رامي زهدي يكتب.. تجمع الساحل والصحراء… ما بين جهود محاربة الإرهاب وطموح التنمية طرق صعبة وتحديات
الكاتب رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بمركز العرب للأبحاث والدراسات
تظل الظروف المعيشية ومبادئي الحياة الكريمة ولو في صورتها الأساسية، أمل للشعوب للإفريقية والتي تعاني أعداد كبيرة منها من غياب للماء النظيف، والصرف الصحي الآمن، والكهرباء، والوقود، بالإضافة لضعف او عدم توافر الرعايات الصحية، وإن كان الأمر كذلك في نطاقات جغرافية متعددة في القارة فإنه أكثر وضوحا في نطاق الساحل والصحراء الإفريقية، ومن هذا المنطلق، بدا واضحا ان مشاركة دول الساحل الإفريقي والصحراء الإفريقية في إطار تجمع إقتصادي سياسي مؤثر هو أمر هام قد يعول عليه كثرا في حل مشكلات المنطقة ودعم مسارات التنمية المستدامة والمستهدفة.
- اقرأ أيضا: رامي زهدي يكتب.. تحيا أفريقيا .. رغم كل شئ
ظهر تجمع دول الساحل والصحراء (CEN-SAD) والذي يقع مقره بمدينة (طرابلس) بليبيا ويضم هذا التجمع (28) دولة وهم: (جزر القمر، جيبوتى ، اريتريا ، كينيا ، الصومال ، أفريقيا الوسطى ، تشاد ، مصر ، ليبيا ، المغرب ، ساوتومى ، السودان ، تونس ، بنين ، بوركينافاسو ، كوت ديفوار ، جامبيا ، غانا ، غينيا ، غينيا بيساو ، ليبريا ، مالى ، موريتانيا ، النيجر ، نيجيريا ، السنغال ، سيراليون ، توجو ) ويلاحظ أن العدد الأكبر من هذه الدول ينتمى إلى إقليم غرب افريقيا حيث يبلغ عددها (15) دولة ويبلغ عدد سكان تجمع دول الساحل والصحراء 607 مليون نسمة. وبني هذا التحالف في المقام الأول علي الشراكة الإستراتيجية بين هذه الدول وبدرجات مؤثرة في التعاون الآمني والعسكري والإستخباراتي، وكذلك محاربة الإرهاب ومقاومة الفكر المتطرف، والجريمة والجريمة المنظمة والجريمة العابرة للدول والقارات، وفيما يؤثر ذلك وبشكل قوي علي حركة التجارة والإستثمار بين هذه الدول، إلا أن التأثير الإقتصادي المباشر لتعاون هذه الدول، لم يظهر حتي الأن بنفس درجة ظهور التأثير الإستراتيجي لتعاون هذه الدول
وقد تأسس في 4 فبراير 1998 بطرابلس، ليبيا، أثر مؤتمر القمة الذي شارك فيه رؤساء دول كل من دول مالي، تشاد، النيجر، السودان ومندوب عن رئيس بوركينا فاسو، بناء على مبادرة من القائد معمر القذافي الذي سعي في ذلك الوقت الي تعميق دوره الشخصي كزعيم إفريقي وتعظيم دور ليبيا كدولة هامة مؤثرة في محيطها الإفريقي والعربي خاصة وأن 9 دول من أصل 28 أعضاء تجمع الساحل والصحراء هي دول عربية افريقية، وربما أيضا سعي القذافي لتحقيق صورة الزعيم جمال عبد الناصر في افريقيا كان سببا أخر مرجحا لتبني ليبيا كدولة والقذافي كرئيس لهذا المنهج في التمدد الإفريقي، حتي أنه أطلق علي نفسه “ملك ملوك إفريقيا”، وبغض النظر عن الأسباب الغير سياسية او الغير اقتصادية لقيام تجمع الساحل والصحراء فإنه في النهاية ظهر بالفعل كيان هام ومؤثر لمنظمة “الساحل والصحراء”.
وفي الإعلان الأساسي عن قيام تجمع منظمة الساحل والصحراء كانت الأهداف المعلنة كالتالي:
– إقامة اتحاد اقتصادي شامل وفقاً لإستراتيجية تنفـذ من خلال مخطط تنموي متكامل مع مخططات التنمية الوطنية للدول الأعضاء وتشمل الاستثمار في الميادين الزراعية والصناعية والاجتماعية والثقافية وميادين الطاقة.
– إزالة كافة العوائق التي تحول دون وحدة الدول الأعضاء عن طريق اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تسهيل تحرك الأشخاص ورؤوس الأموال ومصالح مواطني الدول الأعضاء، و حرية الإقامة والعمل والتملك وممارسة النشاط الاقتصادي، و حرية تنقل البضائع والسلع ذات المنشأ الوطني والخدمات، وكذلك تشجيع التجارة الخارجية عن طريق رسم وتنفيذ سياسة الاستثمار في الدول الأعضاء، بالإضافة إلي زيادة وتطوير وسائل النقل والاتصالات الأرضية والجوية والبحرية فيما بين الدول الأعضاء عن طريق تنفيذ مشاريع مشتركة.، والتطلع الي موافقة أعضاء دول التجمع على إعطاء مواطني الدول الأعضاء نفس الحقوق والامتيازات المعترف بها لمواطنيها وفقا لدستور كل دولة، و تنسيق النظم التعليمية والتربوية في مختلف مستويات التعليم والتنسيق في المجالات الثقافية والعلمية والتقنية.
التحدي الأمني، وتمدد عمل الجماعات الإرهابية وإنتشار الجريمة والعنف بالتوازي مع إنتشار الفقر والجوع والأمراض هي أسباب مانعة معطلة لأي جهود او خطط تنمية حقيقية في هذه المنطقة، سواء تنمية آنية او مستقبلية مستهدفة او مستدامة طبقا لخطط التنمية المستدامة في إفريقيا 2063.
التبادل التجاري بين مصر ودول تجمع الساحل والصحراء: طبقا لأحدث تقارير رسمية مصرية، إجمالي حجم التبادل التجاري في مجال الصادرات بين مصر ودول الساحل والصحراء خاصة دول ليبيا والسودان وجزر القمر وبوركينا فاسو والمغرب وساحل العاج وتوجو والصومال بلغ (3) مليار دولار 2020 وقد جاءت ليبيا في مركز الصدارة بنسبه (21%) من إجمالي الصادرات المصرية، والرقم تقديرا جيد إلا أنه وبالمقارنة بما يجب او يمكن ان يكون عليه، فهو رقم ضعيف، ربما من منظورنا كان يمكن أن يكون ثلاثة او أربعة أضعاف هذا الرقم، لو أن درجة التكامل في المعلومات التفصيلية التجارية بين الدول الأعضاء كانت أكبر كما هي عليه الأن، ولو أن القطاعات الموازية للقطاع الحكومي ونقصد بها القطاع الخاص والأهلي وقطاع الإستثمار والصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، لو أن هذخ القطاعات تحركت بكيفية أكثر تركيزا وإدراكا لحاجات الشعوب في المنطقة ولإمكانيات الدول الأعضاء، يبدو أن أن صعوبات جمة تحيط حركة الأفراد للتجارة والإستثمار والتسويق في هذ المنطقة، إما لأسباب سياسية، جغرافية، أمنية أو لأسباب أخري ذات صلة بمدي تفهم الشركات والمؤسسات لمدي الفرص التسويقية الهائلة في هذه النقطة من العالم، خاصة وأن دول عديدة من دول هذه المنطقة تتعاطي تجاريا بشكل أكبر وأعمق مع دول أوروبية أخري بالإضافة إلي الصين، الهند والولايات المتحدة الإمريكية وهم دائما شركاء تجاريون ومستثمرين مفضلين علي الأفارقة او حتي الشركات العربية والإسلامية الغير افريقية ويقصد بها دول الخليج بالإضافة الي إيران، ماليزيا، تركيا.
في المقابل من جهة أخرى ذكر التقرير أن حجم الواردات من التجمع بلغت (8) مليون دولار وحصلت كينيا على نصيب الأسد في حجم الواردات إلى مصر بنسبه (30%) وكانت أهم السلع التي تم استيرادها هي المنتجات الكيميائية والبلاستك حيث مثلت نسبه (22%) أما أهم السلع التي قامت مصر باستيرادها كانت الحيوانات الحية.، والرقم يبدو زهيدا للغاية، إلا أن الوضع التصنيعي الضعيف لمعظم دول التجمع ربما يكون السبب، لكن في المقابل، لو أن هناك دراسات مصرية قوية علي مستوي قطاع المواد الأولية والخامات الممكن توافرها في هذه الدول، ربما تجد مصر فرص قوية لتكامل صناعي كبير، خاصة مع ظهور مشكلات عديدة في سلاسل الإمداد والتموين حاليا، لو ان هناك محور ربط بين الصناعة المصرية القوية والمواد الخام في دول التجمع، وبما تمتلكه مصر من فرص تواصل وربط بين دول العالم كافة، يمكن تحقيق نسب نمو قياسية في هذا الشأن.
ولا يمكن إغفال سعي مصر ودول التجمع لحل وإزاحة المعوقات والتي بجانب الأمن، توجد مشكلات الشحن والنقل، لكن مصر قطعت أشواطا إيجابية في التخطيط والتنفيذ لمحاور ربط برية وسكك حديدية وربط الأنهار بالموانئ وإقامة نقاط إتصال ومراكز لوجيستية متطورة.
التعليم ورفع القدرات مداخل هامة لمزيدا من الشراكات الإقتصادية، كذلك، بدء طرح مصطلحات تجارة الخدمات، وتنفيذ الشركات المصرية لأعمال البنية التحتية والفوقية والداعمة التكنولوجية خاصة ومصر الأن تمتلك من الخبرات والخبراء وتجارب النجاح ما يؤهلها وبشدة لهذا الدور.
ويكفي ان يذكر ان قيمة المشروعات المصرية بلغت 21.06 مليار دولار.. مشروعات أفريقية بأياد مصرية، تنفذ بخبرات وتخطيط وإدارة وتنفيذ وفي بعض الأحيان بإستثمار او تغطية مالية مصرية بالكامل، في مجالات الزراعة، الربط الكهربائي، إقامة السدود، انظمة مقاومة خطر الفيضانات والأمطار، الطاقة المتجددة والبديلة خاصة الطاقة الشمسية، الربط الملاحي، مشاريع المياه والصرف، مشاريع إقامة المدن الجديدة والإسكان، وقريبا صناعات جديدة تجد لها مدخلا قويا في القارة الإفريقية مثل المصاعد والسلالم الكهربائية، السيارات والحافلات الكهربائية، المعدات والآلات الزراعية.
أخيرا، الفرص كبيرة، والتحديات في نطاق التجاوز، والأهداف عظيمة، لأن المواطن الإفريقي يستحق أفضل مما يحصل عليه، ويمتلك المقومات للحصول علي ذلك، بقي حسن الإدارة وتوافر الإرادة.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب