هل تصبح الهند قفاز الولايات المتحدة في مواجهة الصين بالقارة الآسيوية؟

إعداد/ عبد الباسط يونس: مدير وحدة الدراسات الآسيوية بمركز العرب للأبحاث والدراسات
الصين والهند هما القوتان الرئيسيتان في القارة الآسيوية، من حيث الإنتاج والتصنيع وكذلك القوة البشرية، إذ يبلغ مجموع عدد سكانهما نحو 2.8 مليار نسمة موزعين بينهما بالتساوي تقريبًا.
أما في الاقتصاد فتتفوق الصين بفارق كبير، حيث بلغ حجم الاقتصاد الصيني 19 تريليون دولار نهاية العام الماضي 2024، فيما بلغ حجم اقتصاد الهند 3 تريليونات دولار.
وتحاول الهند لعب دور إقليمي ودولي من خلال تقاربها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل محاولة الأخيرة الحد من النفوذ والنمو الصيني المتصاعد خلال السنوات الأخيرة، وهنا يأتي مغزى زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى واشنطن، في الفترة من ١٢ إلى ١٤ فبراير ٢٠٢٥، حيث كان في استقباله الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء الهند عقب أقل من شهر على تولي ترمب السلطة في ٢٠ يناير الماضي، والتي جاءت في سياق ترسيخ واستمرار اعتماد الولايات المتحدة على الهند، لا سيما في عهد الولاية الأولى للرئيس ترمب، مرورًا بالإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جو بايدن؛ وهو ما انعكس في الحديث داخل الأوساط السياسية الأمريكية بأنه يمكن أن تحلّ الهند محل الصين كمصدر رئيسي لسلاسل الإمداد، ما منحها دورًا أكبر بالنسبة للولايات المتحدة كشريك دولي يمكن الاعتماد عليه لتنفيذ توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الإندوباسيفيك.
اقرأ أيضا: اشباه الموصلات والتنافس الأمريكي الصيني
ويعكس ذلك حرص الدولتين على تطوير التحالف الأمني والدفاعي بينهما، في إطار تحالف «كواد» الرباعي بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، الذي يضم إلى جانب الولايات المتحدة والهند، كلًا من اليابان وأستراليا، فشهدت الزيارة الاتفاق بين الدولتين على تعزيز هذا التحالف، والإعداد للاجتماع المرتقب له في العام الحالى 2025 بالهند.
وفي تقرير لصحيفة “إندبندنت” البريطانية بقلم شويتا شارما، قالت الكاتبة إنه
إلى جانب الاقتصاد، ارتفعت أهمية الهند على المستوى الجيوسياسي، حيث تتودد إليها الولايات المتحدة كثقل موازن للصين في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهي في الوقت نفسه تحافظ على علاقات قوية مع روسيا، ما يعني أنها خلقت مكانة تجعل منها نموذجا لدول الجنوب العالمي الأخرى.
ومع أن الهند تجاوزت المملكة المتحدة كخامس أكبر اقتصاد في العالم عام 2023، ويتنبأ المحللون في مورجان ستانلي، بأنها ستتجاوز اليابان وألمانيا لتصل إلى المركز الثالث بحلول عام 2027، فإن اقتصادها يشهد أبطأ نمو له في العامين الماضيين، ما يضعف التوقعات الاقتصادية.
وتقول أليشيا جارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في بنك الاستثمار الفرنسي ناتيكسيس، إن اقتصاد الهند يحتاج إلى النمو بنحو 6 % كل عام، لتصبح بحجم الصين بحلول عام 2050، في الوقت الذي سيتباطأ فيه معدل نمو الصين بنسبة تصل إلى 1 % من عام 2035 فصاعدا.
الخلافات التاريخية بين الصين والهند
تشترك الهند والصين في حدود يبلغ طولها 3800 كيلومتر، ولم يتم ترسيم معظمها بشكل جيد، وقُتل ما لا يقل عن 20 جنديًا هنديًا و4 جنود صينيين على الأقل في اشتباك بالمنطقة منتصف عام 2020، وقام الجيشان بتحصين مواقعهما ونشر قوات ومعدات هناك، وخاضت الدولتان حربًا بسبب الحدود في عام 1962، وانتهت بمواجهة لا تزال مستمرة حتى اليوم.
ورغم التوتر الذي يسود الموقف، فإن البلدين يزعمان أنهما ملتزمان بتجنب حرب أخرى. ويكتسب هذا النزاع أهمية متزايدة في ضوء تحول البلدين إلى قوتين عظميين تمتلكان جيوشًا حديثة وأسلحة نووية.
وتشعر الهند بالقلق من الوجود المتنامي للصين في المحيط الهندي ونفوذها في جزر المالديف، إلى جانب سريلانكا المجاورة، اللتين تحتلان موقعًا استراتيجيًا وسط طرق الشحن الدولية الرئيسية بين الشرق والغرب، ورغم كل ذلك فإن الهند تحاول البحث عن مصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الصين.
مصالح مشتركة
جاءت زيارة مودي لواشنطن في ظل وجود توافق واضح بين البلدين بشأن ضرورة تعزيز التعاون لتحقيق مصالحهما المشتركة، ويمكن رصد أبرز مجالات التعاون في النقاط التالية:
1- إمداد الهند بالتكنولوجيا الدفاعية الأمريكية: أبدت الهند اهتمامًا ملحوظًا بإبرام صفقات عسكرية مع الولايات المتحدة، وذلك في محاولة من الهند لتنويع مصادر الحصول على السلاح وتقليل الاعتماد الزائد على روسيا بهذا الصدد.
2- التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة: تسعى الولايات المتحدة إلى الاستفادة من اليد العاملة الهندية الماهرة، خصوصًا في مجال التكنولوجيا.
3- تطوير الهند كبديل صناعي للصين: يرغب رئيس الوزراء الهندي في تطوير اقتصاد بلاده بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة عن طريق جذب الاستثمارات الغربية ونقل التقنية، وجعل بلاده الوجهة الجديدة للشركات الأمريكية الراغبة في الخروج من السوق الصينية، وهو ما يعني أن مودي يطرح بلاده بديلًا تجاريًا وصناعيًا للشركات الأمريكية الموجودة في الصين.
4- الحد من العلاقات الهندية الروسية: اتجهت الهند أخيرًا إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا، حتى بعد قيام الأخيرة بغزو جارتها أوكرانيا، حيث لم تقم نيودلهي بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وزادت من كميات النفط المستوردة من روسيا، بجانب تنامي اعتمادها على إمدادات الأسلحة الروسية.
وفي الختام، يمكن القول إن رهان الولايات المتحدة على استقطاب الهند إلى صفها في إطار محاولاتها المستمرة لتطويق واحتواء الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، سيكون محدودًا على الأرجح، إذ إنه على الرغم من المصالح المشتركة العديدة بين الولايات المتحدة والهند، فإن نيودلهي تحرص على تبني سياسة خارجية تتسم بالاستقلالية والموازنة في علاقاتها بين واشنطن وبكين، ما يجعل من رهان واشنطن على استقطابها في المواجهة ضد الصين احتمالًا مستبعدًا.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب