجت إنكلترا منتصرةً من صراع قوى الهيمنة و التنافس القوميّ المستمر منذ القرن السادس عشر بين الإمبراطوريات الإسبانية أولاً، ثم الفرنسية، وأخيراً الألمانية والروسية والعثمانية.  وبالتأكيد كان لرأس المال اليهوديّ  دور كبير في إحراز هذا الانتصار،  مثلما كان الحال في بناء الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت سابقاً مستعمرةً إنكليزية، وفي النهوض بها إلى منزلة القوة المهيمنة الجديدة.

أما في انهيار الإمبراطورية العثمانية تسري الأمور نفسها وبمستوى أكبر. حيث كانت الإمبراطورية بمثابة عائق تتعثر به مقررات المؤتمر الصهيونيّ المعقود في عام 1896م، والذي يعترف بفلسطين وطناً لليهود.  وعندما لم يتم الاستجابة الكافية لفتح باب الهجرة إلى فلسطين رغم أن السلطان عبد الحميد ظل ودوداً وحميماً معهم ، قام جون ترك أي أعضاء “تركيا الفتاة” ومؤسّسو “جمعية الاتحاد والترقي” باعتلاء عرش السلطة  ومن المهم ذكر كلام السفير الإنكليزيّ آنذاك حيث أنه اعتبر وصول أعضاء “تركيا الفتاة” و”جمعية الاتحاد والترقي” إلى الحكم بأنه استيلاء لليهود على الإمبراطورية. وبالتالي نجحوا في إضعاف تأثير عبد الحميد  وإنهائه عبر الحكم الدستوريّ الثاني 1908 وانقلاب 1909، مثلما فعلوا مع الملك الفرنسيّ والقيصر الروسيّ في الثورة الفرنسية والروسية. وبلغوا أوج نفوذهم في بلاد الأناضول وميزوبوتاميا وحتى اليوم مع الجمهورية التركياتية القومية.

تعبّر جمعية الاتحاد والترقي، التي تحكمت بزمام الأمور ثم استفردت بالسلطة في الإمبراطورية العثمانية ، عن الطليعة الأيديولوجية والعملية  لليهود الساعين إلى بناء دولة ونفوذ ولقوى رأس المال اليهوديّ. في حين أن  المؤسّسين والمشرفين من القوميات الأخرى ، بما في ذلك المنظّمون للمجازر من أتراك وكرد. لهم دور الساتر والمموّه للنفوذ اليهوديّ في الاتحاد والترقي.

ولقد كان للجمهورية جانبها الحر و الديمقراطيّ أثناء بنائها، بقدر جانبها التحرريّ الوطنيّ. وقد أنجزت في البداية كثورة تحققت بتحالف القوى الوطنية الديمقراطية. من الكرد والترك  والشيوعيين والإسلاميين القوميين والشركس ومختلف التكوينات الشعبية. ولكن كما حصل في الثورتين الفرنسية والروسية، فقد حدث في ثورة الأناضول وميزوبوتاميا أيضاً  وسادت الثورة المضادة  ، حيث اتّبعت الأساليب التآمرية وبدور رئيسي للهيمنة البريطانية:

  • تحويل البنية الوطنية الديمقراطيّة إلى دولة قومية ديكتاتورية أحادية ذات لون واحد.
  • القضاء على العناصر الوطنية الديمقراطية في كنف الدولتية القومية للجمهورية الذين شاركوا في الثورة.
  • تصفية أربعة من الجنرالات أو الباشوات الخمسة، الذين قاموا بالدور الرياديّ، فيما عدا مصطفى كمال.
  • بناء الجمهورية التركية بصيغة مغايرة كلياً لما جرى تصوّره في حرب التحرير الوطنية.

حيث باتت الجمهورية بدولتيتها القومية  وبسلطويتها القوموية واحدةً من المرتكزات الأساسية لنظام الدول القومية الصغرى ، التي ستبقى ضمن حجم يمكّن من فرض الهيمنة الإنكليزية عليها، والذي عملت إنكلترا إلى ترتيبها والتسويق لها في الشرق الأوسط وعبر مختلف الأحزاب والتيارات القومية المضللة و الغائبة عن الوعي بأنها الحلم المنشود والاستقلال المقدس والحرية تكمن في هذه الدول القومية التي تم فرضها قسراً على المنطقة وشعوبها لتفتيتها وتقسيمها والتي ليس لها علاقة بقيم وثقافات شعوبنا المتعايشة والمتكاملة منذ ملايين السنيين. وما من شكّ أنه لا يمكن أن  يتحقق التطور والديمقراطية  والتنمية في اية جمهورية أو دولة، تتصارع دوماً مع المجتمعات والشعوب التي في داخلها وهي تنكر وجودهم باستمرار، وتبيدهم وتعدمهم بالمكائد الاستفزازية المتوالية.

إن الأتراك البيض أو أصحاب التركياتية البيضاء حسب وصف المفكر والقائد عبدالله أوجلان هو” الخليط الطبقيّ الهجين الجديد المؤلّف من البورجوازية التركية البيروقراطية والعناصر اليهودية، والذي يشكّل أقليةً قليلة ، قد تبنّى القوموية العلمانية كدين شديد الصرامة، وأقصوا جميع العناصر الديمقراطية من الجمهورية. وهكذا فتاريخ الجمهورية هو كناية عن صون هذا المضمون. وقد شلّ تأثير بعض رجالات الدولة من أمثال مندريس وأوزال وأربكان وأجاويد، فور تجاوزهم مضمون الجمهورية ذاك، وتطلعهم إلى الدمقرطة في  الداخل، وفور تخطّيهم الحدود الدنيا المرسومة لهم وطموحهم في بلوغ الحدود العليا خارجياً ضمن الشرق الأوسط.

وقد تمّ التشبث بإصرار بـ”القانون الفولاذيّ” للمضمون الديكتاتوريّ الأدنى مستوىً. ولهذا الغرض أبقيت عمليات التصفية بالاستفزازات والمؤامرات حيال الكرد والمسلمين والشيوعيين، بل وحتى إزاء الشراكسة قائمةً دوماً في الأجندة. ولم تغب قطّ المجازر والاعتقالات والإعدامات من الميدان. ”

دخلت تركيا حلف الناتو،عام 1952 ومن يومها يقوم  ما يمكن تسميته جيش الناتو السريّ أي شبكة الغلاديو، و من مركزها في ألمانيا ، بإدارة  الحكم في تركيا فعلياً. وتقف شبكة الغلاديو خلف المراحل المسماة بوصاية الجيش والانقلابات العسكرية. كما تم الإبقاء على التوترات والثنائيات ( اليمينية–اليسارية والعلويّة–السّنّيّة والتركية–الكردية ) تتخبط في العقم وعدم الحل ، كذريعة لبسط الديكتاتورية العسكرية والمدنية. كما أن استهداف الكرد بعد سنة 1925، فكانت تؤدي دوراً مشابهاً .

لقد أكتملت تأسيس دولة إسرائيل نتيجة التموضعات الجيوسياسية المختلفة التي تم فرضها و تم إعطاء أدوار جديدة بالجمهورية التركية مع الحرب الباردة. وتم تقدم ملحوظ في بسط الهيمنة على الشرق الأوسط. و لكن سيادة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط بنحو تامّ تحقق مع زوال خطر روسيا الاتحادية عام1990. و لفهم هذا الحدث التاريخي وأهميته علينا النظر لمكانة إسرائيل وشأنها كمؤشر أولي، حيث كانت إسرائيل قد أسّست، لكنّ كان لا يزال يوجد مخاطر أمنية من قبل القوموية العربية. وعليه، فقد كانت بحاجة ماسة إلى حلفاء دائمين، وإلى رسم استراتيجيات وتكتيكات جديدة. وعليه فالدور الذي أدته ديكتاتورية الدولتية القومية التركية البيضاء ضمن الجمهورية التركية خلال أعوام العشرينيات، كانت الدولتية القومية الكردية البيضاء ستلعبه هذه المرة في كردستان وضمن المجتمع ممثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني وعائلة البرزاني كقوة أداتية لا تأخذ مصالح الشعب الكردي بعين الاعتبار وتمنع ظهور اي سياق مجتمعي ديمقراطي كردي وتعمل على مهاجمته مع الأعداء ،  كما تفعل الآن ضد حزب العمال الكردستاني والشعب الكردي بالتشارك مع تركيا في هجماتها على الشعب الكردي وقوة حريته.

