الحلقة الثانية من كتاب «ومضات على الطريق العربي» للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
في الحلقة الثانية من كتاب ” ومضات علي الطريق العربي ” للمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ، وهو عبارة عن دراسات ومشاريع وحلول لواقع المستقبل العربي في القرن الواحد والعشرين استعرض المؤلف كيف بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم حاملا راية التوحيد وداعيا لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية، وكيف كانت الأمة العربية سباقة لكل الأمم في طرح أسلوب الحوار الهادف، طريقا لتحقيق مصلحة كل الأطــراف، ثم كيف أضحت أيامنا معارك كلامية بدون هدف وبدون مصلحة أيا كانت، جاعلا من هذا الطرح مدخلا لبداية الكتاب، ومفتتحا للجزء الأول والحلقة الأولي منه، وفي الجزء الثاني من الحلقة الثانية يوضح الكاتب أنه علينا الإعداد لمنهاج عمل عربي مشترك لمواجهة أعباء ومتطلبات هذا القرن وليكن الحوار المخلص بيننا والمصارحة هو سبيلنا لمعالجة ما قد يستجد من أمور وما يطرأ من مشكلات وإلي نص ما قاله وكتبه المؤلف.
وإليكم استكمال الجزء الثاني من الفصل الأول (الأمة العربية والقرن الواحد والعشرون)
هنا يتضح أنه لابد من وضع خطة مستقبلية تستوعب كافة الطاقات الاقتصادية، وتعمل على توظيفها توظيفيًا علميًا سليمًا، و بنظرة شمولية وحيادية إلى كافة قطاعات المجتمع، وهي قد تؤدي في النهاية إلى إنه إما أن يكون المجتمع فعالًا، وكل فرد فيه له دوره في التنمية، أو أن يتحول إلى طاقات معطلة مهددة ، و يتراجع التفكير الشمولي ليصبح تفكيرًا محدودًا ضيقاء يقتصر محيطه على دائرة الفرد والأسرة فحسب؛ وهو الأمر الذي يؤدي إلى تفتت الجهد المشترك لمواجهة متطلبات التطور، وعندها تبدأ الكارثة.
فالغرب وغيرهم يبحثون عن مصالحهم مستخدمين كافة السبل والوسائل لتحقيقها، ونحن من حقنا أن نستخدم كافة السبل والوسائل؛ بما نملك من ثروة وخبرة و علم، وأن نستثمرها في تحقيق أهدافنا الوطنية. فلسنا بأقل من الدول المتقدمة، ولكننا -وللأسف الشديد- انشغلنا في صراعات هامشية، و قضايا ثانوية لا تخدم مصالح شعوبنا ولا مصالح أوطاننا، إنما تكون نتائجها في صالح القوى الأخرى.
كما أن كافة المحاولات التي تبذلها الحكومات العربية فيما بينها لعقد اتفاقيات ثنائية تبقى في إطار التمنيات بدون أن يكون لها تأثير فعال على الواقع؛ إنما هي عبارة عن إطار عام للتعاون يحتاج إلى آلية ذات مصلحة تعود بالنفع على الدول جراء جهدها، وتقدم نتائج مادية ملموسة ؛ تدفع الدول إلى البحث عن أسس جديدة لزيادة مواردها، و ذلك يشكل حافزا مهما لها للبحث الدءوب عن أساليب مختلفة، وخطوات متتابعة لتحقيق أهدافها في النمو. ولكن الذي يخيفني من معركة السلام، أن تستطيع إسرائيل بما لديها من كفاءات وقدرات في المناورة والتخطيط؛ توظيف فائض الأموال العربية لخدمة مصالحها، وهو الأمر الذي يمكنها من السيطرة الاقتصادية كما كانت لها السيطرة العسكرية في السابق، وبذلك تكون الأمور ميسرة لها؛ وهذا سيأخذ أشكالا مختلفة، ووسائل في ظاهرها البراءة و في باطنها السيطرة والاستغلال؛ حيث إننا لم نفق بعد، ولم ندرك أهمية التعاون، والتنسيق في تشکیل مستقبل العالم العربي.
لذا يتطلب الأمر إنشاء الشركة العربية للتسويق على الأسس الآتية:
1. يتم تشكيل الشركة برأس مال لا يقل عن 5 مليارات دولار، تسهم فيها الحكومات العربية بنسبة٪50، ورجال الأعمال في الدول العربية بنسبة50٪.
2. تكون مهمة الشركة كالآتي:
أ. تنمية التبادل التجاري بين الدول العربية.
ب. بحث إمكانيات تأسيس المشروعات المشتركة في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي، و تسهیل تدفق الأموال العربية.
ت. المساعدة في البحث عن أسواق جديدة ؛ لتصريف المنتجات العربية بما يحقق للدول العربية الاكتفاء الذاتي من المنتجات المصنعة في الدول العربية.
ث. إعداد الدراسات، وتوفير البيانات والمعلومات اللازمة، والمتعلقة بالأمور التجارية، والصناعية، والزراعية، والاستثمارية.
ه. تذليل الصعوبات الناجمة عن انتقال البضائع بين الدول العربية.
1. تشكيل مجلس إدارة للشركة يمثل القطاع الحكومي والقطاع الخاص الوضع خطة تهدف إلى تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين الدول العربية، وصولًا بها إلى التكامل الاقتصادي.
سادسًا: ضرورة خلق مناخ للتصالح مع أنفسنا، وإزالة التناقضات التي يعيشها المواطن العربي. إن هذه التناقضات ناتجة مما تطرحه الدول العربية في الاجتماعات الرسمية، وأجهزة الإعلام المختلفة، بالحديث الدائم عن وحدة الأمة العربية، وأن مصيرها واحد، ومستقبلها واحد، واقتصادها يكمل كل منه الآخر. في حين يرى المواطن العربي في التطبيق العملي، والمعايشة اليومية تناقضا خطيرا في السلوك، والممارسات التي تتعامل بها الدول العربية، ويتضح ذلك من خلال سن التشريعات والقوانين واللوائح، فكل دولة تؤكد على مفهوم لإقليمية البشعة، و تمارس التمييز العنصري، حتى مع العرب المقيمين في أية دولة عربية، وهو الأمر الذي يجعل ذلك السلوك يتناقض مع ما تعلنه تلك الدول، وما نصت عليه دساتيرها من أنها جزء من الأمة العربية، وأن ما يجمعنا -نحن العرب- هو وحدة المصير، ووحدة اللسان، ووحدة الجغرافيا، ووحدة المصلحة. لكن الواقع أن مضمون العروبة أمر يكاد يكون موجودا في خيال الحالمين من بعض الزعماء العرب فحسب.
ومن هذا المنطلق فإنه لا بد للأمة العربية -إذا أرادت أن تواجه القرن القادم، وتستعد له كما استعدات أوروبا التي وضعت نصب أعينها أهدافا محددة وواضحة- أن تجعل الأمن المشترك، والتكامل الاقتصادي فيما بينها؛ يعلو على كل الأنانيات الإقليمية الضيقة، لأنها إذا اتحدت و تكاتفت؛ ستصبح قوة يحسب لها ألف حساب؛ ومن ثم تستطيع أن تحقق لشعوبها استقرارًا في المعيشة، ونموًا في الاقتصاد، و تطورا في التنمية.
ذلك ما فعلته أوروبا، وهو ما يتمناه أيا كل عربي غيور على مستقبل أمته لنصل إلى ذلك المستوى، ونجعل المصلحة القومية فوق كل الاعتبارات، ليتحقق الأمن والاستقرار للجميع، ونستطيع بناء مستقبل مشرق للأجيال العربية.
سابعًا: إن من أهم أسباب الخلافات بين الدول العربية؛ القضايا الحدودية التي أدت في بعض الأحيان إلى حروب مدمرة، وضياع فرص في التقدم و التعاون؛ حينما احترقت ثرواتها في تلك المعارك، وتقطعت أواصل الرحم فيما بينها، و كأنها بالرغم من مرور أربعة عشر قرنا على النور الذي أنزله الله تعالى على محمد (ص) لم تفلح الأمة في أن تغير من أسلوب التعامل فيما بينها، حيث ظلت عقلية داحس والغبراء وحرب اليسوس تعشش في عقلية قاداتها، وتؤكدها تصرفاتهم، وممارساتهم اليومية في التعامل مع بعض.
ثامنا: يجب دعوة كل القيادات العربية على كل المستويات- إلى وقفة صريحة، وأمينة مع النفس والضمير؛ لتناقش سؤالا واحدًا وهو: إلى أين نحن ذاهبون؟
ثم نلتفت إلى الوراء. ونسأل: خمسون سيئة من عمر الجامعة العربية، ماذا كانت حصيلة نصف قرن؟
أدعو الله أن يعين القيادات السياسية؛ كي تستطيع الإجابة قبل فوات الأوان يوم لا ينفع الندم. فها هي فلسطين تعيش في قلوبنا مثلًا حیًا بدميها، وتذرف العيون دمًا بدل الدموع؛ والسبب في هذا أننا لا نقوم بعملية تقييم لما جرى؛ كي نتعرف على أسبابه حتى نستطيع أن تتجنبه في المستقبل؛ كما حدث أثناء غزو العراق للكويت؛ فقد فقدت الكويت استقلالها، واحتلت أرضها لأشهر معدودة، وفي المقابل فقد العراق سيادته أكثر من 9 سنوات، و فقد جيشه الذي كان يمكن أن يكون قوة للأمة العربية، كما فقد مئات الآلاف من أبنائه، ولا زال تحت الوصاية.
فهل گلف مؤتمر القمة العربي بعد هذه المأساة مجموعة عمل متخصصة تبحث بحيادية و بضمير -لا يعرف غير الله رقيبا عليه- وتضع مصلحة الأمة العربية فوق كل الاعتبارات، بحيث تبين أسباب المشكلة، و كيف نستطيع الخروج منها؟ وكيف نمنعها من أن تتكرر مرة ثانية بدون محاباة لأحد أو خشية من بطش، ويكون أساس تلك الدراسية الموضوعية أن في البلدين كلتيهما إخوة لنا فلا نفرط في أحد منهم، وذلك كما أمرنا الله بقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ( الحجرات / 10).
لكن ما دام الأمر ليس كذلك، وما دام كل منا يفكر بأنانية و باقليمية، ولا يرى غير نفسه، ولا يعلم ما يدور حوله، ولا يفعل ما يحقق مصلحة أمته بضمير يقظ، وإدراك لمسئوليته ، و تقدير سليم لمجريات الأحداث، وما قد تعكسه سلبا على مصلحة الأمة؛ فإننا لن نستطيع أن نتجاوز العقبات الممثلة في تصريحات القيادات العربية المزينة بالشعارات الرنانة، والمصبوغة بصيغات مختلفة ؛ لتوحي لنا بأننا أمة واحدة؛ بينما واقع ممارساتها اليومية يؤكد عدم إيمانها بتلك الشعارات، بل إن قوانينها تتعارض في موادها مع ما تطرحه أجهزتها الإعلامية؛ من بيانات وشعارات تدعو إلى تمجيد العروبة والمصير المشترك.
وهذا يشكل نوعًا من ازدواج الشخصية القيادية العربية، وهو ما يسمونه ( الشيزوفرينيا)، وهذا يحتاج إلى علاج طويل لكي تتعافي منه. وآمل أن يتم الشفاء قبل فوات الأوان لأننا على مر التاريخ لم نعط أهمية للفرص الثمينة التي مرت بنا فضاعت كلها.
خلاصة القول إنه لكي نستطيع أن نكون في موقف القدرة للاستعداد الدخول القرن الواحد والعشرين، فإن على الدول والقيادات العربية مسئولية تاريخية أمام شعوبها التي تشتت، وتخلفت وضاعت ثرواتها بلا طائل، وتردت في بعض الدول أوضاعها الاقتصادية، بينما هي تعيش على أراض حباها الله بكل الخيرات، لكنها ترى ثرواتها تضيع أمام أعينها، بدون أن توظف في خدمة أوطانها لتحقق لها العيش الكريم.
لذا ومن أجل مستقبل مشرق لأبناء الأمة العربية، وإنعاش الطاقات المبعثرة، وتوظيفها في خدمة المشروع القومي على مستوى العالم العربي لكي نصل به إلى تحقيق القدرة على مواجهة قرن جديد لا نعلم ما يخفيه لنا القدر، فإن ذلك يتطلب إعداد منهاج عمل عربي مشترك لمواجهة أعباء ومتطلبات القرن القادم، وذلك كما يأتي:
أولا: تشكيل فريق عمل مكون من وزراء التربية، والاقتصاد، والشئون الاجتماعية، والإعلام، والخارجية، والعدل، يشترك معهم ثلاثة من أعضاء البرلمانات العربية من كل قطر؛ يتولى هذا الفريق إعداد استراتيجية ترقي إلى تصور مشروع قومي للأمة العربية، كما يقوم بإعداد نظام أساسي جديد للعلاقات بين الدول العربية، وأساليب الاتصال فيما بینها؛ لتحقيق وحدة الموقف السياسي، وترسيخ مفهوم وحدة الأمة و مصيرها المشترك.
ثانيا: إعداد مشروع (وثيقة شرف) تلتزم بها الدول العربية، وتضع أسلوبًا للعلاقات السياسية بينها، وتحدد طرق الاتصالي؛ لتحقيق وحدة الموقف السياسي، وترسيخ مضمون وحدة الأمة العربية، والمصير المشترك. ومن ذلك استحداث آليات جديدة مثل شبكة اتصالات خاصة تمكن الزعماء العرب من الاتصال المباشر، وتبادل وجهات النظر في أي موقف طارئ لمنع مضاعفاته، وما قد ينتج عنه من فتنة، والاتفاق على موقف موحد لعلاجه؟ بما يخدم مصلحة الأمة العربية.
ثالثا: وضع ميثاق حقوق الإنسان العربي في الوطن العربي، وتحريره من الخوف حتى يستطيع أن يتحول إلى طاقة إيجابية في المجتمع الذي يعيشه، ويشارك فيه بمسئولية وإخلاص، وحمايته مما يتهدده من أية عوامل قهرية تكتم أنفاسه، و تصادر حريته؛ إلا بجريمة ارتكبها، فيحاسب عليها وفق القوانين، وأمام المحاكم لتقرر العقوبة في حالة ارتكابه الجريمة، أو تیری ساحته في حالة البراءة من التهمة الموجهة إليه. تلك الحقوق أقرتها الشرائع السماوية، وأكدتها الشريعة الإسلامية في أروع صورها؛ فلا إرهاب لفكر، ولا قهر لرأي، ولا مصادره لحرية إنسان، والجميع يحكمهم القانون الذي ينظم العلاقة بين الدولة والمواطن.
فالدولة تسهر على أمن المواطن ورعايته، وتوفر له العيش الكريم، و في المقابل على المواطن أن تكون مسئوليته المحافظة على حقوق الوطن، واحترامه للقوانين، والذود عن ترابه، والتفاني في خدمته في كل موقع؛ بكل الإخلاص والولاء والأمانة.
رابعًا: تتولى اللجنة إعداد مشروع قرار بإلغاء التأشيرات بين الدول العربية، وذلك لكي يتفق هذا مع ما تصرح به الدول العربية و ما تعلنه؛ ولكي تكون صادقة بما نعتقده -نحن العرب- بأننا أمة عربية واحدة، ومصيرنا واحد و مستقبلنا واحد، وما يحققه ذلك من نتائج مهمة في تأكيد مضمون الوحدة العربية، وتبادل المصالح بين شعوبها، وإمكانية انتقال العمالة العربية الفائضة إلى الدول العربية التي تفتقر للعمالة؛ بحيث يساعد ذلك على تنشيط الحركة الاقتصادية.
هذا بالإضافة إلى ما يمكن أن يتحقق من جراء ذلك؛ للمحافظة على عروبة بعض الدول التي أصبحت نسبة العمالة الأجنبية غير العربية تشكل خطورة على أمنها القومي، و علی عروبتها وثقافتها.
خامسًا: يجب أن تلتزم القيادات العربية ، التزاما قاطعا، و صادقا، و مخلصا بعدم اتخاذ مواقف منفردة في السياسة الخارجية ؛ لما جره ذلك السلوك على الأمة العربية من مشكلات أعاقت تحقيق أهدافها القومية، وضاعفت من تشرذمها و تمزقها. إن هذا الموقف يفرض نفسه بشدة، وهو تحقيق مبدا التشاور بين الدول العربية، ويكون للجامعة العربية دور إيجابي في التنسيق، وسرعة الاتصال، ويتم هذا بعد إعادة تنظيمها، وتعديل قوانينها ولوائحها؟ لتكون مؤهلة لتحمل مسئولية القرن القادم، وما يتطلبه من حشد الطاقات، وتوظيفها في خدمة الأهداف القومية.
تلك خواطر وأماني مواطن يعيش هموم أمته، ويتألم لما آلت إليه علاقاتها من خلافات لا تجد طريقا لحلها، وردود أفعال تعمق العزلة بينها. فلو اتخذنا الحوار طريقا لمناقشة مواقفناء وتصحيح أخطائنا لن نصل إلى ما وصلنا إليه من أوضاع لا تحسد عليها؛ فليكن الحوار المخلص سبيلنا لمعالجة ما يستجد من أمور، والمصارحة طريقنا لمواجهة ما يطرأ من مشاكل، وأن يكون الإخلاص سلوكنا في النصيحة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، و بأننا -بإذن الله- قادرون على تجاوز محنة الفرقة، إذا استعادت القلوب صفاءها، و تمسكنا بحديث الرسول (ص): ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ). فليكن هذا شعار المرحلة القادمة، وعندها ستتحق كل الأهداف، وتتصافح الأيدي، و تلتقي القلوب على المحبة والمودة، والله قادر على أن يعيننا على ما ابتلانا به، وهو السميع الخبير.