الرئيسيةدراساتسياسية

العلاقات السعودية الأفريقية.. حضور بارز لدبلوماسية الرياض في القارة السمراء «دراسة»

إعداد الباحث- عبد الغني دياب 

بعد ثلاثة أعوام على قرار المملكة العربية السعودية تعيين وزير دولة مختص بالشؤون الأفريقية لأول مرة في تاريخ المملكة، والذي اعتبر وقت صدوره حدثا تاريخيا على مستوى علاقات الرياض بالقارة السمراء، جاءت الأوامر الملكية الصادرة عن الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، وملك المملكة العربية السعودية في 13 يناير الماضي، لتعيد العلاقات الأفريقية السعودية للواجهة من جديد، بعد أن اشتمل القرار الملكي على تعيين الوزير السعودي أحمد بن عبدالعزيز قطان مستشاراً بالديوان الملكي بمرتبة وزير، بعد أن كان هو الوزير المكلف بشؤون أفريقيا في المملكة.

تكمن أهمية القرار السعودي في الطفرة التي حدثت في حجم العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وبلدان القارة، خصوصا وأن الأولى تمثل قوة اقتصادية كبرى في الشرق الأوسط، وأحد أكبر المستثمرين في بلدان أفريقيا، هذا بالإضافة إلى الإرث التاريخي القديم الذي تمتلكه الرياض ما يجعلها مرحبا بها دوما في العواصم السمراء، سواء على المستوى العربي أو امتداده الإسلامي أو حتى في البلدان الأفريقية الأخرى.

نظرة تاريخية

تحتفظ المملكة العربية السعودية مع القارة الأفريقية بعلاقات ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، فارتبطت أفريقيا بعلاقات وثيقة مع سكان شبه الجزيرة العربية عبر رحلات التجارة خصوصا مع مناطق شرق القارة الأفريقية، التي عرفت العرب منذ فجر التاريخ، وتأثرت بهم وأثرت فيهم، ليأتي الإسلام معززا لهذه العلاقة، حيث كانت القارة السمراء مستقرا ومستودعا للمسلمين الأوائل وتحديدا في مملكة الحبشة القديمة، التي لعبت دور الحامي الأول للدين الجديد قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، حين استقبلت المسلمين الأوائل بعد التضييق عليهم في مكة.

لذا تحظى أفريقيا بمكانة قوية لدى الشعب السعودي وكافة الشعوب الإسلامية، لاسيما الناطقون بالعربية، لذا لم يكن مستغربا أن تتجه أنظار الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، مبكرا إلى أفريقيا لتدشين أول سفارة سعودية في أثيوبيا عام 1353هـ/1934م، ومن بعد هذا التاريخ توالت عمليات تبادل البعثات الدبلوماسية بين الدول الأفريقية والمملكة، حيث تستضيف السعودية حاليا سفارات وبعثات دبلوماسية لجميع دول القارة الأفريقية، كما توفد إلى جميع دول القارة بعثات دبلوماسية وقنصلية دائمة.

العلاقات السعودية الأفريقية.

وخلال العقود الماضية وثقت المملكة علاقاتها بالدول الأفريقية عبر عشرات الزيارات المتبادلة بين المسؤولين السعوديين والدول الأفريقية، بدأت بزيارة الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- إلى مصر للقاء الرئيس الأمريكي روزفلت في الأول من ربيع الأول 1364هـ الموافق 14 فبراير 1944م، ومن بعدها قام ملوك المملكة عبدالعزيز وأبناؤه (سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، وسلمان) بعشرات الزيارات إلى عدد من دول القارة الأفريقية، هذا بالإضافة إلى زيارات المسؤولين السعوديين لكافة دول القارة تقريبا.

كما استقبل ملوك المملكة جميع حكام دول أفريقيا في مئات الزيارات ضيوفاً على الرياض للتباحث في القضايا المشتركة.

تمثيل دبلوماسي مثمر

تقول بيانات وزارة الخارجية السعودية إن المملكة تمتلك 183 بعثة دبلوماسية في الخارج منها 158 سفارة و18 قنصلية و6 وفود ومكتب واحد تجاري، وبالنسبة للسفارات فإنها موزعة بحيث تتصدر قارة أفريقيا عدد السفارات السعودية في الخارج بـ49 سفارة.

أفريقيا في دوائر السياسة السعودية

تحتل أفريقيا موقعا مميزا في دوائر السياسية الخارجية السعودية والتي تتكون من ثلاث دوائر رئيسية (الدائرة الخليجية، الدائرة العربية، الدائرة الإسلامية، الدائرة العالمية).

ووفق هذا البناء الدائري للسياسة الخارجية السعودية تحتل القارة الأفريقية موقعا مميزا حيث تقع في الدائرة العربية كونها تضم 11 دولة عربية، تمثل الثقل السكاني العربي الأكبر، بالإضافة إلى وقوعها في الدائرتين الإسلامية والعالمية، كون القارة تحتوي على أكبر عدد من الدول الإسلامية، حتى أن بعض الباحثين يصفها بأفريقيا الإسلامية، وهو ما جعل الرياض تضعها في دوائر اهتمامها بشكل لافت.

ومنذ ستينيات القرن الماضي حرصت المملكة على مد جسور التواصل مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، تزامنا مع حركة التحرير وحصول الدول الأفريقية على استقلالها، وتعد زيارة العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود للسودان عام 1965م، بعد استقلاله وجولته في أفريقيا عام 1972م، من العلامات الفارقة في تاريخ العلاقات السعودية-الأفريقية.

العلاقات السعودية الأفريقية.

نشاط دبلوماسي في العواصم السمراء 

شهدت الأعوام الثلاثة الماضية حضورا كبيرا للمملكة ونشاطا دبلوماسيا ملحوظا، خصوصا بعد تعيين قطان وزيرا لشؤون الدول الأفريقية في المملكة، حيث زار الوزير غالبية دول القارة على مدار السنوات الثلاث الماضية، ووقعت المملكة عددا كبيرا من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون مع نظرائها في أفريقيا في مجالات (الزراعة، التجارة، الاستثمار، مكافحة الإرهاب، الثقافة، التعليم).

 

بعد أشهر قليلة من تعيين قطان زار الوزير عددا من البلدان الأفريقية بدأها بجنوب أفريقيا، وخلالها التقى برئيس جنوب أفريقيا ووزير الخارجية ووزيرة الدفاع وعدد من المسؤولين في الحكومة، ثم انتقل بعدها إلى موريشيوس ومن قبلهما إثيوبيا وإريتريا اللتان زارهما 3 مرات، كما زار كلا من جامبيا وجزر القمر وجيبوتي.

وفي يناير 2021 زار قطان جمهورية الكونغو الديمقراطية والغابون، وغينيا الاستوائية، وتوغو وغانا، وكوت ديفوار، وقبلها بشهر واحد زار أفريقيا الوسطى والكونغو برازافيل وأنغولا وزامبيا، كما زار تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو ومالاوي وزيمبابوي وموزمبيق ومدغشقر، وذلك ضمن خطة وضعتها وزارة الخارجية السعودية لتوطيد علاقات المملكة بهذه الدول.

الوساطة السعودية تنهي حرب الجارتين 

في 16 سبتمبر من العام 2018، أي بعد قرابة سبعة أشهر على تعيين قطان في منصبه السابق، احتضنت مدينة جدة توقيع اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا لتنهي الوساطة السعودية الخليجية الحرب التي قامت بين الجارتين لسنوات طويلة، حيث وقع رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري إسياس أفورقي، اتفاق سلام في المملكة العربية السعودية.

لم يقف الدور السعودي على حد التوسط في المشكلة المعقدة بين أديس أبابا وأسمرة، ففي اليوم التالي لهذا التوقيع استضافت المملكة أيضا أول محادثات مباشرة بين كل من إريتريا وجيبوتي لحل الخلافات التي نشبت بين البلدين بسبب النزاعات الحدودية، والتي كانت استكمالا لاتفاق سلام وقّعه البلدان في السادس من سبتمبر من نفس العام.

وعلى الرغم من محاولة أطراف دولية عديدة التدخل في هذه الأزمة لإنهائها بين هذه البلدان إلا أن الوساطة السعودية لقيت ترحيبا من جميع الأطراف، وهو ما عبر عنه رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط، قال فيه إن “الدور السعودي أساسي من أجل تطبيع العلاقات بين بلاده وإريتريا”.

العلاقات السعودية الأفريقية.

محاربة الإرهاب

لم يقف التعاون السعودي الأفريقي عند المستوى الدبلوماسي، لكنه تطور بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية على المستوى الأمني والعسكري، فبعد تمدد الحركات الإرهابية المسلحة في عدد كبير من الدول الأفريقية وتنفيذها هجمات إجرامية على المدنيين في كثير من الدول نجحت السعودية في تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب، وسجلت الدبلوماسية السعودية هدفا جديدا في هذا الملف بعد أن انضم لهذا التحالف 19 دولة أفريقية من أصل 34 دولة هي قوام التحالف.

ليس هذا فحسب فمع إعلان المملكة العربية السعودية عن عملية عاصفة الحزم وتشكيل تحالف دعم الشرعية في اليمن حتى أعلنت غالبية الدول الأفريقية عن مشاركتها ومساندتها في هذه العملية، فكان من بين المشاركين على سبيل المثال مصر والسودان وإريتريا والمغرب.

كما أعلنت كل من “جامعة الدول العربية، والسنغال والصومال وتونس وجيبوتي وغينيا وموريتانيا والجزائر” دعمها لعمليات التحالف العربي الداعم للحكومة اليمنية.

كما أن المملكة حريصة في هذا الشأن على توقيع اتفاقات مع الدول الأفريقية في مجال محاربة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتسليم المجرمين، ومحاربة التجارة غير المشروعة. ومن ذلك الاتفاق السعودي-الإريتري في أبريل 2016م.

هذا الأمر يراه خبراء السياسة والعلاقات الدولية تطورا هائلا للنفوذ السعودي داخل القارة، إذ إن الرياض تخطت محطة العلاقات الاقتصادية وانتقلت لبناء التحالفات الاستراتيجية مع شركائها الأفارقة في كافة المجالات، ويبدو أن الدبلوماسية السعودية أخذت تتبنى مفهوما جديدا للأمن القومي العربي، لا تقتصر حدوده عند الامتداد الجغرافي للبلدان العربية، ولكنه يضع في إطاره أمن الدول المحيطة به وتعتبره جزءًا منه، فالخلل في الأمن الإثيوبي أو الإريتري أو استمرار علاقات العداء والتباعد بين البلدين، يُلحِق أضرارًا جسيمة بالأمن القومي العربي، قد تمتد لتهديد الأمن الاقتصادي العربي عن طريق باب المندب والبحر الأحمر، ومنها وقوع مناطق استراتيجية حاكمة في الوصول إلى البلدان العربية في يد قوى معادية، وكثيرًا ما كنا نتحدث في الأمن القومي العربي بمقولة إن البحر الأحمر بحيرة عربية، آمنة واستقراره وثروته للعرب ومسؤوليتهم، ومن ثَمّ فإن الجهود الدبلوماسية السعودية تسير في تحقيق هذه المقولة، خاصة إذا ما استُكملت بتأكيد عروبة إريتريا وانضمامها إلى جامعة الدول العربية.

تنويع خارطة التحالف

تسعى المملكة العربية السعودية إلى تنويع خارطة التحالفات وتقليل الاعتماد على الغرب الأوروبي، بالإضافة إلى التداعيات السلبية التي تحدث بين الحين والآخر في أسواق النفط، وذلك من خلال التوسع في الاستثمارات السعودية في أفريقيا وبناء تحالفات قائمة على الثقة المتبادلة، خصوصا وأن المملكة تمتلك رصيدا دينيا وثقافيا يحظى بالاحترام في القارة.

وحاليا تغطي العلاقات السعودية كافة الأقاليم الأفريقية بلا استثناء، لكن يظل إقليم القرن الأفريقي والشرق الأفريقي عموما في صدارة الاهتمام السعودي؛ لارتباطه الوثيق بأمن المملكة والخليج العربي، خاصة في مواجهة التغلغل الإيراني والإسرائيلي في هاتين المنطقتين الواقعتين في الجانب الغربي من البحر الأحمر الذي يعتبر بحيرة عربية وفق بعض الخبراء.

رؤية السعودية 2030
رؤية السعودية 2030

تعاون اقتصادي مثمر بين المملكة والقارة 

ترى المملكة العربية السعودية في بلدان القارة الأفريقية فرصة سانحة لتنويع مصادر الدخل القومي السعودي، خصوصا وأن الرياض تحاول تعزيز مصادر دخلها من القطاعات غير النفطية، للخروج من عباءة الاقتصاد النفطي الريعي إلى متسع الاقتصاد الاستثماري الرحب، ولذلك فإن أفريقيا بيئة وادعة لهذا التوجه خصوصا وأنها تمتلك 30 % من احتياطي الثروات المعدنية في العالم. وتعتبر من أهم منتجي العالم من الماس والذهب والبلاتين واليورانيوم، والأخشاب والكاكاو والبن والشاي، بالإضافة للثروة النفطية والغازية الضخمة.

 

ويتسم السوق الأفريقي أيضا بالاتساع الكبير حيث يضم قرابة مليار وربع المليار إنسان، فضلا عن القرب الجغرافي بين المملكة وبلدان القارة، وسهولة الانتقال بين الطرفين، وهو ما يعزز التبادل التجاري مع دول القارة.

وفي المقابل تضم القارة الأفريقية أكثر من 21 دولة منتجة للنفط، منهم أربع دول تنتمي لأوبك هي: نيجيريا، أنجولا، ليبيا، والجزائر، كما أن الاكتشافات الجديدة تشير إلى دخول دول جديدة في سوق النفط، خصوصا في منطقة غرب أفريقيا، لذا فإن المملكة حريصة على مد أواصر التعاون مع الدول النفطية في القارة، خاصة نيجيريا وأنجولا، اللتين تحتلان حالياً المركزين الأول والثاني في إنتاج النفط على المستوى الأفريقي.

تبادل تجاري واستثمارات ضخمة 

وعطفا على ما سبق نجحت المملكة في بناء ترسانة اقتصادية ضخمة كان لأفريقيا نصيب كبير منها، وظهر ذلك بوضوح في تصريحات الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي، خلال مايو 2021 في العاصمة الفرنسية باريس، حيث أكد على الدور الكبير الذي لعبه الصندوق السعودي للتنمية في القارة السمراء، على مدار أربعة عقود.

وقتها قال ابن سلمان إن المملكة قدمت 580 قرضًا ومنحة لأكثر من خمس وأربعين دولة في القارة، بقيمة تتجاوز 50 مليار ريال.

وكان لرأس المال السعودي دور بارز في دفع الاقتصادات الأفريقية وإرساء دعائم الأمن والاستقرار، من خلال صندوق الاستثمارات العامة في المملكة، والذي دشن عددا من المشروعات والأنشطة في قطاعات الطاقة والتعدين والاتصالات والأغذية والبنية التحتية وغيرها بإجمالي 15 مليار ريال سعودي.

وأعلن الصندوق أخيرًا عن مبادرة بمليار ريال سعودي لتطوير دول الساحل بالمشاركة مع وكالة التنمية الفرنسية، لينضم المبلغ السابق إلى المشروعات والقروض والمنح المستقبلية التي سينفذها في الدول النامية بأفريقيا التي تتجاوز قيمتها 3 مليارات ريال خلال العام الحالي.

وعلى مستوى التبادل التجاري وصل حجم التجارة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية نيجيريا في عام 2017 نحو 902 مليون ريال سعودي، منها واردات بقيمة 26 مليون ريال سعودي، وصادرات بقيمة 876 مليون ريال سعودي.

وبلغة الأرقام، تستثمر السعودية حاليًا في نحو مليوني هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع) من الأراضي الزراعية في عدد من بلدان القارة السمراء التي تمتلك 60 في المائة من الأراضي غير المزروعة في العالم، ويعمل فيها 70 في المائة من الأيدي العاملة، ويمثل أيضًا القطاع الأكثر نموا في التوقعات المستقبلية بنسبة تزيد على 31 في المائة.

وتقع غالبية الاستثمارات الزراعية السعودية في شرق أفريقيا وهي منطقة لا يفصلها عن الجغرافيا السعودية سوى البحر الأحمر فقط، مما يسهل قدوم شحنات الغذاء في أي وقت، كما أن دولة جيبوتي الواقعة على باب المندب أصبحت مركًزا لوجستيا لاستقبال وإرسال المنتجات الزراعية من السعودية إلى شرق أفريقيا، والعكس.

ويشير تقرير لبنك «ستاندارد» العريق في دولة جنوب أفريقيا، إلى أن المستثمرين السعوديين قرروا الاستثمار في نحو 800 ألف هكتار في أفريقيا وهو يشكل 70 في المائة من حجم استثمارات الشركات الزراعية العالمية، ويأتي ذلك في خضم سياسة المملكة في الحفاظ على المياه الجوفية لديها، ومنع استنزافها في زراعة كل المحاصيل، والتركيز على الاستثمار الزراعي في الخارج.

وفي السودان تولي المملكة أهمية خاصة للاستثمار عبر مشروعات مشتركة، ووصل حجم الاستثمارات السعودية التي صدقت عليها الخرطوم خلال آخر عقدين نحو 35.7 مليار دولار، نفذت منها على أرض الواقع مشروعات بنحو 15 مليار دولار، لكن توجد توقعات لخبراء اقتصاديين بانتعاش أكبر لعمليات التنفيذ ودخول أكبر للقطاع الخاص، بعد تعهد المملكة في شهر مارس الماضي بثلاثة مليارات دولار في صندوق مشترك للاستثمار في السودان.

وفي إثيوبيا تشهد الاستثمارات السعودية تعاظمًا كبيرًا إذ حصل فيها 305 مستثمرين سعوديين على تراخيص استثمارية خلال عقد واحد، منها 141 مشروعًا في الإنتاج الحيواني والزراعي، ونحو 64 مشروعا في المجال الصناعي، بجانب نحو 16 اتفاقية لاستصلاح الأراضي الزراعية وتوفير شبكات الطاقة.

ونجحت الاستثمارات السعودية في تحقيق معدلات نمو مرتفعة في إثيوبيا التي تشهد تدفقا كبيرًا في الاستثمارات الأجنبية، فخلال عامي 2017 و2018 كانت أديس أبابا واحدة من أكبر خمس دول في جذب الاستثمار الأجنبي بالقارة السمراء، وقدم إليها 152 شركة أجنبية من آسيا وأوروبا وحتى من دول شمال أفريقيا للاستثمار بها.

لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للصومال التي قدمت لها المملكة قروضًا بنحو 289 مليون دولار، آخرها 50 مليون دولار لدعم ميزانية الدولة، كما كان للاستثمارات السعودية دور كبير في إنشاء المحاجر الصحية التي تتولى رعاية الماشية والكشف البيطري عليها قبل تصديرها للخارج بالصومال، وإنشاء محجر آخر في جيبوتي يخدم صادرات الماشية الصومالية أيضًا بتكلفة 20 مليون دولار، بجانب محجرين آخرين في شمال شرق وغرب الصومال على مساحة 4 كيلومترات.

وتسعى المملكة حاليًا لمشاركة تجربتها الواعدة في الطاقة المتجددة إلى أفريقيا عامة، وسط توقعات بوصول حجم الاستثمارات السعودية في ذلك المجال إلى 50 مليار دولار بعد عامين، مع سعي المملكة- رغم ثرائها بالوقود الأحفوري- إلى زيادة القدرة على توليد الطاقة النظيفة إلى ما يقارب 58.7 غيغاواط بحلول عام 2030 منها 40 من مصدر الطاقة الشمسية، و16 من الرياح، و2.7 من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى.

العلاقات السعودية الأفريقية

وفي مصر تحتل الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المستثمرة في البلاد، والثانية على مستوى العالم، بإجمالي 54 مليار دولار، منها 44 مليارًا استثمارات للشركات السعودية أو تلك التي تحتوي على شركاء سعوديين والبالغ عددها 5392 شركة، و10 مليارات دولار استثمارات للحكومة السعودية من خلال صندوق الاستثمارات العامة.

وتوجد مؤشرات قوية على انتعاش الاستثمارات السعودية في منطقة المغرب العربي، خاصة الجزائر التي تسعى للاستفادة من خبرة المملكة في مجالات النفط والتكرير والاستكشاف، لتعزيز إنتاجها النفطي وتعزيز نموها الاقتصادي، فالجزائريون يرون أن الطاقة الإنتاجية للمصافي التابعة لشركة أرامكو السعودية بمجال التكرير نموذج يجب دراسته والاستفادة منه بقوة.

وتبلغ قيمة الاستثمارات السعودية في الجزائر حاليًا نحو 1.5 مليار دولار في قطاعات مثل السياحة والسكن والصحة والبتروكيماويات والأدوية والأغذية، وهو رقم تعتقد البلدان أنه منخفض نسبيا في ظل إمكاناتهما الاقتصادية الكبيرة.

ودشنت الشركة السعودية الجزائرية للاستثمار (أسيكوم)، المملوكة مناصفة بين الجزائر والسعودية، مشروعات بمجالات السياحة والصناعة والغذاء، آخرها 3 مشاريع ترتبط بإنشاء قرى سياحية وفنادق وأنشطة تجارية، بولايات قسنطينة وبجاية وسكيكدة.

وتوجد نحو 250 شركة سعودية تستثمر في المغرب حاليا، كما ارتفعت حجم التدفقات الاستثمارية من المملكة للمغرب بنحو 53 في المائة خلال الفترة من 2011 إلى 2015، كما تعتبر المملكة الشريك التجاري الأول مع الرباط بقيمة تعادل 1.1 مليار دولار. وتتوزع الاستثمارات السعودية بين العقارات بنسبة 92 في المائة، والصناعة بنسبة 3 في المائة والشركات القابضة بنسبة 3 في المائة، و2 في المائة لقطاعي السياحة والتجارة.

وتعتبر السعودية، أكبر ممول عربي للمشروعات التنموية بموريتانيا، من خلال هيئاتها الإنمائية المختلفة، كالصندوق السعودي للتنمية، والبنك الإسلامي للتنمية، وسط تبادل لقاءات مستمرة بين مستثمري البلدين لتعزيز التعاون بينهما لرفع حجم التبادل التجاري الذي لا يتعدى 88 مليون ريال.

وأبرمت شركتا «علم» السعودية و«سمارت إم إي إس إي» الموريتانية، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال أعمال التحول الرقمي في السوق الموريتانية قبل أعوام، وتدرس عدة شركات سعودية حاليا التواجد بموريتانيا التي تمتلك مقومات مثالية في قطاعات التعدين والصيد والإنتاج الحيواني.

الخلاصة

من خلال العرض السابق يمكن القول إن المملكة باتت تحتل مكانة مميزة في أفريقيا خصوصا بعد الجهود التي بذلها الوزير أحمد قطان، والتي وسعت دائرة النفوذ السعودي، في مناطق كانت غائبة عن الاهتمامات السعودية في السابق، لكن يبقى ملف مكافحة الإرهاب والملف الأمني بحاجة إلى مزيد من الدعم، حيث تتطلع البلدان الأفريقية للاستفادة من التجربة السعودية في مكافحة التطرف، بالإضافة إلى نقل التجربة السعودية في ملف الاستثمار الزراعي، وتحلية مياه البحر لمناطق أوسع في القارة، خصوصا وأن السعودية تحتل مكانة مميزة في هذين القطاعين.

ومن قراءة هذه المؤشرات يمكن القول أيضا إن المملكة تمثل رقما صعبا في العلاقات السياسية الدولية بالنسبة لأفريقيا، كما أن الرياض باتت حليفا قويا واستراتيجيا للعواصم السمراء خصوصا وأنها تمتلك مقومات اقتصادية وثقافية ودينية تجعلها في صدارة المشهد السياسي في الدول الأفريقية، كما أن القارة الأفريقية تمثل امتدادا طبيعيا لأمن المملكة القومي، خصوصا بعدما باتت الجغرافيا الأفريقية مسرحا للتنافس الدولي ودخول أطراف مثل تركيا في هذا التنافس، في محاولة لاستقطاب حلفاء جدد لمشروعها التوسعي في بلدان القارة، وهو ما يهدد التواجد العربي عموما في القارة.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب 

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى