لا شك أنه منذ المنتصف الثاني من القرن الماضي، أصبح للدعاية المكان الأبرز في تشكيل آراء الناس بتركيزها حول شأن معين أو تشتيتها، ونجحت أحياناً في طمس المهم وإظهار التوافه وتقديمها وكأنها شيء لا بعده ولا قبله! ولست في حاجة لتقديم الأمثلة لأني على يقين بأن الجميع مدرك لذلك وربما بتفاصيل أوسع مما سأقدمه، لكن الدور الأبرز للدعاية يتضح في الانتخابات حيث يجر الناس في هذا الاتجاه أو ذاك.
الدعاية الانتخابية مرتبطة بالوعود الكاذبة والصور الخادعة والشعارات المزيفة، هذا لا يختلف عليه اثنان، وتحولت الدعاية الانتخابية التي صارت تنظمها قوانين الانتخابات إلى مناسبة للتنافس حول الوسائل الأكثر قدرة على التأثير والخداع، والبحث في الشعارات التي يمكن رفعها لتعكس غير معانيها الأصلية، الأخطر هو إيهام الناس بأنه بعد الانتخابات سينقلب حالهم كليا إلى شيء مثالي، وأن هذا المترشح أو ذاك سيفعل كل شيء في أحلام الناس بلمح البصر، فترى المتعصبين تحسبهم سكارى وهم يتراقصون على أنغام وعود افتراضية، وبعضهم لا يتردد في استخدام العنف، ليحول دون سقوط مرشحه الذي صار بالنسبة له رمز الوجود !
هذا شأن كل الانتخابات، فماذا عن انتخاباتنا؟ أنا أيضاً من الذين يضعون عليها آمالاً عريضة لإخراج بلادنا مما هي فيه، رغم قناعتي بأن الانتخابات لا تحل الأزمات بل قد تعقدها، وكإنسان طبيعي أتفاءل بما هو خير دائماً لنفسي ولبلدي، لكن هذا التفاؤل يفرض علينا أن ننظر في جوهر الموضوع ولا في شكله كما يريد مديرو الأزمة، حكاية العرس الانتخابي وليبيا تنتخب وتلك الأصابع الممهورة بالحبر أياً كان لونه أزرق أو بنفسجياً كلها وسائل خداع لتزكية الجوانب الشكلية في الانتخابات على الموضوع!
أنا من الواقعيين الذين ينظرون في المواضيع قياساً بمثيلاتها، وبالنسبة لي النموذج الأقرب للحالة الليبية النموذج العراقي والأفغاني!
عندما تشاهد مراحل الحملات الانتخابية تشعر وكأن هذه البلدان فاقت السويد تقدماً وشفافية وعدالة، وعندما تصطدم بالنتائج تعلم أن ذلك لم يكن سوى أوهام صنعتها الدعاية الانتخابية وتبخرت لمجرد قفل الصناديق وحتى قبل فرزها، ففي أفغانستان كانت النتيجة أن عادت طالبان ببرقعها الأزرق، واختفى كل المنتخبين، وفر أغلب الناخبين في الطائرات الهاربة!
وفي العراق عمائم الملالي وفتاويهم لم تمنع انتفاضة لها شهر كامل في المنطقة الخضراء منطقة السفارة التي تدير العراق قانونيا منذ مارس 2003!
لذلك أدعو النخب الوطنية لضرورة العمل على تخفيض سقوف الطموحات لتلامس الواقع، ودفع المترشحين لتضييق مساحة الكذب في دعاياتهم، وأن يعملوا على إطلاق حملات إعلامية معاكسة لتلك التي يطلقها المترشحون، ليتمكن الناس من تبيان الحقيقة من الخيال.
لنسأل ما هي هموم الليبيين وما هي أولوياتهم؟ أتصور أسئلة من هذا القبيل ستمكّن الناس من الاختيار السليم في ظرف معقد تختلط فيه أكاذيب الحملات الانتخابية بتأثيرات المال الفاسد، ومواعظ شيوخ الفتنة المزيفة، وأوهام طامحين بعقول أطفال إلى آخر ما هو مطروح في سوق الانتخابات من بضاعة فاسدة.
لنطرح هدفاً واحداً بسيطاً وقابلاً للتحقيق، نبني عليه قاعدة الاختيار الشعبي، ونبين للناس أنه كلما كثرت الوعود زادت نسبة الكذب وقلت احتمالية الخروج من الأزمة.
في تصوري الناس لا يهتمون كثيراً بمن سيتولى الحكم، فأياً كان، هم جميعاً خارجه، ولا شك أنه سيحكم بنفسه ولنفسه أيا كانت وعوده وحتى تحالفاته، لكنهم يهتمون بالخروج من هذا النفق المظلم الذي وضعنا أعداؤنا فيه.
دعوتي لكل الليبيين والليبيات، أن نكون معاً في كفاح جماعي من أجل استقلال القرار الوطني، والحفاظ على ليبيا دولة موحدة لا تعبث بها أيادٍ أجنبية، معاً وفقاً لمشروعٍ وطني نحن نصنعه ولا تفرضه علينا الدعاية الانتخابية يمكّننا من الخروج بسلام والعيش في أمن
اقرأ أيضا:
الحقيقة الكردية في العلاقات الكردية العربية
الإمارات في أسبوع.. عودة التجارة بين أبوظبي ودمشق.. وأصول الجهاز المصرفي تقفز إلى 3.247 درهم
يمكنك متابعة منصة العرب 2030 على الفيس بوك