الاتفاق الإطاري في السودان.. صفحة جديدة وتخطي للفرص الفائتة
رامي زهدي- خبير الشؤون الإفريقية
فات الكثر ومضت الفرص تلو الأخري نحو سودان قوي مستقر قادر علي أن يفي بإلتزاماته نحو شعبه ونحو العالم، لكن رغم ما ضاع من وقت وفرص وجهود، إلا أنه مازال في الأمر أمل، طالما أن التعويل في الأساس علي الشعب نفسه، الشعب السوداني الذي كافح وناضل عبر التاريخ من أجل وطنه، وتحمل ظروف صعبة سواء قبل او بعد ثورة التغيير السودانية.
الإتفاق الإطاري بين المجلس العسكري وبين قوي الحرية والتغيير وقوي مدنية أخري، يأتي أملاََ في إحلال قدراََ مناسباََ من الإستقرار السياسي ومايتبعه من إستقرار أمني وإقتصادي وبالتالي تحقيق سلام مجتمعي يوفر للشعب السوداني مبادئي الحياة الأساسية الكريمة كمرحلة أولي في طريق طويل نحو تحقيق تطلعات المواطن السوداني في دولته القوية العربية الإفريقية الشرق أوسطية ذات الأغلبية المسلمة والمسيحية كديانة ثانية، السودان دولة هامة، أمورها تهم العالم كله، وأمنها وإستقرارها يؤثر علي أمن وإستقرار المنطقة، الإقليم ثم العالم.
السودان يفتح صفحة جديدة مع توقيع مجلس السيادة الانتقالي وقوى سياسية “الاتفاق الإطاري” لإنهاء الأزمة في البلاد والمضي قدماََ نحو إصلاح جادي مؤثر في صميم قوام الدولة السودانية.
مدنية الحكم والدولة هو ما توافق عليه معظم القوي السياسية المؤثرة في المشهد السياسي في السودان، الحكم المدني هو ما يعتقد ويأمل فيه عدد غير قليل من أبناء الشعب السوداني، مع وجود ضمانة دون مشاركة من القوات المسلحة السودانية وهي مؤسسة عريقية لن تدخر أبداََ كل الجهد من أجل السودان، علي أن تتخلي تماماََ المؤسسة العسكرية عن السلطات الثلاث السيادية والتشريعية والتنفيذية، على أن ينشأ مجلس للأمن والدفاع من قادة القوات النظامية ويرأسه رئيس الوزراء المدني.
ويبقي أن يبرهن الجميع علي حسن نواياه، وإدراكه الحقيقي لأزمة السودان، دون الإلتفات للمصالح القبلية والفردية والفئوية، دعم مؤسسات الدولة السودانية، وتوفير غطاء عسكري لقوات عسكري متقدم مهمته الدفاع وحماية مقدرات الأمة، وقوات شرطية داخلية مهمتها ليست قمع او ظلم ولكن تنفيذ القانون وحماية المجتمع.
الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقع عن القوات المسلحة والفريق أول محمد حمدان دقلو عن قوات الدعم السريع بالإضافة للمكون المدني والتوافق علي أنه
لا سلطة اعتقال أو احتجاز لغير الأجهزة المختصة وفي أطار سيادة القانون، نحو عهد جديد يؤسس للديمقراطية الحقيقة والعدالة المجتمعية، وأنه لا إقصاء سياسي او مجتمعي او عرقي، ودستور قوي يضمن حرية وحقوق المواطن السوداني ويحمي مكتسبات وأمن وإستقرار الدولة السودانية، الاتفاق الإطاري في السودان أيضا يحظر أي تشكيلات مسلحة خارج إطار القانون والدولة ويساهم في تقوية مؤسسات الدولة الرسمية
وتم التوافق علي الفترة الانتقالية لمدة 24 شهرا تبدأ من تاريخ اختيار رئيس الوزراء، وأن رئيس الوزراء يعين المفوضات المستقلة، و يتم تعيين الحكومات الإقليمية بالتشار مع القوى الموقعة على الإعلان السياسي والبعد كلما أمكن عن المجاملات والإنتماءات القبيلة والعرقية.
الاتفاق الإطاري في السودان يتحدث عن إطلاق عملية شاملة لصياغة الدستور الجديد بإشراف مفوضية صياغة الدستور، والعمل سريعاََ علي وقف التدهور الاقتصادي وفق منهج تنموي شامل يراعي الفقراء والمهمشين، والقري والنقاط الأكثر ضعفاََ وفقراََ.
الإتفاق يأتي تتويجا لجولات من الحوار رعتها الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة “إيجاد” الإقليمية.
وفي الخرطوم وتحديدا في القصر الرئاسي تم توقيع الاتفاق الإطاري بمشاركة دولية تشمل ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وسفراء الدول الصديقة للسودان، فضلا عن قوى غير منضوية تحت “قوى الحرية والتغيير”، لكنها داعمة لاستئناف المرحلة الانتقالية.
التوقيع علي الإتفاق تم بحضور قادة مجلس السيادة السوداني، وممثلي الآلية الثلاثية، ممثلون عن الاتحاد الأوروبية، والدول الضامنة، في إطار ما يسمى الآلية الرباعية التي تضم الإمارات والسعودية، والولايات المتحدة وبريطانيا.
وسبق التوقيع مؤشرات إيجابية هامة سواء من المكون المدني والجبهات الثورية المتعددة، ومن رؤوس القبائل والعشائر والجماعات المختلفة، وكذلك من المجلس العسكري وقوات الدعم السريع.
ويعود مسار الاتفاق الإطاري إلى يوليو، حين حصل اتفاق مبدئي بين المكون العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير برعاية الآليتين الرباعية، والثلاثية، عبر لجنة رباعية مكونة من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والسعودية والإمارات، وبدعم أيضاً من الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد”.
وإتخذت عملية التفاوض مسارات متعثرة أحياناََ ومنتظمة قوية في أحيان أخري لكنه في النهاية تم التوصل إلي توافقاََ ما، كان داعماََ قوياََ للوصول لمشهد التوقيع النهائي علي الإتفاق الإطاري اليوم ليصبح بداية طريق الإصلاح، الطريق المحفوف بالنوايا الطيبة ولكن دائما يجب أن يدرك الجميع أن النوايا الحسنة والطيبة يجب أن تدعمها الأعمال الصالح إحترام المسؤولية.
ينتظر بعد التوقيع الإنخراط في المرحلة الثانية من خارطة الطريق لإستكمال تفاصيل قضايا متعددة مع توسيع إطار الاتفاق لتشارك فيه قوى أخرى سبيلا إلى الاتفاق على دستور انتقالي، وبناء مؤسسات السلطة الانتقالية، وذلك ضمن حيز زمني لا يتجاوز أسابيع قليلة، رغم مايبدوا من صعوبة تضيق المدة الزمنية بهذا الشكل، إلا أن الإرادة القوية السودانية لو قررت تخطي حاجز المدي الزمني الضيق فإنها سوف تستطيع بالتأكيد تحقيق المستهدف.
أخيراََ، الجميع يتمني كل الخير للسودان، الأمن والإستقرار في السودان يؤشر لإستقرار وأمن المنطقة، وإنسانياََ الشعب السوداني يستحق وبشدة أن يكون في وضع أفضل مما هو فيه سابقاََ والأن.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب