الرئيسيةدراساتسياسية

صراع النفوذ في الشرق الأوسط وانعكاساته على الأمن المصري

إعداد/ الباحثة كرستين مرجس جرجس

تعتبر منطقة الشرق الأوسط مسرح للصراع الدولي بالوكالة بين القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم الكيان الإسرائيلي من جهة، والصين وروسيا اللتين تدعمان كل ما يعارض الولايات المتحدة من جهة أخرى وحليفتهما إيران فبلا شك أن الصراع الإسرائيلي- الإيراني هو العامل الرئيسي في زعزعة استقرار المنطقة وإطالة أمد الحرب؛ حيث تعتبر إسرائيل تطوير إيران لبرنامجها النووي ودعمها المادي والعسكري للفصائل المسلحة كحماس وحزب الله تهديداً وجودياً لبقائها في الجهة الأخرى تسعى إيران لتوسيع نفوذها وتعزيز قدراتها العسكرية والنووية لمواجهة النفوذ الإسرائيلي وتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط.

صراع النفوذ في الشرق الأوسط

المحور الأول: تقلص النفوذ الإيراني

يظهر ذلك في عدة جبهات؛ أولها في حرب غزة فكانت  إيران حليفاً قوياً لحركة حماس في قطاع غزة وهي كانت أيضاً سبباً في ما يسمي ( طوفان الأقصى) التي شنته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣  بعد عقودٍ من الرعاية العسكرية والمالية المحورية لحماس في غزة فإنّ دعمها العملياتي والمادي الكبير لحماس منذ عقود يجعلها منخرطة في إتاحة الهجوم الذي أثار الحرب الأخيرة وتتعدد الأسباب لذلك منها عرقلة عمليّة التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل ومحاولة تقويض اتفاقات التطبيع القائمة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب بالإضافة إلى ذلك، قدّم الصراع في غزة ميدان لوكلاء إيران الإقليميين للانخراط عسكرياً ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

ولكن لم تستطع إيران حماية قادة حماس إذ استطاعت إسرائيل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية خلال زيارته إلى طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان في غارة إسرائيلية على مقر إقامته داخل طهران مما يبرز عدم قدرة إيران علي توافر التأمين الكافي لحماية إسماعيل هنية واختراق إيران من الداخل من قبل الاستخبارات الإسرائيلية فضلاً عن اغتيال قائد حركة حماس يحي السنوار داخل قطاع غزة في مشهد يؤول إلى تقليص نفوذ حماس على القطاع وبالتالي إيران لمصلحة إسرائيل بعدما توسعت في القطاع وقسمته مع استمرارها لتهجير أهالي القطاع من الشمال إلى الجنوب بقصف همجي عشوائي؛ فيما جعل إيران تستعين بأحد أذرعها في لبنان وهو حزب الله وهو ثاني الجبهات الذي بدأ بقصف الشمال الإسرائيلي دفاعاً عن غزة ثم بدأت اسرائيل اجتياحها لجنوب لبنان لضرب الأهداف الإستراتيجية لحزب الله ومع التصعيد في الحرب بين الطرفين لم تستطع إيران تقديم الدعم الكافي لحزب الله بعدما طالب عدة مرات من إيران دعمه وشنها حرب ضد إسرائيل إلا أن إيران تحفظت على تنفيذ الطلب حيث قال الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان إن بلاده لا تريد الوقوع في الفخ الإسرائيلي الساعي إلى توسيع نطاع الصراع، ما يوحي بأن إيران قد تخلت عن الحزب في وقت حرج ونتج عن ذلك الإجهاز على الكادر الإداري والتنظيمي؛ باستهداف غالبية قادته من الصفين الأول والثاني واغتيال الأمين العام للحرب حسن نصر الله مما يشكل شبه انهيار لإستراتيجية إيران الإقليمية حتى مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقد بين إسرائيل وحزب الله في نوفمبر الماضي مازالت تتبادل الهجمات بينهما دون أن تتسبب في انهيار الاتفاق في ظل سقوط نظام بشار الأسد الحليف القديم لإيران وهي ثالث جبهات إيران التي اشتعلت في أقل من شهر إذ استطاعت قوات المعارضة السورية على راسها  تحرير الشام بقيادة أحمد الجولاني مدعومة من تركيا وأمريكا تحت غطاء جوي إسرائيلي السيطرة على دمشق في اقل من أسبوع منذ بداية هجمات المعارضة على المدن السورية وترتب علي ذلك خسارة إيران نفوذها في سوريا التي تمثل خط إمداد بينها وبين حزب الله في لبنان مع انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا فيما يمثل خسارة كبيرة للنفوذ الإيراني في المنطقة فضلاً عن خسارة استثماراتها داخل الأراضي السورية واقتحام سفارتها من قبل الجماعات المسلحة فيما يبرهن على انتهاء النفوذ الإيراني في سوريا وبالتالي إضعاف محور المقاومة لإيران علي الجانب العسكري وتقلص نفوذها في الشرق الأوسط.

المحور الثاني: التوسع الإسرائيلي

بعد التوغل البري لإسرائيل في قطاع غزة منذ أكثر من عام زعمت إسرائيل على تطبيق ما يعرف ب” خطة الجنرالات” والتي تعتمد بشكل محوري على تقليص مساحة قطاع غزة وفصل الشمال عن الجنوب بتطبيق سياسة الاستيطان داخل الشمال وتحويله لمنطقة عازلة بعد تهجير سكانه، تحت وطأة ما ترتكبه حاليا من قصف دموي متواصل وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية والجدير بالذكر اعتراف الجيش الإسرائيلي بعدم النية للسماح لسكان شمال قطاع غزة بالعودة إلى منازلهم بالتزامن مع إنشاء محاور إسرائيلية حيث أظهرت خريطة غير رسمية تستند إلى تحديثات عسكرية إسرائيلية تم تداولها مؤخراً عبر منصات “بن صهيون مكلس العبرية”، محوراً عسكرياً جديداً شمالي القطاع ملاصقاً لمناطق العمليات العسكرية الحالية في بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا وسمي بـ”محور مفلاسيم”، إضافة إلى محوري “نتساريم” و”فيلادلفيا”، وخمسة معابر إسرائيلية مع القطاع هي: “معبري إيرز الشرقي والغربي، والمعبر 96، ومعبر كيسوفيم، ومعبر كرم أبو سالم” وتوسع إسرائيل تلك المحاور في الوقت الحالي مما يؤدي في النهاية إلى تقسيم غزة وتوسع رقعة إسرائيل في  لا تكتفي إسرائيل بذلك فمع انشغال المجتمع الدولي بحرب غزة بدأت الحكومة الإسرائيلية تدير بهدوء تحولاً سياسياً كبيراً للضم الفعلي للضفة الغربية حيث نفذ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش سلسلة من التغييرات الإدارية، وأعادا تشكيل السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة ودفعا بضم الضفة الغربية خلال الأشهر القليلة الماضية من خلال العمل على وضع قائمة بـ63 بؤرة استيطانية بهدف منحها الشرعية القانوني كما نقل جيش الاحتلال الإسرائيلي صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة الغربية المحتلة إلى موظفين مدنيين مؤيدين للمستوطنين تحت قيادة سموتريتش وبالتالي فرض السيطرة الإسرائيلية على الضفة واحتلال اراضيها بشكل صريح.

واستكمالاً للتوسع الإسرائيلي في الشرق الأوسط تحافظ إسرائيل على تمركزها العسكري في جنوب لبنان فضلاً عن استمرار عمليات التوغل في العمق اللبناني وعلي الجهة الأخرى أعلن الجيش الإسرائيلي في 8 ديسمبر 2024، بعد إعلان الفصائل المسلحة السيطرة على دمشق وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد احتلال المنطقة العازلة الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة مع سوريا البالغ مساحتها نحو 235 كيلومتراً مربعاً بين إسرائيل وسوريا أي ما يعادل حوالي 60% من مساحة قطاع غزة، بما في ذلك موقع جبل الشيخ الاستراتيجي؛ وذلك بهدف الدفاع عن أمنها القومي وهو ما أكدت عليه أحد العناصر المحلية في منطقة القنيطرة الحدودية السورية التي رصدت توغل القوات الإسرائيلية لمسافة 15 كيلومتر داخل الأراضي السورية ووصلت لوسط مدينة البعث في القنيطرة مع بدأ الجيش الإسرائيلي في تحويل القواعد العسكرية السابقة السورية التي احتلتها الكتيبة 101 من وحدة المظليين إلى مواقع عسكرية إسرائيلية.

يبرز الوضع الراهن ما تنوي عليه إسرائيل في السيطرة علي مزيد من الأراضي السورية وتهجير السوريين في الجنوب بما يخدم مشروعها الاستيطاني بتأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تعمل على تغيير معالم الشرق الأوسط بالكامل من خلال استراتيجياتها العسكرية والسياسية يما يشكل خطراً على الدول العربية المجاورة للأراضي السورية بالتحديد الدول المطلة على قمة جبل الشيخ وهي لبنان والأردن وفلسطين وبالتأكيد على مصر.

المحور الثالث: انعكاسات الأوضاع على مصر

إن الأحداث المتتالية في المنطقة تشكل تهديدا للأمن القومي المصري لا مفر فثمة تحديات تواجهها مصر أبرزها التهديد الأمني على الحدود الشرقية مع استمرار العدوان على غزة في محاولةً لفرض الأمر الواقع على مصر بقبول تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء؛ وفي ظل التصعيدات الإسرائيلية في القطاع قامت مصر بتعزيز حدودها مع غزة بنشر آليات وأسلحة ثقيلة على الحدود بالتزامن مع سيطرة الجيش الإسرائيلي علي الجانب الفلسطيني من معبر رفح وشن عملية عسكرية للتوغل في مدينة رفح وهو ما يمثل فعلياً تهديدات لأمن القومي المصري من الحدود الشرقية في احتمالية خوض اشتباكات مع الجانب الإسرائيلي، وازدادت الأمور سوءاً مع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وسيطرت الفصائل المسلحة على دمشق مصحوبةً بانتشار الفوضى بما يشكل تهديداً على وحدة الدولة السورية واحتمالية تقسيمها من قبل أطراف خارجية وبالتالي يؤثر ذلك على كل دولة في المنطقة، فاستقرار سوريا يمثل أهمية استراتيجية لمصر التي تسعى للحفاظ على وحدة الدول العربية ومنع التدخلات الخارجية التي قد تُهدد أمن المنطقة ككل بما في ذلك خطر الإرهاب فالجدير بالإشارة أن الثورة السورية أفرزت واحدة من أخطر التنظيمات الإرهابية في التاريخ الحديث وهو تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق، حيث واجهت مصر بالفعل محاولات تسلل من عناصر متطرفة قادمة من مناطق الصراع السوري إلى سيناء ونجحت في القضاء عليها وما يحدث فالوقت الحالي قد يعيد هذا المشهد مرة أخرى ويهدد الأمن القومي المصري.

وعلى الجانب الاقتصادي؛ فيعتبر استهداف الملاحة في البحر الأحمر نتيجةً لاستمرار هجمات الحوثيين عامل مؤثر بشكل مباشر على انخفاض إيرادات قناة السويس والتي تمثل مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة حيث أعلن صندوق النقد الدولي أن توترات البحر الأحمر أفقدت مصر 70٪ من إيرادات قناة السويس في مصر؛ واستمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطيرة فضلاً عن التأثير علي الأمن البحري لمصر إذ تقع سوريا في منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز الطبيعي في حين تعتبر مصر فاعل رئيسي في منتدى غاز شرق المتوسط لذلك فإن استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا قد يعيد تشكيل التحالفات في المنطقة مما قد يؤثر على المشاريع المصرية للطاقة في البحر المتوسط.

سيناريوهات محتملة

-حل دبلوماسي يشمل جميع الأطراف الرئيسية في النزاع، بما في ذلك القوى الإقليمية والدولية يتطلب هذا السيناريو وجود إرادة سياسية حقيقية لدى جميع الأطراف المعنية للتفاوض والتوصل إلى حلول وسطية وفي ظل غياب هذه الإرادة فمن غير المتوقع أن تكون نسبة هذا المسار واقعية.

-الوصول إلى نقطة التوازن بين القوى من خلال الردع المتبادل بين إسرائيل وإيران فقد يؤدي الوصول إلى توازن في القوى إلى تهدئة النزاعات تدريجياً حيث يتطلب هذا السيناريو إعادة تشكيل موازين القوى بحيث لا تكون هناك دولة أو تحالف يملك القدرة على التفوق الكامل على الآخرين؛ مما يدفع الجميع للبحث عن حلول تفاوضية.

-يمكن أن تواجه إسرائيل خلال السنوات المقبلة التصعيد الشامل في حال اندلاع صراع شامل على جبهات عدة (لبنان، وغزة وإيران)، ستجد إسرائيل نفسها في وضع صعب يتطلب توجيه مواردها العسكرية والاستخباراتية لمواجهة تهديدات متعددة قد يؤدي هذا التصعيد إلى خسائر كبيرة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وإلى تدخل دولي لوقف النزاع أو استمرار حرب الاستنزاف الطويلة.

-قد تندلع حرب إقليمية في الشرق الأوسط تبدأ بالدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل يجعلها تطمع للوصول لمكاسب اكبر سواء بكسب اراض جديدة ولم تهدأ إسرائيل إلا بالقضاء على كل التنظيمات الموالية لإيران في الدول العربية لتغيير شكل منطقة الشرق الأوسط و الحديث عن صفقات جديدة من شأنها إعادة هيكلة و بناء النظم و موازين القوى داخل الإقليم و ذلك باستخدام القوة و عدم احترام اية مواثيق او قوانين لحقوق المدنيين.

 

المصادر

  • أحمد جمال، سيناريوهــات اشتعـال الحــرب الإقليمية فى الشرق الأوسط، الهيئة الوطنية للإعلام، 16 اكتوبر 2024، متاح على https://www.maspero.eg/radio-and-tv-magazine-politics/2024/10/16/8
  • بسمة سعد، سقوط نظام الأسد: كيف تُوظف إسرائيل الوضع الراهن في سوريا؟، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، تم النشر بتاريخ 12/12/2024، متاح على https://ecss.com.eg/50615/
  • حبيبة زيدان، فرص الحرب الإقليمية الشاملة فى الشرق الأوسط، مجلة السياسة الدولية

20-10-2024، متاح على https://www.siyassa.org.eg/News/21876.a’px

  • مصطفي عيد ابراهيم، البجعة السوداء.. هل تغير الحرب توازن القوى بالشرق الأوسط؟، مركز رع للدراسات الإستراتيجية، 3نوفمبر2024، متاح على https://rcssegypt.com/19266
  • سعيد عكاشة، هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟، مركز المستقبل، 12ديسمبر 2024

متاح على https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/9875

  • عادل السالمي، الاستراتيجية الإقليمية لطهران على المحك بعد مقتل نصر الله، الشرق الأوسط

أكتوبر2024، متاح على https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9”88%D9%86-

  • مركز بحثي يصدر ورقة حقائق حول التوسع الاستيطاني في الضفة خلال الحرب على غزة, فلسطين اليوم، 21نوفمبر2024، متاح على

https://paltodaytv.com/post/167794/%’9%’5%D8%%

 

 

 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى