أحمد الجويلي يكتب.. فتنة عقائدية خامدة تحت الرماد!
إذا كان العالم يمر بموجة كبيرة من المواجهات المباشرة لضمان استقرار القيم الداخلية لكل معسكر، فحري بنا أن نرى ونواجه أنفسنا بشكل مباشر لخلق استقرار مكين لا استقرار ظاهري ينهار في أي لحظة!
منذ بداية أبريل وانا اشتم روائح كريهة تنبعث حولنا ولا يود أحد الاعتراف بها أو دعوني أقول لا يقدرها حق تقديرها،وكنت اتساءل وابحث في الأخبار يوميا عن حدث من شأنه يخرج هذه الاستراتيجية الجديدة للنور لعلنا ندركها، فكان الحدث الخاص بالسيدة مريم وهيب.
ولمن لا يعرف هي سيدة أصدرت فيديو تعبر فيه عن اعتناقها للإسلام وتركها للديانة المسيحية، وفوراً عقب إذاعة الخبر تجييش الفريقين في مواجهة مباشرة حول انها مخطوفة والأمر فيه نوع من الإجبار على اعتناق الإسلام، والآخر يقول أن عودتها الى منزلها بواسطة الشرطة هو الإجبار بذاته.
وبديهي أعلم تماما أن التحدث في مثل هذه الأمور يجب أن يكون بميزان وأقول بشكل مباشر أنني معكم هنا الآن ليس لإصدار أحكام من النوع الطائفي سواء مع أو ضد اختيار البشر للعقيدة وتمسكهم بالاعتناق للدين،
هو أمر بين العبد وربه وليس هناك أي مجال لسيجال الرأي والرأي الآخر في تلك الأمور، أنا هنا لكي أقول إنني أرى الأزمة تحمل أبعاد أخرى أعمق من القضية بذاتها، وبالملاحظة وجدت أن هناك استراتيجية قوية تعمل في الخفاء على ثلاثة محاور، ويجدوا كل الدعم والتفاعل القوي من لجان الكترونية مخصصة لهذا الأمر، بل ومؤسسات وكيانات صحفية وإعلامية ذات تأثير على نطاق واسع بين فئة ليست بالقليلة وسط جموع المصريين، وترتيباً نبدأ بتسلسل الأحداث وفقاً لما رأيته من مطالعات وملاحظات.
المحور الأول: كانت البداية الحقيقة عند مقتل القمص ارسانيوس، وكان البعض ينتظر لحظة ما لتناول إعلامي، يحمل أبعاد الفتنة والاستفزاز، وتصوير الإسلام والمسلمين على خلفيات داعش، وأن جميعهم يحملون نفس الافكار،
وهذا بالطبع عار تماما عن الصحة، والتعميم في حد ذاته جريمة تستوجب محاسبة النفس.
وإذا عدنا للخلف قليلاً سنجد انه ببساطة ومنذ ظهور الجيوش الحرة، وإطلاق العنان لدعم الجماعات التي ترفع شعار الدين كغطاء لأعمال العنف، كانت هناك تغذية قوية في هذا الاتجاه، نحو تصوير الإسلام وظهوره في ثوب العنف، واجبار غير المسلمين على اعتناق الإسلام رغم أن العقيدة الإسلامية تكفلت بكل الأسس والثوابت نحو حرية الاختيار ولا سيَّما العقيدة،
وبالإضافة لتطور العصر بدأت الكتائب الإلكترونية تعمل بكل طاقاتها عبر جميع وسائل التواصل الإجتماعي، تقوم بالرصد والتحقيق بل وبعد دراسة مستفيضة لعلوم الاجتماع و دراسة طبائع المُخاطب إليه، والتعليق بشكل يغذي تلك الصورة، فنرى أن يتم بناء نحو ما يقرب من مئة تعليق ليجذب ألف من المؤيدين لتأكيد تلك الصورة الذهنية الخاطئة،
مثالاً: أن القمص لن يدخل الجنة ومكانه النار والعذاب
مما يجعل الطرف الآخر يقوم بالرد حسب ما يفهم من عقيدته، التي يعتز بها، فيكون الصدام الالكتروني مدخلا كي يكون الصدام الحقيقي واقعي بين الناس، وسيتحول الأمر إلى تراشق عقائدي في ثوب التباهي كلُ حسب العقيدة التي يؤمن بها!
المحور الثاني: الخروج المكثف والمفاجئ في شكل دعوات ممولة بأموال مهولة، من الخارج تدعو إلى اعتناق الدين المسيحي، مما يدعوا أو ما يسمى بدعوات التبشير تحت مسمى إعادة تعريف للإله والقضاء على الحيرة في اعتناق الدين، وإطلاق ما يسمى بالخلاص!
وبالتالي تقوم مجموعات أخرى بالردود على تلك الصفحات وإقامة تفاعل مجتمعي مختلف و متصادم، وبالتبعية إنشاء صفحات ممولة من الخارج على أسس علمية اجتماعية في اختيار المنشورات والردود، تقوم بدورها في اللعب في ثوابت المسيحية واختيار الأزمات الداخلية وتصديرها للعلن وإنشاء نوع جديد من التفاعل الصدامي،وذلك تمهيداً لتصادم واقعي حالم يتم فتح هذه الملفات حتى بين الأصدقاء في إطار المناقشات العادية فيشتعل صدام بشكل مغاير عما سبق تنفيذه سابقاً،
بالإضافة لإنتاج مسلسلات وافلام تقوم بشكل مباشر في هدم ثوابت وأسس الدين الإسلامي والمسيحي ليكون المسيحي متعاطف مع مسلسل يقوم بتصوير أسس غير صحيحة عن الإسلام وتصدير الشكوك بداخله عن ثوابت دينه،
بدعوى حرية الرأي والتعبير وبالتالي العكس صحيح!
سيكون المسلم في تعاطف مع دعوات تُظهر الديانة المسيحية بغير حقيقتها، رغم أنه ليس مطالب سوى أن يكون هو نفسه مع الله بقلب سليم ويترك الحكم لله وحده لا غير.
وإذا عدنا لنرى عن قرب تبعات أزمة السيدة مريم وهيب سنجد أن الآخر يرى معسكره هو الصحيح، بالرغم من أنه في نهاية الأمر لا يستوجب أن يعبر حدود الأسرة، التي ظهر بداخلها هذا الأمر،كما أنه لا يجب تحويله إلى قضية أمنية واختفاء قسري واجبار على اعتناق عقيدة ومهما كان المرء عاقلا التراشق سيكون عاملا اساسياً في ظل هذه الأجواء،
مما يدخلنا إلى المحور الثالث: هو انتشار قوي من مجموعات لا دينية بشكل متوازي مع المرحلة الأولى والثانية، وهم يحتلون منصة clubhouse باقتدار بين جموع الشباب وما أكثرهم، فهي مرحلة طبيعية لما مر عليه الشخص في المرحلة الأولى والثانية من اهتزاز، بدعوى أن الأديان بها خلل كبير،.
وأنه يتوجب على الجميع التخلص من عبء الجنة والنار والتعايش بلا حدود والدعوة للحرية المطلقة والإباحة، لإصلاح ما أفسدته أطر الأديان وتضييقها نحو الانطلاق والتقدم،
والمثال سيكون رجل الدين الذي يُفتي بالقتل، أو رجل الدين الذي يثير الفتن، أزمة الطلاق في المسيحية، المغالاة والتطرف اليهودي.
وهي أمثلة ونقاط من تأجيج الإنسان! التشكيك سيكون في كل شئ واي شئ ليكون الإنسان هش ضعيف امام امواج الحياة ليخرج علينا يوما ما شخص من شأنه يصدر فكر جديد بدعوى ضبط ما عجزت عن إصلاحه الأديان، وما لم يجده الإنسان من سمو في اختياره انه يكون منزوع الإيمان بالله الواحد القهار،
وذلك عبر الادعاء بوجود دين جديد يجمع كل الأديان بما يناسب النظام العالمي الجديد، وهذا ما يؤكد أننا لسنا أمام موجة عادية للدورة الاجتماعية من الاحتكاك والصدام،.
وإن كانت تبدو كذلك فنحن لسنا أمام مخطط لأزمات ذات طرز طائفي عادية يمكن التعامل معها بالأساليب التقليدية،
بل أننا أمام تمهيد لموجة الحادية، مخطط ومُعد لها بدقة، ولها أعوان أقوياء بيننا، وداعمين كبار،
وأدوات تريد أن تجعلنا نحن جزء منها، مع سبق الجهل وبسبب التجهيل المتعمد.
وأسباب الإفصاح عن تلك السببية ليس انقاذ الأديان، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولن يزيدوا الله في شئ، ولن يزيد الإسلام لو اعتنقه أهل الأرض جميعهم ولن ينتقص شئ منه إذا لم يكن هناك مؤمنين!
والمسيحية السمحة كذلك، الدين لله والحكم لله وعلى البشر أن يتوقفوا عن التكبر واعتقادهم بأنهم من بيدهم مقاليد الحكم والفهم الصحيح وحدهم لغايات الدين..
بشكل واضح نحن أمام منعطف جديد يستوجب أن يكون الكل مرابط في مكانه ويتوجب حزمة قرارات فارقه، نحتاج إلى تغيير شامل وكامل في استراتيجية العمل الإعلامي والعمل الثقافي، نحتاج تغيير الوجوه نحتاج إلى الهوية المصرية الحقيقية، نحتاج إلى أعمال درامية تنمي من الأخلاقيات وتواجه الموجات الغريبة عنها تلقائيا، وبرامج إعلامية تؤهل وتخاطب الوعي وتُعلي من الهوية الحقيقة لا أن تتحكم فيها وتوجهها!
واخيراً قد اكتفت الناس من السياسة والتوجيه التعبوي، وقد سئمت من دفع الدين نحو السياسة وربط كلاهما بالأطر الأمنية البحتة، نحتاج إلى أن نترك الحكم لله، ونعمل بجد ليرى الله عملنا ويوفقنا، لأن القادم أكثر خطورة وكارثية،
العنف الإلحادي أشد وطأة وخطراً من العنف الطائفي ولعبة الأقليات، فمن يملك دين وخلفية تجمعه، أفضل واسمى ممن لا يحكمه سوى هوى نفسه تسيره كيفما تشاء! قد نبهنا فاللهم انت الشهيد، افعلوا ما أنتم فاعلون فإنا إلى الله راجعون.
أحمد الجويلي فتنة عقائدية
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب