تقدير موقف

هاني الجمل يكتب.. الانتخابات الألمانية.. واقع سياسي خارج السياق 

الكاتب رئيس وحدة الدراسات الأوروبية بمركز العرب

” أنا أتحمل المسؤولية” بهذه الجملة المقتضبة عبّر المستشار الألماني أولاف “شولتس” الذي خسر الانتخابات في هزيمة مريرة لحزبه الديمقراطي الاجتماعي على يد منافسه من الاتحاد المسيحي “فريدريش ميرز” و اعترف المستشار الألماني أولاف شولتس بالهزيمة في الانتخابات ووصف الخسارة بأنها “مريرة بالنسبة للديمقراطيين الاجتماعيين”وذلك بعد أن عانى الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامته من أسوأ نتيجة في الانتخابات الفيدرالية منذ عام 1949 بعدما حصل على 25.7% منذ ثلاث سنوات في انتخابات 2021.

 

فوز المحافظين واليمين المتطرف يحقق اختراقا “تاريخيا”

كشفت التقديرات الأولية غير الرسمية عن تقدم ملحوظ للاتحاد المسيحي في انتخابات البرلمان الألماني بنسبة 29‎%‎ وتلاه حزب “البديل” اليميني الشعبوي بنسبة تلامس 20‎%‎ متقدما على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بواقع 16 ‎%‎ وحزب الخضر بنسبة 13‎%‎ و يظل الاتحاد أقل من هدفه الانتخابي الذي يتجاوز 30% بشكل كبير إذا دخل الحزب الديمقراطي الحر وحزب العمال الاشتراكي الألماني إلى “البوندستاج “فإن الحكومة الفيدرالية المحتملة المكونة من الحزب الديمقراطي المسيحي و لاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي لن تتمتع بالأغلبية

ميرز .. مستشارًا جديدًا لألمانية

في مشهد يعيد للأذهان تألق الحزب الديمقراطي المسيحي علي يد “انجيلا ميركل”اعلن مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني لمنصب المستشار فريدريش ميرتس فوزه في الانتخابات موضحا أنه ينبغي أن تقود ألمانيا حكومة موثوقا بها كما أنه يدرك حجم التحديات التي تنتظره لافتا إلى أنه سيجري حوارا مع الفرقاء لتشكيل حكومة حتى يتمكن من إنقاذ البلاد وينتمي ميرز إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ وهو نفس الحزب الذي تنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل لكنه جر حزبهم إلى اليمين أكثر وخاصة فيما يتعلق بسياسة الهجرة ففي الشهر الماضي انتقدته علنا لاعتماده على دعم اليمين المتطرف لتمرير اقتراح الهجرة في البرلمان هذا و قد استبعد ميرز أي تحالف حكومي مع اليمين المتطرف لكنه كان قد أثار الجدل الشهر الماضي عندما تقدم بمشروع إلى البرلمان أُقر بأصوات حزب البديل من أجل ألمانيا منتهكا بذلك أحد المحرمات القديمة.

كذلك يعتبر ميرز من أنصار الشراكة عبر الأطلسي منذ فترة طويلة و لكنه شكك في موثوقية الولايات المتحدة كشريك في أعقاب التعليقات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس دونالد ترامب ونائب الرئيس جيه دي فانس وهو ما يضعه علي المحك في العلاقات الأميركية الألمانية خاصة بعد الخطوات الأخيرة الواسعة بين أمريكا وروسيا وحالة التقارب التي تؤثر بشكل كبير علي الاتحاد الأوروبي وخططه في اوكرانيا

 

فرحة عارمة ونتائج تاريخية

عقب تحقيق هذه النتائج التاريخية اعربت رئيسة حزب البديل “فايدل ” بعدما حصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” على ما بين 19,5 و20 % من الأصوات أي ضعف ما حصل عليه قبل أربع سنوات وهي نتيجة تاريخية لهذا التشكيل المناهض للهجرة والذي أسس عام 2013 “لقد حققنا نتيجة تاريخية”مضيفة أن الحزب أصبح الآن “راسخا بقوة” في المشهد السياسي وهو ما يعد نقلة نوعية في صعود اليمين المتطرف في أوروبا بعد الانتخابات الإيطالية والفرنسية

 

مخاوف جامة لاحصر لها

كانت هذه النتائج الفعلية والتي كانت مؤشرات قبيل الانتخابات صدمة علي جميع الاوساط في ألمانيا والداخل الأوروبي فقد أعرب جوزيف شوستر رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا عن صدمته حيال الارتفاع الكبير في نسبة التأييد التي حصل عليها حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي في انتخابات البرلمان الألماني و قال شوستر: “على الرغم من أن هذه النتيجة كانت متوقعة بناء على استطلاعات الرأي، فإنني ما زلت أشعر بالصدمة من النجاح الانتخابي لحزب البديل الذي ضاعف حصته من الأصوات في غضون ثلاث سنوات فقط.”

وأضاف شوستر: “يجب أن يقلقنا جميعا أن خمس الناخبين الألمان قد منحوا أصواتهم لحزب يعتبر جزئيا على الأقل يمينيا متطرفا ويبحث بشكل علني عن روابط لغوية وأيديولوجية مع اليمين المتطرف والنازية الجديدة ويتلاعب بمخاوف الناس ولا يقدم لهم سوى حلول ظاهرية.”

هذه المخاوف انسحبت أيضًا علي الفرقاء في بروكسل ويتساءل الكثير من النواب الأوروبيين حول كيفية انعكاس نتائج الانتخابات على التوازنات السياسية في هذه المؤسسة ويهيمن حزب الشعب الأوروبي اليميني حاليا على البرلمان الأوروبي حيث يعمل ضمن ائتلاف واسع شكله مع الوسطيين والاجتماعيين الديموقراطيين والخضر لكنه يبدي مؤشرات أولية لتقارب مع اليمين المتطرف ويشبه البعض هذا الوضع بتلاشي “الطوق العازل” المفروض على أقصى اليمين في ألمانيا حيث أسقط المحافظون واليمينيون المتطرفون أحد المحرمات الكبرى السائدة في هذا البلد إذ ضموا أصواتهم للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية للتصويت في نهاية يناير على قانون في مجلس النواب والذى يشدد سياسة الهجرة الألمانية.

 

المأمول من الحكومة الألمانية الجديدة

تتجه الأنظار في الداخل الألماني خارجه الي شكلٍ الحكومة الجديدة فمن المتوقع أن تكون مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي معقدة وطويلة نظرًا لتباين الأولويات السياسية بين الأحزاب خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والضرائب والهجرة و ستكون قدرة الحكومة المقبلة على معالجة هذه القضايا الحاسمة عاملاً رئيسيًا في استقرار ألمانيا ومستقبلها السياسي فالمطلوب من تيار الوسط في البلاد تقديم حلول واقعية للمشاكل الملحة التي تواجه ألمانيا

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى