تقع مدينة وارزازات (600 كلم جنوب العاصمة الرباط)، بين واحتي دادس ودرعة، على سفوح جبال الأطلس الكبير، وخلف طريق جبلية ملتوية تمتد على طول 190 كيلومترا، وهي اسم مركب من كلمتين أمازيغيتين هي (وار) و(زازات) وتعني باللغة الأمازيغية (بدون ضجيج)، اشتهرت إلى جانب مؤهلاتها الطبيعية وإنتاجها لأجود أنواع التمور والحناء والزعفران والورد البلدي، بالصناعة السينمائية، ولم تلقب بهوليود إفريقيا اعتباطا، بل لأنها استضافت أعمالا سينمائية ضخمة عربية ودولية منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى الآن، عرفت مشاركة منتجين ومخرجين وممثلين كبار.
ومن هؤلاء السينمائي الكبير ألفريد هيتشكوك، والممثل العالمي جان بول بلموندو، ومارتن سكورسيزي، وجاكي شان، وريدلي سكوت، وجان كلود فان دام، وسيرجيو ليوني، وديفيد لين، وأنتوني كوين، وعمر الشريف، وأنا كارينا، وأنتونيو فيلار، وجان لوك غودار، وبيرناردو برتولوتشي، ولينو فونتيرا، وجون هوستون، وشين كونري، وداستن هوفمان، وايزابيل أدجاني، وروجي مور، ومايكل دوغلاس، وتيموثي دالتون، تضم معلمين كبيرين، هما الأكبر في العالم، إستوديو تصوير طبيعي ومحطة للطاقة الشمسية، وهي محطة “نور” التي استهوت الممثل الأمريكي (ليوناردو دي كابريو)، بطل فيلم “تيتانيك” ونشر على حسابه في موقع أنستغرام صورة لها ملتقطة من الفضاء، قائلا في تعليقه “هذه المحطة الشمسية موجودة في المغرب، إنها ضخمة جدا لدرجة يمكن رؤيتها من الفضاء”.
قوافل تجارية
المتجول في دروب وأزقة هذه المدينة الهادئة يشد انتباهه ذلك التعدد والتنوع في الأشكال الهندسية لبناياتها القديمة، وبصفة خاصة جدران وأبواب القصور، ومن أبرزها قصر آيت بن حدو، الذي يعد واحدا من أفضل الأمثلة الحاضرة للهندسة المغربية في القرون الوسطى، وقد تم إدراجه كأحد مواقع التراث العالمي لليونيسكو منذ عام 1987، يتميز ببنائه الضخم، وهندسته الفريدة، يتميز أيضا بموقعه، حيث تحيط به أشجار اللوز، ما يزيد من سحر إطلالته الخلابة، وهو ما يشير إلى أن ثمة زخما كبيرا من التراث الفني والشفوي لسكان المنطقة والممثل بمجموعات أحواش تاوريرت وتيفولتوت وسيدي داود وادلسان وتلوات والملحون بسكورة وفنون الهرامي والريلة والهرمة وعيساوة وكناوة وغيرها كثير، بالإضافة إلى المواسم بكل من سيدي داود وغسات وسكورة وتيديلي ومهرجان الورود بقلعة مكونة.
اقرأ أيضا: د. عبدالرحمان الأشعاري يكتب.. السويد والمصحف الشريف وحرية التعبير
والمدينة تناولها المؤرخون لأول مرة في القرن السادس الهجري، وتحديدا في عهد حكم السعديين بكونها ملتقى ومنطقة عبور آمنة للقوافل التجارية القادمة من الشمال والمتجهة نحو العمق الإفريقي، الأمر الذي جعـــل مـنها همزة وصل بين شمال وجــــنوب إفريقيا، وجعلها بالتالي علامة ستبقى شاهدة على ازدهار الحـــــركة التجارية بين المغـــرب الأقصى والساحل الإفريقي في حقبة زمنية معينة.
ومع بداية القرن العشرين وتحديدا إبان دخول الاستعمارين الإسباني والفرنسي للمغرب، سجلت منطقة وارزازات إلى جانب باقي المناطق المغربية الأخرى حضورها القوي في الدفاع عن حوزة الوطن وقامت بمهمتها أحسن قيام من أجل إجلاء القوات الاستعمارية، تجسد ذلك في معركة “بوغافر”، التي تعد من أبرز الملاحم البطولية التي قادها الشعب المغربي.
وبعد حصول المغرب على استقلاله حظيت المدينة بزيارة ملكية تاريخية، كان ذلك خلال العام 1958م، حيث أعطى حينها جلالة الملك الراحل محمد الخامس رحمة الله عليه، الانطلاقة الفعلية لعملية البناء والتشييد المستوحاة من مقولته الشهيرة “خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”.
وقد توجت هذه العملية ببناء أكبر سد في المحافظة ويتعلق الأمر بسد المنصور الذهبي، الذي شيد على وادي درعة، وهو ما ساعد بعد ذلك على تحويل مدينة وارزازات إلى قطب حضري واسع وكبير.
ألف قصبة وقصبة
تعتبر مدينة وارزازات بحق مدينة المتناقضات، إذ تضم في الآن نفسه، الثلوج التي تكسو قممها الجبلية، والكثبان الرملية، والفيافي الجرداء من جهة، ومن جهة ثانية الواحات الخضراء، والأودية والمنابع الصافية الرقراقة التي لا ينضب معينها، وأرض زراعية معطاء تنبت النخيل والحناء والزعفران الحر والورد البلدي، وهي منتجات فلاحية تكاد تكون خاصة بهذه المنطقة دون غيرها، وهي تستحق لقب عاصمة القصبات العالمية على اعتبار أنها مدينة الألف قصبة وقصبة، ومن أشهر هذه القصبات قصبة تاوريرت الشامخة وايت بن حدو وامريديل وتلوات وتيفولتوت.
وارزازات تحتضن إلى جانب ذلك معالم أخرى تزيدها رونقا وجمالا، وتتمثل هذه المعالم في واحة فينت الخضراء، التي تقع جنوب المدينة، وهي واحة تعتبر من المناطق السياحية المهمة، نظرا لاحتوائها على طبيعة خلابة، قصبة تاوريت، المعلمة التي تعرف بها محافظة وارزازات، والمبنية بمادتي الطين والتبن، وتمتاز بهندستها وتصاميمها الرائعة، قصر أيت بن حدو، وهو تجمع من البنايات الجميلة التي تنتمي في طرازها المعماري إلى الطراز التقليدي الرائع، حيث بني من الطين، ويمتاز بسوره، وأبراجه، وقوة بنائه، قصبة أمريديل، يرجع تاريخ هذه القصبة إلى القرن السابع عشر الميلادي، وهي واحدة من أكثر المعالم تميزا في منطقتها، كونها كانت من الأماكن التي تم فيها تصوير العديد من الأفلام السينمائية المهمة، إستوديو أطلس السينمائي: يبعد هذا الأستوديو قرابة خمسة كيلومترات عن المدينة، ويعد واحدا من أفضل إستوديوهات الفن السابع العالمية، وبالتالي الوجهة لمفضلة للعديد من المنتجين والممثلين والمخرجين السينمائيين من مختلف أرجاء المعمور.
وقد حول هذا التميز المتنوع في الهندسة الطبيعية والتاريخية والفلكلورية والمعمارية، هذه المدينة إلى وجهة وقبلة للسياح من مختلف بقاع العالم، إذ استقطبت المدينة خلال العام 2018 وحده 250 ألف و846 سائحا، وتحتل فرنسا صدارة الأسواق المصدرة للسياح، يليها السياح القادمون من الصين، ثم السياح الإسبان الذين يبلغ عددهم 22 ألفا و460 سائحا، فالسياح القادمون من إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وهولندا، والدانمارك والنرويج والسويد واليابان وغيرها.
هوليود إفريقيا
يطلق على وارزازات أيضا اسم هوليوود إفريقيا، وذلك لتنوع تضاريسها وتوفرها على أكبر إستوديو سينمائي طبيعي في العالم يشتغل بمقاييس دولية ويستجيب لمتطلبات وطموحات الممثلين والمخرجين السينمائيين العالميين.
وقد عاشت المنطقة قبل أكثر من 100 عام، تفاصيل تصوير أول فيلم سينمائي في المغرب وكان بعنوان “لوشيفريي ماروكان” (راعي الماعز المغربي) الذي أنتجه مؤسس الفن السينمائي، الفرنسي لويس لوميير عام 1897، وكان هذا الفيلم من بين أولى التجارب السينمائية في العالم، وفي العام 1922 استضافت وارزازات فريق تصوير فرنسيا بقيادة المخرج لويتز مورا، الذي صور شريط “الدم”، تلاه فريق ثان بقيادة المخرج فرانز توسان الذي صور “إن شاء الله”.
بعد ذلك تقاطر على إستديوهات المدينة مخرجو بلدان أخرى من القارتين الأوروبية والأمريكية، بحيث شهد العام 1927، تصوير الشريط الألماني “عندما تعود السنونو إلى أعشاشها” لجيمس بوير، وفي العام 1930م تم تصوير أول فيلم أمريكي يحمل عنوان “قلوب محترقة” لجوزيف فون ستيرنبيرغ، وهو من بطولة مارلين ديتريش وغاري كوبر، ثم جاء بعد ذلك دور السينما البريطانية ممثلة في فيلم “قافلة الصحراء”، الذي تم تصويره بالمدينة خلال العام 1938م من طرف المخرج السينمائي “ثورتون فريلاند”.
ومباشرة بعد الحرب العالمية الثانية عرفت إستديوهات وارزازات مرحلة أخرى أكثر دينامية، بحيث ارتفعت نسبة إقبال السينمائيين العالميين على المدينة، وبذلك استضافت وارزازات أفلاما فرنسية وأمريكية وإسبانية وإيطالية وهولندية وسويدية وبلجيكية، بل وحتى أفلاما من الهند وكوريا الجنوبية وروسيا وجنوب إفريقيا وكوبا والبرازيل والأرجنتين.
وحظيت الأفلام التاريخية على النصيب الأوفر بسبب الطبيعة الجغرافية والإضاءة الطبيعية وطريقة بناء القصبات والأبراج، هذه الأعمال تتطلب إمكانيات كبيرة أحيانا، ففيلم ريدلي سكوت (كلادياتور) بلغت تكاليفه عشرة ملايين دولار، ودام التصوير خمسة أشهر تقريبا، وحاز هذا الشريط خمس جوائز أوسكار.
أما فيلم مملكة السماء أو (مملكة الجنة) للمخرج نفسه فقد تطلب الأمر عشرة أشهر من العمل والبناء، وساهم في التمثيل أكثر من ألف كومبارس، شارك في الفيلم السوري غسان مسعود والمصري خالد النبوي، ومن أشهر الأعمال التاريخية التي صورت: (المومياء، أوديب الملك، ألكسندر الأكبر، كلادياتور، مملكة السماء، رغبات المسيح الأخيرة، أستريكس وأوبليكس، كليوباترا، كوندون، طروادة، أعظم رحلات ابن بطوطة)..
وبالنسبة للأعمال العربية سواء التلفزيونية أو السينمائية نذكر على سبيل المثال لا الحصر (فيلم الرسالة، وصلاح الدين الأيوبي، ومشاعل من نور، ومسلسل الفرسان وهولاكو وصقر قريش وربيع قرطبة).
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب