تقدير موقف

نِهاد محمود تكتب.. حول تدفق المُرتَزقة السوريين (الموالين لتركيا) إلى النيجر

الكاتبة باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الأفريقيّة العُليا- جامعة القاهرة

  • في ظل سباق فَرض النفوذ والسعي لحماية المصالح بالقارة الأفريقيّة أشارت تقارير ومنظمات حقوقية مؤخرًا خلال العام الحالي 2024، إلى قيام تركيا بإرسال عدد من المرتزقة السوريين إلى النيجر على مدار الأشهر الأخيرة، وذلك من أجل حماية مصالح أنقرة الاقتصادية والعسكرية في النيجر، البلد الواقع بغرب أفريقيا. في هذا الإطار أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا، الذي يضم باحثين في جميع أنحاء سوريا، أن تجنيد المقاتلين السوريين لنشرهم في النيجر مستمر منذ عدة أشهر: “لقد تأكدنا أن حوالي 1100 مقاتل سوري قد تم نشرهم بالفعل في النيجر منذ سبتمبر من العام الماضي”، حسبما ذكر رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لموقع صوت أمريكا- Voice of America. وقالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، المنظمة حقوقية الواقع مقرها بفرنسا، إنها وثّقت أيضًا عمليات تجنيد من هذا القبيل.
  • اقرأ أيضا: ليبيا في إسبوع.. طوارئ قصوى في زليتن والمنفي والسيسي يتوافقان على ضرورة خروج المرتزقة

في البداية يتم نقل هؤلاء المقاتلين السوريين من سوريا إلى تركيا، على أن يتم إرسالهم باستخدام المطارات التركية، إلى النيجر بواسطة الطائرات العسكرية التركية، كما قال “بسام الأحمد”، المدير التنفيذي لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة. جدير بالإشارة أن هذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها تركيا مرتزقة سوريين بالوكالة، خارج سوريا، بل إنها المرة الثالثة خارج البلاد. كانت المرة الأولى خلال الحرب الأهلية الليبية في عام 2019، حيث واجه مرتزقة تركيا السوريون في بعض الأحيان مرتزقة سوريين متعاقدين مع روسيا. ثم أرسلت تركيا مجموعة الأفراد ذاتهم لحرب أذربيجان في أواخر عام 2020، ضد أرمن ناغورنو كاراباخ. ويقال إن هذه التعبئة تتم من خلال شركة سادات لاستشارات الدفاع الدولية SADAT International Defense Consultancy، وهي شركة عسكرية خاصة يشار إلى إن لها علاقات وثيقة مع حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

في هذا السياق يقول “نيكولاس هيراس”، خبير قضايا الشرق الأوسط بمعهد نيو لاينز، المنظمة البحثية بواشنطن: “من الواضح للغاية أن الحضور التركي في النيجر يقوم بشكل أساسي بغيّة مزيد من توسيع نفوذه بالقارة، لاسيما من حيث المصالح التجارية والعسكرية بالنيجر وغيرها من البلدان الأفريقية، وبشكل أكثر عمومية بغرض توسيع قوة تركيا على المستوى العالمي. كما يرى البعض إن الشركة العسكرية “سادات” كانت وراء تجنيد هؤلاء المرتزقة السوريين إلا إن الشركة التي تتخذ من اسطنبول مقرًا لها قد امتنعت عن التعليق إزاء هذه الادعاءات.

وبالاعتماد على المرصد السوري لحقوق الإنسان، نشير إلى أنه سيتم في نهاية المطاف إرسال ما يصل إلى 3500 مقاتل من فرقة السلطان مراد التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا (الذراع العسكري لتركيا بشمال سوريا) إلى النيجر. كما أنه يسير العمل بحيث يتم تجنيد المواطنين السوريين بشكل عام من المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا ومن قِبَل الفصائل السورية المسلحة المدعومة من تركيا في شمال غرب سوريا. وفي هذا السياق كان المعلق السوري المؤيد للرئيس السوري “بشار الأسد”، فارس الشهابي، قد تحدث في وقت سابق عبر منصة إكس عن التحرك التركي في النيجر منذ 27 ديسمبر 2023.

أيّة مزايا ومُحفزات؟

من أجل إغراء هؤلاء المرتزقة نظير الانتشار بالنيجر، يتم جلبهم بناءً على اتفاق “عقد” لمدة ستة أشهر مقابل 1500 دولار شهريًا، مع إمكانية الحصول على 35 ألف دولار في حالة الإعاقة، و60 ألف دولار في حالة الوفاة لعائلة المقاتل. وهو بالمناسبة مقابل كبير للغاية للمواطنين السوريين، بالنظر إلى الوضع في شمال سوريا الذي مزّقته الحرب. على سبيل المثال كان من تداعيات الحرب هناك وصول الحد الأدنى للأجور الشهري للموظف الحكومي السوري أقل من 22 دولارًا بسعر الصرف الرسمي، وحتى أقل بالسعر الموازي، وذلك خلال عام 2023.  بناءً عليه لم يكن مُستغربًا أن يذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه في الأشهر الأخيرة، استقبلت النيجر ما لا يقل عن 1000 مقاتل لحماية المشاريع والمصالح التركية.

يأتي هذا في وقت يناقش فيه مسؤولو الدفاع النيجريون والأمريكيون خططًا لسحب جميع القوات الأمريكية من البلاد، بناء على طلب المجلس العسكري الحاكم، الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيًا في البلاد “محمد بازوم” في يوليو من العام الماضي، وأدى لانزلاق البلاد -إضافة لدول الساحل الأخرى مالي وبوركينا فاسو- نحو الفلك الروسي، وقطع  علاقات البلاد العسكرية مع فرنسا، وكذلك الولايات المتحدة التي ستُكمِل انسحاب قواتها بحلول منتصف سبتمبر المقبل (15 سبتمبر 2024).

حماية المصالح التركية؟

بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن هؤلاء المقاتلون المنتمون إلى شركة “سادات” العسكرية التركية الخاصة، يعملون في المناجم التي تديرها الشركات التركية في منطقة تيلابيري جنوب غربي البلاد (وهي منطقة حدودية مع بوركينا فاسو وتعد معقلًا للجماعات الجهادية)، ويعملون على ضمان سلامة العديد من الأشخاص من أية تهديدات، وكذلك حماية مشاريع بناء الطرق.

هل تؤسس تركيا لفاغنر جديدة؟

في هذا السياق يرى مراقبون أن تركيا تحاكي نموذج مجموعة فاغنر الروسية، التي نشطت في وقت سابق بعدد من بلدان القارة الأفريقية وعلى رأسها جمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها، وتم استبدالها بالفيلق الأفريقي في أعقاب مقتل مؤسسها “يفغيني بريغوجين” في الثالث والعشرين من أغسطس الماضي (2023)، من خلال وضع إطار يمكن من خلاله حشد المرتزقة للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية دون تحمل المسؤولية رسميًا عن أي فظائع محتملة. ومثل العديد من القوات غير النظامية الأخرى في سوريا، تتمتع هذه الميليشيات التي يتم تجنيدها بالوكالة لتركيا بسجل مروّع في مجال حقوق الإنسان يعود إلى أكثر من عقد من الزمن. وفي حين أنها من الناحية العملية تعد جزءًا مما يسمى بالجيش الوطني السوري الذي يقدم تقاريره إلى الحكومة السورية المفترضة في المنفى، إلا أنهم أدوات بيد إدارة الدولة التركية. وعلى هذا النحو، استخدمتها أنقرة ضد الميليشيات العربية المتنافسة، وضد نظام الأسد، وخاصة ضد الجماعات المتمردة الكردية في سوريا، وهي هدف ذو أولوية قصوى بالنسبة لأنقرة. يؤكد هذه الفظائع المُرتكبة من قِبَل هذه الميليشيات ما نشرته منظمة هيومن رايتس واتش، المنظمة الدولية المعنيّة بالدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، وذلك في فبراير 2024، بتقرير مُفَصّل عن أعمال النهب التي قامت بها هذه الميليشيات التي تديرها تركيا، بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة لكل من قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني، بما في ذلك القصف العشوائي، والقتل، والاعتقالات غير القانونية، والتعذيب، والاختفاء القسري، والنهب الممنهج والانتهاكات المتعلقة بالاستيلاء غير القانوني على الممتلكات.

كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على إحدى هذه الميليشيات وهي لواء السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة وقادتهما، جراء انتهاكات لحقوق الإنسان في أغسطس 2023، ومع ذلك، كانت واشنطن، التي كانت صاخبة جدًا بشأن مخاطر شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في أفريقيا، أكثر صمتًا بشأن إرسال هؤلاء القتلة الآخرين إلى أفريقيا.

في الأخير لا نرى بوجود احتمالية كبيرة نحو استقرار الأوضاع في نيامي في أعقاب إرسال هؤلاء المرتزقة الموالين لأنقرة، في بلد كالنيجر، مرّ بخمس انقلابات عسكريّة منذ استقلاله عن فرنسا في العام 1960، ويعاني بالفعل من عدد من الأزمات سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، فضلًا عن جواره الإقليمي المضطرب والمناطق الحدودية المتخمة بالجماعات الجهادية المتطرفة، كالمثلث الحدودي “ليبتاكو- غورما” بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ويبقى التساؤل الرئيس هنا: هل سينصرف هؤلاء المرتزقة فقط إلى حماية المصالح التركية بالنيجر دون الإضرار باستقرار البلاد، أم سيتبعون نهج نظرائهم الروس ووجودهم السابق في القارة الذي طالما صَاحبه انتهاكات جسيمة تتصل بحقوق الإنسان، وهل إذا وقعت هذه الانتهاكات بالفعل ستحظى بالإدانة والتحقيق أم ستمرّ دون إنفاذ حقيقي للعدالة، كالحال في ضحايا فاغنر في عدد من البُلدان الأفريقية؟

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى