ولاء جمال تكتب.. تأثير نظرية توازن الرعب النووي في الدبلوماسية العالمية
ظهرت نظرية توازن الرعب النووي، بعد استحداث السلاح النووي كعنصر ضاغط في الدبلوماسية الدولية، وهي الوجه الآخر لنظرية الاستقطاب الدولي. وقد استمر العمل بهذه النظرية حتى اليوم في الدبلوماسية الدولية.
نشير أولًا إلى نظرية الاستقطاب النووي. والتي هي محاولة للقوى العالمية لاستقطاب القوى الأقل في أقطاب تكون ثنائية أو ثلاثية. وأهم ما يميز نظرية الرعب النووي هو أنها حصرت الاستقطاب في قطبين فقط (توازن الرعب النووي) يملكان القوة النووية، ولا يوجد تعدد في الأقطاب النووية، ولكن لا يزال هنالك استقطاب دولي.
فهي نظرية قائمة على محاولة كل من القطبين إيجاد حالة من الاستقرار النسبي في السياسة الدولية في ظل حالة الرعب النووي التي يعيشها كلا القطبين. حيث إن أي تغيير مفاجئ أو خلل في ميزان القوة سيؤدي إلى كوارث لكل الأطراف والعالم بأسره.
نظرية الردع النووي
الردع تقليديًا في قواه وأدواته يعتمد على وسائل القتال التقليدية، وعلى التهديد باستخدام الأسلحة التقليدية، وهو ما يدل عليه المثل الروماني “إذا كنت تريد السلم فكن متأهبًا للحرب“. وأكثر أشكال الردع التقليدي شيوعًا هو المتمثل في توعد الخصم بضربة عقابية موجعة في حال حدوث اعتداء من جانبه، وهو ما يسمى الردع عن طريق الترهيب أو التخويف بالعقاب. فالردع التقليدي يعني التهديد باستخدام الأسلحة التقليدية، في حين يقتصر الردع النووي على التلويح باستخدام السلاح النووي سواء كان هذا الاستخدام جزئيًا أو كاملاً، محدودًا أو شاملًا.
وقد نبعت أهمية هذا المفهوم لدوره البارز في فهم وتفسير تفاعلات القوى الكبرى، وإن همش في المقابل الدول المتوسطة والصغرى بجانب الأنظمة الإقليمية على اختلافها.
تجدر الإشارة إلى تعدد المفاهيم ذات الصلة بمفهوم الردع، ومن أمثلة ذلك الردع السيبراني الذي يشير إلى منع الأعمال الضارة ضد الأصول الوطنية في الفضاء والأصول التي تدعم العمليات الفضائية بأي وسيلة كانت. وكذلك الردع غير المباشر بالضغط على الأطراف الثالثة التي تدعم الإرهاب بدلاً من ردع الإرهابيين، والردع بالإنكار من خلال درء أو تقليل الضرر في حال الهجوم والتخفيف من الآثار المحتملة جراء أي هجوم إرهابي، والردع بالعقاب من خلال تحديد أهداف ذات قيمة عالية تجعل القادة الأكثر تطرفًا يحسبون التكاليف والفوائد المحتملة، والردع التكاملي الثلاثي وهو استخدام دولة واحدة للتهديدات والعقوبات ضد دولة أخرى لردع الفاعلين من غير الدول من شن هجمات من أراضي دول أخرى، وردع الفاعل الجماعي الذي يشير إلى الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية ونظام الأمن الجماعي وحلف الناتو في ردع بعض الدول من الإقدام على بعض الأفعال العدوانية بسبب الخوف من العقاب الجماعي، والردع المتبادل بين قوتين نوويتين على شاكلة الهند وباكستان، والردع المتبادل المؤكد أي قدرة كل طرف على تدمير الطرف الآخر حتى بعد التعرض لهجوم نووي.
تطور مفهوم الردع
تمثل حتمية الصراع الكامن بين الدول الذي تمليه المصالح القومية ومحاولة كل دولة زيادة قوتها القومية على حساب الأخرى الفكرة الكامنة وراء نظام توازن القوى.
فكل دولة تحقق تقدمًا في قواها، تحاول الأخرى سباقها، فتطور مفهوم الردع التقليدي باستخدام الأسلحة والانتصار في الحرب إلى القدرات النووية.
فالردع يتحقق عندما يتأكد الفارق النوعي والكمي للعوامل التي تتشكل منها القوة المادية وغير المادية بحوزة أي من الطرفين المقاتلين.
عليه، يمكن القول بأن نظامي توازن القوى والأمن الجماعي قاما في جوهريهما على فكرة الردع، بل إنهما شكلا إحدى الركائز القوية لاستراتيجية الردع التقليدي، وذلك لأنهما يحولان دون إقدام دولة ما على استخدام قواها بهدف الإخلال بالأوضاع القائمة.
وترتبط تلك النتيجة بالافتراض الذي تبناه نظام توازن القوى والأمن الجماعي، والذي يشكل أساس فكرة الردع “الترشيد“.
ومع ظهور السلاح النووي، لم تشهد أوروبا حروبًا إلا بقواها الرئيسية “الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية“.
إن الآثار المترتبة على الحرب النووية، إذا ما قدر لها أن تقع، ستكون شاملة ومتبادلة، وهو ما يلغي فكرة وجود طرف منتصر وآخر مهزوم.
لقد خلفت الاستراتيجية النووية وضعًا استراتيجيًا قوامه “توازن الرعب النووي“، وهي العملية المركزية التي حكمت حركة القوى الدولية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
إن تراجع ذلك في أعقاب مبادرة “حرب النجوم” أو مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أنشأها رونالد ريجان في 1983 بهدف استخدام الأرض والنظم الفضائية لحماية الولايات المتحدة من أي هجوم متوقع بالصواريخ الباليستية النووية، ومن ثم اعتمدت مبادرة الدفاع الاستراتيجي بدلاً من استراتيجية التدمير المتبادل المؤكد.
واستجابة لذلك، استثمر الاتحاد السوفيتي الوقت والموارد لتطوير مضاد لمبادرة الدفاع الاستراتيجي في شكل الدفاع الاستراتيجي السوفيتي، مما نتج عنه سباق تسلح (1985-1991) وتصفية القطبية الثنائية.
التطور النووي السريع
لم تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها أي تهديدات نووية خطرة خلال مدة تزيد على ثلاثة عقود بعد نهاية الحرب الباردة، ومن المؤسف أن الوضع لم يعد على هذا الحال.
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلوح بسيفه النووي بطريقة تذكر المرء بالزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف، كما قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بإدارة عملية بناء هائلة للترسانة النووية الصينية، وهو المشروع الذي وصف آمر القيادة الإستراتيجية الأميركية المتقاعد أخيرًا مداه وحجمه بأنهما “مذهلان“.
كما وقع الجانبان الروسي والصيني معاهدة صداقة بل حدود، كما لا يمكن تغافل برنامج إيران وكوريا الشمالية.
تشكل هذه التطورات تحديات بعيدة المدى على الأمن القومي العالمي، لذا سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعديل إرشادات الاستهداف النووي لديها لكي تتمكن من ردع الصين وروسيا معًا، ومراجعة العقيدة النووية وهي عملية تستغرق وقتًا طويلا.
ختامًا
وسط عالم تتصارع فيه القوى لامتلاك الأسلحة النووية وتتسابق عليها، فإن البشر يتحركون نحو عالم لا تنضب فيه المعرفة، بعد أن كانت الموجه الأول عبر التطور الزراعي، والموجة الثانية عبر الصناعة، والموجة الثالثة عبر المعلومات والاندماج المعولم.
على ما يبدو، فإن تشكل الموجة الرابعة سيكون حين يصبح الإنسان جزءًا من الآلة، وتصبح الآلة جزءًا منه.
وقد انعكس ذلك على أدبيات العلوم السياسية بشكل عام، وأدبيات العلاقات الدولية بشكل خاص، وشكل فيه منطقة فراغ ما زالت بحاجة إلى بحث وتحليل.
كذلك ما شهده العالم اليوم في حرب روسيا وأوكرانيا والتهديدات باستخدام الأسلحة النووية وتغيير عقيدة روسيا النووية، حيث لا تعتمد استراتيجية موسكو على التهديد فقط بل أيضًا قد تمتد إلى الاستخدام المحدود للقوة، وهو ما يؤثر على صانعي القرار وعامة الناس، مما جعل العالم يحبس أنفاسه خشية اندلاع حرب نووية تمتد بين القوى الكبرى ويدفع ثمنها العالم أجمع.
لذا دعت القوى الأخرى إلى ضبط النفس.
ويتعين على الدول الغربية الحائزة للأسلحة النووية استعادة الثقة في الضمانات الأمنية السلبية التي دمرتها روسيا، وتعزيز نظام عدم الانتشار النووي.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
2- المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية
3-العلاقات الدولية والنظم الدبلوماسية والقنصلية د/ قدري اسماعيل امام