ويمكننا القول أن أعوام التسعينيات كانت تكراراً لعشرينيات القرن العشرين وكذلك حرب الخليج الثانية. إذ أدى انهيار الاتحاد السوفييتيّ إلى إشكالية تحديد عدوّ جديد بالنسبة للهيمنة العالمية الرأسمالية. وتم اتخاذ أمن إسرائيل معياراً، وأعلنت التيارات الإسلامية المتشددة  خطراً و عدواً جديداً. وحالة الربيع العربي وما نتج عنه من اتفاقيات آبرهام وتوسع العثمانية الجديدة بشكل متزامن يؤكد التوافق والتكامل بينهم ومنبعهم الواحد. رغم صراع الحصص بينهم بعض الأحيان في الشرق الأوسط وكسر العزلة حول إسرائيل بشكل لم تعد بحاجة إلى تركيا مثل السابق.

الإبادة الجماعية الفريدة  بحق الشعب الكرد:

بدأ الكرد في القسم الأكبر من كرستان الوقعة تحت الاحتلال التركي المعاناة من أفظع كارثة في تاريخهم مع مؤامرة “جون ترك” من الفاشية التركية البيضاء المبتدئة في 15 شباط 1925م. فالمؤامرة  وحالة الإبادة الفريدة التي صيغت ضد الكرد في 1925م وحتى اليوم و وضع القائد عبدالله أوجلان في السجن منذ 24 سنة و احتلال تركيا لشمالي سوريا وإقليم كردستان العراق  وتهديد تركيا وأردوغان باحتلال الشهباء ومنبج واستعماله الكيميائي ضد المدنيين والمقاتلين الكرد  في زاب وآفاشين ومتينا ، هي أشمل نطاقاً وأطول زمناً بكثير من تلك المطبّقة على الأرمن في 1915م. و لعل المقاربة التي سلكها هتلر لدى انشغاله بإبادة اليهود، والتي مضمونها “لم يتحرك أحد تجاه تصفية الجون تورك للأرمن”؛ توضح المؤامرة الفاشية في تركيا على الشعوب  ومدى الأهمية العظمى للنظام العالمي لممارساتها.

كانت الانتفاضات أو الحراك الكرديّ والمقاومة القائمة في الفترة ما بين أعوام( 1925-1940)م، على نظام الجمهورية، يهدف  إلى الحفاظ على الوجود الذاتيّ في وجه الفاشية التركية البيضاء ومقاومة حملاتها لتصفية الهوية الكردية. فالكرد كشعب كانوا من المشاركين في حرب التحرير الوطنية وفي بناء الجمهورية. وهو موجود في وثائق جميع الاجتماعات المهمة، وفي معاهدة أماسيا ووثائق مؤتمري أرضروم وسيواس، وفي العديد من قوانين البرلمان التركيّ، بل وحتى في دستور تركيا الأساسيّ لعام 1921م. فما شكّله التحرر الوطنيّ بالنسبة للشعب التركيّ، يحمل معان مشابهة بالنسبة للشعب الكرديّ أيضاً. حيث لم تؤسّس الجمهورية باعتبارها جمهورية الأثنية التركية الخالصة فقط، بل كانت اعتماداً على البنى الأثنية المتعددة وفي مقدمتها الكرد..

ويتمّ ضمان حقّ المكون الكرديّ في المساواة بدستور تركيا الأساسيّ لعام 1921م. وتعزّز الثقة المتبادلة مع إصدار “قانون الحكم الذاتيّ الكرديّ” المذيّل بتاريخ 10 شباط 1922م. وفي المؤتمر الصحفيّ المنعقد في إزميت بتاريخ 16–17 كانون الثاني 1924م، أي بعد تأسيس الجمهورية؛ فيتحدث مصطفى كمال عن أوسع نطاقات الاستقلال الذاتيّ من أجل الشعب الكردي. وعندما تحول ذلك وتم اخذ قرار البدء بإبادة الكرد، فرض على فتحي أوكيار ، رئيس الوزراء آنذاك، أن يقدّم استقالته لأنه قال “لن ألطخ يدي بمجازر الكرد”. وحينها يتم الانتقال إلى عهد عصمت إينونو وفوزي جاقماق أي الاتحاد والترقي.\

عندما تمّ تبنّي التيار التركياتيّ للتقاليد الاتحادية أي  ثقافة جمعية الاتحاد والترقي، والذي يرتكز إلى مفهوم الأثنية الواحدة كأيديولوجية رسمية؛ أقصيت جميع العناصر المؤسّسة الأخرى كأمر لا بد منه. وكان أبسط مطالبة لهم بحقوقهم  يؤدي إلى الإبادة. لكن زيادة عدد السكان الكرد، والمصاعب الناجمة عن ذلك لدى محاولة القضاء عليهم؛ فلعب دوراً في تقديم التنازلات من الميثاق الملليّ، والتخلي عن الموصل وكركوك لصالح الهيمنة الإنكليزية، وفي الاتفاق مع إنكلترا بشأن الإقرار بتصفية الكرد حركةً ووجوداً. وكيفما استخدم التحالف مع ألمانيا في إبادة الأرمن، فقد استخدم الاتفاق مع إنكلترا بصدد الموصل وكركوك في إبادة الكرد. وما يروج أحياناً إنّ القوى الخارجيّة دعمت الكرد في الانتفاضات الكردية، غير صحيح  بل قدّمته لصالح النظام الفاشيّ التركي ضد الكرد، بما في ذلك دعم روسيا الاتحادية.

إن كيان التركيانية البيضاء الذي يعبر عن  تحالف البيروقراطيين الأتراك الموالين لألمانيا مع المستثمرين اليهود ، والذي يشكّل الكوادر النواة لجمعية الاتحاد والترقي تحت اسم “تركيا الفتاة” أو جون تورك؛ قد اعتمد القضاء و تصفية  وإبادة كلّ الأديان والأثنيات الأخرى غير المندرجة في إطاره مثل المسيحية، الإسلام، الكرد، العرب، الشركس، سياسةً أوليةً له منذ بداياته. وقد طبّقت هذه التصفية  أو الإبادة الجماعية خطوةً تلو الأخرى وتم القضاء على:

  • قضي على السريان عام 1914م.
  • قضي على الأرمن في 1915م.
  • قضي على الشركس في 1921م.
  • قضي على الروم في 1923م.
  • قضي على السّريان والأتراك المسلمين من أتباع نهج الخلافة في 1924م،
  • وبدء القضاء على الكرد اعتباراً من 1925م و هو مستمر حتى اليوم .

لقد قضوا على كلّ الشرائح الباقية خارج نطاقهم خارج نطاق معادلة  الجون تورك التي تعبر عن “تركيا الفتاة” (البورجوازية البيروقراطية التركية واليهود الدونمة والكوادر والمستثمرين الماسونيين) والتي تحولت إلى “الفاشية التركية البيضاء”(القوموية التركية وجمعية الاتحاد والترقي وحزب الشعب الجمهوري CHP)  والآن هي “العثمانية الجديدة” أو تركيا الأردوغانية (حزب العدالة والتنميةAKP وحزب الحركة القومية التركية MHP)

كانت الكيانات و العناصر الفاشية قد شنّت حرباً خاصةً متعددة ومتنوعة ضد الكرد حتى قبل شبكة غلاديو التابعة للناتو. وكانت ظاهرياً تدافع عن قيم الجمهورية في وجه العناصر الرجعية المناهضة للجمهورية. علماً أنه لم يكن للكرد أيّ حراك مضادّ للجمهورية. بل كانوا يطالبون بحقّهم في المساواة والحرية وإدارة مناطقهم، والذي وعدوا به أثناء مشاركتهم في التحرير الوطنيّ، ولو بشكل معقول. علماً لهذه المطالب جذورها وتوفقاتها التاريخية التي بدأت مع المحطات والوقائع التاريخية الهامة كمعركة ملازكرد 1071م ، معركة جالديران 1514م ومرج دابق 1516م، وتمتدّ منهما إلى حرب التحرير الوطنية فيما بين 1919–1922م؛ لتترك خلفها مسيرة مشتركة حوالي تسعة قرون عاش فيها الكرد مع الغير جنباً إلى جنب كشعوب صديقة ومتجاورة، مؤمّنين بذلك سيرورة سلطة الدولة معاً وبالتشارك والعيش المشترك.

لم يكن لإقصاء الكرد والبدء بإبادتهم أية ذريعة أو حجة تاريخية أو اجتماعية. وكان الكرد يجهلون الحقيقة الفاشية لحداثة النظام العالمي الرأسمالي. و كانوا يتحركون بموجب قانون الدولة التقليدية المشتركة وشعوب الجوار والأخوة، ويعوّلون على ذلك ويستندون عليها ويؤمنون بها.

ولكن حتى اليهود و هم أثرى وأوعى شعب عرفه التاريخ، لم يكونوا يتوقعون ممارسةً تصل حدّ الإبادة بحقّهم في أوروبا. ولكن، ليس لسلطة الرأسمالية التي تريد الهيمنة والنهب عموماً، ولسلطة الديكتاتورية الفاشية بوصفها رأسمالية الدولة خصوصاً أن تنظّم نفسها عملياً من دون إبادات جماعية كالتي حصلت بحق الكرد واليهود. حيث لليهود هولوكوست واحدة وللأرمن الإبادة الجماعية، بينما للكرد الإبادة الجماعية الفريدة في العالم و المستمرة منذ مئة عام إلى اليوم وهاد أردوغان يعتبر كل كردي إرهابي حتى يقبل الخضوع له ويتخلى عن كرديته الحقيقة وكرامته وشرفه. ومقومات الحداثة الرأسمالية للنظام العالمي المنقولة إلى الجمهورية التركية، والمفروضة عليها من الخارج؛ ما كان ممكناً تطبيقها إلا بيد الدولة وبنموذج السلطة الفاشية. وكما أن قيام الفاشية بأداء دور أشدّ تأثيراً في العديد من تجارب الدول القومية  فيرد إلى رأسمالية الدولة، حيث لايمكن الحديث عن رأسمالية لا ترتكز إلى الدولة القومية.

وجميع المخططات والقوانين المطبّقة، بدءاً من “قانون إصلاح الشرق” الصادر بتاريخ 1925م، وحتى “قانون التوطين الإجباريّ” 1935م، كانت بهدف القضاء على وجود الكرد. و لم يكن مقتصراً فقط على تصفية الكرد ممارسةً وتنظيماً وسلوكاً. بل وكان يستهدف تصفيتهم وجوداً أيضاً ومحوهم من التاريخ والجغرافية.

ولم يكن ممكناً  لهدف ولخطة تصفية الكرد التي هدفت إليها الجمهورية التركية أن تبدء بدون الإتفاقية المبرمة بشأن الموصل وكركوك وتقسيم كردستان والتي تعود ركيزتها إلى مؤتمر القاهرة المنعقد في 1920م.  وأحد أهمّ تشخيصات ذلك المؤتمر وقراراته، هو الإبقاء على القضية الكردية في اللاحل وفي الأجندة للتمكن من تأمين سريان وبسط الهيمنة الرأسمالية في الشرق الأوسط.   وبإضافة قضية الصراع الإسرائيليّ والفلسطينيّ إلى ذلك، سوف نفهم من خلال التداعيات مدى التفكير طويل الأمد الذي تتسم به قوى الهيمنة، والخطط بعيدة المدى التي ترسمها فيما يتعلق بتقسيم البلدان والشعوب، وفي فرض التّبعيّة عليها. ولذلك الدافع الأوليّ وراء تجنّب حلّ القضية الكردية، هو حسابات الهيمنة على المنطقة. والأحداث الجارية في  الأجزاء الأربعة من كردستان تبين ذلك. ويلاحظ أنّ نفس الحسابات لا تزال مستمرّةً في تناول موضوع  القائد عبدالله أوجلان و حركة حرية الشعب الكردي حزب العمال الكردستاني PKK ومنظومة المجتمع الكردستاني KCK  والكرد الأحرار ، في وصمهم بالإرهاب زوراً وبهتاناً وعدم فسح المجال لهم لحل القضية الكردية من قبل النظام العالمي.

لقد أضاع الكرد فرصة النجاح والتحول إلى حركة قومية معاصرة، نتيجة الألوية الحميدية وحملات التقسيم والتجزيء  والعديد من الأسباب، ومن الأسباب الأساسية في العجز عن تطوير الحركة القومية الكردية المعاصرة :

  • نمط التكوين التاريخيّ للشريحة الفوقية الكردية. إذ هناك ضياع وانحراف وانحلال في طراز تكوين هذه الشريحة، منذ انهيار الكونفدرالية الميدية على يد البرسيين الفرس وبعض الخونة كهربكوس وفق رواية هيردوت.
  • رؤية عناصر الشريحة الفوقية إلى العالم، وماهية برنامجها ونمط تنظيمها. إذ انتزعت فكرة الاستقلال والحرية من عقليتهم. فهم يفهمون العالم انطلاقاً من زاوية التبعية البحتة. فكأنّ الاستقلال والحرية عدوّان لهم. ذلك أنهم كوّنوا أنفسهم بناءً على خيانة الثقافة التاريخية والاجتماعية التي ينتمون إليها، وعلى عدم إجلال الحياة الحرة في تلك الثقافة، بل وبالنظر إلى العيش في أحضان الثقافات الغريبة والإخضاع لها على أنه أنسب لمصالحهم الشخصية والعائلية والعشائرية، رغم الشعارات والأوهام الكاذبة التي يطلقونها دون أي فعل  كما هو الحزب الديمقراطي الكردستاني حالياً وأتباعه في أجزاء كردستان حيث أنهم شاركوا تركيا في احتلال عفرين مثلاً وتم تغير ديموغرافيتها وتهجير أهلها وفي كل مناسبة يقولون بأنهم لا يقبلون سوى بدولة كردستان مستقلة نفاقاً وخداعاً وتواطئهم يبين ماهيتهم.

تأسيس حزب العدالة والتنمية(AKP) .

إن اليهودية التركية مازالت تحافظ على  تأثيرها ومنزلتها كقوة معيّنة تترك بصماتها على بنى النظام الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية التركية. كما إنّ شأنها ودورها ونفوذها في قطاعي الجيش والسياسة الخارجية والإعلام  أيضاً مازال مصيرياً على الدوام إلى اليوم رغم التحول من القوموية العلمانية إلى العثمانية الجديدة مع أردوغان وحزبه.

بدأ التفكير بجلب حالة إسلامية للحكم في تركيا مع وضع إيران الجديد منذ الثمانينات ووصول الشيعة القومية إلى الحكم ومع دخول السوفيت إلى أفغانستان، فكان انقلاب 1980 م وثم المرور بعدة مراحل حتى الوصول إلى عام 2002 وحزب العدالة والتنمية و أردوغان.

إن حزب العدالة والتنمية ((AKP بزعامة أردوغان والذي شكّل على يد  الثلاثي أمريكا، إنكلترا وإسرائيل، بغية خدمة مصالح الهيمنة لهذا الثالوث بالتحديد في منطقة الشرق الأوسط، بات يطالب ويريد بمضاعفة حصته مقابل خدماته للهيمنة. والطريق إلى ذلك :

  • تخفيف وصاية الجيش عليه، وعدم تنظيم انقلابات جديدة ضده.
  • زيادة ومضاعفة حصته من مكاسب الاستغلال المسلّط على الشرق الأوسط والسماح له بإعادة الميثاق الملي إن أمكن على الأقل.

لكن إسرائيل تعتبر بورجوازية الأناضول الانكشارية من العثمانية الجديدة هذه مبالغ فيها نوعاً ما، وتأمل في الحدّ من مطالبها. و تجد حكايات وأحاديث أردوغان عن “القوة الإقليمية” و”القوة العالمية”  و “العثمانية الجديدة” أمراً مبالغاً ، وتؤكد على وجوب التحديد الصحيح والدقيق لهوية المهيمن في المنطقة والعالم في آن معاً وخاصة بعد “اتفاقيات آبرهام” مع الدول العربية وإمكانية رسم المشهد الإقليمي من جديد.

يتمثل الدور المعطى لأردوغان وحزبه أو وظيفته:

  • تطويع القوموية الشيعية الإيرانية والإسلاموية العربية والقوموية العربية، وفي إرفاقهم جميعاً بالنظام المهيمن.
  • خلق الفوضى والتوتر اللازم في المنطقة وتهيئة الأجواء للأجندات العالمية وربما هذا الذي حصل في السنوات الأخيرة لو نظرنا لافعال وممارسات تركيا.

ومن الواضح أنه سمح لأردوغان وحزبه  بأداء دور بارز في قطاع الجيش وفي الشؤون الخارجية لهذا الغرض، مقابل أن يؤدي AKP دوره  ووظيفته وفق المرسوم. ومظاهر الخلافات و التناقضات في كثير منه، هو صراع متّفق عليه. لكنّ التناقضات المعبرة عن مضاعفة الحصة حقيقة قائمة. ولكن تناقضات يمكن حلّها ضمن إطار النظام نفسه.

وعليه، فالتوافق التامّ لـAKP مع النظام المهيمن العالمي على المدى المتوسط والطويل أمر لا بدّ منه. أما إذا عاند بغطرسة وضيّق الخناق على النظام المهيمن بالتحالف مع إيران والإسلام السياسي، أو حتى بالاتفاق مع تيار الإسلام المعتدل؛ أو مع روسيا والصين والاقتراب منهم فعلياً فسوف يشهد وضعاً لن يختلف عمّا حلّ بأسلافه وبـCHP، وربما نرى ذلك في الأشهر والسنة القادمة بعد عدد من الممارسات الأردوغانية.

النتيجة:

إن قراءة تحليلية دقيقة لحداثة النظام العالمي الرأسمالي يؤكد أنّ أيديولوجية القوموية الضيقة، و بالتحديد الدولة القومية، التي لها ارتباط  وثيق وعضوي  مع الرأسمالية هي مصدر الفاشية  والتوحش في نهاية المطاف. ويبين كيفية تطور النظام الفاشيّ، الذي يجسد خاصية من خصائص الدولة القومية وتجربة سلطات الجون تورك .

لا  بد أن نشير إلى نقطة هامة هنا، وهو أننا لا نستطيع إلقاء العتب كاملاً على عاتق  النظام العالمي الرأسمالي وقواها الرئيسية وحداثتها الرأسمالية. ذلك أنّ الأيديولوجيات الإسلاموية واليسارية والتنظيمات السياسية المختلفة وحركات التحرر الوطنية البارزة بصفتها تحرريةً ومناسبةً لحل القضية، مسؤولة أيضاً عن  حالة التبعية والضعف والقوموية الإنكارية والإقصائية والإبادات  الحاصلة والمستمرة وحالة التشرزم والفرقة بين المجتمعات والشعوب، بقدر العناصر الحاملة لحداثة لنظام العالمي المهيمن الرأسمالي على الأقلّ من الجون تورك، الجون كرد، الجون عرب، والجون فرس. حيث أن أي أسلوب أو منهاج اقترحته على شعوبها منذ حوالي مئة عام على الأقل لم يسجل أيّ نجاح يذكر، فإنها لم تتمكن من لعب دور يتعدى خدمة بناء المشهد الإقليمي الذي رسمتها الحداثة الرأسمالية إقليمياً لأجندات الهيمنة العالمية ، وتوظيف نفسها لهذا الغرض. ولا يمكننا إنكار دور هذه الحقائق، تأسيساً على أيديولوجيات الدولتية القومية العربية و والشيعة القومية والتنظيمات السياسية المختلفة التي لا تستند إلى قيم الأخوة والتعايش السلمي والاحترام والاعتراف المتبادل والديمقراطية.

وهكذا نجد أن قوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي  والتغير الديموغرافي في بنية الدولة التركية ورأسمالية الدولة والتركياتية الفاشية البيضاء  والقوموية التركية والعثمانية الجديدة  هم ” الجون تورك” ذهناً وسلوكاً وتراكماً  وتبعية للخارج وبعداً عن الشعوب والمجتمعات  والمرأة،  وهم  الخدم والحاملين لمشروع الهيمنة العالمية على المنطقة  بشعوبها ومجتمعاتها  وهم المتصدرين للمشهد العسكري والأمني و الثقافي والسياسي والاجتماعي  والإعلامي والاقتصادي، وسيرة سباتاي زيفي و  عصمت إينونو  وفوزي جقماق وكنعان أيفرن و تانسو تشلر  و بولند أجاويد و كليشدار أوغلوا و أردوغان ودولت بهجلي وغيرهم يبين جزء من هذه الكيانية المصطنعة “جون ترك” التي دأبت على ممارسة الإرهاب والإبادة داخلياً وخارجياً، الذي يتحور وفق ظروف وشروط خدمة الهيمنة العالمية بين القومية العلمانية تارة إلى العثمانية الجديدة تارة أخرى، إلا أن تكون العودة إلى حالة التشارك والتعايش الذي كان سائداً بين شعوب المنطقة ومجتمعاتها ومحاسبة قوى الإبادة والإرهاب تلك على أفعالها من القوموية العلمانية الفاشية والإسلاموية السياسية الإرهابية من عناصر(  الجون تورك و جون عرب و جون فرس و جون كرد) الذين ليس لديهم أي اعتبار واحترام وثقة في مجتمعاتنا وشعوبنا  وقيمنا ولا يهمهم سوى الاستمرار في الحكم والسيطرة وتحت أية عناوين وحجج ووفق أية ظروف حتى لو باعوا كل شيء وتخلوا عنه للخارج وللعدو وللأخرين  حتى لو باعوا حريتهم وكرامتهم  وشرفهم ، كما شاهدنا ونشاهده في مجمل دول المنطقة. وعليه يكمن الحل في بعض أجزائه الرئيسية في تحقيق وإنجاز نهضة كبيرة وحركة وعي و تنوير تشمل كافة مجالات الحياة في المنطقة للخلاص من الرؤية والسلوك والروح الاستشراقية والعودة للثقافة والتاريخ الذاتيتين لشعوب ومجتمعات المنطقة ونبض الحرية والديمقراطية والأصالة والتشارك فيها وتجاوز الإبادة والإرهاب الدولتي  و القوموية  الفاشية والتلاحم مع العلم المعاصر وعصر الأنترنت والرقمنة والمعلومة، لبناء الإنسان الحر الديمقراطي الذي هو اساس كل بناء و وحياة  حرة وديمقراطية و تحقيق حرية المرأة  التي هي اساس كل الحرية والديمقراطية  والتنمية في المجتمع

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى