تاريخ مصر وتونس كان متشابهاً والأحداث متقاربة، فكلتا الدولتين ملهمة للأخرى، ونضال كل شعب يشبه الشرارة التي تنتقل سريعاً إلى الشعب الآخر. وإذا رجعنا للوراء، نرى أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تلقى دعوة لزيارة تونس، وحظي باستقبال شعبي كبير، تقديراً لدعم مصر لنضال الشعب التونسي، ولموقف مصر التي كانت أسرع الدول في الاعتراف باستقلال تونس.
كما تدل الشوارع العديدة في تونس حاملة أسماء مصرية على العلاقات الوطيدة بين البلدين وبين الشعبين، فبعض الشوارع تسمى القاهرة والإسكندرية وبورسعيد أو بأسماء أدباء وفنانين كطه حسين وأم كلثوم وعبدالوهاب وكذلك اسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
وتطورت العلاقات المصرية التونسية في عهد الرئيس أنور السادات، حيث شاركت تونس في حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، وشاركت أيضاً في حرب أكتوبر 1973، كما اتسمت العلاقات السياسية بين مصر وتونس بعد ذلك بالتفاهم، وانعكس هذا في المواقف المتقاربة التي تتبناها الدولتان تجاه مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، كما حرصت الدولتان الشقيقتان على التشاور وتنسيق المواقف في مختلف المحافل الدولية والإقليمية بما يحقق مصالحهما المشتركة.
وفي أواخر عام 2010 ومطلع عام 2011 اندلعت موجة من الثورات والاحتجاجات الشعبية في مختلف أنحاء الوطن العربي، وكان للثورة التونسية أثر كبير في اندلاع ثورة 25 يناير 2011 في مصر. وقد شهدت العلاقات المصرية التونسية تطورات هامة وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب، بعد نجاح ثورة 30 يونيو وانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيساً لمصر.
وتتنوع العلاقات بين مصر وتونس على الصعيد السياسي والاقتصادي والصعيد الإعلامي والثقافي.
أولا: العلاقات السياسية بين مصر وتونس
تتضح العلاقات السياسية المشتركة بين مصر وتونس من خلال التنسيق والتعاون بين الدولتين الشقيقتين لصالح الأمة العربية والإسلامية والقارة الإفريقية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية كما ذكرنا سابقاً، وغيرها من الملفات والقضايا، كملف سوريا وليبيا واليمن ومواجهة التطرف، حيث تهتم الدولتان بالأزمة الليبية وتطورات الأوضاع بها باعتبارهما دولتي جوار، ولقد وقعت مصر وتونس والجزائر على إعلان تونس الوزاري لدعم التسوية السياسية في ليبيا في عام 2017.
ولا يمكن إغفال التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب، حيث انعقدت لجنة مصرية تونسية مشتركة برئاسة رئيس الوزراء، في ذلك الوقت، المهندس إبراهيم محلب ونظيره التونسي في عام 2015 في تونس، وذلك من أجل توطيد التعاون المشترك بين مصر وتونس.
كما تعاونت مصر وتونس فيما يتعلق بقضية إجلاء المصريين العالقين على الحدود الليبية التونسية عام 2014، ونجحتا في إجلاء المصريين العالقين الذين كان عددهم 100 ألف مصري، وذلك بطريقة آمنة بعد توفير جسر جوي وبحري، وهو ما يؤكد على عمق العلاقات بين الدولتين المصرية والتونسية.
ثانياً: العلاقات الاقتصادية
تبرز العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الموقعة بين البلدين، وأهمها اتفاقية تيسير التبادل التجاري بين مصر والدول العربية واتفاقية أغادير بين مصر وتونس والمغرب والأردن الموقعة عام 2004، واتفاقية التبادل التجاري الحر بين مصر وتونس، وكذلك العديد من الاتفاقيات الأخرى مثل منع الازدواج الضريبي وتشجيع الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والصناعي.
وتعتبر المنتجات البترولية من أهم صادرات مصر لتونس وتحتل المرتبة الأولى، ثم تأتي الأقمشة القطنية والسلع الغذائية والحديد والصلب والأجهزة الكهربائية والمصنوعات البلاستيكية والزجاجية. أما تونس فتأتي المنتجات الكيماوية في المكانة الأولى كأهم الصادرات التونسية لمصر وتأتي بعد ذلك لوازم السيارات والجرارات والمنتجات الورقية والأجهزة الكهربائية وحديد الصلب والمنتجات الخزفية.
ثالثاً: العلاقات السياحية
تعتبر السياحة أحد مقومات الدخل القومي لكل من مصر وتونس بما يمتلكانه من مقومات سياحية ومنها البنية الأساسية من طرق ومطارات وخدمات في مجال الفنادق والسياحة والطيران بشكل عام. ويرتبط السائح التونسي بمصر من خلال الدراما المصرية التي يعشقها التوانسة وعشقه للأماكن السياحية في مصر كنهر النيل والأقصر وأسوان والإسكندرية وغيرها من الأماكن الكثيرة الشهيرة في مصر، كما تتوافر في تونس جميع مقومات الجذب السياحي للمصريين وغيرهم، حيث يجد السائح ما يريد، فإلى جانب شواطئها التي يبلغ طولها 1200كم على مياه البحر الأبيض المتوسط والمجهزة بمرافق وخدمات سياحية متطورة هناك كالمقصد الثقافي السياحي ممثلاً بكنوز من التراث والآثار والمتاحف تعكس كلها تواتر حضارات عريقة شهدتها تونس منذ فجر التاريخ.
كما تعتبر المشاركات الرياضية المتبادلة بين الفريقين سواء على مستوى المنتخبات أو الفرق الرياضية من أنواع الترويج السياحي المشترك بين البلدين حيث يزحف مواطنو البلدين وراء فرقهم للتشجيع وقضاء أيام للسياحة في القاهرة وتونس.
رابعاً: العلاقات الثقافية
ومن أهم وأبرز الأمثلة على متانة العلاقات الثقافية بين مصر وتونس انتقال بعض المثقفين والمبدعين التونسيين إلى مصر وبعض المصريين إلى تونس، في إطار حرية الحركة والانتقال بين البلدين الشقيقين ومن أمثلة هؤلاء يظهر الشاعر بيرم التونسي المؤسس الحقيقي لشعر العامية المصرية الحديثة ودوره في تطوير الأغنية المصرية والعربية والتي غنت بها أم كلثوم وعديد من المطربات والمطربين المصريين.
كما انتشرت مجلة المنار المصرية لمحمد رشيد رضا في تونس انتشارا واسعا، بل إن بعض المصلحين التونسيين والسياسيين كانوا يكتبون ويراسلون الصحف المصرية، فضلاً عن زيارات الفرق المسرحية المصرية لتونس لتقديم عروضها هناك، كما منحت جامعة القاهرة الدكتوراه الفخرية لأحد علماء تونس وهو الدكتور حسن حسني عبدالوهاب عام 1950 وهو كان أحد أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
ومما لا شك فيه فإن العلاقات الثقافية بين مصر وتونس حالياً تشهد نمواً وازدهاراً، حيث تشجع الدولتان الإبداع وتبادل الفرق والزيارات على مدار العام في مختلف مجالات الفنون والسينما والمسرح والموسيقى والطرب والأدب والشعر، فالثقافة المصرية لها باع طويل في تونس ولها محبوها، وتحرص مصر دائماً على المشاركة في جميع المهرجانات التونسية مثل مهرجان قرطاج السينمائي ومعرض الكتاب الدولي بتونس.
وفى الختام، فإن مصير كل من مصر وتونس مرتبط بعضهما ببعض، ففي ستينيات القرن التاسع عشر ظهر أول دستور تونسي وفيها تشكل أول برلمان مصري، وفي عام 1881 استولى الفرنسيون على تونس، وفي العام التالي استولى البريطانيون على مصر، فكما اتحد مصير البلدين في القرن التاسع عشر، اتحد مصيرهما في القرن العشرين، ففي خمسينيات القرن العشرين رحل البريطانيون عن مصر، وفيها رحل الفرنسيون عن تونس، وفى يناير 2011 اشتعلت الثورة التونسية وبعد ذلك بأيام اشتعلت الثورة المصرية، وقد لعبت الثقافة في هذه الأحداث الدور الأول.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب