رأي

هل تعليق اتفاق تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود سيفجر أزمة غذاء عالمية؟

بقلم / هاني الجمل- الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية

“اتفاق تصدير الحبوب انتهى عمليا”.. بهذه الكلمات المقتضبة أعلن الكرملين تعليق العمل باتفاقية الحبوب عبر موانئ البحر الأسود، وهي مبادرة تحاول الحد من الأزمة الغذائية العالمية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية.

وتهدف مبادرة حبوب البحر الأسود التي وقعتها روسيا وأوكرانيا في يوليو من العام 2022 برعاية تركيا والأمم المتحدة للتخفيف من خطر المجاعة في العالم من خلال ضمان تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية، وقد تم تمديد الاتفاق عدة، مرات كانت كل مدة تلامس 120 يوما، ولكن أمام التعنت الدولي في تصريف المنتجات الروسية خفضت روسيا مدة كل تجديد إلى 60 يوما، ومنذ ذلك الحين ساهم هذا الاتفاق في تسهيل تصدير أكثر من 32 مليار طن من الحبوب عبر الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود.

وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاتفاق بكونه “منارة أمل”، فضلا عن توسط تركيا في هذا الاتفاق الذي كانت الموانئ التركية محطة مهمة لتنفيذه، فضلا عن التدخل لدى روسيا للحفاظ على تمديده في كل مرة.

وتعود أهمية الاتفاق إلى موقع أوكرانيا في سوق الحبوب العالمي، إذ تعد واحدة من أكبر موردي الحبوب، حيث يعتمد ما يلامس 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الحبوب الأوكرانية، وذلك طبقا لأرقام برنامج الغذاء العالمي، وهنا كانت المخاوف العالمية من شبح المجاعة الذي قد يحدث عندما بدأت روسيا توغلها العسكري في أوكرانيا، وقد أعربت الكثير من دول العالم عن مخاوفها من وقوع مجاعة خاصة في البلدان الفقيرة في أفريقيا والشرق الأوسط وسط قلق متنام حيال نفاذ الوقت أمام إبعاد شبح أزمة مجاعة.

ووضعت الأطراف المعنية بالاتفاقية آلية تساهم في التصدير الآمن للحبوب من موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود وهي أوديسا وتشورنومورسك وبيفديني الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، مع وضع شرط أن تمر سفن الشحن عبر ممر بحري إنساني متفق عليه صوب إسطنبول، حيث يتم فحص السفن في طريقها من وإلى الموانئ الأوكرانية في قاعدة تركية من قبل فريق خاص من المفتشين يضم خبراء روسا وأتراكا وأوكرانيين ومن الأمم المتحدة حتى يتم التأكد من تنفيذ الشروط المسبق الاتفاق عليها.

وقد ساعدت الاتفاقية بجانب ما يُعرف بـ “ممرات التضامن الأوروبية” الداعمة للصادرات الأوكرانية في خفض أسعار المواد الغذائية واستقرارها، إذ جرى تصدير أكثر من 30 مليون طن من الحبوب ومنتجات غذائية أخرى منذ توقيع الاتفاقية وحتى الشهر المنصرم.

وتعد الدول الفقيرة المستفيد الأكبر من ذلك حيث تم شحن حوالي 64 ٪ من القمح إلى البلدان النامية، في حين تم تصدير الذرة بشكل متساوٍ تقريبا بين البلدان المتقدمة والنامية، وذلك طبقا للتقارير التي أصدرتها الدول الكبرى المنتفعة من الاتفاق والداعمة لأوكرانيا، في حين أن الواقع الحقيقي كان مغايرا لذلك.

ولكن ما الأسباب التي دعت روسيا لتعليق تجديد الاتفاق؟

على الرغم من انصياع روسيا للمطالب الدولية بتصدير الحبوب الأوكرانية حتى لا تصاب بالعفن إلا أن روسيا اشترطت تسهيل تجارتها من الأسمدة الزراعية، ففي الوقت الذي يعمل فريقان من فرق العمل التابعة للأمم المتحدة على ضمان شحن الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود لكنهما لا يعملان على تسهيل تصدير المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية إلى دول العالم جراء استمرار سريان العقوبات الغربية منذ بدء غزوها لأوكرانيا ضمن نفس الاتفاق، وهنا ظهرت العديد من الاعتراضات الروسية في كل وقت لتجديد الاتفاق، وهو ما لم يتم الالتفات إليه من قبل مسئولي الأمم المتحدة والدول الكبرى والتي وضعت يدها في كثير من المرات على هذه الشحنات الغذائية وحالت دون وصولها إلى الدول الأفريقية والشرق أوسطية، كما كان الهدف من الاتفاق، وقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوفد الوسطاء الأفارقة الأسبوع الماضي بأن الاتفاقية لم تحل المشاكل التي واجهتها البلدان الأفريقية جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، وقد أكد خلال هذا اللقاء أن 3 ٪ فقط من صادرات الحبوب الأوكرانية تذهب إلى البلدان الفقيرة، ولهذا تحركت روسيا بشكل منفصل من خلال إمداد هذه الدول بالشحنات الروسية عن طريق سلاسل الإمداد المباشرة كما حدث مع مصر، حيث استقبل ميناء دمياط في مصر للمرة الثانية خلال هذا العام سفينة  SABAEK  وهي محملة بأكبر شحنة من نوعها من القمح الروسي منذ عام شحنة تقدر بحوالي (100 ألف طن) من القمح لصالح الهيئة العامة للسلع التموينية، وذلك بعد أن قررت مصر الانسحاب من اتفاقية تجارة الحبوب الأممية التي وقعت عليها ضمن 35 دولة في عام 1995 من ضمنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي كانت مصر هي الدولة الأولى عالميا في استيراد الحبوب، ولكن على مدى هذه الأزمات الكثيرة لم يكن لاتفاقية تجارة الحبوب التابعة للأمم المتحدة أي أثر إيجابي، ورغم كون مصر أكبر المستوردين في العالم للقمح لم يكن للدول المشتركة ولا لمجلس الاتفاقية أي دور في محاولة السيطرة على الأسعار العالمية أو مساعدة مصر في مواجهة الأزمة الكبيرة التي تواجهها الآن، واكتفت هذه الدول بتوفير الحبوب لمواطنيها لمواجهة الأزمة الراهنة دون الاكتراث بالدول الفقيرة المستوردة. وهو ما حدا بنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين في تصريحات له بأن «مصر ستصبح مركزاً للحبوب الروسية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا».

لا سيما أنها تتوفر لديها الشروط اللازمة للوفاء بهذا الدور المحوري بداية من الصوامع التي زادت طاقتها من نحو 1.4 مليون طن في 2014 إلى 5.5 مليون طن راهناً، فضلا عن موقعها الجغرافي وشبكة الطرق التي تربطها بالقارة الأفريقية والدول الشرق أوسطية.

وفي ظل حالة الشد والجذب بين روسيا والدول الكبرى التي طالبتها بتمديد اتفاق تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود تحاول تركيا أن تلعب دور الوسيط النزيه في هذه الأزمة الغذائية العالمية التي قد تخلف وراءها شبح المجاعة لبعض الدول خاصة في ظل الصراعات الدائرة في السودان والتي تؤثر بشكل كبير على حركة التجارة مع دول الجوار فضلا عن تفجر أزمات المياه في القارة السمراء.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى