رأي

أكرم بركات يكتب.. ما المطلوب الآن لحل الأزمات الموجودة بالشرق الأوسط؟

أكرم بركات ما المطلوب الآن لحل الأزمات الموجودة بالشرق الأوسط؟

تشهد عدّة دول في الشرق الأوسط أو على الأرجح معظم دول الشرق الأوسط وحتى الآسيوية ومنذ عقود أزمة حقيقية، وهذه الازمات ظهرت نتيجة الأنظمة الحاكمة المستبدة التي تهمش المجتمع ودوره الفعال، وهذه الازمات وصلت لأوجها في العقد الفائت، عقب ثورات الربيع العربي التي ظهرت والتي طالبت بالعدالة والمساوة والحقوق المشروعة، والحرية والكرامة، إلا أن الثوار لم يكن لديهم مشروع حقيقي، لذلك تفاقما الأزمات نتيجة تعنت الأنظمة الحاكمة بمقاليد السلطة ومجابهة الثورات بيد من حديد، بالإضافة لفتح الأبواب أمام التدخلات الخارجية، ليبيا واليمن وسوريا والعراق خير مثال حي على ذلك.

التدخلات الخارجية في الدول التي شهدت الثورات لم تكن من أجل نصرة الشعوب بل من أجل مصالحها وغاياتها، وعلى راسهم الدولة التركية التي احتلت أجزاءً من الأراضي السورية وغيرت ديمغرافيتها، ومن ثم التدخل في ليبيا وارسال مجموعات مرتزقة جندتهم أثناء تدخلها في سوريا، وإيران التي تدخلت بشكل مباشر في كل من سوريا واليمن، أما العراق فتحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الغربية وعلى راسهم أمريكيا وليبيا،  وساهمت هذه التدخلات بشكلٍ مباشر أو غير مباشر على ظهور حركات جهادية متطرفة خرجت من رحم الاخوان المسلمين كتنظيم جبهة النصرة واحرار الشام، وحركة انصار الجهاد، وداعش، أنصار بيت المقدس، وتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، وحركة الشباب المجاهدين في الصومال، وجماعة بوكو حرام في نيجيريا، جماعة “أبو سياف” في الفلبين، والحزب الإسلامي التركستاني في إقليم شينجيانغ الصيني، والقاعدة بلاد المغرب العربي، وأنصار الإسلام في إقليم كردستان العراق، وأنصار الشريعة في ليبيا، وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا بزعامة أبو مصعب البرناوي.

إن الأزمة المتفاقمة الآن في الشرق الأوسط، والعالم هي نتيجة النظام السلطوي، الذي يتحكم بكافة مقاليد الحكم في الدول، والمبني على اللون الواحد، واللغة الواحدة، ووصل به إلى تمجيد الشخص أي الرئيس كإله، والنظام البدلي والكفيل بحل الأزمات المتفاقمة هو النظام الديمقراطي والمتمثل بالإدارة الذاتية الديمقراطية التي عمادها الأساسية الكومين، أصغر خلية في المجتمع.

ويصف القائد عبد الله أوجلان نظام المدنية المركزي (النظام السلطوي) في مرافعته باسم مانيفستو الحضارة الديمقراطية بالقول: “مع ولادة نظام المدنية المركزية والذي يمكن اعتباره أداة حرب والبنى المهترئة واللا إنسانية، تطورت الصراعات وبكثافة أيدلوجيًا وعسكريًا وإداريًا فيما بين الحضارة الديمقراطية والتي تعبر عن قوى المجتمع الكومونالي والأخلاقي والسياسي، وبين المدينة المتمحورة حول احتكار رأس المال والدولة المتأسسة على الغنائم وسلب عمل وجهد العبيد في المدينة، ونهب القبائل والقرى في الريف، هذا فضلًا عن الحروب الدائمة بين حكام المدينة أنفسهم حول تقاسم الحصص”.

وها لا بد لنا من تعريف الكومين فهي بمعناه الضيق هو مشاركة كافة شرائح المجتمع باتخاذ القرار، من أجل خلق إرادة حرة وديمقراطية تتميز بالمساوة والعدالة. ويحافظ ايضًا على قيم المجتمع الطبيعي، الذي يحاول النظام السلطوي صهره للحفاظ على بقاه، وعبر الكومين يتمكن المجتمع من تنظيم نفسه من كافة الجوانب. والحفاظ على قيمه الثقافية واللغوية والدينية والأثنية، والتأكيد على وجوده ايضاً.

والمصطلح اللغوي للكومين في اللغة الآرية يعني التجمع أو المجمع، وفي اللغة الكردية التي تعتبر أصل هذه الكلمة فتعني الجمع، كما ويعتبر الكومين أول تجمع بشري في التاريخ يعود تاريخه إلى ما يقارب 10 – 11 ألف سنة أي إلى المرحلة الكلانية المشاعية من عمر الانسان.

ويُعد الكومين أحد أهم النماذج الاجتماعية الحياة على الإطلاق منذ القدم، لأنه نُظم بموجب حياة طبيعية وعفوية، وهي الوحدة الأساسية التي تستند عليها الأمة الديمقراطية المستندة إلى القاعدة الشعبية، وهي عكس نظام الدولة تمامًا التي تنظم نفسها من الأعلى إلى الأسفل.

والكومين القاعدة التنظيمية الأساسية التي يتم تنظيم كافة الفئات الشعبية ضمن صفوفها وهي أصغر خلية تنظيمية مجتمعية ضمن نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية. وعبر الكومين يمارس كافة افراد وشرائح المجتمع حقهم بالمشاركة في العملية الديمقراطية المباشرة في المجتمع.

كما أن من أهم سيمات وخصائص الكومين أنه عبر عن تحالف بين صفوف الجماهير الشعبية في منطقة معينة لممارسة فعالياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحماية، وعبره يمكن مواجهة الوقائع والأحداث الجارية ووضع السياسية الخاصة بهم بما لا يخالف مبادئ وقيم واسس النظام الديمقراطي.

ويعرف الباحث والمثقف حسين شاويش الكومين بأنها حالة المجتمع الطبيعية الديمقراطية، وأشار إلى: “عندما نتحدث عن الأمة الديمقراطية أو الإدارة الذاتية الديمقراطية فإننا نقصد بذلك العودة إلى حالة المجتمع الطبيعي، فنحن لا نبني المجتمع من جديد بل نحييه ونعيده إلى وضعه الطبيعي، لأنه خرج من طبيعته تحت سياسات وسلطة الدولة، فالكومين هو تفاعل بين أفراد الكومين الواحد”.

ويؤكد القائد عبد الله أوجلان أن نظام المدينة المركزية سعى دائمًا لفرض هيمنته وتسلطه على المجتمع، ولكنه واجه مقاومة عميقة عبر التاريخ من قبل المجتمع الكومونالي للحفاظ على قميه الإنسانية، وخير مثال على ذلك مجتمع شمال وشرق سوريا الذي اتخذ من نظام الإدارة الذاتية التي نواته الأساسية الكومين، حيث تعرض منذ بداية ثورة 12 تموز 2012 وإلى يومنا الراهن لهجمات مستمرة من قبل الأنظمة المركزية، كالنظام التركي الذي دعم تنظيم احرار الشام ومن بعدهم تنظيم مرتزقة جبهة النصرة، ومن ثم داعش المصنفين على لوائح الإرهاب العالمي، ومؤخرًا جمع بقايا هؤلاء المرتزقة ضمن ما يسمى بالـ “الجيش الوطني السوري”.

وبذل أبناء شمال وشرق سوريا مقاومة عظيمة بوجه هذا النظام (نظام المدينة المركزية)، ومن إحدى ملاحم مقاومة مجتمع شمال وشرق سوريا هو مقاومة كوباني بوجه تنظيم داعش، هذه المقاومة وصلت صداها لكافة اصقاع العالم. ومن ثم دحر داعش في عاصمة المزعوم في مدينة الرقة 2017، ودحرهم جغرافيًا في أذار 2019 في آخر معاقله في بلدة الباغوز، والتصدي للهجوم الأعنف له منذ دحرهم جغرافياً على سجن الصناعة في حي الغويران بمدينة الحسكة في 20 كانون الثاني 2022.

بالعودة إلى المفهوم التنظيم للإدارة الذاتية الديمقراطية فأنه يتجاوز المفهوم التقليدي الضيق لتنظيم المجموعات السياسية، بل يهدف إلى تنظيم المجتمع بكافة فئاته دون النظر إلى ميولهم السياسية ومشاربهم الإيديولوجية، وترتكز العملية التنظيمية في الإدارة الذاتية على قاعدتين أساسيتين، وهما: أولاً، تنظيم الكومونة في القرى والأحياء. وثانياً، بناء مؤسسات شعبية ديمقراطية.

أما بالنسبة للعلاقة بين الإدارة الذاتية وبين مؤسسات الدولة فهي علاقة جدلية، كلما كان تنظيم الإدارة الذاتية قوياً ومتيناً وواسعاً تتقلص سلطة مؤسسات الدولة. لذلك التطورات الحاصلة في الشرق الأوسط، والأزمات المتفاقمة وبشكل خاص في سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن بحاجة إلى نظام يلبي متطلبات كافة فئات وشرائح المجتمع بدءاً من الشبيبة والمرأة وصولاً على النخب المثقفة والسياسية والاجتماعية والعشائرية والقبلية ايضاً، ولربما النظام الأفضل والأمثل لحل الأزمات القائمة هو نظام الإدارة الذاتية، والسبب الرئيس لأن هذه دول يوجد ضمنه عدّة أثنيات وقوميات ومكونات وطوائف، وثانياً يمنع سيطرة فئة معينة على مقاليد الحكم، وثالث السلطة تكون بين عموم أبناء الشعب عبر نظام الديمقراطية المباشرة.

والأهم من كل ذلك أن نظام الإدارة الذاتية لا يلغي الآخر مهما كان توجه أو قوميته أو دينه، ولديه جوانب عدّة سياسياً يمكن تشكيل مجلس أو مؤتمر المجتمع الديمقراطي، يكون لكافة شرائح المجتمع ممثلين ضمنه، وضمن هيئاته الإدارية، قانونياً يحفظ حقوق كافة المكونات وشرائح المجتمع ضمن العقد الاجتماعي، اقتصادياً يتم بناء سياسية اقتصادية ديمقراطية مبني على أساس الاقتصاد الشعبي، ثقافياً يحفظ نظام الإدارة الذاتية على للغة كافة المكونات ويمنحهم حق التعلم بلغتهم الام وممارسة طقوسهم الدينية والعقائدية والاجتماعية. والاهم هو جانب الحماية حيث إن منظومة الحماية في الإدارة الذاتية تعتمد على حماية كافة المكونات والاثنيات ليس فقط من جانب الحماية الجسدية فقط بل من جانب الحماية الثقافية والتاريخية.

ويمكننا أن نرى جلياً أهمية نظام الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، حيث نظمت كافة المكونات وشرائح المجتمع أنفسهم وفق أسس تحفظ قيمهم ووجودهم وثقافتهم ولغتهم، وتمكنوا عبر التحالف الذي يمكننا وصفه بتحالف المكونات (الكرد والعرب والسريان والاشور والآرمن) من صد كافة الهجمات التي تعرضت لها المنطقة أن كانت عسكرية أو سياسية او اقتصادية.

يمكن أن يستفاد عموم الشعب العربي وشعوب شرق الأوسط من تجربة الإدارة الذاتية في حل المعضلات العالقة، وإزالة الاحتقان الطائفي والمذهبي والديني والقومي الذي زرعه الأنظمة الأحادية الحاكمة بين شعوب شرق الأوسط.

بعد ان تناولنا موضوع أكرم بركات ما المطلوب الآن لحل الأزمات الموجودة بالشرق الأوسط؟ يمكنك قراءة ايضا

علي عمر التكبالي يكتب.. الوقوف بين الراوي والمدعي

عوض محمد عوض يكتب: لا تخدعكم قبلة الدبيبة!!

يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى