تقدير موقف

هل المظاهرات الجامعية.. تؤجل اجتياح غزة؟

إعداد: الباحث هاني الجمل

أعاد مشهد المظاهرات الطلابية في الجامعات الأمريكية إلى الأذهان مشهد رفض قوى الضغط الأمريكي الحرب الأمريكية على فيتنام في نهاية الستينيات من القرن الماضي التي شهدت رفض بطل العالم في الملاكمة “محمد علي كلاي” المشاركة فيها وتجنيده في الجيش الأمريكي آنذاك والذي أحدث عاصفة مدوية في الداخل الأمريكي.

فقد حركت المظاهرات الطلابية الجامعية سواء في الجامعات الأمريكية الكبرى أم في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية للتنديد بالقصف الإسرائيلي لغزة والمطالبة بسحب الأموال من الكيانات المرتبطة بإسرائيل الذي أدى إلى أن استدعت عدة جامعات وكليات الشرطة للمتظاهرين مما أدى إلى اعتقال المئات في جميع أنحاء البلاد وتعليق الدراسة في عدد كبير في هذه الجامعات التي تتوسط أكبر تجمع يهودي في العالم وهي مدينة نيويورك التي تضم يهودًا أكثر ممن يتواجدون في إسرائيل نفسها، وامتدت هذه التظاهرات كالنار في الهشيم لتنتقل إلى باريس وخاصة جامعة السوربون ومعهد الدراسات السياسية التي طلبت تعليق التعاون مع الجامعات الإسرائيلية، بل وتقديم قادة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، ولكن ما الذي غيرته هذه التظاهرات في المشهد السياسي الأمريكي والإسرائيلي والأوروبي؟

هذه التظاهرات تعدت مرحلة الرفض للسياسات الأمريكية والمجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وقفزت إلى مرحلة الخطر على سياسات اليمين المتطرف سواء في أمريكا وأوروبا وإسرائيل مما يتيح الفرصة لعودة اليسار إلى سدة المشهد السياسي، ومن ثم تغيير الأيدولوجية لدى الطلاب، وهم المستقبل الذي سيقود هذه الدول الكبرى، وبالتالي سينعكس سلبًا على المظلومية الإسرائيلية، ويؤكد على كذب الرواية الإسرائيلية.

هذه المخاوف الإسرائيلية قد تصيب المصالح اليهودية في العالم مما يشكل خطرًا جسيمًا على إسرائيل بعد الكشف عن وجهها القبيح في هذه العمليات العسكرية الأطول في تاريخها، مما جعلها تخرج من خانة الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما تدعي إلى حقيقة كونها دولة عنصرية، وهذا ما شهد تغيرًا جذريًّا في الموقف الإسرائيلي الذي عرض عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة وبعض الوسط، فضلًا عن التلويح بأن موافقة حماس على الورقة المصرية الأخيرة التي قدمها رئيس جهاز المخابرات المصرية خلال زيارته المكوكية إلى إسرائيل من إنقاذ الجهود المصرية الرامية إلى إقرار هدنة إنسانية مرحلية وتبادل الأسرى وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 حتى لا تنزلق المنطقة إلى كتلة من اللهب، وذلك بعد مرور سبعة أشهر من العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تجد لها غطاء شرعيًّا من الولايات المتحدة الأمريكية، سواء من خلال الدعم المالي الكبير وآخره موافقة الكونجرس على حزمة جديدة تقدر بحوالي سبعة وعشرين مليار دولار، أو من خلال الدعم الأممي باستخدام أمريكا حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرار يدين إسرائيل أو يقر هدنة إنسانية مرحلية تعمل على حقن دماء الفلسطينيين، وأخيرًا استخدام الفيتو ضد حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تحت ذريعة أن هذه الخطوة تقوض حل الدولتين.

وأمام التعنت الإسرائيلي تجاه مفاوضات الوساطة لإقرار هدنة بوساطة مصرية قطرية ورعاية أمريكية، بل تجهيز خطط عسكرية إسرائيلية بمراجعة وتنسيق مع وزير الدفاع الأمريكي وخبراء أمريكان لديهم الخبرة في اقتحام المدن ذات الكثافة السكانية العالية كما حدث في العراق، كل هذه الحركات أغلقت الأفق السياسي لحل الأزمة الراهنة، بل إنه دفع المظاهرات في عواصم العالم إلى الضغط على الحكومات الغربية التي سوف تجني سوء تقديرها للموقف الراهن في الانتخابات المحلية في عام 2025 والتي من المتوقع أن تشهد انهيارًا لليمين الحاكم في فرنسا وتعزيز اليسار كما كان في حكومات فرنسا وآخرهم جاك شيراك.

المظاهرات الجامعية اجتياح غزة

ولهذا على إسرائيل أن تطرح أفقًا موثوقًا لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين واستبدال سياسة “إدارة النزاع” بسياسة “إدارة التسوية السياسية”، والتقدم نحو التسوية الإقليمية التي ستؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح سيضمن ليس فقط طابع إسرائيل الديمقراطي واليهودي كما يدعي نتنياهو، بل أيضًا سيضمن استقرار التحالف الإقليمي بدعم من الغرب، وبذلك سيضمن أمن إسرائيل، فالاتفاق مع الفلسطينيين سيضعف المحور الراديكالي الذي يرفض وجود إسرائيل، وسيزيد قوة المعسكر المعتدل في العالم العربي الذي في الحقيقة لم يصبح “صهيونيا”، ولكنه آخذ في التسليم بوجود إسرائيل ومستعد للتعاون معها، ولكن بما يحقق إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى