رأي

هشام النجار يكتب.. مشروع المفكر علي الشرفاء الحمادي.. أهميته وماهيته وملامحه وركائزه

لم يأتِ ترشيحنا للمنجز الفكري للمجدد والمفكر العربي الكبير الأستاذ علي الشرفاء الحمادي للعرب والمسلمين حول العالم للاطلاع عليه والحوار حوله واعتناق رؤاه وتبنيه من فراغ؛ حيث قام المفكر الكبير بوصف التشخيص الدقيق لأزمة ومشكلة المسلمين اليوم، ومن ثم وضع روشتة الإنقاذ والعلاج.

من خلال قراءتي لمؤلفات المفكر العربي علي الشرفاء، وجدتُ أن أزمة العرب والمسلمين متمثلة في أنهم أولًا متفرقون ممزقون أحزابًا وشيعًا وفرقًا وطوائف وجماعات وتنظيمات وميليشيات وسنة وشيعة، وثانيًا أنهم في حروب وصراعات لا تنتهي في كل بقاع الأرض.

هذا التفرق والتشرذم إما نتيجة الأطماع التوسعية المرتدية ثيابًا طائفية، أو بسبب توظيف أجهزة مخابرات بعض القوى الدولية والإقليمية لتنظيمات متأسلمة تكفيرية، بغرض إضعاف أنظمة بعينها أو لإسقاط دول والهيمنة عليها وعلى ثرواتها والتحكم في مقدراتها، أو توظيف هذه القوى لتلك الجماعات التكفيرية ضد منافسيها على المسرح العالمي.

جعل هذا كله ظاهرة الطائفية والميليشياوية وما يُسمى زورًا وبهتانًا “الإسلام السياسي” (والإسلام منه بريء) تتفشى على المستوى الكوني للكرة الأرضية فيما سُمي بمحور إيران من جهة، وبالتنظيم الدولي للإخوان بجانب تنظيمي القاعدة وداعش من جهة أخرى، ما أعطى إيحاءً مغلوطًا زائفًا للآخرين بأن الإسلام دين عنف وإرهاب وتكفير، وأنه صار في نظر العالم أخطر ظاهرة بعد سقوط الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي.

ما زاد الطين بلة وضاعف من محنة المسلمين هو السكوت على الأزمة، وعدم حل المشكلة من جذورها (وهي المشكلة التراثية) التي يستمد منها التكفيريون السنة والشيعة ومنظرو وقادة المشاريع الطائفية ذخيرتهم ومناهجهم.

المسلمون هم من جانب متدينون يحبون دينهم وتربطهم به علاقات وثيقة، لكن من جانب آخر يرون دينهم الذي يحبونه ويوقرونه وهو يُساء إليه ويُستخدم ويُوظف ويُشوه وتُلصق به المخازي من جماعات وأنظمة، ولذلك فهم محتاجون لمن يخفف من محنتهم ويتكاتف معهم، كونهم لا يمتلكون الإمكانات الخطابية والدعائية والإعلامية والمعرفية، ومن المفترض أن تنهض النخب الفكرية في العالم الإسلامي لتعبر عن مجموع العرب والمسلمين، وأن يُفهمِوا العالم أن ما يعتنقونه ليس هو إسلام الإخوان وداعش والقاعدة وحزب الله والحوثيين، ولا إسلام المرويات المكذوبة والأساطير والخرافات والإسرائيليات ولا الرايات السود ولا البيض، إنما هو الإسلام الأصلي بنسخته القرآنية وبخطابه الإلهي كما أنزله الله على رسوله الأمين (وهذا ما فعله ويفعله بتجرد ودأب المفكر علي الشرفاء).

شخص إذن المفكر القدير علي الشرفاء الحمادي التشخيص الصائب الدقيق في مؤلفاته وكتبه لعلة وأزمة المسلمين والعرب الحالية، ومنها (دراسات ومشاريع.. حلول للمستقبل العربي) و(أحوال العالم العربي.. حوار واستفسار) و(مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي) و(المسلمون بين الآيات والروايات) و(التكليف الإلهي للرسول صلى الله عليه وسلم وحقيقة سنته) و(القرآن بين التنزيل والتضليل) و(رسالة السلام رحمة وعدل وحرية وسلام) و(المسلمون بين الخطاب الإلهي والخطاب الديني) وكتاب (ومضات على الطريق).. وغيرها، ومن ثم وضع روشتة العلاج وبرنامج العمل وخريطة طريق الإنقاذ.

بذل الشرفاء جُل مجهوداته الإصلاحية وأطروحاته الفكرية أولًا لإعادة العرب والمسلمين إلى الوحدة والاتحاد والاعتصام بحبل الله بمعزل عن عوامل التفرق والتمزق، وثانيًا لتثبيط العقلية التكفيرية الصراعية القتالية التي استولت على ذهنية جماعات وظيفية من داخل الصفوف المسلمة، فحولت بلاد المسلمين والعرب لساحات للموت والهلاك، بدلًا من أن تكون فضاءات للحياة والتقدم والازدهار.

أرى أن خلاصة منجز المفكر علي الشرفاء الحمادي الفكري وهدفه الرئيسي الأسمى والمشترك في كل مؤلفاته وكتبه هو حماية الإسلام العظيم وبلورة المعادلة الذهبية المتمثلة في اتساق إسلام تقول مرجعيته الوحيدة -بمعزل عن المكذوبات والموضوعات والمرويات المدسوسة- وهي القرآن (واعتصموا) وبأن (قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعًا) مع مسلمين مسالمين متفرغين لتطوير واقعهم للأفضل.

هذا وحده هو الضامن والكفيل لحرمان القوى الغربية والإقليمية الطامعة وأجهزة استخباراتها من مواصلة مخططها الجهنمي، مستخدمين ميليشيات وجماعات الطائفية والإرهاب ولاعبين على التناقضات بين عالم إسلامي سني ممزق وآخر شيعي مفتت.

هذا وحده هو الذي سيجبر العالم على تقدير الإسلام في نسخته الحضارية وسيمنح المسلمين الفرصة في أن يصبحوا شركاء على قدم المساواة مع الأمم الأخرى جزءًا من الإخوة العالمية والاتجاه العالمي العام الذي نبذ في السابق آيديولوجيات العنف كالشيوعية والفاشية والنازية.

إذن ما هو مشروع المفكر علي الشرفاء الحمادي الفكري الإنقاذي المنثور في مؤلفاته ومقالاته، ما ماهيته، ما ملامحه، ما ركائزه؟

المشروع باختصار وتركيز هو مشروع لخدمة الدين لإنقاذ العرب والمسلمين، لخدمة الإسلام عبر تجديده ونفي كل ما ألُصق به من إكراهات وتصورات لا إنسانية في مختلف الملفات، وهو مشروع للمستقبل الذي يرتبط بدون جدال بالماضي، لكن فاعليته تتحقق فقط عندما يحتل مكانه الطبيعي من التاريخ بدون التنكر له.

بذلك يصبح الوعي بالتاريخ مُسهمًا في بناء نظرة للمستقبل قائمة على العقل والمنطق، وهذا يقود للتحرر من أثقال الماضي ليصبح أداة من أدوات الدفع إلى الأمام، لا الجذب إلى الخلف ومن دون التسبب في الجمود والانحطاط والاندثار.

يوفق المفكر الكبير علي الشرفاء بين الإسلام وقيم الحداثة في الحضارة الغربية؛ عبر التأكيد على مرونة الدين الإسلامي الذي يمتلك ثوابت عقائدية لا يمكن المساس بها، وبه في نفس الوقت آراء فقهية بشرية ومرويات تراثية ليست صحيحة وغالبيتها مدسوسة وموضوعة، وهي غير متسقة مع الخطاب الإلهي ومقاصد الإسلام التي تضمنها القرآن الحكيم.

يقول الشرفاء إن القرآن هو المرجعية الأولى والوحيدة للإسلام، وإن المرويات المكذوبة والموضوعات المدسوسة هي أقوال مفتراة على الله ورسوله، كما جاء في قوله سبحانه (قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)، وأبطلها القرآن بكل تسمياتها وتصنيفاتها، كما جاء في قوله تعالى (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون).

بدلًا من الاهتداء بهدي القرآن ومقاصده وأوامره، صنع المسلمون السنة لهم روايات متناقضة مع آيات القرآن الكريم، وصنع المسلمون الشيعة لهم روايات خاصة لكل مذهب، فنتج هذا الركام من الفرق والمذاهب الممزقة المتصارعة المتناحرة التي تخدم مخططات الأعداء، وصنع هذا الطوفان الذي غطى تربة العالم الإسلامي بطبقة من المرويات خلفت آثاراً وبيلة طالت العقيدة وأساءت للرسول، وأخذت منها جماعات التطرف والتكفير والإرهاب ذخيرتها وخربت المجتمعات.

يتفق طرح الشرفاء هنا مع فعل الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة والتابعين الأوائل الذين حرقوا أو محوا ومنعوا أن يكون هناك كتاب غير كتاب الله؛ فقد فعلها الرسول عليه السلام وكان أبو بكر الصديق واضحًا في المسألة، حيث جمع الناس بعد وفاة النبي عليه السلام وقال: (إنكم تحدثون عن النبي أحاديث تختلفون فيها والناس اختلافا شديدًا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئًا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه)، وعمر رضي الله عنه قال مثل ذلك خشية الانشغال بغير القرآن، ولعلة الخوف من الكذب على النبي، وقام بحبس ابن مسعود وأبو الدرداء وأبو مسعود الأنصاري، حتى استشهد بسبب روايتهم.

يتأكد من الشواهد المتكررة أن النهي عن الكتابة والأمر بالإقلال من الرواية كان المبدأ المقرر، والسبب خشية إحلال الروايات محل القرآن مثلما تنبأ الضحاك بن مزاحم، وقال: (يأتي على الناس زمان يكثر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف بغباره لا يُنظر فيه)، وأيضًا خيفة النسيان الذي يؤدي إلى نوع من الكذب غير المقصود، لكنه مرجح مع كثرة الرواية، ناهيك بالكذب والدس المقصود لأغراض سياسية مدفوعة الأجر، وهو كثير مثلما حصل في العهدين الأموي والعباسي، فضلًا عما أقحمه أعداء الإسلام والمغرضون وصانعو الفتن من منافقين ويهود ومجوس.

يطرح الشرفاء مشروعًا متكاملًا نطهر به العقيدة والقرآن، ونحمي به الرسول وتاريخ المسلمين مما افتروه على مدار قرون، لكي نخلص المسلمين من أعتى وأقصى وأثقل القيود التي منعتهم من النهوض والتقدم.

مشروع الشرفاء إصلاحي حداثي تنويري مستمد من قيم الإسلام ومبادئه التي تدعو للإتقان والنضال والتعددية والحرية الفردية والتعايش الإنساني والرحمة والتسامح والتنوع الحضاري والثقافي وحفظ العهود والمواثيق وحفظ النفس وصيانة الدماء والتحلي بالفضائل الإنسانية ومكارم الأخلاق من رحمة وعدل وتسامح وأمانة وصدق وغيرها.

ينزع هذا المشروع الصورة المشوهة العدائية التي صدرها التكفيريون والطائفيون سنة وشيعة للعالم، كما أصل الشرفاء في الوقت نفسه لوجود الإسلام في الحضارة العالمية الحديثة كدين حضارة ورقي سبيله البناء لا الهدم، وعمارة الأرض لا خرابها، كما يفتح المجال للتعامل مع الحداثة كمشروع كوني وليس حالة خاصة بالغرب.

التصور العام لمشروع المفكر الكبير علي الشرفاء هو الحفاظ على ثوابت الدين واحترام قدسية معتقداته وعباداته وطقوسه، وهو ما يدعم مسار المشروع التنويري الإصلاحي التجديدي كمشروع للأمة، ومن شأنه إذا اعتنق الجمهور المسلم أدبياته وتصوراته أن يصبح هو المنهج الذي تدافع عنه وتسانده الغالبية.

ولن يتحقق هذا بالكسل وترك الأمور على ما هي عليه، ولا بالعشوائية والتلفيقات ولا بالأطروحات الصادمة التي تمس ثوابت الدين، إنما بما فعله الشرفاء عندما ربط جذور ماضي ما قبل الفقه وقبل المرويات المكذوبة وقبل الصراعات والفتن وقبل ظهور الخلاف، برؤى عقلانية استشرافية للمستقبل.

يمنحنا هذا الطرح والتصورات التجديدية المتطورة فائقة الأهمية بجانب ما أسهم به المفكر الكبير في حل المعضلات والإشكالات الاجتماعية المؤرقة الرؤية الأكثر منطقية وإقناعًا لجمهور إسلامي وعربي عريض، لم يعثر بعد على هذا التناغم بين الواقع والدين، وبين الماضي والحاضر عند غالبية من ارتكزوا على الطرح التقليدي المكرر، من دون إنجاز فعلي وتحقيق عملي للهدف المنشود وهو صياغة رؤية يتوافق فيها القرآن ومقصد الإسلام ويتسق مع حياة الإنسان المسلم والعربي المعاصر.

لذلك أدعو المصريين والعرب والمسلمين جميعًا، لمطالعة هذا المنجز الفكري للمفكر الكبير علي الشرفاء الحمادي لإنقاذ العرب والمسلمين من التشرذم والتمزق والتفرق والتصارع والانقسام الطائفي والمذهبي ومن النزعة القتالية الحربية وصيغة التنظيمات التكفيرية المصنوعة على مقاس ولحساب أجهزة استخبارات القوى الدولية والإقليمية الطامعة.

أدعوهم جميعًا لتبني واعتناق أدبيات وأطروحات المفكر علي الشرفاء، كونها التعبير والتجسيد الأمثل للإسلام الحقيقي الأصلي، كما أنزله الله تعالى على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وأيضًا لخلق تصور إسلامي بديل عن الرؤية التراثية التي لا تعبر عن الإسلام الأصلي بملامحه ومقاصده وغير قادرة على التوفيق بين التصور الذي رسمه القرآن وبلغه الرسول قبل إنتاج المرويات المكذوبة المدسوسة على الرسول، وما يحتاجه الواقع الحالي من مفاهيم إنسانية تعيد المسلمين للمشهد الحضاري.

 

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى