هاني الجمل يكتب.. الانتخابات التركية.. على من تطلق الرصاص؟
الكاتب باحث في الشؤون الإقليمية والدولية
في خضم الأحداث السياسية الساخنة التي يشهدها العالم تجري الانتخابات التركية سواء كانت على منصب الرئيس أو الانتخابات البرلمانية، وعند تحليل هذه الانتخابات يجب الأخذ في الاعتبار ثلاث نقاط هامة وهي التاريخ والجغرافيا والمنطق.
فالتاريخ يشهد على أن تركيا تدشن مائة عام جديدة بعد انتهاء مئوية أتاتورك العلمانية، ويطمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن يطل علينا من شرفة قصره بالزي العثماني ليدشن هذه الحقبة السياسية الجديدة التي أعتبرها “الحقبة الإردوغانية” إذا دانت له الأمور في تحقيق الفوز في هذه الانتخابات، فهو يتأذى من سطوة “أتاتورك” الذي استمر تأثيره على الحياة السياسية في تركيا حتى بعد وفاته بأكثر من ثمانين عاما، في حين تجد المعارضة التركية وممثل المائدة السداسية “كمال جليدار” الذي أطلقت عليه أمريكا لقب “غاندي تركيا” عندما توجه من إسطنبول إلى أنقرة سيرا على الأقدام رافضا سياسية إردوغان القمعية، يرى كليجدار أن الفرصة سانحة من أجل إزاحة إردوغان بعد حكم استمر عشرين عاما، شهدت فيها تركيا نوعا من الاختطاف السياسي عندما حول إردوغان نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، فضلا عن كشف تمثيلية الانقلاب المدبر حتى يتخلص من المؤسسة العسكرية التي كانت حصنا لحماية العلمانية فضلا عن تكميم الأفواه المعارضة له، سواء داخل حزبه أم خارجه.
أما الجغرافيا فتعد الجغرافيا السياسية التي تحيط بتركيا من العوامل الهامة التي قد تؤثر في اختيار الرئيس القادم، ويظهر هذا في الأزمة الأوكرانية الروسية ومحاولة إردوغان اللعب على جميع الحبال وكأنه لاعب أكروبات من أجل الاحتفاظ بالحسنيين قربه من القيصر الروسي وبيعه الأسلحة لأوكرانيا، فضلا عن مغازلة الغرب بدعمهم في هذه الحرب. بيد أن الحدود التركية السورية تعد الأهم، وذلك في ظل احتلال الشمال السوري بحجة الأمن القومي التركي في مواجهة السيولة الأمنية بسبب الثورة على نظام الأسد وتوطين العديد من الجماعات الإرهابية ذات الأجندات الخارجية، هذا بجانب المعضلة الكبرى، وهي القضاء على الانتفاضة الكردية، مستغلا تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية والمضي قدما في تضييق الخناق عليهم واستباحة أراضيهم وتراثهم الإنساني.
ولكن إردوغان فطن إلى مستقبل منطقة شرق المتوسط والنقلة النوعية التي تشهدها هذه المنطقة بعد إطلاق “منتدى غاز المتوسط” واختيار القاهرة مقرا له ليحاول أن يضع قدما في هذا المنتدى من خلال عودة العلاقات المتوترة مع مصر والتي انطوت على أكثر من عشر سنوات فضلا عن استغلال أزمة الزلزال في تركيا لتحسين العلاقات مع اليونان وقبرص والعمل على ترسيم الحدود البحرية معهم برعاية مصرية من أجل الانضمام لمنتدى الغاز.
وتبقى ليبيا شاهدا خاصا في هذه الجغرافيا السياسية وتغير الموقف التركي المتشدد بها خاصة في الغرب الليبي، وحتى الآن يبدو أن تركيا تواصل دعمها وتدريبها العسكري لـ “حكومة الوحدة الوطنية”، وقد يتم تقليص الاستثمارات الاقتصادية التركية في ليبيا مع بدء شركات البنية التحتية بالتركيز على إعادة الإعمار الداخلي بعد الزلزال، ولكن من المرجح أن تستمر معظم المصالح الاستراتيجية لأنقرة في الحفاظ على النفوذ الاقتصادي والأمني هناك.
أما المنطق في الانتخابات التركية فيتمثل في عدة نقاط ساخنة يشهدها الداخل التركي.
تحركات “إردوغان”
والذي أطلق حملته الانتخابية الجديدة بنفس الأسلوب الشعبوي القديم فهو يقاتل من أجل الاستمرار في الحياة السياسية بعد 20 عاما قضاها في الحكم معتمدا على نفس قواعد اللعبة السياسية التي يستخدمها منذ سنوات وهي الترويج لأنه الرجل القوي الذي تحتاجه تركيا، وقد ردد في اجتماع انتخابي في أنقرة نفس المزاعم القديمة وتعهد بمواجهة “الإمبرياليين” الأجانب الذين يُزعم أنهم يسعون إلى تقييد تركيا، وأكد أنه سيجعل البلاد قوة عالمية تحتفل هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيسها كجمهورية حديثة من خلال خفض التضخم مع تحفيز النمو، والتحدي الرئيسي حاليا هو إقناع عدد كاف من الناخبين المترددين والجدد، وللفوز بالانتخابات يجب على إردوغان حسم بعض الدوائر الانتخابية الهامة وإرضاء حوالي 6.7 مليون ناخب ولدوا بعد عام 2000، وسيصوتون لأول مرة ولم يشاهدوا الحياة في تركيا قبل تولي إردوغان الحكم وبعده، فهم من ولدوا في ظل حكمه والذي انتابه العديد من الأزمات القمعية السياسية والإعلامية على السواء، وهو ما دفع هؤلاء الشباب إلى تحقيق حلم الهجرة من تركيا للدول الأوروبية المجاورة.
المعارضة التركية
تعتمد المعارضة على ركائز ثلاث: الأولى هي الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية أما الثانية فهي منع إردوغان من الفوز بالجولة الأولى والثالثة وهي تحصيل حاصل للركيزتين الأوليتين، وتتمثل بحشد كل الأصوات المعارضة وجميع المعادين لسياسته من أجل إسقاطه.
وأهم ما طرحته المعارضة هو الانتقال إلى النظام البرلماني وجعل الرئاسة 7 سنوات من دون تجديد والعودة إلى قصر شنكايا الرئاسي، وجعل القصر الرئاسي الحالي في أنقرة متحفاً يمكن للعامة زيارته.
ويستفيد كليجدار أوغلو من الأحزاب المجتمعة حول طاولة الستة من إسلاميين ومحافظين وقوميين وليبراليين ومن خبرة ماكينته الانتخابية، وقد ساهم ذلك في الاستيلاء على أكبر بلديتين في تركيا إسطنبول وأنقرة عام 2019 عبر تحالف الشعب الذي قاده أوغلو وعمل كل من إمام أوغلو في إسطنبول ومنصور ياواش في أنقرة، وهو ما يجعل الكتلة التصويتية في صالحه.
ويمكن الاستنتاج من خلال قراءة المسودة السياسات المتفق عليها أن طاولة الستة عازمة على محو آثار الإردوغانية وسياساتها المعتمدة منذ 20 عاماً، وهي تعتمد الإصلاحات في الإدارة ومؤسسات الدولة وتحديداً تفعيل وزارة الخارجية، وتتهم إردوغان بأنه ديكتاتوري قاد وحده السياسة الخارجية، وهمش وزارة الخارجية والسفراء.
الأكراد كلمة السر في الانتخابات التركية
من المعلوم أن الكرد هم أكبر أقلية في تركيا، ويشكلون ما بين 15% و20% من السكان وفقاً لمجموعة حقوق الأقليات الدولية، وهم كتلة تصويتية كبيرة من يستطيع استقطابهم يحقق ما يريد في هذه الانتخابات، وتتهم السلطات في تركيا حزب “الشعوب الديمقراطي” بـ”الارتباط بحزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية” في حين ينفي الحزب التهم الموجهة إليه ويؤكد أن القضية بأكملها عبارة عن “عملية سياسية”.
ويعد حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد هو المفتاح للفوز في الانتخابات فهو القوة الوحيدة الحرة نسبيًا في الصراع الانتخابي القادم، لذا فإن أصواته ستقرر عمليًا نتيجة السباق.. ولهذا شنت السلطات التركية اعتقالات واسعة النطاق تستهدف مناطق كردية قبل التصويت، فهل يتحول صانع الملوك إلى دعم مرشح المعارضة بعد التفاهمات على وضع الأكراد في حالة فوز كليجدار.
قد تبدو الانتخابات التركية هي الأسخن خلال تاريخ تركيا الحديث، إلا أنها ستطلق رصاصة الرحمة على الحقبة الإردوغانية أو المعارضة الطامحة في التغيير.
للتواصل مع الكاتب هاني الجمل
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب