القاهرة- عبد الغني دياب
حالة من الترقب الممزوج بخوف دفين باتت تسيطر على العالم، وبين تحليلات هنا وتكهنات هناك، يخبرنا الواقع باجتياح عسكري روسي محدود داخل الأراضي الأوكرانية، وسط تخوفات من سقوط العاصمة كييف نفسها في يد الدب الروسي الذي يبدو أنه لن يتوقف عند على فرض سيطرته العسكرية على المناطق الشرقية من أوكرانيا، بل ربما هناك تطلعات أخرى.
في البداية كان حديث الخبراء يتوقع اندلاع حرب بالوكالة بين طرفي الصراع الرئيسيين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا الغربية، وروسيا، كانت التوقعات تقول إن الحرب ستدور رحاها بين المتمردين الأوكرانيين الموالين لروسيا في الشرق، والحكومة الأكرانية وكلا الطرفين سيكون بيدقا لأصحاب الصراع الحقيقين موسكو وواشنطن، لكن يبدو أن الأمر على الأرض غير ذلك.
واقعيا يبدو موقف أوروبا والولايات المتحدة مخزيا من وجهة نظر الأوكران بعدما باتوا فريسة سهلة أمام الاجتياح الروسي الكبير، وباتت القوات على بعد خطوات من العاصمة الأوكرانية ولم تقف عند حد الأقاليم الانفصالية في الشرق، فوفقا لما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، اليوم الجمعة، فإن الجيش تمكن من عزل العاصمة الأوكرانية كييف من ناحية الغرب، في اليوم الثاني من بدء العمليات العسكرية.
وقالت وكالة تاس الروسية في تقرير لها نقلا عن وزارة الدفاع إن “القوات الانفصالية في شرق أوكرانيا تهاجم مواقع الجيش الأوكراني بدعم من الجيش الروسي”.وأشارت وزارة الدفاع إلى أن “الجيش الروسي لن يقصف المناطق السكنية في كييف”، مؤكدة سيطرة موسكو على ساحة جوية قرب العاصمة الأوكرانية وإنزال مظليين.
مطار غوستوميل في يد الروس
وأكدت “تحييد 200 من عناصر الوحدات الخاصة الأوكرانية أثناء السيطرة على مطار غوستوميل قرب كييف”.
وأفاد تقارير إعلامية باندلاع معارك عنيفة بين الجيشين الروسي والأوكراني في منطقتي أوبلنسكي شمال شرق العاصمة الأوكرانية، وجيتومير شرقيها، يوم الجمعة.
وأكدت التقارير سماع أصوات قصف وانفجارات في محيط العاصمة الأوكرانية كييف، مشيرا إلى استنفار أمني كبير وسط المدينة حيث تقع مقار الحكومة والرئاسة.
وفي المقابل حذرت نائبة وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار، من أن القوات الروسية ستدخل مناطق على مشارف العاصمة الجمعة، بعدما قال مسؤولون إن المدينة ومناطق أخرى تعرضت لقصف صواريخ روسية في الساعات الأولى من الصباح.
وأعلن الجيش الأوكراني صباح الجمعة، أنه يقاتل وحدات من المدرعات الروسية في مدينتي ديمر وإيفانكيف الواقعتين على التوالي على بعد 45 و80 كيلومترا شمالي كييف.
واتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، الجيش الروسي باستهداف مناطق مدنية في كييف، مشيدا “ببطولة” الأوكرانيين ومؤكدا أن جنوده “يفعلون ما بوسعهم للدفاع عن البلاد”، حسبما نقلت “فرانس برس”.
وصرح زيلينسكي أن موسكو ستضطر إلى “التحدث” مع أوكرانيا “عاجلا أو آجلا” لإنهاء القتال، متهما القوات الروسية باستهداف المناطق المدنية أيضا في هجومها.
وأشار زيلينسكي في خطاب مسجّل إلى أنه “سيتحتم على روسيا التحدث إلينا عاجلا أم آجلا. التحدث عن كيفية إنهاء القتال ووقف الغزو، وبقدر ما تبدأ هذه المحادثات في وقت مبكر، تقل الخسائر التي ستتكبدها روسيا نفسها”.
الغرب يخذل حكومة كييف
الغرب الذي كان يهدد روسيا قبل أيا ومعه الولايات المتحدة التي يقول محللون إنها باتت عاجزة عن فرض هيمنتها العسكرية على العالم خصوصا بعدما خسرت في مناطق أخرى من العالم كأفغانستان والعراق، بات يستخدم نفس اللهجة مع روسيا التي تطمح في إعادة بناء إمبراطوريتها القديمة.
بعد ساعات قليلة من اتهام الحكومة الأوكرانية لحلف شمال الأطلنطي (الناتو) بالتخلي عن كيف وعدم تنفيذ تعاهداتها بحمياتها، حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، روسيا من مهاجمة أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، مؤكدا فرض تكاليف باهظة على موسكو لتدخلها العسكري في أوكرانيا.
ويرى مراقبون التصريح بأنه محاولة يائسة من واشنطن لإثبات حضورها، لكنها لن تقدم على فعل شيء إلا في حالة العدوان الروسي على دول الحلف الواقعة في الشرق الأوروبي، وخصوصا وأنها حشدت مزيدا من القوات العسكرية خلال الأسابيع الماضية في أوروبا الشرقية.
لكن آخرون يرون بأن هناك رغبة أمريكية أوروبية لتوريط الروس في هذه الحرب ومن ثم دعوة العالم لمحاربتها في تكرار لسيناريو حرب الخليج الثانية حينما احتشد العالم لإخراج الرئيس العراقي صدام حسين من الكويت.
بهذا الرأي يقول الباحث السياسي السوري محمد أرسلان علي، إنه الحالة المصنوعة حول الحرب الأوكرانية تشبه إلى حد كبير دخول صدام حسين إلى الكويت مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ويضيف لمركز العرب: «نفس تقربات العالم غير المسؤولة الآن تحدث في أوكرانيا، والكلام الدبلوماسي والسياسي والتنديد هو نفسه على زمن احتلال الكويت. وبعدها بدأت اللعبة الأساسية واجتمع العالم لإخراج صدام من الكويت».
ويضيف بالطبع هناك فارق كبير بين الكويت وأوكرانيا من حيث المساحة والسكان والاقتصاد والعسكرة.
ويوضح: «أتكلم عن منطق قوى الهيمنة حينما تريد توريط طرف ما تفتح له المجال كي ينتشر ويتم استنزافه وتوريطه في معارك عصابات بين كر وفر وبعدها يتم الانقضاض عليه. لربما كان هذا الاجتياح بضوء أخضر غربي غير مباشر يشبه نوعا ما الضوء الأخضر أو الصمت عندما حصل مع الكويت، ولربما تتشابه المسرحيات في خواتيمها بعض الأحيان لتدفع الشعوب ضريبة تعنت القادة».
وفي المقابل يقول الكاتب الصحفي ومدير وحدة دراسات فلسطين بمركز العرب ثائر أبو عطيوي: «في نظرة سريعة للأخبار الواردة والممتتالية، يظهر ضعف القدرة الدفاعية الاكرانية، التي كان من المتوقع أن تكون قدرة هجومية تحصد انتصارات على الجيش الروسي وخاصة وأن المعركة على أرضها هذا من جانب».
ويضيف: «من جانب أخر ردود الفعل العالمية على الحدث كلها تمتاز بدبلوماسية ناعمة ولا تريد أن يكون هناك علو وغلو في ردة الفعل وحتى ولو كانت كلامية خوفا من اثارة غضب الدب الروسي».
وتابع أنه على ما يبدو سيكون لروسيا ما أرادت خلال أيام قليلة معدودة ومن ثم يتم التجاذب الدبلوماسي والطرح السياسي للحلول بين موسكو وبين الدول العالمية المعنية في الحدث.
وقال لمركز العرب: «بوتن باعتقادي من هكذا حرب يريد ان يحضر كل اللاعبين والهاربين من مواجهته الى طاولته التي يحتفظ بكرسي زعامتها».
تفاوض يلوح في الأفق
في مقابل التصعيد العسكري أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا مستعدة لإجراء مفاوضات مع السلطات الأوكرانية ما إن “تلقي القوات المسلحة الأوكرانية سلاحها”.
وقالت الخارجية الروسية في بيان لها قبل قليل إن موسكو أعلنت استعدادها لإرسال وفد إلى مينسك لبدء محادثات مع أوكرانيا، مشيرة إلى أنها تثق بإمكانية عودة العلاقات الودية بين الشعبين الروسي والأوكراني.
و في السياق ذاته أفادت الداخلية الأوكرانية، الجمعة، بأن روسيا قصفت 33 موقعا مدنيا خلال هجومها على أوكرانيا في الساعات الأربع والعشرين الماضية.
ونقلت وكالة إنترفاكس عن المسؤول بوزارة الداخلية الأوكرانية فاديم دينيسينكو قوله “الروس يقولون إنهم لا يقصفون أهدافا مدنية، لكن 33 موقعا مدنيا تعرضت للقصف في الساعات الأربع والعشرين الماضية”.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب