الرئيسيةرأي

دكتور فكري سليم يكتب.. نووي إيران وحرب أوكرانيا

الكاتب  أستاذ متخصص في الدراسات الإيرانية.. خاص منصة العرب الرقمية

المتابع لموضوع البرنامج النووي الإيراني منذ عام 1995م عندما اتفقت روسيا مع إيران لبناء مفاعلين للماء الخفيف، وقيام الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1996م بفرض أول عقوبات على إيران، وكيف شغلت قضية البرنامج النووي الإيراني العالم منذ ذلك الوقت وحتى توقيع اتفاق 2015م وحتى الآن، يجد أنه مر بمراحل مختلفة من التوتر والتأزم في العلاقات بين إيران من جهة والغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، من جهة أخرى.

ومن خلال متابعتنا لمجريات هذا البرنامج نجد أن إيران -وبصرف النظر عن العقوبات التي أثرت على المجتمع الإيراني- كانت تستفيد في كل الحالات من التواصل والتفاوض مع الغرب بشأن برنامجها، وكانت تستفيد كذلك حتى في حال انعدام التواصل وانقطاع المفاوضات.

فإيران أثناء التفاوض والاتصالات انتهجت- ولا تزال تنتهج- استراتيجية النفس الطويل، وأتقنت مناورة التفاوض واللعب على عامل الوقت منذ بداية المفاوضات عام 2015م. والعجيب أن دبلوماسيين وسياسيين أوربيين اكتشفوا الأمر متأخراً فصدرت عن بعضهم تصريحات تقول: إنهم- أي الأوربيين- يضيعون وقتاً ثميناً في مفاوضاتهم مع إيران!

اقرأ أيضا: «الدببة الروسية تقترب من كييف».. وبوتين أظهر قوة موسكو ..وحلف الناتو يتراجع

فقد كانت إيران تمنع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى مواقع معينة بحجة أنها مواقع سيادية، وتناور وتساوم وتماطل في تنفيذ متطلبات الوكالة بشأن نسبة تخصيب اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي، وهي بهذا كانت تخطو ببرنامجها النووي خطوات إلى الأمام في خضم تلك المفاوضات.

أيضاً كانت تستفيد عند توقف المفاوضات؛ فتتذرع بذرائع عديدة وتقوم بطرد المفتشين أو نزع كاميرات المراقبة فتتقدم عند ذلك أيضاً خطوات أخرى لصالح البرنامج النووي بعيداً عن الكاميرات وأعين المفتشين النوويين، مما تسبب في انعدام الثقة في الطرف الإيراني. وبرز هذا الأمر جلياً عندم انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أحادي من اتفاق 2015م، وقد قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي: إن الكاميرات التي تم تركيبها في المواقع النووية الإيرانية كجزء من الاتفاق النووي لعام 2015 قد تم تعطيلها؛ بسبب فشل الأطراف الأخرى في الوفاء بالتزاماتها.

ومثلما استفادت إيران وتستفيد من عنصر الوقت ومن حالة التفاوض أو اللاتفاوض؛ فهي تستفيد من التوترات والحروب التي تنشأ في المنطقة، حيث تتحول الأنظار بعيداً عن برنامجها النووي فينصب اهتمام العالم والمؤسسات الدولية ووسائل الإعلام العالمية والمحلية إلى مناقشة تلك الأزمات والحروب، ويتوارى الحديث عن البرنامج النووي الإيراني. وهنا تكون الفرصة سانحة لأن تنجز إيران إنجازاً نووياً آخر يصبح أمراً واقعاً لا تقبل إيران التنازل عنه. ولعل احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003م والثورات التي حدثت عام 2011م في الدول العربية خير شاهد على ما نقول.

ثم تأتي الحرب الأوكرانية لتكون فرصة أخرى تصب في التعتيم على البرنامج النووي، بل ولتجد إيران فيها فرصة لمهاجمة سياسات أمريكا وحلف الناتو؛ فيخرج مسئولون إيرانيون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي في 24 فبراير 2022م ليقول: “إن توسع الناتو تهديد لأمن المنطقة واستقرارها”، وتمنى أن يكون ما حصل [في أوكرانيا] من مصلحة الشعوب والمنطقة. وهو ما اعتبر دعماً ضمنياً للحرب الروسية في أوكرانيا.

ثم جاء تصريح وزير الخارجية الإيراني ليحمّل الناتو مسئولية ما يحدث في أوكرانيا، مؤكداً على أن “إيران ترفض اللجوء إلى الحرب لحل المنازعات”، وفي 25 فبراير يخرج علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ليقول: “إن الغرب هو المسئول المباشر عن الحروب والأزمات”.
فكري سليم: نووي إيران

ثم يخرج رئيسي مرة ثانية بتصريحات متوازنة على خلاف تصريحاته الأولى فيقول: “… إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذ تتفهم الهواجس الأمنية على مدى عقود من الزمن حيال مخطط التوسع الأطلسي، لكنها تؤكد في الوقت نفسه على احترام وحدة الأراضي والسيادة الوطنية لجميع الدول.. وإن الالتزام الحقيقي بالتعهدات الدولية من جانب الأطراف جميعاً يشكل السبيل الوحيد للخروج من الوضع الراهن.”

وقد حاول الرئيس الإيراني من خلال تصريحاته المتوازنة هذه ألا يخسر الشريك الأوربي الذي استمر يفاوضه حول البرنامج النووي بعد الخروج الأمريكي الأحادي في فترة حكم ترامب من هذا الاتفاق، وفي ظني أن هذه السياسة التي تنتهجها إيران كان لها مردود إيجابي على إيران، وأجزم أنها ستظل تستثمر الأحداث وتغتنم الفرص في كل الأحوال حتى تصل إلى أهدافها الثورية التي باتت تتحقق على أرض الواقع، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة ومصالحها المتبادلة مع روسيا ودول آسيوية وعلى رأسها الصين، ودول حليفة في أمريكا اللاتينية، وأوراق الضغط الأخرى التي تمتلكها داخل دول عربية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى