الكاتب العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب.. محطات مضيئة في مسيرة حكيم العرب
الكاتب مفكر عربي إماراتي.. خاص منصة العرب الرقمية
في مشوار العمر محطات.. نتوقف عند بعضها.. ونتجاهل بعضها.. ونمر عابرين عند بعضها الآخر، لكن عندما تصبح الأمانة مسئولية، فقد صار من مسئولياتي، أن أنقل وأسجل بأمانة شديدة ما عشته وعايشته مع هذا الرجل.
أكتب شهادتي للتاريخ، حول رجل اقتربت منه وعرفته، وشهدت على إخلاصه وحبه وعشقه الوطني لمصر. أتحدث عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وعن محطات مضيئة عشتها معه، تؤكد أنه يستحق عن جدارة لقب «حكيم العرب».
ولعل ذاكرتي تستدعي أنه أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت عام 1973، سألني الشيخ زايد: «ماذا كانت نتائج المؤتمر؟!».
فأجبته: قرروا تخفيض إنتاج البترول 5% فقط، فاكفهرَّ وجهه، وطلب مني أن أتصل بوزير البترول الإماراتي، الدكتور مانع العتيبة، وقمت بتوصيله تليفونيًّا مع الوزير وسمعته يأمره بعقد مؤتمر صحفي فورًا، يعلن فيه أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقطع البترول بالكامل عن الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية التي تساند إسرائيل، ثم قال مقولته الشهيرة:
«ليس النفط العربي بأغلى من الدم العربي»، وبعد الإعلان عن هذا القرار توالت قرارات الدول العربية، وهنا أذكر أنه في مؤتمر قمة دول الأوبك في الجزائر عام 1975 في كلمة الافتتاحية، أشاد الرئيس بوميدين بموقف الشيخ زايد البطولي بقطع البترول، وكان ذلك بحضور الرؤساء والملوك.
بينما تتجول المشاهد في ذاكرتي، لأتوقّف أمام موقف من أنبل المواقف لحكيم العرب تجاه مصر، وكان ذلك في لندن عندما أخذ قرضًا من بنك بريطاني بقيمة 15 مليون جنيه إسترليني، لسد قيمة قطع غيار الطائرات، وهذا الموقف أكده لي الرئيس الأسبق حسني مبارك.
كما أذكر أنه ذات مرة طلب مني الرئيس مبارك إبلاغ المرحوم الشيخ زايد في أوائل الثمانينيات، أن هناك في البنك وديعة بقيمة مائة مليون دولار، مخصصة للهيئة العربية للتصنيع، فطلب أن تتحول هذه الوديعة إلى الميزانية العامة أو للبنك المركزي المصري، وقمت بإبلاغ الشيخ زايد بطلب الرئيس مبارك، فأمر الشيخ زايد فورًا بإعداد كتاب للبنك المركزي، لتحويل المبلغ بالكامل لصالح الميزانية المصرية، وقمت شخصيًّا بتسليم الرسالة إلى مبارك.
ومن موقف إلى آخر أتجوّل في سنوات عمري مع الشيخ زايد، لأتذكر أنه في مؤتمر بغداد 1976 – 1977، كانت تتم مناقشة موضوع اتفاقية كامب ديفيد، واقترح الشيخ زايد عدم اتخاذ أي إجراء ضد مصر وضد السادات إلا بعد اختيار ثلاثة من الرؤساء بالمؤتمر، للقيام بزيارة الرئيس السادات والاطلاع على قراره بشأن الاتفاقية، فإذا كانت في صالح مصر والعرب، فنحن معه، وإن كانت عكس ذلك، فسوف يتم الحوار في كيفية معالجة الموقف، واقترح أن يكون الرؤساء الذين يذهبون إلى السادات، هم:
– الملك حسين
– الأمير فهد بن عبد العزيز
– والشيخ زايد
ولأن هناك قوى داخل هذا المؤتمر، لا تريد لمصر أن تبقى في صدارة العالم العربي، فقد تم تخصيص مستوى الوفد من الرؤساء وإلى درجة وزراء الخارجية، منهم وزير خارجية الإمارات أحمد خليفة السويدي وغيرهم، وحمّلوهم برسالة للرئيس السادات، وأثناء ذهابي إلى وزير خارجية الإمارات لتوصيله إلى المطار كانت الإذاعات العربية تذيع نص الرسالة لإفشال المهمة، ولذلك عندما وصلوا إلى المطار بالقاهرة لم يجدوا أحدًا في استقبالهم، وقُضي على المهمة قبل أن تبدأ.
ومن بين الشهادات التي يجب توثيقها أيضًا، أن الشيخ زايد كان دائمًا يقول: إن مصر يجب ألا تتحمل المسئولية كاملة تجاه القضية الفلسطينية، لكن نحن ندعو إلى توحيد الصف الفلسطيني ونقف جميعًا خلفه، فهو كان يعتبر مصر المظلة الوحيدة للعالم العربي، وهي التي تقود الأمة العربية نحو التطور والرقي.
رحم الله حكيم العرب.. رحم الله الشيخ زايد.